ما هي الفاشية؟

جون مولينيو
2017 / 3 / 31 - 10:00     

ترجمة صبري زكي

هل ترامب فاشي؟ لقد أصبح من المنطقي طرح هذا السؤال؛ وذلك بالنظر إلى أن ترامب هو عنصري يميني، متحيز بشدة ضد المرأة، ويتسم بكراهيته للمثليين، وبكونه إمبريالي متعصب ومستبد. هذا بالإضافة إلى أن عدد الناس الذين على استعداد لتلقيبه بالفاشي ليس بالقليل.

بيد أنه في حقيقة الأمر ليس كذلك: فمع أنه عنصري يميني، ومتحيز بشدة ضد المرأة، ويتسم بكراهيته للمثليين، وبكونه إمبريالي متعصب ومستبد، إلا أنه ليس فاشيا – على الأقل حتى الآن.

إن فهمنا للسبب في أن ترامب لا يعد فاشيا يساعدنا على فهم ماهية الفاشية سواء في الماضي أو في الحاضر– وكلما فهمنا ذلك كان بمقدورنا التعرف عليها ودحرها كلما ظهرت.

كانت الفاشية حركة جماهيرية مضادة للثورة نشأت في أوروبا في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. واستولت على السلطة لأول مرة في إيطاليا (حيث جاء اسم “الفاشية” منها) بقيادة موسوليني، ثم في ألمانيا (حيث كانت تعرف باسم النازية)، ثم في النمسا وإسبانيا والبرتغال وغيرها من البلدان. وظهرت الحركة الفاشية بدرجات متفاوتة من القوة في معظم البلدان في هذه الفترة، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وأيرلندا.

النازيون

كانت العنصرية، والنعرة القومية، والتمييز على أساس الجنس، وكراهية المثليين، والاستبداد ملامح للأيديولوجيا الفاشية –وإن كانت معاداة السامية قد لعبت دورا حاسما في حالة النازية– لكنها لم تكن خصائصها المميزة، وهي أكثر انتشارا بكثير من الفاشية.

لكن دعونا نكون واضحين في شأن التفرقة بين الفاشية وهذه التوجهات. كانت جميع هذه التوجهات الإيديولوجية الرجعية موجودة قبل ظهور الفاشية بوقت طويل. فقد كانت إنجلترا في العصر الفيكتوري، على سبيل المثال، دولة عنصرية للغاية تتسم بالنعرة القومية، والتمييز على أساس الجنس، وكراهية المثليين؛ وبطبيعة الحال، كانت إمبريالية بقوة، بيد أنها لم تكن دولة فاشية. ومن المؤكد أن أيرلندا في خمسينيات القرن العشرين كانت دولة محافظة ذات نزعة قومية وعنصرية، وتمارس التمييز على أساس الجنس وكراهية المثليين. غير أنها لم تكن دولة فاشية.

وبرغم رئاسة أوباما السابقة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي دولة مُوغِلة في العنصرية كما كان عليه الحال منذ تأسيسها (وليس عليك سوى أن تشاهد عمليات القتل المتواصلة التي تمارسها الشرطة ضد السود). وهي دولة تمارس التمييز على أساس الجنس في نواح كثيرة، وذات نعرة قومية وتوجه إمبريالي، ولديها نظام عقوبات وحشي بدرجة فظيعة. ومع كل ذلك، فهي ليست دولة فاشية.

إن ما ميز الفاشية تاريخيا هو كونها حركة تشكلت إلى حد كبير من الطبقات الوسطى الدنيا الغاضبة بسبب الأزمة الاقتصادية، والتي كانت موجودة داخل وخارج الإطار ‘الطبيعي’ للانتخابات والسياسة البرلمانية والتي يمكن أن تستخدم، بل واستخدمت بالفعل، كقوة قتالية في الثورة المضادة ضد ‘الشيوعيين’، و”الاشتراكيين” والحركة العمالية ككل.

الأنظمة

أما ما ميز الأنظمة الفاشية عن غيرها هو أنها استغنت عن الديمقراطية البرلمانية وسحقت وفضت جميع أشكال المعارضة المستقلة، وخاصة المعارضة المشكلة من الحركة العمالية– النقابات، والأحزاب الاشتراكية، وما شابه ذلك.

كانت هذه الخصائص، وليس الأفكار الرجعية فقط أو حتى الوحشية المتطرفة (التي كانت للأسف سمة من سمات تاريخ المجتمع الطبقي كله)، هي التي جعلت الفاشية مفيدة جدا للطبقة الرأسمالية في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية، وجعلت منها تهديدا مميتا للطبقة العاملة واليسار– فهي حرفيا مسألة حياة أو موت.

وكانت أيضا السمة الأساسية من سمات هذه الحركات الفاشية أنها نشأت أساسا من داخل الطبقة المتوسطة الدنيا التي استشاطت غضبا من معاملة البنوك ورأس المال الكبير لها. مما جعلها تنشر خطابا مناهضا لأصحاب المصارف والرأسماليين. ولكن ما حدث هو أنها جاءت إلى السلطة، ليس بالاعتماد على قوتها فقط بل بدعم من الطبقة الرأسمالية، وعندما تقلدت مقاليد السلطة حكمت بما فيه مصلحة تلك الطبقة.

وهذا يعيدنا إلى ترامب مرة أخرى. إن ترامب ليس فاشيا (بعد)؛ ليس لأنه ليبراليا بشكل ما ولكن لأنه لم يسع إلى تنظيم حركة شعبية خارج البرلمان في الشوارع والتي يمكن أن تنقض على اليسار والعمال. وإن كان بمقدوره القيام بذلك في المستقبل، إلا أنه لم يفعل ذلك حتى الآن.

أيضًا، فإن نايجل فاراج، زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة في بريطانيا، الذي هو أيضا يميني متطرف ذو نزعة شعبوية وعنصرية، ليس فاشيا.

غير أن هذا لا يعني عدم وجود تهديد فاشي. للأسف، يوجد في جميع أنحاء أوروبا عدد من الحركات والأحزاب الفاشية الكبيرة التي نمت خلال سنوات التقشف: وهي تشمل حزب الفجر الذهبي في اليونان، وحزب جوبيك في المجر، وحزب الجبهة الوطنية في فرنسا.

في بريطانيا كان هناك الحزب الوطني البريطاني، لكنه تفكك إلى حد كبير. وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الجماعات والحركات الأصغر حجما، مثل حركة رابطة الدفاع الإنجليزية ومختلف جماعات بيجيدا التي ترغب في أن تكون قادرة على تكوين أحزاب فاشية خطيرة. لذلك ليس هناك مجال للتهاون.

إن مكافحة الفاشية هي مهمة حيوية للاشتراكيين واليسار. وهي تتطلب الحشد الجماهيري ضدها في الشوارع، وبناء حركة احتجاجية كبيرة من بين صفوف اليسار لمواجهة النظام وتدابير التقشف الاقتصادية.

وتجدر الإشارة إلى أنه لم تظهر في أيرلندا حركة فاشية كبيرة منذ حركة القمصان الزرقاء التي تزعمها أوين أودفي في ثلاثينيات القرن العشرين. ونحن بحاجة للحفاظ على هذا الوضع.

لهذا السبب كانت التعبئة الفعالة إلى حد كبير ضد حركة بيجيدا في أيرلندا قبل الانتخابات انتصارا هاما لليسار.