علاقة الاختلاف بين البورجوازية الامبريالية والبورجوازية الكولونيالية مهدي عامل 3طابع الهيمنة الطبقية الخاص بالبورجوازية الكولونيالية


عليه اخرس
2017 / 2 / 20 - 09:34     

3طابع الهيمنة الطبقية الخاص بالبورجوازية الكولونيالية
لم تكن البورجوازية الكولونيالية يوما طبقة ثورية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، أي بمعنى الطبقة المهيمنة التي تحمل في صيرورتها الطبقية داخل الإنتاج الاجتماعي الذي تتكون فيه، نظاما جديدا من الإنتاج يخرج من أحشاء نظام الإنتاج السابق عليه ويقوم على أنقاضه، بعملية هدم ثورية له، وما كان لها أن تكون كذلك، أو أن تقوم بثورة بورجوازية شبيهة بالثورة الفرنسية مث ً لا، بسبب من طبيعة تكونها وتطورها التاريخيين في ظل العلاقة الكولونيالية. فتكون علاقات الإنتاج الجديدة لم يتم بفعل التطور الداخلي للإنتاج الاجتماعي السابق، أي بحركة من تطور تناقضاته الداخلية الطبقية التي تقود إلى ضرورة الثورة البورجوازية، بل تم، كما رأينا، بفعل التغلغل الاستعماري، أي بحركة تاريخية انتفت من منطقها ضرورة هذه الثورة البورجوازية. غير أن هذا لا يعني أن البورجوازية الكولونيالية لم تكن طبقة مهيمنة، أو لم تتكون كطبقة مهيمنة، في الشروط التاريخية المحددة التي تم فيها تكونها الطبقي، إذ إن مجرد وجود علاقات إنتاج محددة
يفترض ويستلزم بالضرورة وجود طبقة مهيمنة هي الطبقة المسيطرة في إطار علاقات الإنتاج هذه، (أو وجود فئة مهيمنة من هذه الطبقة المسيطرة)، في مواجهة طبقة مهيمنة نقيضة خاضعة لسيطرتها الطبقية، هي الطبقة التي عليها، بحكم منطق صيرورتها الطبقية بالذات، أن تقوم بعملية التحويل الثوري لهذه العلاقات من الإنتاج. لكن طابع الهيمنة الطبقية الخاص بالبورجوازية الكولونيالية يختلف تمام الاختلاف عن طابع الهيمنة الطبقية الخاص بالبورجوازية الامبريالية.
وهذا الاختلاف عائد في أساسه إلى طبيعة العلاقة الكولونيالية التي تربط هاتين الطبقتين. فالبورجوازية الكولونيالية ليست مهيمنة بذاتها بل بتبعيتها للبورجوازية الامبريالية، أو قل: إن هيمنتها الطبقية قائمة، في ذاتها، على أساس من وجود بنية علاقات الإنتاج الكولونيالية في علاقة من التبعية البنيوية مع الامبريالية. لذا، وبسبب من هذا الطابع من الهيمنة في التبعية وبها، وعلى نقيض البورجوازية الامبريالية التي كانت في تكونها التاريخي الطبقي ولا تزال مهيمنة بذاتها،
أي في استقلالها الطبقي نفسه، ليس للبورجوازية الكولونيالية علاقة من التناقض التناحري مع الطبقة المسيطرة في نظام الإنتاج السابق شبيهة بعلاقة التناقض التناحري التي كانت تربط البورجوازية الأوروبية بطبقة الاقطاعيين مثلا. كما أن علاقة التناقض التي تربطها، في شروط تاريخية معينة من تطورها، بالبورجوازية الامبريالية تختلف جذريا عن علاقة التناقض التي تربط الطبقتين الرئيسيتين، أي الطبقتين المهيمنتين النقيضين في بنية اجتماعية واحدة، البورجوازية والطبقة العاملة مثلا. لهذه النقطة أهمية بالغة في تحديد نوع العلاقة، أي طابع التناقض، بين البورجوازية الكولونيالية والبورجوازية الامبريالية من جهة، وبينها وبين الطبقة المسيطرة في نظام الإنتاج السابق من جهة أخرى . أما علاقتها بالطبقة العاملة، داخل حركة التطور التاريخي في البنية الاجتماعية الكولونيالية، فغير علاقتها هذه بهاتين الطبقتين،إذ إن لها طابع العلاقة الطبقية الذي نجده بين الطبقتين المهيمنتين النقيضتين في البنية الاجتماعية الواحدة،
أي إنها علاقة تناقض تناحري يقود منطق تطورها إلى إجراء التغيير الجذري الثوري في بنية علاقات الإنتاج القائمة. ولقد حددنا طابع التناقض الذي يربطها بالبورجوازية الامبريالية.
أما التناقض الذي يربطها بالطبقة المسيطرة في نظام الإنتاج السابق، فمثيل للأول، ليس له طابع تناحري، إذ ان التناحر في التناقض الطبقي ليس قائما إلا بين الطبقتين المهيمنتين النقيضتين، أي بين الطبقتين الرئيسيتين اللتين تحمل كل منهما، في صيرورتها الطبقية، نظاما من الإنتاج نقيضا للآخر. ولا غرابة في هذا القول، ولا تناقض فيه، برغم كون نظام الإنتاج الكولونيالي، من حيث هو شكل تاريخي متميز من الإنتاج الرأسمالي، مغايرا لنظام الإنتاج السابق عليه ونقيضا له. فالشروط التاريخية المحددة التي تكون فيها وتولد هذا النمط من الإنتاج في ظل العلاقة الكولونيالية هي التي تفسر لنا ما قد يبدو، في الظاهر، مغاير ً ا لمنطق التاريخ نفسه، في انتفاء طابع التناحر من علاقة التناقض بين البورجوازية الكولونيالية والطبقة المسيطرة في نظام الإنتاج السابق، وهي نفسها التي تفسر لنا أيضا طبيعة العلاقة غير التناحرية بين هذه البورجوازية والبورجوازية الامبريالية. وليس من الصدفة إطلاقًا، بل ضروري أن تكون العلاقة الأولى مثل الثانية غير تناحرية، ولو كانت غير ذلك لكانت هذه بالضرورة أيضا تناحرية، لأنها تحددها والعكس بالعكس، أي لو تم تكون البورجوازية عندنا بمعزل عن العلاقة الكولونيالية، في شروط تاريخية أخرى شبيهة بشروط تكون البورجوازية الأوروبية، لكانت علاقة التناقض تلك بالضرورة علاقة تناحرية مع الطبقة المسيطرة في نظام الإنتاج السابق، ولكانت علاقتها بالبورجوازية الامبريالية أيضا تناحرية. إلا أن المجرى الفعلي للتاريخ لم يكن في خط هذا الافتراض، وما إشارتنا إليه، برغم رفضنا لكل منطق من التخيل في تفسير التاريخ أو كتابته، يعزل التاريخ ويجرده عن شروط تحققه الفعلية، إلا تأكيدا لهذه الشروط بالذات. فقوانين التطور التي يستخرجها الفكر النظري لا وجود فعليا لها إلا في شروط وجودها التاريخية المحددة، أي إن القانون، في الواقع الاجتماعي التاريخي،لا يوجد في صفائه النظري، بل يوجد دوما مميزا. والشروط المتميزة التي تكونت فيها علاقات الإنتاج الكولونيالية هي التي تحدد طابع التميز في علاقة البورجوازية الكولونيالية بالطبقة المسيطرة التي سبقتها.
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس