حول شيوعيي البورجوازية الوضيعة


سعيد زارا
2017 / 2 / 6 - 10:43     


كلما اقتربت ذكرى تخليد ثورة أكتوبر العظمى كلما انهالت كتابات شيوعيي البورجوازية الوضيعة أحزابا كانوا أم هيئات أو منظمات أو فرادى تشوه أو تنتقي ما يخدم هواها و هو معاداة دكتاتورية البروليتاريا التي دعا إليها ماركس و انجلز و خطط لها لينين و طبقها ستالين في أصعب الظروف و أقساها.

ما يتوجب على البلاشفة الاقحاح هو فضح هؤلاء الذين تلبسوا و تزينوا بلباس الاشتراكية و دعوا إلى الماركسية و هم أكثر شراسة من الرأسماليين الذين كانوا يمتصون دماء العمال في المعامل.

كتب رفيقنا الكبير فؤاد النمري في إيلاف مقالا في جزأين عنوانه" شيوعيو البورجوازية الوضيعة" يفضح فيه ما ألحقوه من أضرار جسيمة للطليعة البروليتارية و قد تعدى ضررهم طبقة البروليتاريا إلى الإنسانية جمعاء بعد أن انقلبوا على مشروع لينين في خمسينات القرن الماضي في الاتحاد السوفياتي.

في "شيوعيو البورجوازية الوضيعة" يفضح الرفيق النمري رجعية البورجوازية الوضيعة و قد حذر منها أباء الشيوعية حيث وصفها ماركس في البيان الشيوعي بالرجعية و أنها إن ناضلت إلى جانب البروليتاريا إنما تفعل ذلك إلا حفاظا على مصالحها المستقبلية , و قد كتب لينين في الضريبة العينية يحذر أيضا من ذات الطبقة قائلا: " يجب أن نفضح أولئك الذين لم يدركوا بعد الدور الاقتصادي للبورجوازية الوضيعة التي هي العدو الرئيسي للإشتراكية في بلادنا ".

لم تسلم البروليتاريا الروسية , التي غدت أمل الإنسانية المشرق بعد أن أثبتت تفوقها في الشكيمة على مثيلتها في غرب اروبا, من طعنات البورجوازية الوضيعة المؤلمة. كانت صعوبة البناء الاشتراكي في روسيا تكمن في شراسة البورجوازية الوضيعة المتعددة النحل و الملل و قد فرضت على البروليتاريا الروسية المواجهة في جبهات عديدة و متزامنة قادها البلاشفة ببسالة إلى حدود الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.

فقد ضيع الاتحاد السوفياتي سنوات عدة من البناء الاشتراكي في جدالات تروتسكي البورجوازي الوضيعة بل و قد وصل به الانحطاط و بأتباعه أن ينتظموا في عصابات خربت الوحدات الإنتاجية , كما تزايد سعار الكولاك في الثلاثينات و قد انحطوا إلى إتلاف المحاصيل الزراعية و المواشي و الحيوانات من اجل حصار البروليتاريا و هزمها, كما عانى الحزب من خيانة بوخارين و رفيقه روكوف.

لم يكتف العسكر بإلحاحهم على زيادة الإنفاق في العسكرة , و هي الجبهة التي أضعفت بحق البروليتاريا, بل خططوا للانقلاب على دولة العمال و الفلاحين. كان أعداء الثورة من البورجوازية الوضيعة يلجئون إلى كل الوسائل لوأد الثورة و منها التصفية الجسدية , فقد طالت أياديهم الغادرة في النصف الثاني من الثلاثينات خيرة رجالات الحزب سيرجي كيروف (الرجل الثاني) و كادت تطال ستالين أيضا في تلك الآونة.

لم يكن أمام البلاشفة من خيار سوى الدفاع على سلامة الثورة و أمنها بعد أن هددتهما البورجوازية الوضيعة بما ذكر أعلاه بإيجاز شديد , فكانت حملة التطهير التي يروق لشيوعيي البورجوازية الوضيعة أن بجتزؤوها عن سياقها و عن ملحاحيتها كضرورة تستهدف الانتصار للبروليتاريا الطبقة الوحيدة القادرة على تخليص الإنسانية من براثن البورجوازية , و قد كانت أي حملة التطهير التي نفذها الحزب في أواخر الثلاثينات متأخرة إن أخذنا بما اشترطه لينين في الأممية الثالثة أن يقوم الحزب" بتطهير صفوفه بين الفينة و الأخرى من العناصر البورجوازية الوضيعة التي تكون قد نجحت في التسلل إلى الجيش و تم "القبض على المتآمرين قبل دقائق من تنفيذ الإنقلاب وتمت محاكمتهم وإعدام عشرات الضباط الكبار وعلى رأسهم رئيس الأركان مارشال الاتحاد السوفياتي ميخائيل توخاتشيفسكي".

لقد فاق "دهاء" ستالين دهاء قياديي أعداء قوى التقدم الاشتراكية من نازيين و امبرياليين عندما أحبط موامراتهم الرامية للنيل من دولة العمال عندما تم توقيع اتفاقية مولوتوف-روبنتروب و في الموازاة كان التروتسكيون خلف نبيهم المنبوذ يتعاونون مع النازية لإسقاط البلاشفة. لكن ذكاء ستالين و إن اكسب الاتحاد السوفياتي الوقت من اجل الاستعداد للحرب لم يمنع من وقوعها و قد تحملت الشعوب السوفياتية ضريبة إنقاذ البشرية من النازية حيث دمرت القطعان النازية معظم البنية التحتية و استشهد ما يقارب 20 مليون شهيد و كان من بينهم خيرة الشيوعيين و الذين تقدموا الصفوف لمواجهة العدوان النازي, كما افترست البروليتاريا التي تراجعت أعدادها بكثير و تقدر بما يزيد على ست مليون بروليتاري و بالمقابل تكاثرت أعداد البورجوازية الوضيعة و نفوذها الممثلة في العسكر و قيادته من جنرالات و ضباط... هي تلك تماما " ضربة الحظ, يقول الرفيق النمري, التي أنقذت البورجوازية الوضيعة السوفياتية من الإنقراض ألا وهي العدوان الهتلري الغاشم على الإتحاد السوفياتي الذي كان من نتائجه إزاحة البروليتاريا من موقع السيادة في المجتمع السوفياتي الإشتراكي..."

كان الحزب في حملته التطهيرية التي قادها خلال 1936-1938 مسنود بسيادة البروليتاريا و هو ما اكسب الجملة نجاحا منقطع النظير , إلا أن الوضع بعد الحرب لم يكن كما كان قبلها و قد فقدت البروليتاريا السيادة عدديا و كيفيا, عندها اختار الرفيق ستالين لحملة التطهير مسارا آخر غير ذاك الذي كانت عليه قبل الحرب "فاقترح في الخطة الخماسية الخامسة 1951 – 1955 تعميم الإقتصاد المدني على حساب تهميش الإنتاج العسكري.." لكن طلائع البورجوازية الوضيعة أدركت قوة التطهير هذه التي تحملها الخطة الخماسية الخامسة في طياتها فلم يكن لها إلا أن تغتال الرفيق ستالين. و قد عملت تلك الطلائع بالتأثير على قيادة الحزب الجديدة "بإلغاء الخطة الخماسية الخامسة بكل مندرجاتها في سبتمبر ايلول 1953 وتحويل كل الأموال المخصصة للخطة إلى الجيش وصناعة الأسلحة وهو ما دعا مالنكوف إلى الإستقالة كأمين عام للحزب إحتجاجاً ".

البورجوازية الوضيعة التي كان يقودها العسكر قطعت الطريق أيضا عن المكتب السياسي عندما قرر سحب الثقة من خروتشوف سنة 1957 فانقلب ثانية ليطرد سبعة أعضاء من أصل تسعة و هو عمل مناف لنظام الحزب الذي يصون "عضوية المكتب السياسي فلا تسقط إلا بقرار من المحكمة يدين العضو بالإجرام".

بعد أن تمكنت البورجوازية الوضيعة من الانقلاب على المشروع اللينيني على الأراضي السوفياتية و قد عبدت الطريق كلها لتعلن دولة الاتحاد السوفياتي دولة "الشعب كله" و ليس دولة دكتاتورية البروليتاريا , راحت تكمل انقلابها عليه خارج حدودها و قد تصلب عود حركة التحرر الوطني من خلال وحدتها العضوية بالثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي كما كشف ذلك لينين و دعا إليه كضرورة تاريخية لتقويض النظام الرأسمالي , فخلال المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1959 " هاجم خروتشوف المبدأ اللينيني القائل بالوحدة العضوية بين الثورة الاشتراكية وثورة التحرر الوطني مدعياً أن ثمة مغامرين في ثورة التحرر الوطني يستجلبون المتاعب للإتحاد السوفياتي...", فقد تم التضييق على أنشطة جمال عبد الناصر و قد و صفته قيادة المؤتمر بالمغامر كما فبركت عدة انقلابات منها انقلاب بومدين في الجزائر 1965 و انقلاب حافظ الأسد في سوريا 1970. أما مهاجمة خروتشوف لستالين في تقريره السري السيء الصيت الذي كان خارج أعمال المؤتمر العشرين فقد كان من تبعاته أن انجرت جل الأحزاب وراء معاداة الستالينية و بالتالي معاداة الاشتراكية , فتحولت الأحزاب الاروبية إلى أحزاب "اورو شيوعية" تعادي الاشتراكية تحت راية معاداة الستالينية.


انقادت الأحزاب الشيوعية و منها العربية وراء خيانة خروتشوف للاشتراكية التي بناها ستالين و التي تحيى بروح الماركسية اللينينية , فصدقته و صادقته و هو أغبى الأغبياء عندما أعلن إلغاء مبدأ الصراع الطبقي كما " قرر الاستقلال المالي لمؤسسة الإنتاج ؛ فكان إثر ذلك أن لم يبق ملمح اشتراكي في الاتحاد السوفياتي". خروتشوف ندم فيما بعد على خيانته التي عصفت بالإنسانية إلى ما ألت إليه الآن , لكن الأحزاب الشيوعية و العربية منها لا زالت تسير على خطه الخياني و هي تعلن دفاعها عن دولة الحق و القانون أو ما يسمى بالدولة المدنية التي " تنفي نفياً قاطعاً دولة البروليتاريا وتنفي كذلك الاشتراكية كما أكد ذلك كارل ماركس بصورة قاطعة." أو النضال من اجل ثورة شعبية ديمقراطية ذات أفق اشتراكي... و لكأن الديمقراطية الشعبية هي هي الديمقراطية البروليتارية في حين أنها لا تعني غير معنى واحد و هو التآلف بين الطبقات الثلاث العمال و الرأسماليون و الفلاحون ," يتقاسمون السلطة و الثروة بنسب معينة" و حيث يستعصي التوليف بين هذه الطبقات المتصارعة أصلا فهي تحتاج إلى قوة خارجية تحمي هذه التوليفة أو هذا "العهد" و قد تمثلت تلك القوة الخارجية في الاتحاد السوفياتي حيث كان " أول ظهور لنظام الديمقراطية الشعبية كان في دول أوروبا الشرقية بحماية القوات السوفياتية بعد الحرب إذ إقترح ستالين على هذه الدول التي كانت متخلفة أن تتطور عبر تحالف طبقي قبل أن تصل لعبور الإشتراكية". و هنا يطرح رفيقنا النمري سؤالا موضوعيا يقول فيه : " ثم أخيراً كيف يمكن أن تكون الديمقراطية الشعبية هدفاً في البلدان العربية طالما أن الديمقراطية الشعبية هي تحالف بين طبقات الإنتاج الثلاث، العمال والرأسماليين والفلاحين، بينما لا يوجد في البلدان العربية إلا طبقة واحدة هي طبقة البورجوازية الوضيعة للبروليتاريا كما للرأسماليين."

و هناك من هذه الأحزاب أيضا من وصم الخيانة على درب خروتشوف بنضالها من اجل عدالة في توزيع الثروات و الخيرات المادية و كأن توزيع الثروة بشكل لا تحدده طريقة الإنتاج. فأي صفة للإنتاج يمكن أن نصفها لتوزيع عادل للثروات علما أن الاشتراكية لا تعنى بالتوزيع العادل للثروات بل بإلغاء كل علاقات الإنتاج و محو الطبقات؟؟؟ كارل ماركس كان يسخر من شعار العدالة و التوزيع العادل للثروة حيث كان يؤكد أن الطريقة التي ينتج بها الناس ثرواتهم هي التي تحدد طريقة توزيعهم للثروات.

هذا بالنسبة للأحزاب التي مازالت تصف نفسها بالشيوعية و قد شلحها خروتشوف أما تلك التي أدركت خيانة الغبي خروتشوف للشيوعية فقد " تخلت عن صفة الشيوعية لتتخذ اسماً مناسبا لا يدل على خيانتها للنهج الشيوعي مثل اسم "حزب الشعب" الذي يدل بوضوح تام أنه ليس حزب الطبقة العاملة، والشيوعية لم تعد من أهدافه فلا يصمه الشيوعيون بالخيانة."


و أخيرا نقول لشيوعيي البورجوازية الوضيعة أن ما لا يعونه أو يهربون منه انه ما ألحقتموه بالأممية العمالية عندما قرر ماركس حل الأممية الأولى و حرفتم مسار الأممية الثانية و ما ألحقتموه بالإنسانية عندما انقلبتم على مشروع لينين و معاداتكم لستالين دفعتم بجذور الشيوعية بعيدا في الأرض و التي ستنبت أشجارها قريبا لتلقي بظلالها و ثمارها على الإنسانية جمعاء .



المجد و الخلود للثورة البولشفية بعد مرور قرن من الزمن.