ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للإنتفاضات فى تونس و مصر – النقطة 4 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية


ناظم الماوي
2017 / 2 / 8 - 22:21     

ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للإنتفاضات فى تونس و مصر – النقطة 4 من الفصل الرابع من كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ، الخلاصة الجديدة للشيوعية

لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
( عدد 30 - 31 / ماي- جوان 2016 )

" هذه الإشتراكية إعلان للثورة المستمرّة ، الدكتاتورية الطبقية للبروليتاريا كنقطة ضرورية للقضاء على كلّ الإختلافات الطبقية ، و للقضاء على كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها و للقضاء على كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و للقضاء على كلّ الأفكار الناجمة عن علاقات الإنتاج هذه ".

( كارل ماركس : " صراع الطبقات فى فرنسا من 1848 إلى 1850" ، ذكر فى الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 2 ، الصفحة 282 ).

====================================

" قد كان الناس و سيظلّون أبدا ، فى حقل السياسة ، أناسا سذجا يخدعهم الآخرون و يخدعون أنفسهم ، ما لم يتعلّموا إستشفاف مصالح هذه الطبقات أو تلك وراء التعابير و البيانات و الوعود الأخلاقية و الدينية و السياسية و الإجتماعية . فإنّ أنصار الإصلاحات و التحسينات سيكونون أبدا عرضة لخداع المدافعين عن الأوضاع القديمة طالما لم يدركوا أن قوى هذه الطبقات السائدة أو تلك تدعم كلّ مؤسسة قديمة مهما ظهر فيها من بربرية و إهتراء . "
( لينين – مصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة )
---------------------------
" يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع ."
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )
---------------------------------
" أمّا الإشتراكي ، البروليتاري الثوري ، الأممي ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية، فى الدعاية لها ، فى تقريبها . هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي ] الحقيقي ."
( لينين " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ، دار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 ).
-------------------------------
" إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بدّ أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم . فإذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و إن نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر إلى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و إعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الإيديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الإشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الإشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . "

( ماو تسي تونغ ، " خطاب فى المؤتمر الوطنى للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية "
12 مارس/ أذار 1957 " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، ص21-22 )

-------------------------------------

إنّ الإستيلاء على السلطة بواسطة القوة المسلّحة ، و حسم الأمر عن طريق الحرب ، هو المهمّة المركزية للثورة و شكلها الأسمى . و هذا المبدأ الماركسي-اللينيني المتعلّق بالثورة صالح بصورة مطلقة ، للصين و لغيرها من الأقطار على حدّ السواء.

( ماو تسى تونغ " قضايا الحرب و الإستراتيجية " نوفمبر- تشرين الثاني 1938؛ المؤلفات المختارة ، المجلّد الثاني)



كلّ ما هو حقيقة فعلا جيّد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعد على بلوغ الشيوعية .
( " بوب أفاكيان أثناء نقاش مع الرفاق حول الأبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره " ، فصل من كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " ، 2005).
مقدّمة :
ما من شكّ فى انّ سلامة كيلة صار منذ سنوات قامة من أهمّ قامات " اليسار الماركسي " وقد لمع نجمه حتّى أكثر فى المدّة الأخيرة ليغدو إلى حدود من الوجوه الإعلاميّة البارزة فى الحوارات و المداخلات على الفضائيّات سواء عربيّا أم عالميّا ، هذا فضلا عن كونه ينشر المقالات فى صحف و مواقع أنترنت لها باعها و صيتها و يلقى المحاضرات فى عدد لا يحصى من المنابر الفكريّة و الثقافيّة .
و قد تابعنا كتاباته لفترة طويلة الآن و إن بشكل متقطّع أحيانا ، لا سيما على موقع الحوار المتمدّن ، و كنّا من حين لآخر نشعر بالحاجة إلى نقاش مضامين مقالاته و كتبه و نهمّ بالقيام بذلك إلاّ أنّنا فى كلّ مرّة نكبح هذا الإندفاع لسببين إثنين متداخلين أوّلهما أنّنا لم نكن على إطّلاع كافى شامل و عميق بأطروحات هذا المفكّر و خشينا أن نسقط فى مطبّات و نفقد خيط الحقيقة التى عنها نبحث على الدوام أو أن لا نفيه حقّه و ثانيهما أنّ الرجل غزير الإنتاج و له عدد لا بأس به من الكتب و الحوارات و المقالات ما يقتضى دراسة أو دراسات معمّقة للإحاطة بها و الإلمام بمضامينها و من ثمّة ضرورة تخصيص حيّز زمني قد يمتدّ لأسابيع و أشهر للقيام بذلك و نحن لم نكن نملك مثل هذه الفسحة الزمنيّة . لذلك كان مشروع النقاش الجزئيّ أو الأشمل يتأجّل المرّة تلو المرّة ، دون أن نكفّ عن متابعة ما يؤلّفه سلامة كيلة و أن نسجّل ملاحظات عدنا إليها فى الوقت المناسب .
و عندما حان وقت العمل على نقاش أطروحات هذا المفكّر إنكببنا على النهوض بالمهمّة بحماس و بنوع من التهيّب فى البداية و دام الإشتغال على هذا النقاش أشهرا – تخلّلتها تقطّعات – و كنّا و نحن نتوغّل فى هذا الحقل نزداد يقينا بأنّ ما ننجزه ضرورة أكيدة ذلك أنّنا نحمل و ندافع و ننشر و نطوّر مشروع الإطار النظري الجديد للثورة البروليتارية العالمية أي الخلاصة الجديدة للشيوعية ، الروح الثوريّة الماركسية – اللينينية – الماوية المطوّرة و المركّزة على أسس علميّة أرسخ ، شيوعيّة اليوم ، و هذا المشروع يتعارض موضوعيّا مع مشروع سلامة كيلة لتجديد الماركسية و لم يكن من الوارد و المحتمل وحسب بل من الأكيد ، فى تقديرنا ، آجلا أم عاجلا ، أن يتواجه هذان المشروعان ( و غيرها من المشاريع ) فى إطار نقاشات و حتّى جدالات و صدامات فكريّة ليس بوسعنا توقّع مدى حدّتها الآن فالرهان ليس أقلّ من مستقبل الحركة الشيوعية العربيّة فى إرتباط عضوي بمستقبل الحركة الشيوعية العالمية .
و قد أنف لنا أن خضنا الصراع مع تيّارات متباينة تدّعى الشيوعية فى مقالات و كتب نشرناها على موقع الحوار المتمدّن و بمكتبته و قد شملت البلشفيّة الجديدة و الخطوط الإيديولوجية و السياسيّة لعدّة أحزاب كحزب الوطنيّين الديمقراطيين الموحدّ و الحزب الوطني الإشتراكي الثوري و حزب الكادحين الوطني الديمقراطي و حزب العمّال التونسي ، كما ساهمنا فى دفع صراع الخطّين صلب الحركة الماويّة العالمية و العربيّة بمقالات و كتب نقدت رؤية آجيث لعلم الشيوعية و تعرّضت بالنقد لخطوط مجموعات ماويّة سقطت فى مستنقعات القوميّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة و الدغمائيّة . و تصدّينا لتشويه الماويّة و روحها الشيوعية الثوريّة على يد فؤاد النمرى و عرّينا جوانبا هامة من مشروعه البلشفيك إلخ. و نواصل فى هذا الكتاب الذى نفرده للخطّ الإيديولوجي و السياسي لسلامة كيلة ، مشوار إبراز حقيقة جعلناها عنوانا لنشريّتنا " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " و الروح الثوريّة للماويّة كمرحلة ثالثة فى تطوّر علم الشيوعية المطوّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم .
و " تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ، بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ، نعم ، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع ، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، مفهوما بصورة واسعة ، و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى " مجتمع مدني " مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ، كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي . "( " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الجزء الأوّل ، جريدة " الثورة " عدد 112 ، 16 ديسمبر 2007 .)
فى هذا الإطار بالذات يتنزّل إذن عملنا هذا و ليس فى أيّ إطار آخر قد يخترعه البعض و يلصقونه بنا قصد تشويهنا و تشويه مقالاتنا و كتبنا . غايتنا هي المساهمة قدر الإمكان فى نشر علم الشيوعيّة و تطبيقه و تطويره للمساهمة فى القيام بالثورة البروليتاريّة العالميّة بتيّاريها و حفر مجرى جديد للتقدّم و تحرير الإنسانيّة من كافة ألوان الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي ببلوغ هدفنا الأسمى ألا وهو الشيوعيّة على النطاق العالمي . و قد نأينا و ننأى بأنفسنا عن التهجّم على الأشخاص أو كيل التهم و الشتائم أو النقاش من أجل النقاش إن صحّ التعبير . جهودنا تنصبّ على تسليح الرفاق و الرفيقات و المناضلين و المناضلات و الجماهير الشعبيّة الواسعة بسلاح علم الشيوعية للتمكّن من تفسير العالم تفسيرا علميّا صحيحا و تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا .
و لنا حقّ النقد ولن نتنازل عنه فالتنازل عنه يعنى ضمن ما يعنيه التنازل عن الماركسية بما هي ، فى جانب من جوانبها ، فكر نقدي . إلاّ أنّنا نسعى قدر الطاقة أن يكون نقدنا ملموسا ، دقيقا و علميّا معتمدين البحث عن الحقيقة مهما كانت مزعجة لنا و لغيرنا فالحقيقة وحدها هي الثوريّة كما جاء على لسان لينين و صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء كما ورد على لسان ماو تسى تونغ .
و فى نقاشنا هذا ، لا مندوحة من عرض آراء سلامة كيلة عرضا مطوّلا فى بعض الأوقات يخوّل حتّى لمن لم يقرأ ما ألّف مفكّرنا تكوين فكرة و لو أوّليّة عن مواقفه لمتابعة النقاش ( و نحن بطبيعة الحال ندعو إلى دراسة تلك الأعمال دراسة جدّية )، و لا مندوحة من تناولها بالنقد باللجوء إلى التحليل النقدي و التلخيص و تقديم البدائل طبعا باللجوء فى الكثير من الأحيان إلى مصارد ماركسية كلاسيكيّة و حديثة و هو ما سيجعل فصول الكتاب تزخر بالمقتبسات و الإستشهادات التى ليس من الممكن الإستغناء عنها فى مثل هذه الجدالات ؛ لذا نعوّل على سعة صدر القرّاء و نرجو منهم التركيز قدر المستطاع لأنّ التمايزات تخصّ من حين لآخر مصطلحات و جملا و صيغا و فقرات فى منتهى الأهمّية . و مثلما قال لينين فى " ما العمل ؟ " :
" ينبغى للمرء أن يكون قصير النظر حتى يعتبر الجدال بين الفرق و التحديد الدقيق للفروق الصغيرة أمرا فى غير أوانه أو لا لزوم له . فعلى توطد هذا " الفرق الصغير" أو ذاك قد يتوقف مستقبل الإشتراكية – الديمقراطية [ لنقرأ الشيوعية ] الروسية [ العالميّة ] لسنوات طويلة ، طويلة جدا."
و يتضمّن كتابنا هذا ، أو العدد 30 و 31 من نشريّة " لا حركة شيوعية ثوريّة دون ماويّة ! " ، على الفصول التالية ، إضافة إلى المقدّمة و الخاتمة :
الفصل الأوّل :
" الإشتراكية و الثورة فى العصر الإمبريالي " أم عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ؟
1- تحديد مادي جدلي أم مثالي ميتافيزيقي لعصرنا الراهن
2- تشويه سلامة كيلة لتناقضات العصر
3- الأممية البروليتارية ليست التضامن بين بروليتاريا مختلف الأمم ولا هي" إتّحاد الأمم وتحالفها "
4- المنطلق الشيوعي : الأمّة أم العالم أوّلا ؟
5- من هو الشيوعي و من هي الشيوعية اليوم ؟
6- خطّان متعارضان فى فهم الإشتراكية
الفصل الثاني :
" الماركسية المناضلة " لسلامة كيلة أم الروح الثوريّة المطوّرة للماركسية – اللينينية – الماوية ؛ الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟
1- " ماركسية مناضلة " نكوصيّة و مثاليّة ميتافيزيقيّة
2- الماركسيّة منهج فقط أم هي أكثر من ذلك ؟
3- المادية الجدليّة وفق رؤية سلامة كيلة أم المادية الجدليّة التى طوّرها لينين و ماو تسى تونغ و أضاف إليها ما أضاف بوب أفاكيان
4- الماركسيّة ضد الدغمائيّة و التحريفيّة : نظرة سلامة كيلة الإحاديّة الجانب
5- عمليّا سلامة كيلة مادي جدلي أم مثالي ميتافيزيقي فى العديد من تصوّراته ؟
6- تضارب فى أفكار سلامة كيلة : " حقيقة هنا ، ضلال هناك "
الفصل الثالث :
تقييم سلامة كيلة المثالي لتجارب البروليتاريا العالمية أم التقييم العلمي المادي الجدلي الذى أنجزته الخلاصة الجديدة للشيوعية ؟
1- غياب التقييم العلمي المادي الجدلي لدى سلامة كيلة
2- سلامة كيلة يتلاعب بلينين
3- سلامة كيلة يشنّ حربا تروتسكيّة و خروتشوفيّة ضد ستالين
4- سلامة كيلة يغفل عمدا حقائقا جوهريّة عن الثورة الديمقراطية الجديدة الصينية
5- سلامة كيلة يشوّه الماويّة ماضيا و حاضرا
6- مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة و إضافات الخلاصة الجديدة للشيوعية
الفصل الرابع :
عثرات سلامة كيلة فى قراءة واقع الصراع الطبقي و آفاقه عربيّا
1- فى المعنى المشوّه للثورة و تبعاته
2- سلامة كيلة و الفهم المثالي اللاطبقي للديمقراطية
3- الثورة القوميّة الديمقراطية أم الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية ؟
4- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للإنتفاضات فى تونس و مصر
5- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للصراع الطبقي فى سوريا
6- عن تجربة سلامة كيلة فى توحيد" اليسار "
خاتمة الكتاب
المراجع

الملاحق (2)
=============================================================
الفصل الرابع :
عثرات سلامة كيلة فى قراءة واقع الصراع الطبقي و آفاقه عربيّا
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------
و قد قمنا بجولة إستغرقت وقتا طويلا نسبيّا فى ثنايا فهم مفكّرنا العربي للشيوعية و تاريخها و مستقبلها و للماركسية و مكوّناتها و تطوّرها ، تحطّ بنا القافلة الآن عند واقع الصراع الطبقي و آفاقه فى الوطن العربي حسب نظرة سلامة كيلة التى نتقصّد بحثا عن منتهى الوضوح تبويب نقدنا لها فى عدّة نقاط لصيقة بالقضيّة التى نعالج هنا ، مؤكّدين مع لينين و ماو تسى تونغ أنّه :
- " لا حركة ثوريّة بدون نظرية ثورية . إنّنا لا نبالغ مهما شدّدنا على هذه الفكرة فى مرحلة يسير فيها التبشير الشائع بالإنتهازية جنبا إلى جنب مع الميل إلى أشكال النشاط العملي الضيّقة جدّا ".
( لينين ، " ما العمل ؟ " ، فقرة " إنجلز و أهمّية النضال النظري " )
- " صحّة أو عدم صحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي هي المحدّدة فى كلّ شيء " ( ماو تسى تونغ )
4- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للإنتفاضات فى تونس و مصر :
فى مطلع هذا الفصل من كتابنا هذا ، تناولنا بالبحث الفهم الملتبس و المغلوط لدى سلامة كيلة للفروقات بين الإنتفاضة و الثورة و التبعات الوخيمة لذلك نظريّا و عمليّا . و نتابع نقدنا فى هذه النقطة لنسوق جملة من الملاحظات النقديّة المتّصلة بفهمه للإنتفاضات فى تونس ومصر التى حظيت عدّة جوانب منها بإجابات خاطئة من قبله.
أ- دوافع هذه الإنتفاضات :
فى " طريق الإنتفاضة " و فى مقالات أخرى ، يشدّد سلامة كيلة على أنّ " الشعوب، لا تتحرك في بلداننا خصوصاً والبلدان المتخلفة عموماً، إلّا حين تشعر بأنها تعيش بين الحياة والموت نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي يجعلها لا تستطيع العيش." ( " مصر وسوريا واليسار " ) فهل هذا التعميم صحيح أو مطلق الصحّة ؟
للإجابة على ذلك نلقى نظرة على الواقع الموضوعي للصراع الطبقي دون نظّارات السيّد كيلة فتقفز أمامنا حقائق تفنّد إدّعاءات مفكّرنا ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر تحرّكات شعبيّة فى تونس و فى مصر فى عدّة مناسبات ضد الغزو الأمريكي للعراق و ضد الهجمات الصهيونية على الشعب الفلسطيني . هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، شاركت فئات كثيرة فى الإنتفاضة الشعبيّة فى تونس 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011 و لم تكن " تعيش بين الحياة و الموت " و لم تنحدر تحت خطّ الفقر و لم تكن مدفوعة إلى حافة الموت جوعا و قد وحّد شعار " شغل ، حرّية ، كرامة وطنيّة " الذى عمّ ولايات البلاد الجماهير الشعبيّة المطالبة بالتشغيل لا سيما منها الشباب و غيرهم من المطالبين ب" الحرّية و بالكرامة الوطنيّة " فالطلبة و المعلّمون و الأساتذة و المحامون و الكثير من موظّفي عدّة قطاعات خاصة و أخرى تابعة للدولة لم يكن همّها الأوّل " العيش " بقدر ما كان همّها الأوّل سياسيّا إصلاحيّا . و ما جدّ فى تونس جدّ فى مصر تقريبا ( ربّما بنسب متباينة ) .
و من ناحية ثالثة ، يجافي كلام السيّد كيلة الحقيقة إن جرى سحبه مثلا على الجماهير الفلسطينية التى فجّرت الإنتفاضات تلو الإنتفاضات و لم يكن الدافع المباشر " الإنهيار الإقتصادي الذي يجعلها لا تستطيع العيش."
و نوضّح أنّ ما نقوله لا يذهب ضد كون واقع الفقر و الحرمان يدفع الجماهير القاعديّة بعفويّة إلى مقاومة الأنظمة الرجعيّة العميلة للإمبريالية لكنّنا ننظر إلى الواقع الموضوعي فى تنوّعه و تناقضاته و نحلّله بمنهج مادي جدلي متذكّرين أنّ السياسي كما قال لينين تعبير مركّز عن الإقتصادي و أنّ السياسي أو الإجتماعي أحيانا يمكن أن يتصدّر و يتصدّر دوافع الإنتفاضات . و ليس فى فلسطين أو العراق و تركيا و كردستان و حسب يحدث ذلك فالجماهير الشعبيّة فى الفليبين لم تنتفض فقط رافعة السلاح منذ عقود بقيادة الماويين – الحزب الشيوعي الفليبيني – بل واصلت دعمها لحرب الشعب ( و الحرب مواصلة للسياسة لكن بطرق عنيفة كما لخّص ذلك لينين و ماو تسى تونغ ) هناك لعقود الآن و الشيء نفسه يمكن قوله عن الهند أين تستمرّ و تتوسّع حرب الشعب بفضل الحاضنة الشعبيّة و بالرغم من القمع الوحشي لأكبر " دولة ديمقراطية فى العالم " .
و فى مقال " موجة الانتفاضات الثانية في الوطن العربي " ، كلام يتضارب مع جوهر أفكار كيلة فى هذه النقطة و يصبّ فى خانة موقفنا المادي الواقعي إذ جاء على لسانه متحدّثا عن الإنتفاضة البحرينيّة " كان المطلب السياسي قائماً. وهو هنا لم يكن "إسقاط النظام" بل المناداة بـ "ملكية دستورية "." و هكذا يكون الدافع ليس " العيش بين الحياة و الموت " و يبرهن هذا المثال الحيّ مرّة أخرى أن السيّد كيلة يقول الشيء و نقيضه و يمارس سياسة حقيقة هناك ضلال هناك !!!
و الأكيد أنّ سلامة كيلة لا يجهل أنّ مفهوم الوضع الثوري الذى تقدّم به لينين وطوّره أكثر بوب أفاكيان يتضمّن أزمة تهزّ نظام الحكم على أكثر من صعيد لتنتج إنفجارات شعبيّة قد تؤدّى إلى ثورات و قد لا تؤدّى حتّى بوجود الأحزاب الثوريّة و التاريخ يشهد بذلك . و أكيد أيضا أنّ عنصر الوعي الطبقي الشيوعي ضروري لجعل القمع أشدّ قمعا وفق كلمات ماركس الذى صرّح بما يذهب رأسا ضد محاججة سلامة كيلة بأنّ الفقر لا يصنع الثورة و إنّما وعي الفقر هو الذى يصنع الثورة وهي مقولة متداولة منذ سنوات على شبكة الفيسبوك . و لعلّه من الأكيد أنّ مفكّرنا قد جازف مجازفة كبيرة مثل الكثير من المتمركسين الذين تدافعوا نحو ذلك زرافات و وحدانا بإعتبار أنّ التململ و التمرّد و العصيان الذين كانوا لوقت معيّن بادين للعيان فى تونس و مصر و غيرها يرقى إلى أن يكون وضعا ثوريّا وهو ليس كذلك إذ إستنتج بمثالية لا تعكس الواقع و تطوّراته " وأصبح واضحاً أننا في وضع ثوري يفرض تطوير صراع الطبقات الشعبية. " ( " الثورة التونسية ما هو التكتيك الضروري الآن؟ ")
بيد أنّه هو ذاته يعترف بحقيقة عدم وجود قوى ثوريّة و أحزاب ثوريّة فى هذا الحراك و هذه التوتّرات الإجتماعيّة و بأنّه لم يقع بعدُ حتّى " تقديم البديل السياسي الاقتصادي والطبقي. " ( " وضع الثورة المصرية وإستراتيجية العمال والفلاحين الفقراء " )! و لكم التعليق على هذا...
ب- " الإنتفاضة لا زالت مستمرّة " !
بهذا المضمار يقترف سلامة كيلة ذات الأخطاء التى إرتكبها غيره فى تونس و مصر و فى غيرهما من البلدان العربيّة ، فهو يعرب على الملأ بمثالية ذاتيّة أنّ " الإنتفاضة لا زالت مستمرّة " ( " وضع الثورة المصرية وإستراتيجية العمال و الفلاحين الفقراء " ) و بحتميّة فجّة متكرّرة ( " لن تسرق " و " لا يمكن أن ينتهي " و " ليس من الممكن الإلتفاف عليها " ) أنّ " الثورة لن تسرق وستبقى مستمرة " ( " لماذا يسيطر الإسلاميون؟ لكن أين اليسار؟ " ) .
" هذا الوضع يوصل إلى أننا دخلنا في "عقد من الثورات "، "عقد ثوري " ، ربما . بمعنى أن ما بدأ في سيدي بوزيد هو أبعد من أن يكون بداية موجة عابرة، بل هو بداية صراع حقيقي، تخوضه الطبقات الشعبية، لا يمكن أن ينتهي دون نهاية النمط الاقتصادي القائم، وبالتالي النمط الرأسمالي.
الخلاصة هي أنه مهما كانت نتيجة هذه الموجة من الثورات فإن الانتفاضات مستمرة، وليس من الممكن أن يجري الالتفاف عليها مهما حاولت الرأسمالية المافياوية الحاكمة، أو الطغم الإمبريالية راعيتها. وهذا هو معنى "عقد ثوري"، حيث سيستمر الصراع، وإنْ هدأ قليلاً، أو اتخذ شكل إضرابات جزئية، وأشكال احتجاج متفرقة. فالانفجار من جديد قادم بالضرورة."( " الثورة التونسية ما هو التكتيك الضروري الآن؟ " )
فى الحقيقة يأتى هذا التوصيف من خطأ معرفي نابع عن مثاليّة ذاتية و عن رومانسيّة حالمة حلما هو أقرب إلى السراب منه إلى الحقيقة و إنبهار بالتمرّدات و طبعا عن براغماتية تسم تفكير كاتبنا العربي و يشى بطبيعة الوعي الذى يتحكّم به .
لذلك و لغيره من الأسباب نكتشفها معا فى ثنايا الفقرات التالية ينسحب عليه نقدنا التالى لجوهر مثل هذا الموقف لدى الأمين العام لحزب الكادحين فى تونس بكتابيه " تونس : الإنتفاضة و الثورة " و " الربيع العربي و المخاتلة فى الدين و السياسة ". و إليكم مقتطفان من كتابنا الذى فضح تشويه ذاك الحزب للماركسية ، " حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يشوّه الماركسية " ( بداية 2012- فيفري 2015 ) :
1- " وهم تواصل الإنتفاضة و المسار الثوري :
من ركائز وهم نظرية تحويل الإنتفاضة إلى ثورة فى الظروف الراهنة إعتبار الإنتفاضة متواصلة لم تنته وهو أمر يجانب الحقيقة فى حين أنّ الإنتفاضوي ينطق بجملة يبدو له فيها التواصل بديهيا : " و غني عن البيان أنّ الإنتفاضة لا تزال متواصلة " ( ص 125) و أين؟ فى خاتمة الكتاب !
بداية يمكن أن نقول إنّ الإنتفاضة إنتهت بعد ان هرب رئيس الدولة ، بن علي . و ما تلى ذلك ، جملة من المعارك ما بعد الإنتفاضة أطاحت بحكومة الغنوّشي و قُبل مطلبها بإجراء إنتخابات للمجلس الوطني التأسيسي التى وظّفتها الطبقات السائدة و الإمبريالية العالمية لإعادة هيكلة الدولة و إصباغ الشرعية عليها و التى لم تتخّللها تجاوزات وحسب بل كانت مسرحية على حدّ تعبير بعض الفئات الشعبية . و بذلك تراجع المدّ النضالي الشامل نسبيّا . و ما ظلّ قائما هنا و هناك كدليل على إستمرار المشاكل التى أدّت إلى الإنتفاضة الشعبية و تمسّك فئات شعبية ببعض المكاسب ومطالبة أخرى بشيء من الحقوق التى ضحّت من أجلها ، بشكل متفرّق و بنسق متباين من نضالات و إحتجاجات لا يمكن إلحاقه بالإنتفاضة بمعنى جعله إستمرارا لها و دليلا على تواصلها و إنّما هو نضالات و إحتجاجات مطلبية خاصّة رقعتها تضيق و تتسع و هي مرتبطة إلى هذا الحدّ أو ذاك بمطالب الإنتفاضة العامة أو بمطالب خاصة جديدة . و الشيئ ذاته ينسحب على النضالات و الإحتجاجات التى سبقت الإنتفاضة و لا يمكن أن نعدّها تابعة لها أو بداية لها بيد أنّ ناشري الأوهام وباعتها من البرجوازية الصغيرة ما فتئوا يعتبرون أنّ " الإنتفاضة متواصلة " و أي نضال أو إحتجاج يلصقونه بالإنتفاضة و يلحقونه بها و يعدّونه دليلا على تواصلها .
يقول الإنتفاضي :" إنّ الإنتفاضة التونسية تعيش مدّا و جزرا ، وهي لم تنته بعدُ، بل هي مستمرّة بأشكال مختلفة متخذة شكل مسار ثوري" ( ص 42) . و بهذا يبثّ وهم وجود " مسار ثوري" طبعا دون تحديد معنى هذا المسار الثوري من وجهة نظر علم الثورة البروليتارية العالمية كما يبثّ وهم إمكانية تحويل الإنتفاضة إلى ثورة شبّهها ب " إنفجار كبير " ( ص38) ، " ثورة تنجز فعليا المهمتين الوطنية و الديمقراطية و تفتح السبيل أمام الحلّ الإشتراكي للمعضلات الإجتماعية ، التى وجدت تعبيرا مكثّفا عنها فى شعارات المنتفضين" ، و الحال أن " الشعب منهك و قد هدّه التعب " ( فى الخاتمة ) و " الإنتفاضة أصبحت فى قبضة أعدائها " كما يعترف ناشر الأوهام بالصفحة 121أي قبيل الخاتمة !!!
هذه أضغاث أحلام برجوازية صغيرة فلا إنتفاضة جانفي 1978 و لا إنتفاضة جانفي 1984 تحوّلتا إلى ثورة و لن تتحوّل هذه الإنتفاضة إلى ثورة أيضا فى غياب كلّ الشروط و المستلزمات و المقدمات و المقومات اللازمة حسب علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية – اللينينية – الماوية . ببساطة يبدو أنّ ما حصل هو أنّ الواهمين لرؤيتهم الرئيس السابق يغادر البلاد تصوّروا أنّ الدولة صارت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار التام و أنّ الأستاذ تأثّر أيما تأثر بالأوهام التى يبثّها التروتسكيون عن " المسار الثوري " و المضي بالإنتفاضة نحو تحقيق ثورة إشتراكية مع خلاف طفيف هو أنّه هو من أنصار " المهمّتين الوطنية و الديمقراطية " لا غير.
هل نصدّق الأوهام البرجوازية الصغيرة و نضع جانبا أو على الرفّ علم الثورة البروليتارية العالمية . لا أبدا ! هل نصدّق الأوهام التروتسكية ، أوهام الثورة المستمرّة التروتسكية و نضرب صفحا عمّا يجرى تحت أنوفنا أم نستنطق الوقائع و الواقع المادي الموضوعي المتحرّك بحثا عن الحقيقة ؟ كماديين جدليين نعتبر أنّ الواقع هو مصدر المعرفة و محكّ صحتها . و من يصدّقهم و يتبع خطاهم واهم ، و واهم يقوده واهم كلاهما يسبحان فى الخيال ، و أعمى يقود أعمى كلاهما يسقطان فى حفرة و تحصل الطامة الكبرى فبإلقاء العلم فى المزبلة و التمسّك بتلابيب الأوهام يتمّ تقديم أجلّ الخدمات للرجعية و الإمبريالية العالمية بدلا من النضال ضدّهما !
ما بوسعنا فعله هو فضح الأوهام مهما كان مأتاها و الإنطلاق من الواقع الموضوعي و الذاتي و الإلتحام بجماهير شعبنا و نشر الحقيقة فى صلبها و حثّها على النضال من أجل تحقيق بعض المكاسب الجزئية و الإصلاحات لا من منظور الإكتفاء بذلك و القبول بدولة الإستعمار الجديد و السقوط فى الإصلاحية و إنّما من منظور لينين و التعاطي مع الإصلاحات و إستغلالها لمقاومة النظام و تغيير أفكار الشعب من أجل إستيعاب و تطبيق النظرية الثورية و إيجاد حركة ثورية قادرة حينها على إنجاز الثورة لمّا تتوفّر الشروط التى أنف ذكرها .
و واجبنا كشيوعيين ماويين ثوريين فى علاقة بالنضالات الشعبية هو حثّ الخطى لتأسيس أداة ضرورية من أدوات الثورة السحرية الثلاثة و الحزب الثوري الماركسي- اللينيني- الماوي ينبغى أن يكون مركزها و قائد الجبهة الوطنية الديمقراطية و الجيش الشعبي كأسلحة لا بدّ منها لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية عبر حرب الشعب الطويلة الأمد بقيادة شيوعية ماوية ممهّدة للثورة الإشتراكية و كجزء من الثورة البروليتارية العالمية .
يعلّمنا ماو تسى تونغ أنّه
" يجب أن يكون هناك حزب ثوري ما دمنا نريد الثورة . و بدون حزب ثوري ، حزب مؤسّس وفق النظرية الماركسية اللينينية الثورية و طبق الأسلوب الماركسي-اللينيني الثوري ، تستحيل قيادة الطبقة العاملة و الجماهير العريضة من الشعب و السير بها إلى الإنتصار على الإمبريالية و عملائها " .
( ماو تسى تونغ ، " يا قوى العالم الثورية ، لإتحدى و قاومي العدوان الإمبريالي" ( نوفمبر – تشرين الثاني - 1948 ) المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع ؛ و الصفحة 1-2 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " )
و عن ما بات يطلق عليه الأسلحة السحرية الثلاثة ، كتب :
" حزب قوي النظام مسلّح بالنظرية الماركسية – اللينينية ، يستخدم أسلوب النقد و النقد الذاتي و يرتبط بجماهير الشعب ، و جيش يقوده مثل هذا الحزب ، و جبهة متحدة تضمّ مختلف الطبقات الثورية و الجماعات الثورية و يقودها مثل هذا الحزب- هذه هي الأسلحة الرئيسية التى ننتصر بها على العدوّ".
( " الدكتاتورية الديمقراطية الشعبية " يونيو – حزيران 1949، المؤلفات المختارة ، المجلّد الرابع ؛ و الصفحة 3 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ). "
-----------------------
2- " الإنتفاضات إنتهت أم هي مستمرّة ؟
واضحة لا لبس فيها هي الجملة التالية للأمين العام لحزب الكادحين فى مقدّمة الكتاب و تحديدا بالصفحة الثامنة من كتابه : " الإنتفاضات هُزمت بتحويل وجهتها لكي تصبح ربيعا إمبرياليّا تزينه زهور سامة ".
صيغة الجملة إقراريّة لا مجال لأدنى الشكّ فى ذلك . هو إذن يقرّ ما يراه حقيقة أي هزيمة الإنتفاضات . و هذه حقيقة موضوعية يعترف بها الكثيرون . لكن نفس الكاتب هذا حبّر بالصفحة 70 ما مفاده أن الإنتفاضة التونسيّة مستمرّة : " يواصل الشعب معركة الحرّية و التشغيل و التنمية بما يؤكّد أنّ الإنتفاضة التونسيّة لم تبلغ بعد نهايتها " .
و قد يرفع أحدهم عقيرته قائلا بأنّ ما جاء بالصفحة 70 تعود كتابته إلى 2012 فى حين أنّ المقدّمة ألّفت فى 2013 فنردّ عليه بدم بارد : و ماذا فى ذلك ؟ المعيار الذى إعتمده الأمين العام ذاك هو " تحويل وجهتها ..." و بالفعل فقد تمّ " تحويل الوجهة " هذا فى تونس منذ 2011 فما بالك بما حدث فى 2012 !
وفى بحث لنا إنتهينا من كتابته مع بدايات سنة 2012 ونشرناه منذ أشهر تحت عنوان " تشويه الماركسيّة : كتاب " تونس : الإنتفاضة و الثورة " لصاحبه فريد العليبي نموذجا " سلّطنا سياط النقد على ذات الكاتب و كتابه " الإنتفاضة و الثورة " بشأن الموضوع عينه و شرحنا كيف أنّه لا يفرّق بين نهاية الإنتفاضة و تواصل المعارك الإجتماعيّة والسياسيّة بأشكال متنوّعة .
و قد ضجر فعلا العديدون من تكرار شعار " تحويل الإنتفاضة إلى ثورة " ( تنتصر إلى الكادحين فى لافتة لهذا الحزب نشر صورة لها على الأنترنت ) كالقرص المشروخ . لقد أقرّ هؤلاء و غيرهم بهزيمة الإنتفاضة و مع ذلك لم يكفّوا عن رفع شعار فات زمانه وهو غير صحيح أصلا كما فسّرنا ذلك فى بحثنا الذى أشرنا إليه قبل بضعة أسطر فقلنا :
" بنظرة إقتصادوية و ميكانيكية ساذجة ستتحوّل الإنتفاضة إلى ثورة على النحو التالي : " تحويل كلّ تنازل يقدمون عليه إلى مكسب ، و بمراكمة المكاسب الواحد تلو الآخر يمكن الوصول إلى تلك اللحظة الفارقة ، أي اللحظة التى تتحوّل فيها الإنتفاضة إلى ثورة عارمة " . ( ص 64)
و ما يسترعي الإنتباه هو أنّ رسم هذا المشهد من تحوّل الإنتفاضة إلى ثورة لا يمتّ بصلة مطلقا إلى الماركسية فهو أوّلا إقتصادوي يغيّب عامل الوعي و الحزب الطليعي و الحركة الثورية التى تسترشد بالنظرية الثورية و ثانيا من جهة الماديّة، يتنكّر لتجارب الشعوب و ما لخّصه لينين من مقدّمات الإنتفاضة و مستلزماتها و ما بات معروفا بمقوّمات الوضع الثوري و طريق الثورة فى البلدان الرأسمالية – الإمبريالية مثلما يتنكّر للماوية و طريق الثورة فى أشباه المستعمرات و إستراتيجيا حرب الشعب طويلة الأمد. إنّ المتمركس هنا لا يعدو أن يكون إنتفاضويّا . و ثالثا ، جدليّا ، يخفق إخفاقا رهيبا فى فهم جدلية الكمّي / النوعي – الكيفي فالتناقض/ وحدة الضدين كميّ – نوعي ينطوى على طرفين متناقضين أي متحدين ومتصارعين و لكن أيضا و فى نفس الوقت يمكن لأحد الطرفين أن يتحوّل إلى الطرف الآخر و نشرح فنقول إنّ الكمّي يتحوّل إلى نوعي و النوعي يتحوّل إلى كمّي و من هنا التراكمات فى حدّ ذاتها تتحوّل من الكميّ إلى النوعي و العكس بالعكس . و فضلا عن هذا فإن التراكم لا يمكن أن يتخذ خطّا مستقيما أي لا يعتوره تراجع أو تراجعات ، فالتطوّر من وجهة النظر المادية الجدلية لولبي و ليس خطّيا مستقيما كما يقترح أستاذ الفلسفة الميكانيكي و بالتالى فإن الإنتفاضة لا تتحوّل إلى ثورة آليّا وبمجرّد مراكمة مكاسب بل تحتاج إلى تحوّل نوعي من صنف الحرب الأهلية و سيرورة تحطّيم الدولة القديمة و بناء دولة جديدة .
و يستمرّ الهذيان عند هذا الميكانيكي ليبدع جديدا غريبا قد يكون مادة للتندّر إذ يجعل الإنتفاضة " تصبح ثورة " عندما " تقدّم الإنتفاضة بديلها و قيادتها و تنجح الجماهير فى إدراك صحيح لوضعها و تحقّق ... جديدها ". و فضلا عن عدم شرح فحوى القديم و الجديد و عن فحوى " تقديم الإنتفاضة بديلها " ، فإنّ التضارب و الإضطراب جلي فعن أي بديل يتحدث وهو يقول عنه " بديل غائم" و " شعارات سياسية عامة " و " أشكال تنظيمية هلامية " ؟ أو ربّما إقترح بديلا غير غائم و شعارات سياسية غير عامة و أشكال تنظيمية غير هلامية ، لا ، لم يفعل ذلك مطلقا بل إكتفى بتسجيل الواقع المعروف و لم يطرح البديل الثوري حقّا من منظور بروليتاري وهو مهمّة أكيدة سيما و أنّ " اليمين و بعض أطراف اليسار فى غرفة إنتظار واحدة " و " التخوم و الحدود بين الشعب و أعدائه غير واضحة المعالم ". و لم ينبر الأستاذ لينير الطريق الثوري البروليتاري " للجماهير" و إنّما وقف عند ملاحظة مجريات الأحداث و تركها ل" تنجح فى إدراك صحيح لوضعها ".
و بالنسبة لهذا الميكانيكي التفكير " المهمّ فى كلّ ذلك هو الإمساك بذلك الشعار التاريخي الذى رفعه المنتفضون : الشعب يريد إسقاط النظام ، فهو يعبّر بكثافة عن الإتجاه الذى يجب أن يسير وفقه الكفاح من أجل الحرّية ". و إلى جانب مصطلح " الحرّية " الذى قصفنا به قصفا مركّزا فى كتابه ، فإن الشعار فضفاض . فما المقصود بالنظام؟ و بالتأكيد ليس المقصود هو الدولة الرجعية بأسرها و ماركسيا- لينينيّا - ماويّا ينبغى تحطيم الدولة القديمة و الجيش عمادها . و أجزاء من جماهير الشعب حينما رفعت ذلك الشعار لم تكن تقصد هذا الفهم العلمي و الطبقي بل الأرجح هو أنّها كانت تستهدف رأس النظام بن علي و عائلة الطرابلسية و الواقفين وراء الفساد أساسا .
و غني عن البيان أنّ المنتفضين لم يوجّهوا سهام نقدهم و أسلحتهم البسيطة ضد الجيش عماد جهاز الدولة بل بالعكس وجهوا التحيّات له و حتى حينما نكث رشيد عمّار وعوده لم تهاجمه الجماهير مباشرة بل طالبته بتطبيق وعده و كان الجيش يلقى الترحيب من الجماهير وهو ما يعكس نقصا فادحا فى الوعي الطبقي / السياسي لديها خوّل للطبقات الحاكمة و الإمبريالية العالمية المناورة و تلميع صورة هذا الجيش ليواصل عمله فى خدمتها و يشرف معها بطرق شتّى على إعادة هيكلة السلطة السياسية و الدولة عموما بذات أهداف دولة الإستعمار الجديد . و من الوهم الإعتقاد فى إنجاز ثورة حقيقية تقطع مع الإمبريالية و تطيح بالطبقات الحاكمة و تضع السلطة فى يد الطبقات الشعبية الثورية بقيادة البروليتاريا و هدفها الأسمى الشيوعية العالمية دون تحطيم الجيش القديم كجهاز قمع طبقي بيد أعداء الشعب . و فى الأخير، نعيد التسطير على أنّ الشعب لم يكن يملك بديلا واضحا بإعتراف الكاتب ، فما بالك بأن يملك بديلا طبقيّا بروليتاريا ثوريّا ! صاحبنا يتعسّف على الوقائع و يمسخ الإنتفاضة مسخا !
من يساعد " الجماهير" على رفع مستوى وعيها الطبقي/ السياسي وفهم مهام المرحلة و الأهداف و الإستراتيجيا و التكتيك و السياسات و أساليب النضال المناسبة ؟ لا أحد حسب الأستاذ الإقتصادوي التفكير . لوحدها ستدرك وضعها " و تحقّق على أساس ذلك مهماتها..." . لا طليعة و لا حزب طليعي و لا نظرية ثورية و لا حركة ثورية ... و لا هم يحزنون . هذا الإنكار لمستلزمات أي عمل ثوري و لمقدّماته و مقوّماته و للينينية سنعود إليه لاحقا . و عند هذا الحدّ نضيف فقط أنّ هذه الأطروحات ما هي بالماركسية أصلا و ما هي باللينينية حصرا و ما هي بالماوية جوهرا فكيف تتحوّل إنتفاضة إلى ثورة دون سلاح و جيش شعبي و دون تحطيم الدولة القديمة و ليست " الوجوه القديمة بإقتصادها و سياستها و ثقافتها " كما يقول الإقتصادوي فى صيغة غير دقيقة علميّا ؟ "
( إنتهى المقتطف )
أليست هذه مخاتلة ؟ أليست هذه مغالطة تهدف فى النهاية إلى البروز بلبوس الثوريّة بخطاب يسراوي مخاتل ؟