فتح أبواب الحزب - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2017 / 1 / 23 - 22:38     


الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

فتح أبواب الحزب


آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي

في بداية ذلك العام، كان كل من البلاشفة والمناشفة مجرد عصب ليس لها أي تأثير في الجماهير. لكنهما بعد 09 يناير بدآ ينموان بسرعة. عندما وصل ف. فرونز، المسؤول عن التنظيم في لجنة الحزب في مصنع النسيج الهام بإيفانوفو- فوزنيسينسك، إلى البلدة خلال شهر ماي، وجد "ما لا يقل عن 400 إلى 500 من المناضلين" معظمهم من العمال المحليين. قال مارتوف إنه كان هناك 600 من البلاشفة في منتصف عام 1905، في أكبر لجنة في المنطقة الصناعية المركزية. وقال نفس الكاتب إن الحزب كان يضم في منظمته السرية إلى حدود أكتوبر "بضع عشرات آلاف العمال، وبضعة آلاف من الجنود والفلاحين". وبحلول شتنبر كان التحريض الاشتراكي الديمقراطي قد بدأ بالفعل يحصل على صدى له ليس فقط بين العمال المضربين، بل أيضا في اللقاءات الجماهيرية وفي الجامعات وبدأت الشعارات الأكثر جذرية تجد التأييد. ومع ذلك فإن مجال نفوذه، بمن في ذلك العمال المشاركين في المنظمات المرتبطة مباشرة بالحزب، تكون من "مئات الآلاف من سكان المناطق الحضرية والريفية".[1]

جعل النمو السريع لنفوذ الحزب بين الجماهير من الضروري تكييف أساليب وهياكل الحزب للاستجابة لذلك النمو السريع. إن النضال من أجل بناء الحزب ومد نفوذه بين أوسع الفئات الممكنة من الطبقة العاملة اتخذ الآن طابع سباق ضد الساعة. وفي سلسلة من الاجتماعات الداخلية التي عقدت في الخريف، أصر لينين على فتح الحزب، والأخذ بمبدأ انتخاب الهياكل من أعلى إلى أسفل، من أجل تغيير تركيبة اللجان، مع تدفق عمال وشباب جدد. كان ينبغي ممارسة الضغط على أعضاء اللجان من خلال السماح بدخول آراء وانتقادات جديدة من قواعد الحزب، وعند الضرورة، من خلال استبدال بعض العناصر القديمة والمحافظة بأناس جدد قادرين على أن يعكسوا المزاج الحقيقي للطبقة العاملة. طوال عام 1905، كان لينين ساخطا على البطء الذي تحرك به أعضاء اللجان داخل روسيا نحو الجماهير والاستفادة من الفرص الهائلة التي فتحت. بعد بيان أكتوبر، تغيرت شروط العمل الحزبي جذريا. تحققت حرية التجمع والصحافة، وكذلك حق التنظيم في النقابات. في كل مكان كان هناك تعطش للأفكار والنقاشات. وفي كل مكان كان العمال والشباب يبحثون عن آلية للتعبير عن تطلعاتهم الفطرية لتغيير المجتمع.

الأساليب القديمة وعادات الفكر القديمة لا تموت بسهولة. فطيلة عام 1905 كان هناك صراع حاد حول مدى الحاجة إلى فتح الحزب ودمقرطة هياكله الداخلية. وينبغي أن يوضع في الاعتبار أنه حتى خريف عام 1905 كان الحزب ما يزال حزبا سريا، لكن مع تغير المناخ السياسي كان على الحزب تكييف عمله مع الظروف الشرعية وشبه الشرعية وبذل كل طاقاته للتغلغل في صفوف الجماهير. وفي مثل هذه الحالة كان ينبغي لعقلية الحلقات الضيقة القديمة، مع هياكلها المرتبطة بها، أن تفسح المجال لفروع أوسع للحزب.

أصر لينين مرارا وتكرارا على ضرورة فتح الحزب للعمال والشباب. لكن ذلك غالبا ما واجه المقاومة من طرف أعضاء اللجان، الذين فسروا المبادئ التنظيمية من وجهة نظر ضيقة وميكانيكية. والحقيقة هي أنه لا يوجد كتاب للوصفات الجاهزة لتحديد هياكل وقوانين حزب ثوري. يجب أن تتغير هياكل الحزب وقوانينه مع الظروف المتغيرة. لا يمكن أن ينظر إلى مبدأ الانتخاب والديمقراطية الداخلية عند منظمة سرية بنفس الطريقة عند حزب يسعى لكسب قاعدة جماهيرية في ظروف الشرعية. العمل السري يفرض بالضرورة بعض القيود على الديمقراطية الداخلية، لكن لا يمكن تبرير ذلك إلا بمتطلبات الأمن. في خريف عام 1905 طالب لينين بانفتاح الحزب. وكان ذلك أساسا بسبب التغير في الظروف الموضوعية، لكن ليس بسبب ذلك فقط؛ لقد أثارت فيه تجربة الفترة السابقة بالغ القلق إزاء ضيق نظرة أعضاء اللجان البلاشفة. وكانت تجربة الخطأ في الموقف من السوفييتات قد أقنعته الآن بالحاجة الملحة لخلق هزة داخل الحزب وزيادة عضوية العمال فيه. يجب على مناضلي الحزب إيجاد أرضية مشتركة ولغة مشتركة مع الجماهير، لا أن ينفصلوا عنها.

كانت يتوجب إحداث تغيير جذري لهياكل الحزب لكي تأخذ في الاعتبار الظروف الجديدة. تم إنشاء العديد من فروع المصانع لتأكيد المنعطف الجديد. عقدت فروع المصانع، التي كانت قد تأسست حديثا، اجتماعات مفتوحة. سجل فرع مصنع ليسنر حضور 70 عاملا في أحد تلك الاجتماعات. وتم تقسيم اللجان المحلية في المناطق الصناعية الكبرى إلى وحدات أصغر ولجان فرعية. وعلاوة على ذلك، تم إنشاء نوادي العمال في عدد من المناطق، إما على أساس الحي أو المصنع. وفي سلسلة من المؤتمرات الداخلية، التي عقدت في خريف عام 1905، تم تطبيق مبدأ الانتخاب من أعلى إلى أسفل. وكانت تلك وسيلة لتأمين مشاركة أكبر للعمال في تسيير الحزب، لكنها كانت أيضا وسيلة لممارسة الضغط على أعضاء اللجان، بالسماح للآراء الجديدة والانتقادات من أسفل، وإذا لزم الأمر تغيير تشكيلة اللجان من خلال إدخال عمال شباب جدد، بحيث يصير من الممكن إسماع صوت العمال وتمكين مشاعرهم الطبقية وخبرتهم في النضال من أن تضع بصمتها على أنشطة الحزب. وكان التطور الآخر هو عقد تجمعات على مستوى المدينة، حيث يمكن لكل أعضاء الحزب أن يلتقوا معا ويناقشوا العمل. تم تقسيم اللجان المحلية في المناطق الصناعية الكبرى إلى وحدات أصغر تغطي الدوائر الفرعية. وفي بعض المناطق، قامت لجنة المدينة حتى بوضع قواعد خاصة بها بما يتماشى مع الظروف الخاصة السائدة في منطقتها. كان هذا هو الحال، على سبيل المثال، في بيترسبورغ وإيفانوفو- فوزنيسينسك.

يمكننا من كل هذا أن نرى كم كان مرنا دائما مفهوم لينين للتنظيم. تضم المركزية الديمقراطية فكرتين متناقضتين على ما يبدو: المركزية والديمقراطية. لكنه يمكننا أن نرى في أي إضراب كيف يمكن الجمع بين كلا الفكرتين في الممارسة العملية: أقصى الحرية في المناقشة إلى حين اتخاذ قرار، لكن بعد ذلك أقصى درجة من الوحدة في النضال. في لحظات معينة من تاريخه، ركز الحزب البلشفي أكثر على المركزية، على سبيل المثال خلال تلك الفترة الطويلة عندما كان مضطرا للعمل في ظروف السرية. لكن خلال الفترات التي كان يسمح لهم بالعمل في ظروف شرعية "طبيعية"، فضل البلاشفة، كما نرى هنا، أشكال التنظيم الأكثر انفتاحا وديمقراطية. إن الحزب الثوري كائن حي وليس حفرية هامدة. في بعض المراحل من تاريخه ركز الحزب البلشفي على جانب المركزية، لكنه في أحيان أخرى أعطى الأسبقية للديمقراطية. فتح العمل الشرعي آفاقا أوسع بكثير للعمل التحريضي والدعاية. وبينما في السابق كانت صحافة الحزب تصل إلى عدد صغير نسبيا من العمال، صار من الممكن الآن الوصول إلى الجماهير بالجرائد الشرعية والاجتماعات وغيرها من الوسائل. كانت الاجتماعات تعقد تحت العين الساهرة لمجموعات الدفاع في النوادي العمالية والمكتبات والأماكن العامة الأخرى.

في سياق عام 1905، وخاصة بعد صدور بيان أكتوبر، انفتحت فرص كبيرة للعمل في المنظمات الجماهيرية في عدد من المنظمات الشرعية وشبه الشرعية من نقابات ولجان مصانع جنينية وجمعيات تأمين، وما إلى ذلك. في ما يتعلق بالأندية العمالية، التي أقيمت في "أيام الحرية"، كتب شوارتز: «كان العمال والأندية العمالية الاشتراكية الديمقراطية في معظمهم غير حزبيون، بل وفي كثير من الأحيان لم تكن حتى تطمح إلى عضوية رسمية في الحزب، مع التركيز على التكوين السياسي والتثقيف العام»[2]. كان المناشفة هم من بدأوا هذا العمل. كان ناديهم في ورشات البلطيق في بيترسبورغ يضم 120 عاملا. واقتداء بهم، أنشأ الحي العمالي فيبورغ، الذي كان يسود فيه البلاشفة أساسا، ناديا يضم 300 عضو. كان العدد العادي لأعضاء هذا النوع من النوادي حوالي 200 إلى300 شخص، على الأقل في موسكو وبيترسبورغ.

من بين الأدلة على تصاعد الحركة الثورية كان التكاثر السريع للمنظمات النقابية. كانت مهمة اختراق النقابات العمالية، التي تمثل الوحدة الأساسية لتنظيم الطبقة العاملة، أولوية مطلقة للاشتراكيين الديمقراطيين. حتى الفئات الأكثر تخلفا استحوذت عليها غريزة التنظيم. ومع ذلك، فإن ضعف الحركة النقابية في روسيا بالضبط هو الذي أعطى السوفييتات سلطتها الهائلة وقوتها باعتبارها المنظمة البروليتارية الرئيسية. أصبحت السوفييتات المركز الرئيسي للنشاط وقد أزاحت إلى حد ما النقابات العمالية في عام 1905. ومع ذلك، فإن النقابات العمالية بقيت ميدانا هاما من ميادين العمل، ولا سيما بين العمال الأكثر مهارة. كان هذا صحيحا بصفة خاصة في المراكز الصناعية الكبيرة، ولا سيما في موسكو وبيترسبورغ. ومع ذلك فقد كان البلاشفة في غالب الأحيان بطيئين في الاستفادة من الإمكانيات المتاحة، مفضلين التركيز على حياة الحلقات الصغرى المجربة والمألوفة. احتج لينين مرارا وتكرارا ضد هذه الروتينية التنظيمية. وفي هذا المجال أيضا كان للمناشفة السبق على البلاشفة، مما تسبب في فزع لينين. قام المناشفة بمبادرات إنشاء المنظمات النقابية في بيترسبورغ وموسكو وساراتوف وباكو وأوديسا، الخ. انتقلت النقابات بسرعة كبيرة إلى التقاليد الاشتراكية الديمقراطية. وعموما لم يدخل الاشتراكيون الثوريون المنافسة. ومع ذلك، وبطبيعة الحال كان هناك داخل النقابات العديد من العمال غير الحزبيين، وهذا هو قبل كل شيء الدور الأساسي للنقابات: توحيد أوسع فئات الطبقة العاملة للنضال دفاعا عن مصالحها الخاصة. وتتمثل مهمة الاشتراكيين في النضال من أجل كسب النفوذ داخلها والحصول على الأغلبية وممارسة التأثير في أوسع فئات الطبقة العاملة.

كانت هناك العديد من النقابات غير الحزبية، ولا سيما في الجنوب ومنطقة الفولغا. في الغرب ساد البوند والمناشفة. وكانت موسكو معقل البلاشفة. وكان السبب الوحيد الذي مكن المناشفة من أخذ زمام المبادرة في موسكو هو أن البلاشفة المحليين تبنوا في البداية موقفا خاطئا تجاه النقابات. لقد حاولوا تأسيس نقابات مستقلة ذات هوية سياسية حزبية واضحة وبرروا ذلك بالنضال ضد "النزعة اللا حزبية". وعلى سبيل المثال، قاموا بتأسيس نقابات بلشفية بين صفوف الخبازين والفنيين والميكانيكيين والخراطين. كان هذا موقفا خاطئا بشكل كامل وقد انتقده لينين في وقت لاحق في مؤلفه الشهير "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية"، حيث أكد صراحة على أنه من الخطأ، بالنسبة للماركسيين، محاولة تقسيم النقابات العمالية وتأسيس نقابات "ثورية" مفصولة عن المنظمات الجماهيرية . وبخصوص هذه المسألة أيضا كشف أعضاء اللجان البلاشفة عن عدم فهمهم لموقف لينين. بطبيعة الحال يجب على الحزب أن يحارب ضد الاتجاهات "غير الحزبية"، لكن على النقابات أن تشمل جميع قطاعات الطبقة العاملة، بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية. التيار السياسي الوحيد الذي ينبغي استبعاده من النقابات هم الفاشيون. وقد كتب لينين مقالا في هذا المعنى، في صحيفة نوفايا جيزن، 02 دجنبر 1905.

هوامش:


[1] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 3, p. 575

[2] Schwarz, op. cit., p. 242.