صحافة الحزب - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2017 / 2 / 3 - 01:28     


الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

صحافة الحزب



آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

من المستحيل أن نحدد بالضبط كم كانت القوة العددية للحزب في عام 1905. إذا أخذنا أرقام سان بيترسبورغ، يقول مارتوف إن عدد المناشفة، خلال النصف الأول من عام 1905، كان ما بين 1200 و1300 عامل، بينما كان البلاشفة بضع مئات. وبحلول أكتوبر صارت كلتا المنظمتين تضمان نفس العدد من العمال (لا يحدده مارتوف، لكن من الواضح أنه أكثر بكثير). وهو ما يعني أن البلاشفة كسبوا أكثر نسبيا. يقدم كتاب آخرون أرقاما مختلفة: يحدد ف. إ. نيفسكي عدد العمال من كلا الفصيلين في سان بيترسبورغ بما بين 890 و1000 فقط، في نهاية فصل الربيع[1]. ومع ذلك، ففي الأشهر التالية، شهدت العضوية زيادة سريعة. ومع نهاية الصيف، كان عدد بلاشفة موسكو 1035. كان بلاشفة ريغا، بحلول الربيع، 250 عضوا وكان لهم حضور في 25 مصنعا، على الرغم من أن المناشفة استمروا يمتلكون الأغلبية هناك. كما تضاعف عدد أعضاء لجنة إيفانوفو- فوزنيسينسك، في النصف الأول من العام، من 200 إلى 400؛ وانتقلت لجنة فورونيج من 40 إلى 127؛ ونيجني نوفغورود من 100إلى 250؛ ومينسك من 150 إلى 300. وبعد ذلك صار النمو يتزايد بشكل سريع جدا. وعلى الرغم من الطبيعة غير المكتملة، وربما غير الدقيقة لهذه الأرقام، فإن الصورة العامة للنمو السريع جدا وتضاعف العضوية في غضون أشهر قليلة، واضحة بشكل جلي. وبحلول نهاية العام، ضاعفت منظمة نيجني نوفغورود حجمها من 500 إلى 1500 عضو. وفي ساراتوف ومينسك صار حزب البلاشفة يضم 1000 عضو بحلول دجنبر.[2]

كان البلاشفة أقوى في الشمال والشمال الشرقي والمنطقة الصناعية الوسطى والفولغا والاورال. تطور المناشفة بدورهم، لكن تأثيرهم كان أكبر في الجنوب: تفليس وكوتاييس وباتومي وغوري في القوقاز، التي صارت آنذاك معقلا للمناشفة، وفي الغرب. ووفقا لإحدى التقديرات الحديثة، كان هناك حوالي 8400 "بلشفي منظم" في عام 1905. وربما كان المناشفة يمتلكون نفس العدد[3]. لكن في سياق النهوض العام المميز للوضع الما قبل ثوري، كان مجال نفوذ الحزب أوسع بكثير. لقد اتسع نطاق العمل بشكل كبير بعد إصدار بيان أكتوبر. يذكر مارتوف أنه: «على العموم وطوال هذه الفترة، عشية أيام أكتوبر، كان في مقدور الحركة الاشتراكية الديمقراطية أن تجمع داخل المنظمات غير الشرعية عدة آلاف من العمال والطلاب والجنود والفلاحين؛ لكن مجال نفوذها التنظيمي المباشر ضم مئات الآلاف من الأشخاص في المدينة والريف».[4]

كان نمو البلاشفة سريعا في العاصمة بشكل خاص. وبحلول نهاية العام وصل تنظيم سان بيترسبورغ إلى رقم 3000 عضو، أي بزيادة عشرة أضعاف في غضون عام واحد. وقد رافق هذا النمو العددي تحول داخلي بفعل التدفق السريع لعمال شباب جدد على الهيئات القيادية على المستوى المحلي والإقليمي. كان هؤلاء هم "القادة الطبيعيون" للطبقة العاملة والذين أفرزتهم الثورة نفسها. قال لينين بحق: «في ربيع عام 1905 كان حزبنا مجرد اتحاد لحلقات سرية؛ لكن بحلول فصل الخريف أصبح حزبا لملايين البروليتاريين». ليس هذا من قبيل المبالغة. كان العمال المنظمون فعلا داخل الحزب يعدون بعشرات الآلاف، لكن إضافة إليهم كان هناك هامش كبير من مئات آلاف العمال الذين يتطلعون للأفكار الاشتراكية ويعتبرون أنفسهم اشتراكيين ديمقراطيين.






واجهة العدد الأول من الجريدة البلشفية "الشرعية" نوفايا جيزن
اضغط هنا لتحميل العدد بصيغة pdf

وفرت ظروف العمل الشرعي أيضا نطاقا واسعا لصحافة الحزب. كانت الصحافة غير الشرعية القديمة غير كافية نهائيا للوضع الجديد. بعد عشرة أيام من نشر بيان القيصر، صدر العدد الأول من الجريدة البلشفية نوفايا جيزن. وقد صدرت الصحيفة قانونيا باسم زوجة غوركي، ماريا فيدوروفنا أندرييفا. وكان رئيس التحرير شاعر يدعى مينسكي. لكن ذلك كان مجرد الواجهة لهيئة التحرير الحقيقية برئاسة كراسين وغوركي، إلى أن تولى لينين نفسه القيادة، بعد عودته في شهر نوفمبر. كانت تلك الاحتياطات ضرورية جدا. ورغم أن نوفايا جيزن كانت، من الناحية النظرية، جريدة "قانونية"، فإنها كانت تصدر تحت عين الرقابة الساهرة. عندما تضمن العدد الأول برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمالي الروسي، صادرته السلطات بسرعة. أصبحت نوفايا جيزن، بحكم الأمر الواقع، لسان حال البلشفية حتى إغلاقها في أوائل دجنبر. كانت إصداراتها تبلغ ما بين 50.000 و80.000، وهو ما شكل إنجازا كبيرا لحزب كان قبل شهر، أو نحو ذلك، ما يزال يشتغل في السرية.

بناء على نصيحة غوركي، دخل البلاشفة في اتصال مع ناشرين ليبراليين ساعدوا في إطلاق ذلك المشروع. وكما جرت العادة، لعب غوركي دورا لا غنى عنه في الحصول على الدعم المالي للجريدة من الكتاب والمثقفين الميسورين. بتأثير من الثورة، صار العديد من الكتاب والشعراء، الذين لم يكونوا حتى ذلك الحين ليفكروا بالمشاركة في السياسة الثورية، منخرطين بنشاط مع البلاشفة من خلال الصحافة الحزبية. ساهم العديد من الشعراء والأدباء المعروفين، مثل بالمونت وليونيد اندرييف وبالطبع غوركي نفسه، بالمقالات والنقود. كانت درجة انخراطهم الفعلي في الحزب أمرا مشكوكا فيه، لكن "رفاق الطريق" هؤلاء، كما كان يطلق عليهم، لعبوا بلا شك دورا مفيدا في تعميم ونشر تأثير الأفكار البلشفية. على الرغم من أن الجريدة ظهرت تحت اسم صحفيين برجوازيين، فإنها كانت في الواقع الناطق الرسمي باسم الحزب في تلك الفترة. وكانت هناك أيضا جرائد بلشفية قانونية أخرى في المحافظات: بوربا وفبريود في موسكو، وكافكازكي رابوتشي ليستوك في تبليسي، الخ. كما ساهم البلاشفة أيضا في تحرير جرائد قانونية أخرى كان يديرها الليبراليون البرجوازيون والمناشفة، وعموما استخدموا أي منبر كان يعطي لأفكارهم جمهورا أوسع.

كان المناشفة يمتلكون جهازا أكثر قوة، والمزيد من المال والموارد، ووسائل أفضل للنقل وأدبيات أكثر وعددا أكبر من الأسماء الكبيرة أكثر مما كان عند البلاشفة. لكن من ناحية أخرى، كان أعضاؤهم أكثر تراخيا وأقل انضباطا من البلاشفة، الذين اجتذبوا العمال والشباب الأكثر كفاحية ووعيا. لكن كان ما يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به وكان الوقت ينفذ. واصل لينين التأكيد باستمرار على الحاجة لكسب الجماهير. في مقاله الأول لنوفايا جيزن، الذي كتبه مباشرة بعد عودته إلى روسيا، في أوائل نوفمبر، أكد لينين بقوة، مرة أخرى، على ضرورة فتح أبواب الحزب. وردا على أعضاء اللجان الذين عارضوا هذا على أساس أن ذلك سيؤدي إلى تمييع الحزب، كتب لينين:

«يمكن الحديث عن الخطر عندما يكون هناك تدفق مفاجئ لأعداد كبيرة من الأشخاص، الذين ليسو اشتراكيين ديمقراطيين، إلى داخل الحزب. إذا حدث ذلك فإن الحزب سيذوب بين الجماهير، وسيتوقف عن أن يكون الطليعة الواعية لطبقته، وسيتراجع دوره إلى دور ذيل للحركة. سيعني ذلك، في الواقع، مرحلة بائسة جدا. وهذا التهديد يمكن أن يصبح خطيرا جدا بلا شك لو أننا أظهرنا أي ميل نحو الديماغوجية، أو لو كنا نفتقر تماما إلى المبادئ الحزبية (البرنامج والقواعد التكتيكية والخبرة التنظيمية)، أو لو كانت هذه المبادئ ضعيفة وهشة. لكن الواقع هو أنه لا وجود لمثل "لو" هذه. نحن البلاشفة لم نظهر أبدا أي ميل نحو الديماغوجية... لقد طلبنا الوعي الطبقي من أولئك الذين ينضمون إلى الحزب، وقد أكدنا على الأهمية الشديدة للاستمرارية في تطوير الحزب، لقد بشرنا بالانضباط وطالبنا بأن يتم تدريب كل عضو في الحزب في هذه أو تلك من منظمات الحزب». لكنه بعد أن أكد على إيلاء الاهتمام الواجب لضرورة البناء على أسس قوية، انتقل لينين إلى التأكيد على الجانب الآخر من المعادلة، بعبارات كان الهدف منها إيقاف أعضاء اللجان ضيقي الأفق عند حدهم:


«إن الطبقة العاملة اشتراكية ديمقراطية بشكل فطري وعفوي، ولقد مكنت أكثر من عشر سنوات من العمل، الذي قام به الاشتراكيون الديمقراطيون، من تحقيق الكثير في مسار تحويل هذه العفوية إلى وعي. لا تختلقوا مخاوف لا وجود لها، أيها الرفاق! لا تنسوا أنه في كل حزب حي ومتطور ستكون هناك دائما عناصر لعدم الاستقرار والتردد والتذبذب. لكن هذه العناصر يمكن أن تتأثر وسوف تتأثر بالنواة الثابتة والصلبة للاشتراكيين الديمقراطيين».

مرة أخرى يفند لينين بشدة الفكرة الضارة القائلة بأن الوعي الاشتراكي يجب إدخاله إلى الطبقة العاملة "من الخارج". لقد أكد أن العمال اشتراكيون "بشكل فطري وعفوي". مهمة الثوريين هي إعطاء تعبير واع ومنظم لتطلعات العمال غير الواعية، أو شبه الواعية، لتغيير المجتمع. في تلك الفترة أكد لينين مرارا وتكرارا على الحاجة لفتح الحزب لكي يتم بسرعة كسب فئات جديدة من العمال والشباب الذين يدخلون إلى ساحة النضال، ولتعلم التحدث بنفس لغة العمال، ولربط نشاط المجموعة الصغيرة من الكوادر الثورية بنشاط الجماهير التي استيقظت حديثا. نفس لينين ذاك الذي دافع، في عام 1903، عن ضرورة تقييد حق العضوية في الحزب، كتب الآن ما يلي: «خلال المؤتمر الثالث للحزب اقترحت أن يكون هناك نحو ثمانية عمال مقابل كل اثنين من المثقفين داخل لجان الحزب. كم صار ذلك الاقتراح متجاوزا اليوم! الآن يجب علينا أن نتمنى لمنظمات الحزب الجديدة أن يكون فيها مثقف اشتراكي ديمقراطي واحد مقابل عدة مئات من العمال الاشتراكيين الديمقراطيين»[5]. صحيح أن بعضا من هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم اسم بلاشفة لم يفهموا أبدا ما كان يرمي إليه لينين، وما يزال الأمر كذلك حتى اليوم. لكن هذا ليس خطأ لينين. فحتى أجمل الأغاني يمكنها أن تبدو سيئة بالنسبة لشخص لا يفهم.

هوامش:


[1] Surh, op. cit., p. 261 (الهامش)

[2] Istoriya of KPSS, vol. 2, pp. 35, 36 and 116.

[3] Lane, op. cit., p. 12.

[4] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 3, p. 575.

[5] LCW, The Reorganisation of the Party, vol. 10, p. 31, p. 32 (التشديد من عندي: آ.و), and p. 36, (الحاشية).