تراكم رأس المال


توني كليف
2017 / 1 / 23 - 22:43     


ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو


خلال السنوات 1906-1913، قدمت روزا لوكسمبورغ محاضرات حول الاقتصاد السياسي في مدرسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي للمناضلين. عند قيامها بذلك حضرت كتابا حول الاقتصادية الماركسية عنونته "مقدمة في الاقتصاد السياسي". وعندما أوشكت على الانتهاء من مسودته الأساسية وجدت صعوبة غير متوقعة:

"لا يمكن أن أنجح في تصوير مجمل عملية الانتاج الرأسمالي في جميع علاقاتها العملية ومع حدودها التاريخية بالوضوح اللازم. إمعان النظر في المسألة ومن ثم إقناعي بأن السؤال هو أكثر من مجرد فن التمثيل، وأن المشكلة لا تزال بحاجة لحل مع ربطها بالمسألة النظرية الواردة في المجلد الثاني من كتاب كارل ماركس "رأس المال" وفي الوقت عينه مرتبطة في الأوقات الحالية مع السياسات الامبريالية وجذورها الاقتصادية".

بهذه الطريقة بدأت روزا لوكسمبورغ بكتابة عملها النظري الكبير: "تراكم رأس المال: مساهمة في التفسير الاقتصادي للامبريالية" (برلين، 1913). وهذا الكتاب ليست سهلة قراءته على الإطلاق، وخاصة لمن هو ليس ملما بكتاب رأس المال. في الوقت عينه، ومن دون شك، أن مساهمة روزا لوكسمبورغ، سواء وافقها المرء أم لا، هي واحدة من أهم، إذا لم تكن الأهم، المساهمات في النظرية الاقتصادية الماركسية منذ كتاب رأس المال.

وضع ماركس جانبا، خلال تحليله لقوانين الرأسمالية، كل العوامل غير الرأسمالية، تماما كما يقوم العالم خلال دراسته لقانون الجاذبية ضمن حالة من الفراغ.

المشكلة في تعاطي روزا لوكسمبورغ مع المسألة هي كما يلي: يمكن لعملية تجديد الانتاج الموسع، أي الانتاج على نحو متزايد، أن يتم ضمن ظروف مجردة، الرأسمالية النقية، حيث الدول غير الرأسمالية لا وجود لها، أو حيث حيث لا وجود لطبقات أخرى غير العمال والرأسماليين؟ افترض ماركس أنه يمكنه فعل ذلك. اعتبرت روزا لوكسمبورغ أن، بشكل عام، وبهدف تحليل الاقتصاد الرأسمالي، تجريد المسألة من عناصرها غير الرأسمالية له ما يبرره، ولكن ذلك ليس مبررا عند التعاطي مع مسألة تجديد الانتاج الموسع.

السؤال هو، بطبيعة الحال، نظري بحت، تماما كما هو حال الرأسمالية النقية غير الموجودة: بدأ تجديد الانتاج الموسع في وقت كانت الرأسمالية تغزو المجالات ما قبل الرأسمالية، سواء داخل الدول الرأسمالية نفسها- غزو الإقطاع وتدمير الفلاحين والحرفيين…- أو في البلدان الزراعية بشكل كامل والما قبل رأسمالية.

إذا كانت الرأسمالية النقية غير موجودة، يمكن للمرء أن يتساءل: ما هي أهمية مسألة ما إذا كان تجديد الانتاج الموسع ممكنا من الناحية النظرية داخل الرأسمالية النقية؟ بعد كل ذلك، لم يفترض لا ماركس أو روزا لوكسمبوغ أن الرأسمالية ستستمر بالوجود حتى الإطاحة بكافة الأشكال الما قبل رأسمالية. ومع ذلك، الجواب على هذا السؤال يوضح تأثير المجال غير الرأسمالي على تزايد أو تناقص التناقضات داخل الرأسمالية، وعلى العوامل الدافعة للرأسمالية للتوسع الامبريالي.

لنبدأ بشرح وصف ماركس لمسار الانتاج في ظل الرأسمالي بشكل كامل.

بدأ ماركس مع تحليل لانتاج بسيط، أي على افتراض- بطبيعة الحال، لا يمكن أن نجده في ظل الرأسمالية- أنه لا يوجد تراكم لرأس المال، وأن كامل فائض القيمة ينفق على الاستهلاك الشخصي للرأسماليين، وبالتالي لا يتوسع الانتاج.

بالنسبة إلى الرأسمالي للاستمرار بانتاج بسيط لا بد من توفر بضعة شروط. يجب أن يكون قادرا على بيع انتاج مصنعه، وبالمال الذي يجنيه يشتري وسائل الانتاج (الآلات والمواد الأولية…) التي يحتاجها لصناعة معينة؛ كذلك عليه أن يحصل على قوة العمل التي يحتاجها من السوق، وكذلك وسائل الاستهلاك اللازمة كالطعام والثياب، وتوفير المستلزمات الأخرى للعمال. السلعة التي أنتجها العمال بمساعدة وسائل الانتاج يجب مرة أخرى أن تباع في السوق، وهكذا دواليك.

في حين ومن وجهة نظر الرأسمالي لا يوجد فرق بين ما ينتجه مصنعه، سواء أنتج الآلات أو الجوارب أو الصحف، شرط أن يعثر على مشترين لانتاجه حتى يتمكن من تحقيق رأس ماله بالإضافة إلى فائض القيمة. بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي ككل من المهم للغاية أن يتكون مجمل الانتاج من قيمة استعمالية محددة، بعبارات أخرى، إجمالي الانتاج يجب أن يوفر وسائل الانتاج اللازمة لاستئناف عملية الانتاج ووسائل الانتاج التي يحتاجها العمال والرأسماليون. كمية الانتاج المختلف لا يمكن تحديدها بشكل اعتباطي: وسائل الانتاج المنتجة يجب أن تتساوى بقيمتها مع رأس المال الثابت (ك): وسائل الاستهلاك المنتجة يجب أن تتساوى بقيمتها مع فاتورة الأجور- رأس المال المتحرك (ف)- زائد فائض القيمة (س).

لتحليل تجديد الانتاج البسيط قسم ماركس الصناعة ككل إلى قسمين أساسيين: انتاج وسائل الانتاج (قسم 1) وانتاج وسائل الاستهلاك (قسم 2). بين هذين القسمين يجب الحصول على تناسب معين عند حصول انتاج بسيط. ومن الواضح، على سبيل المثال، أنه إذا أنتج القسم 1 آلات أكثر من حاجته وحاجة القسم 2، فالآلية تكون بذلك قد سببت فائضا بالانتاج، بالتالي انتاج القسم 1 سيصاب بالشلل، وستتبع ذلك سلسلة كاملة من الأحداث. بالمثل، إذا أنتج القسم 1 عددا قليلا من الآلات، سيتراجع الانتاج بدلا من تكرار نفسه على نفس المستوى. الأمر عينه ينطبق على القسم 2 إذا أنتج أكثر أو أقل من وسائل الاستهلاك من مجموع فاتورة الأجور أو رأس المال المتحرك، وفائض القيمة (ف+س) في القسمين (1). التناسب بين الطلب على وسائل الانتاج والطلب على وسائل الاستهلاك في الاقتصاد ككل يعتمد على النسبة بين جزء من رأس المال المخصص لشراء الآلات والمواد الأولية، أي على رأس المال الثابت (س) من مجمل الاقتصاد من جهة، وجزء من رأس المال الذي أنفق على الأجور (ف) زائد أرباح الرأسماليين في مجمل الاقتصاد.

بكلمات أخرى، يجب أن تكون منتجات القسم 1 (ب 1) متساوية مع رأس المال الثابت للقسم 1 (ك 1) زائد رأس المال الثابت للقسم 2 (ك 2):

ب 1= ك 1 + ك 2

وبالمثل، يجب أن تكون منتجات القسم 2 (ب 2) مساوية للأجور وفائض القيمة في كل من القسمين مجتمعين:

ب 2= ف 1 + س 1 + ف 2 + س 2

هاتان المعادلتان يمكن جمعهما ضمن معادلة واحدة:

ك 2= ف 1+ س 1

بعبارات أخرى، يجب أن تكون قيمة الآلات والمواد الأولية… التي نحتاج إليها في القسم 2 متساوية مع الأجور زائد فائض قيمة العمال والرأسماليين في القسم 1.

هذه المعادلات هي لتجديد الانتاج البسيط. أما معادلات تجديد الانتاج الموسع فهي أكثر تعقيدا. هنا جزء من فائض القيمة يتم إنفاقه على الاستهلاك الشخصي للرأسماليين الذي نرمز له بالحرف ر، أما الجزء المتراكم فنرمز له بالحرف أ. أ نفسه ينقسم إلى جزئين: الأول يخصص لشراء وسائل انتاج إضافية، أي ينفق بإضافته على رأس المال الثابت المتاح (أك)، والجزء الثاني يستعمل في دفع رواتب العمال المستخدمين حديثا في عملية الانتاج (أف).

إذا كان الطلب الاجتماعي على وسائل الانتاج في ظل تجديد انتاج بسيط قد تجسيده بموجب المعادلة التالية س 1 + س 2، تجديد الانتاج الموسع سيتم التعبير عنه كالتالي: ك 1+ أك 1+ ك 2+ أك 2.

وبالمثل، فإن الطلب الاجتماعي على السلع الاستهلاكية يتغير من:

ف 1+ س 1+ ف 2+ س 2

ويصبح:

ف 1+ ر 1+ أف 1+ ف 2+ ر 2+ أف 2

وبالتالي الظروف الضرورية للانتاج الموسع يمكن أن تكتب وفق المعادلة التالية:

ب 1= ك 1+ أك 1+ ك 2+ أك 2

ب 2= ف1+ ر 1+ أف 1+ ف 2+ ر 2+ أف 2

أو: ك 2+ أك 2= ف 1+ ر 1 + أف 1 (2)

لنتناول الآن نقد روزا لوكسمبورغ لمخططات ماركس التوضيحية (3). أظهرت روزا لوكسمبورغ أن المقارنة بين معادلة تجديد الانتاج البسيط مع معادلة تجديد الانتاج الموسع تظهر مفارقة. في حالة تجديد الانتاج البسيط ك 2 يجب أن تتساوى مع ف 1 + س 1. في حالة تجديد الانتاج الموسع، ك 2+ أك 2 يجب أن تتساوى مع ف 1+ ر 1+ أف 1. لكن ف 1+ ر1 + أف 1 أقل من ف 1+ س1 (حيث خصمنا أك 1 من س 1). إذا تحقق التوازن في ظل ظروف تجديد الانتاج البسيط، الانتقال إلى تجديد الانتاج الموسع لا يتطلب فقط عدم تراكم في القسم 2 إنما أيضا يتطلب تراجعا في التراكم.

وإنه ليس من قبيل المصادفة، تقول روزا، أنه عندما استعمل مخططات ماركس لتوضيح تجديد الانتاج الموسع، فقد استعمل رمزا أصغر لـ س2 من ذاك الذي استعمله لتوضيح تجديد الانتاج البسيط.

نموذج توضيحي لإعادة انتاج بسيط:

1) 4000ك+ 1000ف+ 1000س= 6000

2) 2000ك+ 500ف+ 500س= 3000

المجموع= 9000

نموذج توضيحي لتراكم على نطاق موسع:

1) 4000ك+ 1000ف+ 1000س= 6000

2) 1500ك+ 750ف+ 750س= 3000

المجموع= 9000 (4)

وهكذا فإن رأس المال الثابت في القسم الثاني أقل بـ 500 في تجديد الانتاج الموسع نسبة إلى تجديد الانتاج البسيط.

يبلور ماركس مخططا توضيحيا لتجديد الانتاج الموسع مظهرا أن، وعلى افتراض أنه في القسم 1 وكذلك في القسم 2 لا يتغير في التكوين العضوي لرأس المال (أي نسبة رأس المال الثابت إلى رأس المال المتغير)، معدل الاستغلال يبقى ثابتا، ويتم رسملة نصف فائض القيمة في القسم 1، من ثم إعادة انتاج رأس المال تؤدي إلى التطور التالي:

السنة الأولى:

1) 4400ك+ 1100ف+ 1100س= 6600

2) 1600ك+ 800ف+ 800س= 3200

المجموع= 9800

السنة الثانية:

1) 4800ك+ 1210ف+ 1210س= 7260

2) 1760ك+ 880ف+ 880س= 3520

المجموع= 10780

السنة الثالثة:

1) 5324ك+ 1331ف+ 1331س= 7986

2) 1936ك+ 968ف + 968س= 3872

المجموع= 11858

السنة الرابعة:

1) 5856ك+ 1464ف+ 1464س= 7986

2) 2129ك+ 1065ف+ 1065س= 4259

المجموع= 13043

السنة الخامسة:

1) 6442ك + 1610ف+ 1610س= 9662

2) 2342ك+ 1172ف+ 1172س= 4686

المجموع= 14348 (5)

بتحليل المخطط التوضيحي أعلاه، تشير روزا لوكسمبورغ إلى نقطة أساسية يظهرها:

"في حين القسم 1 يرسمل نصف فائض القيمة كل مرة، والنصف الثاني يتم استهلاكه، إذاً حتى يحصل توسعا للانتاج والاستهلاك الشخصي من الرأسماليين، العملية ذات الشقين في القسم 2 تأخذ مسارا غير منتظم كالتالي:

السنة الأولى: 150 تم رسملتها، و600 تم استهلاكها

في السنة الثانية: 240، 660

في السنة الثالثة: 254، 626

في السنة الرابعة: 290، 678

في السنة الخامسة: 320، 745".

وتضيف:

"وغني عن القول، إن الأرقام المطلقة في المثل هي اعتباطية في كل معادلة، ولكن هذا لا ينتقص من قيمتها العلمية. والنسب الكمية ذات صلة، منذ جرى افتراضها لتعبر عن علاقات حاسمة بدقة. تلك القواعد المنطقية الدقيقة التي ترسي علاقات التراكم في القسم 1 تبدو أنها تحققت على حساب أي نوع تفسير لهذه العلاقات في القسم 2؛ وهذا الأمر يستدعي إعادة النظر في الروابط الجوهرية التي كشفها هذا التحليل (6).

هنا لا يوجد قاعدة للدلالة على التراكم والاستهلاك لاتباعها؛ وكلاهما يخضعان كليا لمتطلبات تراكم القسم 1" (7).

وفيما يتعلق بالتقدم المحرز في عملية تجديد الانتاج الموسع، إذا افترضنا أنه في القسم 2 وكذلك القسم 1 حصل توسعا منظما لكل من تراكم رأس المال والاستهلاك الشخصي للرأسماليين، سيتزايد إثر ذلك الاختلال بين القسمين.

لذا، أظهرت روزا لوكسمبورغ بوضوح أنه إذا كانت القواعد المنطقية الموضوعة قد أدت إلى علاقات تراكم في القسم 1، يبدو أن هذه القواعد قد "تم اكتسابها على حساب أي نوع من مبدأ في بناء هذه العلاقات في القسم 2"؛ أو بطريقة أخرى، إذا تم تطبيق نفس القواعد المنطقية لعلاقات تراكم في القسم 2 كتلك المطبقة في القسم 1، اختلال التوازن بشكل فائض الانتاج في القسم 2 سيظهر وينمو بشكل تدريجي.

سيكون الآن الأمر سهلا لنظهر، على افتراض أن نقطة الانطلاق لتجديد الانتاج الموسع هو أن رأس المال الثابت في القسم 2 لم يكن أقل بـ 500 من تجديد الانتاج البسيط، وجود اختلال في التوازن بين القسم 1 والقسم 2: طلب القسم 1 لوسائل الاستهلاك كان أقل بـ 500 في بداية العملية نسبة إلى العرض المتاح في القسم 2 من وسائل الاستهلاك المراد تصريفها: سيكون هناك فائض بالانتاج من السلع الاستهلاكية بقيمة 500 في بداية عملية تجديد الانتاج الموسع.

لو لم تجرد روزا لوكسمبورغ عددا من العوامل، مثل ارتفاع معدل الاستغلال وارتفاع في التكوين العضوي لرأس المال، فإن حجتها ستكون أقوى. من السهل إثبات أنه عندما يرتفع معدل الاستغلال، وكذلك معدل فائض القيمة إلى الأجور آخذ في الارتفاع (س/ف)، الطلب النسبي على السلع الاستهلاكي مقابل السلع الانتاجية سينخفض، وبالتالي إما معدل التراكم في القسم 2 سيكون خاطئا في مخططات ماركس التوضيحية، أو أن تزايدا في فائض القيمة سيظهر في القسم 2. أي ارتفاع في جزء من فائض القيمة المتراكمة سيتحرك بالاتجاه نفسه، كذلك أي نمو عضوي لرأس المال.

الاتجاهات الثلاثة المذكورة أعلاه- ارتفاع معدل الاستغلال، ارتفاع معدل التراكم وارتفاع التكوين العضوي لرأس المال- يعتبرها ماركس العوامل المطلقة والجوهرية لقوانين الرأسمالية.

لو تم أخذ ذلك بعين الاعتبار، أي في ظل رأسمالية نقية سيكون الاختلال الاقتصادي ظاهرة دائمة مطلقة ولا يمكن تجنبه، سيكون رأي روزا لوكسمبورغ معززا بقوة.

ومع ذلك، هناك عامل مهم يمكن أن يلغي كل العوامل المذكورة أعلاه وهو ملازم لها: ارتفاع الوزن النسبي للقسم 1 مقارنة مع القسم 2. ازدياد في التكوين العضوي لرأس المال، وتحسين التقنيات، ارتبطا تاريخيا ومنطقيا بازدياد القسم 1 مقارنة مع القسم 2. وهكذا يتم احتساب نسبة الناتج الصافي من السلع الرأسمالية إلى تلك السلع الاستهلاكية في بريطانيا على الشكل التالي:

عام 1851: 100/470؛ عام 1871: 100/390؛ عام 1901: 100/170؛ عام 1924: 100/150

وكانت الأرقام في الولايات المتحدة على الشكل التالي:

عام 1850: 100/240؛ عام 1890: 100/150؛ عام 1920: 100/80

أما في اليابان:

عام 1900: 100/480؛ عام 1913: 100/270؛ عام 1925: 100/240 (8)

لإظهار أن الازدياد في القسم 1 مقارنة مع القسم 2 يصد العوامل التي ذكرتها روزا لوكسمبورغ (كذلك تلك التي أضافها هذا الكاتب لتعزيز حجة روزا لوكسمبورغ حيال فائض الانتاج في القسم 2)، لا بد من إعطاء بعض المخططات التوضيحية لتأثير تغير الوزن النسبي للقسم 1 على القسم 2 على علاقة التبادل بين القسمين.

رأس المال المستثمر في القسم 1 يمكن أن ينمو مقارنة مع القسم 2 بطريقتين:

1) من خلال وجود نسبة أعلى من التراكم في القسم 1 نسبة إلى القسم 2؛

2) من خلال انتقال رأس المال من القسم 2 إلى القسم 1.

يجب أن نعطي مثلا توضيحيا لكل من هاتين العمليتين.

لنفترض أن معدل التراكم في القسم 1 هو أعلى من ذلك في القسم 2، على سبيل المثال، نصف فائض القيمة في القسم 1 مقارنة مع الثلث فقط في القسم 2. سنفترض أيضا أن العوامل الأخرى (معدل الاستغلال بنسبة 100 بالمئة، والتركيب العضوي لرأس المال الثابت هو خمس مرات أكبر من رأس المال المتغير) لم تتغير. ومن ثم، باستخدام مخطط ماركس التوضيحي المذكور أعلاه كنقطة انطلاق، فإن إعادة انتاج رأس المال سيتحقق وفق التطور التالي (جرى تدوير الأرقام لتسهيل القراءة) (9):

نقطة الانطلاق:

1) 5000ك + 1000ف + 1000س= 7000

2) 1500ك + 300ف + 300س= 2100

نهاية أول عام:

1) 5000ك + 1000ف + 500ر+ 417أك+ 83أف= 7000

2) 1500ك + 300ف + 200ر + 80أك + 20أف= 2100

ك2 + أك2= 1580

في حين: ف1 + ر1 + أف1= 1583

وهكذا في نهاية العام الأول، وبدلا من وجود فائض في القسم 2 كما افترضت روزا لوكسمبورغ، يظهر فائضا في القسم 1 يصل إلى 3.

في نهاية العام الثاني:

1) 5417ك + 1083ف + 541ر + 450أك + 90أف= 7583

2) 1580ك + 320ف + 213ر + 90أك + 18أف= 2220

ك2+ أك2= 1670

بينما ف1 + ر1 + أف1= 1714. الفائض في القسم 1 أصبح الآن 44

في نهاية السنة الثالثة:

1) 5867ك + 1173ف + 586ر + 489أك + 98أف= 8213

2) 1670ك + 338ف + 225ر + 94أك + 19أف= 2346

ك2+ أك2= 1764

في حين ف1+ ر1 + أف1= 1857. وبذلك أصبح الفائض في القسم 1 93.

وفق المخططات التوضيحية الواردة أعلاه، من الواضح أنه أذا افترضنا أن معدلي الاستغلال والتركيب العضوي لرأس المال لم يتغيرا، في حين أن معدل التراكم في القسم 1 هو أعلى من القسم 2، بذلك يظهر الفائض في القسم 1 (10).

وكما قلنا سابقا، القسم 1 يمكن أن يزداد نسبيا إلى القسم 2 أيضا عبر نقل فائض القيمة من القسم 2 إلى القسم 1. دعونا نوضح هذه العملية. سنفترض أن معدل الاستغلال، والتركيب العضوي لرأس المال ومعدل التراكم هو نفسه في القسمين ولم يتغيرا. وفي الوقت عينه، يجب أن نفترض أن نصف فائض القيمة المنتج في القسم 2 قد جرى نقله إلى القسم 1.

تقدم تجديد الانتاج الموسع يمكن وصفه وفق المخططات التوضيحية التالية:

نقطة الانطلاق:

1) 5000ك + 1000ف + 1000س= 7000

2) 1500ك + 300ف + 300س= 2100

في نهاية العام الأول:

1) 5000ك + 1000ف + 500ر + 417أك + 83أف= 7000

2) 1500ك + 300ف + 150ر + 63أك + 12أف + (فائض القيمة المنقول إلى القسم 1: 63أك+ 12أف)= 2100

ك2 + أك2= 1563

في حين ف1+ ر1+ أف1 + (أف المنقول إلى القسم 2)= 1595

وهكذا في نهاية السنة الأولى، بدلا من حصول فائض في القسم 2 كما افترضت روزا لوكسمبورغ، وجدنا حصول فائض في الانتاج في القسم 1 يصل إلى 32.

في نهاية السنة الثانية:

1) 5840ك + 1095ف + 547ر + 455أك + 91أف= 7670

2) 1563ك + 312ف + 156ر + 65أك + 13أف+ (فائض القيمة المنقول إلى القسم 1: 65أك + 13أف)= 2187

ك2 + أك2= 1628

في حين ف1 + ر1 + أف1 + (أف المنقول من القسم 2)= 1746

فائض القيمة في القسم 1 هو 118

في نهاية السنة الثالثة:

1) 6000ك + 1200ف + 600ر + 500أك + 100أف= 8400

2) 1628ك + 325ف + 162ر + 67أك + 14أف + (فائض القيمة المنقول إلى القسم 1: 67أك + 14أف)= 2278

ك2+ أك2= 1695

في حين ف1 + ر1 + أف1 + (أف المنقول من القسم 2)= 1914

فائض القيمة في القسم 1 هو 219

الآن تحاجج روزا لوكسمبورغ ضد هذه الفكرة أن نقل فائض القيمة من قسم إلى آخر يمكن أن يساعد على تحقيق توازن التبادل بين القسمين، قول ذلك "النقل المقصود من فائض القيمة المرسملة من القسم 2 إلى القسم 1 مستبعدة، أولا لأن النموذج المادي لفائض القيمة لا فائدة منه بالنسبة إلى القسم 1، وثانيا لأن العلاقات التبادلية بين القسمين تتطلب نقل ما يعادلها من السلع من القسم 1 إلى القسم 2" (11). بعبارات أخرى، تعتبر روزا لوكسمبورغ أن مخطط ماركس التوضيحي يقوم على افتراض أن تحقيق فائض القيمة لا يمكن أن يحصل إلا عبر تبادل بين الأقسام، وثانيا أن الفائض المفترض في القسم 2 سيأخذ شكلا طبيعيا، أي سيبقى كوسيلة استهلاك، ولا يمكن أن ينفع مباشرة كوسيلة انتاج. تسقط الحجة الأولى من خلال النظر إلى واقع أن التبادل بين الشركات ضمن القسم نفسه يمكم أن يخدم تحقيق فائض القيمة: عندما يبيع صاحب مصنع قبعات انتاجه لعمال ينتجون البسكويت، فإنه يحقق فائض القيمة الذي أنتجه عماله. ثانيا، يمكن لكثير من السلع الاستهلاكية أن تكون أيضا بمثابة وسائل انتاج: إذا بنى مقاول مصنعا بدلا من شقة، هذا يعني انتقال رأس المال من القسم 2 إلى القسم 1؛ يمكن للكهرباء أن تستخدم لإضاءة الشقق كما أن تستخدم لتشغيل الآلات؛ ويمكن للحبوب أن تطعم البشر (استهلاك) وأن تطعم الخنازير (استهلاك انتاجي) إلخ. ثالثا، من دون إمكانية انتقال رأس المال من قسم إلى آخر، الفرضية التي تقول أن معدل الربح في كل مكان من الاقتصاد يميل إلى المساواة، والتي هي أساس النظرية الاقتصادية الماركسية، تفقد أساسها.

من المخططات التوضيحية الواردة أعلاه يتضح أن الزيادة النسبية للقسم 1 مقارنة مع القسم 2، إذا بقيت بقية الشروط على حالها، تؤدي عقب ذلك إلى فوائض في علاقات التبادل في القسم 1.

هل يمكن لهذا العامل ألا يتعارض مع ذلك الذي أشارت إليه روزا لوكسمبورغ بأنه سبب الفائض في القسم 2؟ هل العوامل المتعارضة المختلفة ليست في الواقع سوى وجهين لعملة واحدة، تطور الاقتصاد الرأسمالي؟ بالطبع إنه كذلك.

توصلت روزا لوكسمبورغ إلى خلاصة مفادها أنه يجب أن يظهر وجود فائض في القسم 2 لأنها أعطت اهتماما لجانب واحد فقط من العملة. النظر إليها من الجهتين، من الواضح أنه في ظل رأسمالية نقية يمكن أن يتحقق التناسب بين القسمين، في وقت يكون التراكم فيهما منتظما.

مع ذلك، الاحتمال النظري للحفاظ على تناسبية صحيحة بين القسمين، والذي سيمنع الانتاج الزائد من خلال التبادل البيني بينهما في وقت يمضي التراكم قدما بشكل متساو، لا يعني أنه في الحياة الفعلية العمل الفوضوي والمتناهي الصغر للرأسمالية يؤدي إلى استقرار واستمرار التناسبية المطلوبة. وهذا العامل الذي أشارت إليه روزا لوكسمبورغ- وجود أشكال غير رأسمالية تتوسع إليها الرأسمالية- هو أمر بالغ الأهمية. إذا لم يكن شرطا مسبقا لتجديد الانتاج الموسع كما اعتبرت روزا لوكسمبورغ، إنه، على الأقل، عامل يخفف عملية تجديد الانتاج الموسع، للتراكم، من خلال جعل الاعتماد المتبادل أقل من مطلق. ولكن لا يمكن للمرء إلا أن يتفق مع روزا لوكسمبورغ عندما تقول "التراكم أكثر من علاقة داخلية بين فروع الاقتصاد الرأسمالي"؛ كنتيجة للعلاقة بين الظروف الرأسمالية وغير الرأسمالية:

"القسمان الكبيران للانتاج في بعض الأحيان يجريان عملية تراكمية بشكل مستقل عن بعضهما البعض، ولكن حتى حينها في كل خطوة تتداخل الحركات وتتقاطع. من هذا المنطلق نستطيع الحصول على علاقات أكثر تعقيدا، اختلاف بالسرعة واتجاه التراكم للقسمين، علاقات مختلفة مع أشكال الانتاج غير الرأسمالية سواء من ناحية العناصر المادية وعناصر القيمة" (12).

كما هو واقع الحال، عدد من العوامل المحددة إما لشكل من التناسبية بين القسمين المؤدية إلى التوازن أو ليست عديدة ومتناقضة (معدل الاستغلال، ومعدل التراكم في مختلف الصناعات، والتغيرات في التكوين العضوي لرأس المال في الصناعات المختلفة…) وما إن يخرج الاقتصاد من حالة التوازن، ما كان تناسبا يتحول إلى حالة من انعدام التناسب ويكون لذلك تأثير كرة الثلج. ومن ثم التبادل بين الصناعة الرأسمالية والمجال غير الرأسمالي، حتى لو كان صغيرا من حيث قيمته المطلقة، يمكن أن يؤثر تأثيرا هائلا على مرونة، وبالتالي استقرار، الرأسمالية.

تحلل روزا لوكسمبورغ مرارا وتكرارا في كتابها أمثلة حول تجديد الانتاج- حيث تصف علاقات التبادل بين قسمي الصناعة- ومجموعة أخرى من العلاقات بين القسمين: إمكانية أن تصبح وسائل الانتاج وسائل للاستهلاك- وسائل الانتاج لا يتم تبادلها فقط بوسائل استهلاك، ولكن في الوقت الراهن يتم تحقيقها ضمن وسائل جديدة للاستهلاك. التناسبية التي عبر عنها ماركس في مخططاته التوضيحية هي الشروط التي من دونها لا يمكن تحقيق التراكم؛ ولكن من أجل تحقيق هذا التراكم يجب في الواقع أن يكون هناك طلبا موسعا ومتزايدا للسلع الأساسية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين يأتي هذا الطلب؟

يعتمد الازدهار الرأسمالي على زيادة في الانتاج وامتصاص السلع الرأسمالية. ولكن هذا يعتمد في التحليل الأخير على قدرة الصناعة على بيع الانتاج المتزايد من السلع الاستهلاكية. ومع ذلك، في محاولة بيع منتجاتها، تدخل الصناعة الرأسمالية في تناقضات عميقة، التناقض الأساسي هو بين الانتاج والسوق المحدود: "السبب الأخير لكل الأزمات الحقيقية يبقى دائما الفقر واستهلاك الجماهير المحدود مقارنة مع ميل الانتاج الرأسمالي إلى تطوير القوى المنتجة بشكل أنها وحدها السلطة المطلقة للاستهلاك للمجتمع بأسره ستكون حدودها" (13).

اعتبرت روزا لوكسمبورغ أن العامل الذي يسمح للرأسمالية للابتعاد عن العائق المطلق للتراكم في السوق المحدود هو دخول الصناعة الرأسمالية في الأقاليم غير الرأسمالية (14).

روزا لوكسمبورغ، أكثر من أي اقتصادي ماركسي أو غير ماركسي، لفتت الانتباه لتأثير الحدود غير الرأسمالية على الرأسمالية. الارتكاز على هذا العامل- حتى لو أنها لم تطور كل العواقب الرئيسية لذلك- يمكن للمرء أن يحاول تلخيص تأثير توسع الرأسمالية في الأقاليم غير الرأسمالية على النحو التالي:

1) أسواق الدول المستعمرة المتأخرة، من خلال زيادة الطلب على السلع من الدول الصناعية، يضعف الميل لفائض الانتاج فيها، ويقل عدد جيش العاطلين عن العمل، وذلك يحدث تحسنا في أجور العمال في البلدان الصناعية.

2) الزيادة في الأجور الناجم عن ذلك له تأثير تراكمي. عن طريق زيادة السوق الداخلي في البلدان الصناعية، ويضعف ميل فائض الانتاج، وتنخفض البطالة، وترتفع الأجور.

3) تصدير رأس المال يزيد من ازدهار الدول الصناعية لأن ذلك يخلق سوقا لسلعها- على الأقل بشكل مؤقت. تصدير السلع القطنية من بريطانيا إلى الهند يفترض أن الهند قادرة على دفع ثمنها فورا، من خلال تصدير القطن، على سبيل المثال. من ناحية أخرى، تصدير رأس المال لبناء خط سكة حديد يفترض تصدير السلع- القضبان والقاطرات…ـ بعيدا عن القدرة الشرائية الفورية أو القوة التصديرية في الهند. بعبارات أخرى، لفترة من الزمن تصدير رأس المال هو عامل مهم في توسيع الأسواق لصناعات الدول المتقدمة. غير أنه، ومع مرور الوقت يتحول هذا العامل إلى نقيضه: ما إن يتم تصدير رأس المال حتى يكبح تصدير البضائع من البلاد "الأم" بعد بدء الدول المستعمرة بدفع الأرباح أو الفوائد عليها. بهدف دفع أرباح 10 مليون جنيه استرليني لبريطانيا (على رأس المال البريطاني المستثمر في الهند) على الهند أن تستورد أقل مما تصدر، وبالتالي لتوفير المال اللازم لتغطية الـ 10 مليون جنيه استرليني. بعبارات أخرى، إن تصدير رأس المال من بريطانيا إلى الهند يوسع السوق للسلع البريطانية؛ دفع الفوائد والأرباح على رأس المال البريطاني في الهند يقيد أسواق السلع البريطانية. وبالتالي الاستثمارات العظيمة لرأس المال البريطاني في الخارج لا يمنع من فائض الانتاج وارتفاع معدلات البطالة في بريطانيا. على العكس من وجهة نظر لينين، الربح العالي من رأس المال المستثمر في الخارج قد لا يرافقه ازدهارا واستقرارا في الدول الامبريالية، إنما يشكل عاملا للبطالة الواسعة والكساد.

4) تصدير رأس المال إلى المستعمرات يؤثر على مجمل سوق رأس المال في الدول الامبريالية. حتى لو كان فائض رأس المال يبحث عبثا عن استثمار مبلغ صغير، يمكن لتأثيره التراكمي أن يكون هائلا، لأنه خلق ضغطا في أسواق رأس المال، وعزز الاتجاه الانحداري لمعدل الربح. وهذا من شأنه أن يكون له تأثيرا تراكميا بشكل تلقائي على نشاط رأس المال، وعلى النشاط الاقتصادي ككل، وعلى العمالة، وكذلك على القدرة الشرائية للجماهير، وذلك مرة إضافية ضمن حلقة مفرغة على الأسواق. تصدير فائض رأس المال قد يؤدي إلى تفادي هذه الصعوبات وبالتالي يمكن أن يكون له أهمية كبيرة على كامل الازدهار الرأسمالي، وبالتالي على الإصلاح.

5) وبتخفيف الضغط في أسواق رأس المال يقلل تصدير رأس المال من المنافسة بين الشركات المختلفة، وذلك يقلل من الحاجة إلى ترشيد وتحديث معداتها. (هذا الأمر يفسر بالنسبة للبعض حالة التخلف التقني للصناعة البريطانية، رائدة الثورة الصناعية، مقارنة مع ألمانيا اليوم، على سبيل المثال). وهذا ما يضعف الميول إلى الفائض في الانتاج والبطالة، وخفض الأجور…. (بالطبع، في ظل ظروف متغيرة، حيث بريطانيا لم تعد تحتكر العالم الصناعي، هذا العامل قد يسبب أيضا هزيمة الصناعة البريطانية في السوق العالمية والبطالة وانخفاض في الأجور).

6) شراء المواد الأولية والغذائية الرخيصة من المستعمرات يسمح بزيادة الأجور الحقيقية في البلاد الصناعية دون أي اقتطاع من معدل الربح. هذه الزيادة في الأجور تعني اتساع الأسواق المحلية دون حدوث انخفاض في معدل ومقدار الربح، وبعبارة أخرى، دون إضعاف الدافع للانتاج الرأسمالي.

7) الفترة التي تخدم الدول المستعمرة لتوسيع الأسواق للدول الصناعية لن تطول نسبة إلى:

أ. حجم العالم الاستعماري بالمقارنة مع الطاقة الانتاجية للدول الصناعية المتقدمة.

ب. المدى المؤجل لتصنيع ما سلف.

8) جميع الآثار المفيدة للامبريالية على الازدهار الرأسمالي ستختفي إذا لم يكن هناك من حدود وطنية بين الدول الامبريالية الصناعية ومستعمراتها. تصدر بريطانيا السلع ورؤوس الأموال إلى الهند وتستورد المواد الأولية والغذائية الرخيصة، لكنها لم تسمح للعاطلين عن العمل في الهند- المتزايدين بسبب الغزو الرأسمالي البريطاني- من الدخول إلى سوق العمل في بريطانيا. لو لم ينصب الحاجز (المالي) أمام الهجرة الهندية الجماعية إلى الهند، لم تكن الأجور لترتفع خلال القرن الماضي. أزمة الرأسمالية ستتعمق أكثر فأكثر. والإصلاح لن يقدر على الحلول مكان الشارتية الثورية (15).

يمكن للمرء أن يتفق أو يختلف مع نقد روزا لوكسمبورغ لمخططات ماركس التوضيحية في المجلد الثاني من رأس المال، ومع بعض أو كل سلسلة الأفكار التي قادتها إلى استنتاج نهائي أنه إذا لم يكن نمط الانتاج الرأسمالي فقط المهيمن إنما الوحيد لكانت الرأسمالية في فترة زمنية قصيرة انهارت بسبب تناقضاتها الداخلية. أيا يكن ما يفكر به المرء، لا يستطيع التشكيك في الخدمة الكبيرة لروزا لوكسمبورغ في لفت الانتباه إلى تأثير المجالات غير الرأسمالية على استقرار الرأسمالية. وكما قال البروفيسور جوان روبنسون في مقدمة الطبعة الانكليزية من كتاب تراكم رأس المال: "… قلة تستطيع إنكار أن التوسع الرأسمالي إلى أراض جديدة كان المحرك الأساسي لما يسميه أحد الخبراء الاقتصاديين "أوسع طفرة مدنية" خلال الـ 200 سنة الأخيرة، ويعتبر العديد من الأكاديميين الاقتصاديين أن حالة عدم الاستقرار للرأسمالية في القرن العشرين تعود إلى حد كبير إلى "إغلاق الحدود" في جميع أنحاء العالم" (16). جوان روبنسون يمزج في الثناء لتحليل روزا لوكسمبورغ مع نقد لما تجاهلته روزا أي ارتفاع الأجور الحقيقية الذي حصل في جميع أنحاء العالم الرأسمالي- عامل لتوسع السوق- وبالتالي قدمت صورة غير كاملة. ومع ذلك، وحتى لو أن روزا لوكسمبورغ لم تشمل هذه العوامل في تحليلها- والخارجة عن الخط الأساسي لحجتها حول إمكانية أو عدم استحالة تجديد الانتاج في رأسمالية نقية- لا يستطيع المرء تفسير الزيادة في الأجور الحقيقية بشكل مستقل عن السمة الرئيسية التي أشارت إليها روزا لوكسمبورغ: توسع الرأسمالية إلى المجال غير الرأسمالي (17).

--

هذا النص هو الجزء الثامن من كتيب توني كليف: روزا لوكسمبورغ، الصادر عام 1959 (الذي أعيدت مراجعته عام 1969) في العدد الثاني والثالث من دورية الاشتراكية الأممية.

الهوامش:

(1) في الواقع، ما هو مطلوب لانتاج مريح لا يقتصر على تناسب معين بين انتاج القسم 1 وانتاج القسم 2 في الاقتصاد ككل، إنما على التناسب بين الفروع المحافظ عليه في كل الاقتصاد. وهكذا، على سبيل المثال، إن انتاج آليات انتاج الملابس في القسم 1 تحتاج لتتناسب مع الطلب على هذا النوع من الآلات في صناعة الملابس في القسم 2.

(2) هذه المعادلات، والتي هي معادلات جبرية من تحليل ماركس في الجزء الثاني من كتاب رأس المال صاغهم ن. بوخارين في كتابه Der Imperialismus und die Akkumulation Des Kapitals (Berlin, 1925) ونجدهم مفيدين جدا لتلخيص الكثير من مخططات ماركس التوضيحية.

(3) قبل شرح تحليل روزا لوكسمبورغ لتجديد الانتاج، يجب أن يكون واضحا أنها لم تطور نظرية تشرح الحركة الدورية للازدهار والأزمات والركود. اعتقدت أن الدورات هي مراحل تجديد الانتاج في اقتصاد رأسمالي، وليست مجمل العملية. لذلك، قالت إنها تستخلص تحليلها من الدورات بهدف دراسة تجديد الانتاج بشكل نقي وبشكل إجمالي. وكما كتبت: "… على الرغم من الارتفاعات والانهيارات الحادة في سياق دورة، وعلى الرغم من الأزمات، يتم تلبية احتياجات المجتمع دائما إلى هذا الحد أو ذاك، وتجديد الانتاج يستمر في مساره المعقد، والقدرات الانتاجية تتطور بشكل تدريجي. كيف يمكن لهذا أن يحصل، واضعين جانبا الدورات والأزمات؟ هنا يبدأ السؤال الحقيقي… عندما نتكلم عن تجديد الانتاج الرأسمالي في العرض التالي، يجب أن نفهم دائما من هذا المصطلح أن حجم الانتاجية الذي هو معدل نعتمده فوق مراحل مختلفة من دورة". R. Luxemburg, The Accumulation of Capital (London, 1951), pp.36-37.

(4) K. Marx, Capital, vol.II, p.596.

(5) K. Marx, Capital, vol.II, pp.598-600.

(6) R. Luxemburg, Accumulation, p.122.

(7) R. Luxemburg, Accumulation, p.122.

(8) W.S. and E.S. Woytinsky, World Population and Production (New York, 1953), pp.415-416.

(9) الملاحظة من المحرر: يتجاهل توني كليف الأصفار عند تحديد أرقام أجزاء القيمة، وبالتالي فإن المجموع صحيح حتى عندما لا تظهر الأجزاء.

(10) حجة روزا لوكسمبورغ على العكس من هذه الفكرة تماما: ارتفاع معدل التراكم في القسم 1 بالنسبة إلى القسم 2 (R. Luxemburg, Accumulation, pp.338-339) هو خاطئ تماما. وليس لدينا المساحة الكافية للرد على ذلك. على القارئ/ة الرجوع إلى المصدر.

(11) R. Luxemburg, Accumulation, pp.340-341.

(12) R. Luxemburg, Accumulation, p.417.

(13) K. Marx, Capital, vol.III, p.568.

(14) جاء رد "ماركسي" آخر على هذه المعضلة الرأسمالية من أوتو باور في نقده لكتاب روزا لوكسمبورغ. مستخدما مخططات توضيحية أكثر تعقيدا لتجديد الانتاج من تلك التي استعملها ماركس أو روزا لوكسمبورغ، حاول إثبات أن "تراكم رأس المال يتكيف مع زيادة عدد السكان… الدائرة الدورية من الازدهار والأزمات والركود هي تعبير عملي لحقيقة أن جهاز الانتاج الرأسمالي يتغلب بتراكم كبير جدا أو قليل جدا عن طريق تكيف جديد لتراكم رأس المال نسبة إلى زيادة عدد السكان" (Die Neue Zeit, 1913, p.871). هذا القول ليس من أحد تلامذة مالتوس، إنما ماركس، الذي بالنسبة إليه العامل الأساسي لا ينبغي أن يكون بالزيادة السكانية إنما تراكم رأس المال!

(15) بالمناسبة، الشاري "الثالث"- ليس العامل أو المستهلك الرأسمالي- وليس بالضرورة أن يكون المنتج غير الرأسمالي، إنما الدولة غير المنتجة؛ وبالتالي يمكن لاقتصاد حرب دائم، أو على الأقل لفترة من الزمن، أن يكون له تأثيرا على الازدهار الرأسمالي كما في المجال الاقتصادي غير الرأسمالي. (See T. Cliff, Perspectives of the Permanent War Economy, Socialist Review, May 1957.)

(16) R. Luxemburg, Accumulation, p.28.

(17) ارتكبت روزا لوكسمبورغ في حجتها عددا من الأخطاء الجانبية التي تم اكتشافها لاحقا من قبل ن. بوخارين في كتابه Der Imperialismus und die Akkumulation des Kapitals، على الرغم من أنه لم يدحض الأطروحة الأساسية (على الرغم من اعتقاده أنه فعل ذلك). وهكذا، على سبيل المثال، كرست روزا لوكسمبورغ قدرا كبيرا من الاهتمام لمشاكل نقدية بحتة لتراكم رأس المال- سواء، على سبيل المثال، ينبغي للمرء أن يشمل انتاج السلع المالية (الذهب والفضة…) في القسم 1، كما فعل ماركس، أو كما اقترحت هي نفسها، ينبغي إضافتها إلى قسم ثالث. يبدو أنه في أماكن عديدة من الكتاب اختلط على روزا لوكسمبورغ السؤال: من أين يأتي الطلب؟ مع السؤال: من أين يأتي المال؟ ولكن لأن ذلك له أهمية ثانوية مع الأطروحة الأساسية، يجب علينا عدم تناولها هنا. مرة أخرى، في حين إذا تابعنا بدقة منطق روزا لوكسمبورغ الخاص حول الأمثلة المتعلقة بتجديد الانتاج، يجب أن نقول أن قوة حجتها أن جزءا من فائض القيمة في القسم 2 لا يمكن أن يتحقق في ظل الرأسمالية النقية، روزا لوكسمبورغ نفسها تلخص حجتها كما لو أنها أثبتت أنه لا يمكن تحقيق أي جزء من فائض القيمة في ظل الرأسمالية النقية. بحسب ما ذكره ف. ستيرنبرغ في Der Imperialismus (Berlin, 1926), p.102.