الوثيقة الثانية -إلى الأمام- – المرحلة الثانية 1980 1994: الخط التحريفي : الطور الاول 1980 1985


موقع 30 عشت
2017 / 3 / 18 - 01:42     


بعد نشر موقع 30 غشت للوثيقة الأولى بعنوان: "القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية" ، ضمن محور "الاستراتيجية و التكتيك"، من وثائق "إلى الأمام" المرحلة الثانية 1980 ــ 1994 : الخط التحريفي: الطور الأول: 1980 ــ 1985 ، لصاحبها "عيسى الوجدي" (ع. أمين)، ينشر الموقع الوثيقة الثانية ضمن هذا المحور، و هي لنفس الكاتب و موقعة باسم "رفيق قيادي"، بعنوان: " التخبط السياسي نتيجة حتمية لمنهج الصراع بدون هوادة"، و تحمل تاريخ ماي 1982.
لقد تم تضمين الوثيقة بمجموعة من الهوامش لتقريب القارئ من الحيثيات التي أحاطت بإصدارها، و كذا لتعرية مجموعة من الأفكار و الأحداث التي جاءت بها.

الجديد في هذه الوثيقة، ارتباطا بالتي سبقتها، هو وضوحها في طرح الغموض (الفراغ) استراتيجية بدل الخط الاستراتيجي الثوري للمنظمة. فمن دون تقديم أي تحليل، أو تقييم، أو نقد، أو ما قد يشابه هذا أو ذاك. تم العمل و من "دون هوادة" على "ترقيع و تلميع" العفوية و التجريبية و الانتظارية باسم "الجدلية”. هذه الأخيرة جاءت، في وثيقة صاحب "إعادة بناء القضايا..”، و عن جدارة، تحمل المنطق "السكولاستيكي (أو السكولائي “scolastique “)، لأنها اعتمدت اللعب بالمفاهيم و المصطلحات و اللعب بترابطاتها لتبرير الفراغ.
لنقف قليلا عند المنطق الذي تحكم في أفكار صاحب "إعادة بناء القضايا"،"رفيق قيادي" (ع. أمين)، و لنقرأ ما قاله في حق إحدى أهم ركائز الخط الاستراتيجي الثوري لمنظمة "إلى الأمام":
"إن القيادة بالفعل لم تعد تتبنى حرب التحرير الشعبية كأسلوب لحسم السلطة، وذلك لاعتبارها بأن هذا الأسلوب سواء بالشكل الذي مورس بالفيتنام أو الصين، أو بالفهم الذي ساد داخل المنظمة ليس ملائما للواقع الموضوعي لبلادنا، "
بمعنى، و هذا ما يفهم من أول نظرة ــ قراءة، أنه على الأقل تمت مقاربة هذا الواقع الموضوعي (الواقع المغربي) و تم استخلاص درس أن "حرب التحرير الشعبية" (ح.ت.ش.) كطرح استراتيجي ساد داخل المنظمة، لا تلائم هذا الواقع الذي تمت مقاربته. و إلا كيف تم التوصل إلى هذه النتيجة.
فمعرفة "الواقع المغربي" (كشرط هنا) هي التي مكنت لصاحبنا، و منحته "الحق" في استخلاص "عدم ملائمة" هذا الخط الاستراتيجي لواقعنا.
و الفقرة ضمنيا تمنح انطباعا قويا، أن هذا الخط الاستراتيجي الثوري الذي كان سائدا داخل المنظمة، كان خطا خاطئا (لأنه) لا يلائم واقعنا المغربي. لنصل بالضرورة التي يفرضها المنطق الداخلي لأفكار صاحبنا، إلى ضرورة تحديد خط استراتيجي اخر(انظر هنا مقدمة وثيقته الاولى في "القضايا الاستراتيجية في الثورة المغربية")، و الذي يجب أن يتوفر فيه أولا شرط ملائمة هذا الواقع.
فما هو إذن خط صاحبنا الذي يلائم واقعنا؟

يقول تتمة مباشرة للفقرة أعلاه:

" ولهذا، في انتظار أن نتمكن كمنظمة من معرفة واقع بلادنا بشكل أكثر عمقا، وعبر تجدرنا وسط الطبقة العاملة والفلاحين، اعتبرت القيادة أن تبني صيغة عامة كالعنف الثوري الجماهيري المنظم، كافية في الوقت الراهن لتمييزنا عن الإصلاحيين والانقلابيين والعفويين، ويسمح لنا في نفس الوقت بالقيام بمهامنا الراهنة، أما تحديد الشكل الدقيق لهذا العنف الثوري الجماهيري المنظم، فهو رهين بمعرفة أدق لواقع بلادنا الراهن وبتجربتها في هذا الميدان، وهذا لن يتم فعلا إلا في المستقبل".
إذا كان "تحديد الشكل الدقيق لهذا العنف الثوري الجماهيري المنظم" (نجاري هنا فقط المنطق الذي تحكم في أفكار صاحبنا، من دون التعرض لمفهوم "العنف الثوري الجماهيري المنظم" الذي يضعه صاحبه كإطار عام يتضمن بداخله “ح. ت. ش.” و أخرى غيرها)، "هو رهين بمعرفة أدق لواقع بلادنا...”، فكيف تم إذن التوصل و استخلاص "عدم ملائمة" ح. ت. ش.” لواقعنا؟ (بشكل اخر: إن "ح. ت. ش.” لا تلائم واقعنا. و لماذا لا تلائمه؟ لأننا لا نعرف واقعنا. في حين أن معرفة هذا الأخير ، و هي شرط هنا، هي التي أسست لعدم ملائمة "ح. ت. ش.” لواقعنا. و إلا، فعلى أي أساس إذن (إن كان موجودا، فهو فقط في مخيلة صاحبنا) تم التوصل إلى "عدم الملائمة" هذه؟
و نسائله، ما الذي يلائم واقعنا (من غير "ح.ت.ش.)؟ "لأننا لا نعرف واقعنا، علينا أن ننتظر.... “، هو إذن إصرار على زرع الانتظارية و الغموض في تربة المنظمة، باسم "القيادة"، ثم رعاية هذا الغموض و تغذيته "من دون هوادة"، ليصبح هو أفق المنظمة و خطها الاستراتيجي)
علينا جميعا إذن، و باسم ما" اعتبرته القيادة" و ما خطه واحد منها "رفيق قيادي"،" أن ننتظر...”، و أن لا نحدد أي خط استراتيجي، حتى نتمكن من معرفة واقعنا، و نكتفي فقط ب "العموميات المفذلكة لغويا"، و نلقي بعشر سنوات من الكفاح الثوري للمنظمة وسط معمعان "الواقع الموضوعي"، و نلقي كذلك بكل تاريخ النضال و الكفاح الوطني في هذا الواقع الذي استعصى على صاحبنا معرفته و شطب لأجل معرفته و بلغة مفذلكة الاستراتيجية الثورية للمنظمة. نلقي بها كلها من دون تحليل أو تقييم أو نقد، نلقي بها هكذا، لماذا؟ لأن "القيادة" و هو أحد "قياديها"، اعتبرت أن هذه الصيغة (صيغة الفراغ الاستراتيجي)، " كافية في الوقت الراهن لتمييزنا عن الإصلاحيين والانقلابيين..”.
فأي برنامج سياسي هذا؟ الذي سيبنى على الفراغ طبعا؟ و أي مهام هذه التي يراد القيام بها؟ في واقع سيتم العمل على التجريب فيه لأجل معرفته.
حين "تلبس" لا جدلية الأفكار، و فقط، ثوب اللغة "الجدلية" (و هي أحيانا جزء من خصائص السكولاستيك، الفذلكة و اللعب بالمفاهيم و علاقاتها)، تشل، فكرا و ممارسة، كل حركة ترمي التحويل الثوري لسيرورة ما. و يكون مصيرها الطبيعي، التفتت و التلف اللا رجعة فيه (irréversible )
لنرى لا جدلية الأفكار "المفذلكة" بلغة "الجدل"، و هي، من "دون هوادة"، تحاول لباس منطق الجدل، لغة (أي شكلا) لا مضمونا.
يقول صاحبها:
"إن المفهوم الواضح لا يكون إيجابيا ويقدم المعرفة الإنسانية إلا إذا كان مطابقا للواقع."
ماذا قد يفهم من كلام صاحبها:
هو أن هناك مفهوما واضحا اخر، عكس الأول، غير إيجابي (في إطار وضوحه)،و لا يقدم المعرفة الانسانية، لأنه لا يتوفر فيه شرط المطابقة للواقع، و هو واضح هنا إلا أنه غير إيجابي؟ لنقل واضح و "سلبي" (غير إيجابي). و إلا، لما إضفاء طابع الإيجابية على المفهوم الواضح؟ فقد كان بإمكانه، لو أراد ذلك، أن يكتفي فقط بطرح المفهوم الواضح من دون طبعه بالإيجابية. (الايجابية هنا لها شرط المطابقة للواقع). في حين لا نجد في النص أي أثر لعكسه، أي "الواضح الغير الإيجابي"
بعدها يقول مباشرة:

"قديما كان للناس مفهوم واضح عن علاقة الفكر بالمادة حيث كانوا يعتقدون أن الله هو الذي خلق الدنيا (المادة)،"
فهل هذا "المفهوم الواضح"، بمنطق فكر صاحبه، هو إيجابي؟ و هل قدم و يقدم المعرفة الانسانية فعلا؟ لا نعتقد أن صاحبنا قد انتبه إلى هذا. لأن كل تركيزه كان موجها نحو الفقرة التي تليها، و هي فقرة زرع الغموض. لنقرأ ما كتبه مباشرة بعد الفكرة إياها:
" ومع تطور الإنتاج والعلوم بدأ الشك في هذا المفهوم الواضح وبدأ الغموض. وكان الغموض ثورة ضد الوضوح السابق، حيث أنه شكل خطوة نحو الوضوح الجديد والذي يشكل نقيضا للوضوح القديم."
لا ندري هل يجري الحديث عن "المفهوم الواضح الذي يكون إيجابيا؟ أم عكسه؟ و هل لهذا "الغموض الذي بدأ و كان ثورة ضد الوضوح السابق"، هو الاخر فيه "الايجابي" و غيره؟
على أي، لا شيء في النص يوحي لا بهذا و لا بذاك.
أصبح إذن "الاعتقاد أن الله هو الذي خلق الدنيا (المادة)" مفهوما واضحا، و مع تطور الإنتاج و العلوم، بدأ الشك، و أصبح، عن طريق هذا التطور، الغموض هو سيد الموقف، بلغة صاحبنا: "ثورة" الغموض ضد الوضوح بتطور الانتاج و العلوم.
فتطور الإنتاج و العلوم أصبح إذن طريقا نحو الغموض، بعد أن كان هناك وضوح في تخلف ذاك الإنتاج و تلك العلوم.
فماذا يعني تطور الانتاج و العلوم من غير تقدم المعرفة الانسانية، و هل أصبح تقدم المعرفة الانسانية بتطور الانتاج و العلوم، هو سير نحو الغموض. في حين أن هذا التقدم، تقدم المعرفة الإنسانية، كان في الفقرة التي سبقتها معيارا "للوضوح الإيجابي" ( الفقرة : "إن المفهوم الواضح لا يكون إيجابيا ويقدم المعرفة الإنسانية إلا إذا كان مطابقا للواقع.")
يبدو أن مفهوم تقدم المعرفة الانسانية، في ذهن صاحبنا، هو السير إلى الوراء.
هذا اللا جدل في الأفكار، و "المفذلك"بلغة "الجدل"، ينكسر على أول صخرة أسس لها الجدل المادي الثوري، و هي صراع المتناقضات.
فالوضوح الذي يتحدث عنه صاحبه، هو في منطق تفكيره، واحد (كالله)، لا تناقض يحمله في داخله، لا غموض فيه يصارعه و يحاول الهيمنة عليه. و حين "انتقال هذا الوضوح إلى غموض"، فهو انتقال شامل لوضوح خالص نحو غموض شامل و خالص،(عملية انتقال خارجاني تعكس في حدودها القصوى، ميكانيكية التفكير، و الكارثة التي حلت بالبشرية هنا، هي أن انتقال الوضوح إلى غموض حدث بتطور الإنتاج و العلوم و تقدم المعرفة الإنسانية، و كأن هذا الأخيرة تتجه في حركتها العامة إلى العصور الغابرة)، و هو الاخر، أي هذا الغموض الذي أصاب في مقتل صاحبنا، كالله، واحد في ذاته، لا تناقض فيه.
بعد زرع الغموض، باسم "الجدل"، في سماء اللا جدل، انتقل به صاحبه إلى أرض الواقع الذي لم يتعرف بعد صاحبه عليه، و الذي فيه استهدف :
"وبالنسبة لخط المنظمة وإلى حدود الاعتقالات الكبرى في 1976، كان كل أعضاء المنظمة تقريبا يعتبرون خطها بروليتاريا، لكن بعد الاعتقالات وانفجار أزمة الحملم، طرحت القيادة تقييما "غامضا" للخط واعتبرته خطا متناقضا فيه ما هو بروليتاري وما هو بورجوازي، وكان هذا الغموض ثورة ضد "الوضوح" القديم الذي اتضح أنه غير ملائم للواقع، وفتح هذا الطرح الغامض إمكانية التقييم الموضوعي للتجربة وإمكانية التقدم بينما التشبث الميتافيزيقي "بالوضوح" القديم لم يكن من شأنه أن يخدم المنظمة."
لقد قلنا أننا نحرص على متابعة المنطق الذي تحكم في فكر صاحبنا، من دون التعرض لما يصرفه من "أفكار". أصبح إذن "التقييم"، و تحديد التناقض الداخلي لخط المنظمة، و صراع الخطين، بعد أن كان يؤخذ على أنه "خط بروليتاري"، أي خطا واحدا، أصبح تحديد هذا التناقض الداخلي غموضا.
يبدو أن الوضوح عند صاحبنا هو حين يتم النظر إلى الشيء و كأنه واحد في ذاته، أما حين يتم القبض على التناقض الداخلي للشيء الواحد، و تحديد طرفيه المتصارعين، نكون قد سرنا على طريق الغموض.
فعلا صاحبنا يقف على رأسه.

نتمنى لكل المناضلين و القراء، قراءة ممتعة لهذا الدجل.

لقراءة الوثيقة، انظر الصفحة الرئيسية لموقع 30 غشت

http://www.30aout.info

موقع 30 غشت