علاقة الفكر بالواقع مهدي عامل


عليه اخرس
2017 / 2 / 28 - 08:39     

علاقة الفكر بالواقع
يصير الفكر قوة مادية فاعلة في التاريخ
حين يتجسد في الممارسة السياسية
إن نشاط الفكر في إنتاج المعرفة العلمية بقوانين تطور الواقع الاجتماعي التاريخي أساس لنجاح الممارسة السياسية في تحويل هذا الواقع تحويلا ثوريا. غير أن أثر الفكر في الواقع لا ينحصر في هذا النشاط النظري المنتج للمعرفة، مهما بلغت أهمية هذه المعرفة في علاقتها بالممارسة السياسية. فعلاقة الفكر بالواقع أكثر تعقيدا، ولا يمكن حصرها في جانبها النظري هذا.إن الوجه النظري في الفكر يبقى تأملا إن لم يتجسد في نضال ثوري هو في النهاية مقياس لصحته، كما أن القاعدة النظرية لهذا النضال مقياس لثوريته. فالعلاقة التي تربط الفكر النظري بالعمل الثوري وثيقة جدا، وهي أساسية لصحة الفكر ولثورية العمل. هذا ما أكد عليه ماركس، ومن بعده لينين، حين قال إن الفكر النظري، أي العلمي، لا يصير سلاحا فعالاً في عملية التحويل الثوري للواقع الاجتماعي إلا حين يدخل وعي الجماهير الثورية. فالفكر، وإن كان علميا، ليس في ذاته أداة لتحويل الواقع الاجتماعي، بل يصير هذه الأداة حين ينصهر في النضال العملي الثوري، أي حين يدخل وعي الجماهير الثورية فيتجسد في ممارستها السياسية.. إن قوة الفكر الفاعلة ليست فيه كفكر نظري مستقل، بل في صيرورته وعي الجماهير التي تصنع التاريخ وصيرورة الفكر هذه ليست صيرورة فكرية، بل صيرورة اجتماعية عملية، أو قل بشكل أدق صيرورة سياسية لأنها صيرورة الممارسة السياسية للجماهير الكادحة التي تصل، من خلال ممارستها المعقدة للصراع الطبقي، وبهذه الممارسة، إلى الوعي الطبقي لضرورة تحقيق الثورة، وبتعبير آخر، لا يصير الفكر قوة فاعلة في التاريخ إلا بصيرورته قوة مادية، ولا يكون ذلك إلا حين يتجسد في النضال العملي للجماهير، أي في ممارستها السياسية. والوجود المادي للفكر هو في هذه الممارسة السياسية.إن من منطق الفكر الثوري ألا يمارس فعله في حركة الواقع الاجتماعي إلا إذا تجسد في ممارسة سياسية واعية لمسارها الثوري. وكأن على هذا الفكر أن ينزاح عن مستواه البنيوي الأيديولوجي في البنية الاجتماعية، ويمر إلى المستوى البنيوي السياسي، كي يكون له أثر فعال في هذه البنية، أي كي يكون قوة فاعلة في حركة تطورها التاريخي. هذه الضرورة في أن يكون الفكر في إزاحة(décentration)عن مستواه البنيوي في البنية الاجتماعية كي يكون له قوة فعل في حركة تطورها التاريخي، ليست ضرورة في منطق حركته بمقدار ما هي ضرورة في منطق حركة التاريخ نفسه. أو قل: إنها ضرورة في منطق حركتها لأنها ضرورة في منطق حركة التاريخ. فالتاريخ لا يصنع نفسه، بل الجماهير المنظمة كقوى اجتماعية طبقية محددة هي التي تصنعه. هذه المقولة الأساسية في الفكر الماركسي تعني أن التاريخ صراع طبقي، أي صراع سياسي. وإن كل ثورة اجتماعية هي بالضرورة ثورة سياسية. فعلى المستوى السياسي في البنية الاجتماعية - لا على المستوى الاقتصادي - تتحقق قفزات التاريخ البنيوية التي بها يتكون. إن ولادة التاريخ لنفسه لا تتم إلا بقوة الصراع الطبقي. فانتقال البنية الاجتماعية من نظام إنتاج إلى نظام إنتاج آخر لا يتم بفعل تطور التناقض الاقتصادي فيها، وإن كان هذا التناقض الأساسي هو الذي يحدد تطورها التاريخي، بل بفعل تطور التناقض السياسي الذي هو فيها دوما التناقض الرئيسي، أي التناقض المسيطر في تطورها التاريخي. فصراع الطبقات في بنية اجتماعية محددة هو القوة المحركة للتاريخ، أي القوة السياسية التي تدفعه إلى تحقيق قفزاته الضرورية. فقفزة التاريخ الثورية في انتقال البنية الاجتماعية من نظام إنتاج إلى نظام إنتاج آخر لا تتحقق آليا بفعل منطقه وحده، وإن كانت، في منطقه بالذات، ضرورة ونتاجا لتطوره الموضوعي. إن التاريخ، بمعزل عن القوى الاجتماعية الثورية وعن ممارستها السياسية، عاجز عن أن يحقق منطقه، حين يصل في تطوره، وبفعل منطق تطوره، إلى ضرورة القفزة البنيوية، أي إلى ضرورة الثورة كشرط مطلق لتحريره. وكما أن ثورة الفكر في انتقاله من بنية إلى بنية لا تتم بفعل الفكر وحده، في عزلة عن إمكانها في تطور تاريخي خاص داخل البنية الاجتماعية، كذلك الثورة الاجتماعية في تحرير التاريخ من قيد الإطار البنيوي الملجم لتطور البنية الاجتماعية، فهي لا تتم إطلاقا بفعل المنطق الموضوعي للتاريخ وقوته المستقلة، بل تجد شروط إمكان تحقيقها، كضرورة تاريخية، في بنية الوعي الاجتماعي للقوى الطبقية التي تقوم بتحقيقها، أي في الشكل المحدد للممارسة السياسية لهذه القوى الاجتماعية. إن ضرورة التاريخ في قفزته البنيوية تظل مجرد إمكان في منطق التاريخ إن لم تدخل في صلب منطق الممارسة السياسية للقوى الثورية نفسها، فتتحدد كحقل الوعي الطبقي لهذه القوى الاجتماعية المحددة.
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس