ادعاء الوطنية الفارغ


جاسم محمد كاظم
2017 / 3 / 20 - 14:42     

كلما تسوء الأمور في العراق وتتفاقم الأزمة نحو الكارثة ويضيق الحبل على رقاب المتسلطين لاقتلاعهم من الجذور يبدأ فصل جديد من المسلسل الطويل يتمثل بالالتصاق برجال الدين لإنقاذهم من هذا المأزق العصيب .
وعلى الفور نسمع الكلمة الرنانة التي تظهر من السبات البعيد ليعاد طرقها في مختلف وسائل الإعلام الأصفر مثل القيح المتصلب داعين القطيع للالتزام والالتفاف والتمسك بحبلها المتين .
وتسير الوطنية المعهرة في مفاصل الجميع مثل البثدين المخدر للعصب يلوكها الكل وبتمنطق بها بدون أدنى وعي بمفهومها الحديث وكيف ظهر إلى الوجود هذا الوهم المجرد الفارغ من داله ومدلوله.
ويجيب التاريخ على هذا السؤال المحير المربك في أوراق الماركسيين فقط لان الجميع لا يمتلكون الشجاعة للبوح بهذا السر الذي يفتت الأكاذيب.
لم يظهر الوطن أو الأمة كحقيقية إلى الوجود إلا في عصر الرأسمال حين اقتضت الضرورة جمع كل المقاطعات المتلاصقة التي تتكلم بلغة واحدة في تشكيل جديد يسمى الدولة لتقليل الكلف الباهضة التي تفرضها هذه الكانتونات كرسوم عبور على هذه البضاعة .
وظهر ادم سميث المنادي بشعار _ دعة يعبر دعة يمر _ وكسر الحدود الفاصلة في كانتونات أوربا العشائرية الإقطاعية التي تطورت إلى أمم كبيرة بعد القرن الثامن عشر .
وظهر الوطن إلى الوجود كوطن للرأسمالي المالك وليس للفقير الجائع لان كل مافي هذا الوطن كان مملوكا للكبار من أصحاب النقد الهائل والامتيازات الضخمة .
وبقي الوطن تجريد رمزي في مخيلة الفقير فبمجرد اعتراض هذا الفقير الذي أصبح مواطن في العرف السياسي الحديث على سياسة الملاكين يجد نفسه متهما أمام القانون ومخالفا للفقرات الحقوقية والقانونية التي سنها المالك وما إن يبدأ تمرده حتى تسحقه قوى البوليس والجيش المدجج بالسلاح بلا أدنى شفقة أو رحمة ,
يصف كارل ماكس الدولة الحديثة في نقده لهيجل ما نصه .
"إن تجريد الدولة كدولة لا يعود ألا إلى الأزمنة الحديثة لان تجريد الحياة الخاصة ليس إلا من صنع الأزمنة الحديثة .إن تجريد الدولة السياسية لهو منتوج حديث ... في القرون الوسطى كانت حياة الدولة وحياة الشعب متطابقتين .كان الإنسان هو المبدأ الفعلي للدولة .ولكن ليس الإنسان الحر .وهذه هي ديمقراطية اللاحرية .إن المقابلة التجريدية الفكرية لا تعود إلى الأزمنة الحديثة .العصر الوسيط كان عصر الثنائية الحقيقية أما الأزمنة الحديثة فهي أزمنة الثنائية المجردة ...وفي الأزمنة الحديثة مثلما في فلسفة الحق الهيغلية ليست الحقيقة الواعية الحقيقة الحقة للقضايا العامة سوى حقيقة شكلية .فيما الشكلي هو وحدة مايشكل قضية عامة .ولا يعاب على هيغل أنة يصف وجود الدولة الحديثة كما هو .ولكن كونه يمنح وجود الدولة ماهو كائن .وان يكون العقلاني حقيقيا فما ذلك الا بالتعارض مع الحقيقة اللاعقلانية التي تشكل في كل مكان نقيض ما تعرب عنة وتعرب عن نقيض ما تشكله . "


اثبت كومونة باريس زيف الوطنية الفارغ وصدقت كلمات ماركس حين قام الجيش الفرنسي بقتل الطبقة العاملة الفرنسية لأنها أرادت تأميم الممتلكات البرجوازية وإقامة أول حكم اشتراكي وطالبت بضمان حق الطبقة العاملة.
ويروي التاريخ الأهوال وكيف قتلت البرجوازية الفرنسية ثوار الكومونة الفرنسيين بوحشية لم يفعلها من قبلهم حتى الهنود الحمر والبرابرة بمختلف أصنافهم وكيف سمر الرصاص ثوار الكومونة على الحيطان وسحب الأطفال والشيوخ والنساء بالحبال والسلاسل وراء خيول الفرسان .

وتروي المصادر الانكليزية أن ما يقارب 150 ألف شخص قد أبيدوا بوحشية فأين كانت الوطنية نائمة .

ولا تختلف الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب عن ذلك وكيف اقتتل الطرفان بقسوة ودفعوا أكثر مليون ضحية مابين الإعدام والحرق والسحل مابين الأميركيين أنفسهم ,
حتى يصل التاريخ يجرجر أذياله نحو الحرب الأهلية الاسبانية والتي بلغت الفظائع فيها أكثر ما بلغته أي حرب أهلية من القتل بين الأسبان وكيف قتل الجيش الاسباني اليميني أحرار الجبهة الشعبية بعد فوزهم بالانتخابات التشريعية .
واليوم تعود هذه المفردة المتقيحة للظهور في دولة يسيطر حفنة من أصحاب الامتيازات لا تتعدى نسبتهم أكثر من 10% من تعداد السكان على أكثر من 70 % من موارد الدولة بمهزلة جديدة للعصر .
ولهذا فالوطن شعار أجوف مفرغ من محتواة الحقيقي ولا يصح القول وتعديل الوضع لهذه الكلمة إلا بالتوزيع العادل للثروة الوطنية مابين القاطنين وإلغاء الامتيازات الضخمة للمتسلطين وتغيير القوانين المساندة لذلك .
وبدون هذا فليس الوطن أكثر من غابة لصوص حيث الكل فيه أعداء الكل وان هذه المفردة الحقيرة القادمة من بلاد الثلوج لا تتعدى أن تكون مهزلة من مهازل هذا العصر القبيح ,