في دولة الفقيه .إعادة الإصلاح الديني للشيوعيين


جاسم محمد كاظم
2017 / 3 / 10 - 14:10     

حكاية جميلة تلك التي رواها لي أستاذي الشيوعي ممن علمني الكتابة لأول مرة وهو يكشف النقاب عن مراحل سيرته التي شاركه السجن فيها كثيرا.
عاصر أستاذي العزيز انقلاب شباط الأسود وتعرف على السجن لأول مرة لمدة عام عاد بعدها إلى وظيفته كمعلم أكمل العامين .
وبقي يتأرجح مابين السؤال والجواب والنفي لهذه الفكرة في أكثر الأحيان لوقوعه بين نارين جحيم البعث وأنياب الدين ممن لم يفهموا أن الواقع العملي هو من يصنع نمط التفكير وليس العكس .
رايته لأول مرة في منتصف العقد السبعيني كقامة شامخة يرتدي زيه الرسمي أشبة برئيس الدولة وهو يدرسنا القراءة الخلدونية لينقطع الزمن مسافات طويلة لتقع عيناي علية مرة أخرى وقد أكملت تعليمي الجامعي لأصبح في سلك الدولة .
نفس القامة لكنة هذه المرة يضع نظارة طبية تذكرني بسرعة وكأني لم اغب عن ذاكرته في هذا الزمن الطويل .
تبسم وهو يرى أن احد تلاميذه قد وصل بتعليمة نحو تخوم الماجستير في الاقتصاد وأصبحت أراه كل يوم في المقهى الثقافي ,
وبدا أستاذي يكشف عن أسراره تكلم وهو يتذكر سنوات الجيش وضعونا في الحجابات الأولى بعد اندلاع الحرب مع إيران لان الأمن العسكري يملك ملفاتنا كشيوعيين ,
ومع أول انهيار للجيش في المحمرة وجدنا أنفسنا بين أيدي حرس الثورة الذي التف ليقطع علينا طريق العودة .
سنة أولى في المعتقل بعدها بدء الفرز وأصبح الأسرى المتزلفين للخصم أعوانا له وأعداء لنا على الرغم بأننا لم نفعل لهم شيئا وأعلن البعض توبته من البعث لينضم إلى جيش الخصم ويغادر فضاء السجن بينما بقي الآخرين بانتظار الفرج البعيد .
ولان الحماس الثوري الإيراني كان في مهده الأولي لذلك كان الخطيب ورجل الدين ضيفنا اليومي ليلقي لنا المواعظ ويعيد تركيب أدمغتنا المعطوبة .
وبدا الخطيب يخلط التاريخ بالجغرافيا والفلسفة ويخرج بخلطة عجيبة تصب في النهاية في صالح المؤمنين بالله وأولياءه حتى تقلص التاريخ ببضعة أشخاص يعرفهم الله معرفة شخصية ,
وبسبب اضطهاد السلطة العراقية لمواطنيها في كل الأوقات أصبح هذا المخلوق بلا وطنية حين ابلغ عنا بعض الأسرى بأننا شيوعيين لا نعترف بوجود الرب .
لم يصدق الشيخ هذه المعلومة الغريبة وهل يوجد في هذا الكون ممن ينكر وجود الحق .
تم عزلنا في غرفة خاصة حسبنا أول الأمر بأننا سوف نعدم أو تقطع أوصالنا كما عرفنا التعذيب لكنا وجدنا سلطة السجن قد عينت شيخين إضافيين لهاديتنا وإعادتنا إلى طريق الصواب نصحوا في أول الصباح نصلي الصبح مع احد الشيوخ ونسمع أنواعا مختلفة من الأدعية قبل أن يسلمنا هذا إلى شيخ آخر يلقي علينا محاضرة طويلة تبين إثبات وجود الرب ,
وتمدد الزمن طويلا حتى ظننا أن الزمن وكل الزمن محاضرات في التاريخ واثبات وجود الأرباب .
حفظنا أكثر كتب الصلاة عن ظهر قلب ووجدنا التاريخ في هذه البقعة يختلف عن التاريخ الذي درسنا وان أصحاب النبي الحقيقيين أربعة فقط وانحسر التاريخ كثيرا ولم يوضح لنا الشيخ كيف انتصر النبي بهؤلاء الأربعة في كل معاركة وفتوحاته .
ولأننا لسنا من هؤلاء ولأمن أولئك لم نهتم بالكلام قدر العمل وعرف الشيخ من تذمرنا الواضح في قراءة الدعاء العاجز عن إرجاعنا لأرض الأهل فبدا يسرد الشرح تلو الشرح بان الله لا يغير مافي قوم حتى يغيروا مافي أنفسهم .
لم نستطع البوح لهذا المعمم بان التاريخ على هذه الحالة سيبقى جامدا إلى ما لانهاية وان الإنسان فقط هو من يحرك التاريخ وليس الله كما يقول الشيخ .
وان رموز التاريخ في ذهن الشيخ ليسوا بأكثر من أناس عاديين لا يختلفوا عنا بشي ربما مات اغلبهم بالأمراض الفتاكة قبل اكتشاف العلاج الحديث .
تحرك التاريخ كثيرا بعد دخول T 72 ارض الكويت وتغير معه موقع العدو والصديق ونطقت المصلحة حين انقلب الصديق عدوا وتحول العدو إلى صديق
لم نرى الشيخ ونحن نرزم الحقائب عائدين للديار وتحولنا إلى قساوسة يسير الدين وأقوال الأولياء في دمائنا .
ضحكنا ونحن نتذكر ذلك الشيخ بأول حفلة سكر مع أقداح الويسكي ذو اللون الشاحب و قهقه متعالية تمنينا فيها ذلك الشيخ ذو اللحية البيضاء الطويلة للجلوس معنا لنخبره بان التاريخ هو نضال الإنسان العامل وتحديه للطبيعة ليصنع منها عالما جميلا وليس ترديد أدعية جوفاء تريد تغيير العالم بالكلمات فقط .