عن أهمّية قيادة بوب أفاكيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة الجزء الأوّل من كتاب - عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية -


شادي الشماوي
2016 / 12 / 25 - 21:10     

================================
مقدّمة الكتاب 25 " عن بوب أفاكيان و أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
تحدّث قادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "

تخوّل لنا متابعتنا عن كثب لصراع الخطّين العالمي بين الماويين أن نجزم دون خشية الوقوع فى الخطإ بأنّ أهمّ الوثائق بصدد الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان ، محور الصراع ، قد صيغت بعدُ و نشرت علنا وبأنّ أهمّ المواقف قد إتّخذت غير أنّ هذا لا يعنى أنّ الصراع قد إنتهى و إنّما هو متواصل بصيغ متنوّعة .
فقد كتب ناقدو الخلاصة الجديدة للشيوعية و مناهضوها ما طاب لهم و أبرز ما كُتب بهذا المضمار وثائق للحزب الشيوعي ( الماوي ) الأفغاني و المقال الذى خطّه آجيث الذى كان الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي- اللينيني ) ( نكسلباري ) حينها و طبعا أبرز وثيقة لمناهضى الخلاصة الجديدة للشيوعية هي مطلقا مقال آجيث " ضد الأفاكيانيّة " الذى تبنّته جملة من المنظّمات و الأحزاب عبر العالم و دافعت عنه و سوّقت له و لا تزال .
و فى المقابل وضع أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية ، أحزابا و منظّمات و أشخاص ، عدّة وثائق طوال هذه السنوات الأخيرة ( معظمها عرّبناه وهو متوفّر ضمن كتبنا على موقع الحوار المتمدّن ) توضيحا لخطّهم و ردّا على النقد الموجّه لهم عموما و على مقال آجيث إيّاه خصوصا . و عليه فى تقديرنا أنّ مناهضى الخلاصة الجديدة للشيوعية بلغوا قمّة ما بلغوه من محاججة مع مقال آجيث و لم نقرأ لهم منذ ما يناهز الثلاث سنوات الآن مقالات تضاهي ذلك المقال أو حتّى تقترب فى شيء من مستواه ؛ ما إلتقطته أعيننا الباحثة هنا وهناك هو شذرات تعليقات ببضعة أسطر أو فقرات لا تسمن و لا تغنى عن جوع .
و لسنوات الآن ، لم نكفّ عن متابعة معركة إنقسام الماويّة إلى إثنين عن قرب و ساهمنا قدر الطاقة فى إنارة طريق الباحثين عن الحقيقة بترجمة و نشر ما قدّرنا أنّه يمثّل لبّ المقالات التى ترفع فعلا من مستوى النقاش الإيديولوجي و السياسي فى صفوف الماويّين المتطلّعين إلى تطوير علم الشيوعية و تفسير الواقع تفسيرا علميّا ماديّا جدليّا صحيحا قصد تغييره ثوريّا من منظور بروليتاري غايته الأسمى عالم شيوعي .
ومنذ صائفة 2015 مرورا بسنة 2016 ، وصولا إلى هذا الشهر من هذه السنة ، لفتت نظرنا وثائق أصدرها الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية و الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) و مجموعة الشيوعيين الثوريين بكولمبيا ... تخطو خطوة جديدة فى رفع راية الخلاصة الجديدة للشيوعية و قيادة بوب أفاكيان و تدعو الشيوعيين الثوريين عبر العالم بصورة ملحّة و إستعجاليّة إلى تعميق نقاش هذه الخلاصة و تبنّيها كأساس و إطار نظري للمرحلة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية .
لذلك و لأنّنا لم نلمس تفاعلا جدّيا كبيرا من لدن الشيوعيين عربيّا ( عدا الجدال الهام بين محمّد علي الماوي المناهض للخلاصة الجديدة للشيوعية من جهة و ناظم الماوي أحد أنصارها من الجهة الأخرى ، ضمن كتاب ناظم الماوي " صراع خطين عالمي حول الخلاصة الجديدة للشيوعية - هجوم محمّد علي الماوي اللامبدئي و ردود ناظم الماوي نموذجا عربياّ " ) مع هذا الصراع المصيري على أكثر من صعيد ذلك أنّ رهانه كما يحلو للبعض القول ليس أقلّ من مستقبل الحركة الشيوعية العالمية و تحرير الإنسانيّة من جميع أنواع الإستغلال و الإضطهاد ، إنصبّ جهدنا فى هذا الكتاب على توفير المزيد من المواد إلى جانب عشرات الوثائق التى سبق لنا ترجمتها و نشرها مجمّعة فى كتب أخرى ، و على إعادة مدّ القرّاء بنصوص مفاتيح فى فهم الخلاصة الجديدة للشيوعية و قيادة من تقدّم بها . وفى هذا الكتاب الجديد ، نفسح المجال لقادة من الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ليتحدّثوا عن قيادة بوب أفاكيان و تجربتهم معه فى الجزء الأوّل من الكتاب و عن الخلاصة الجديدة للشيوعية فى جزئه الثاني .
و من لفيف قادة ذلك الحزب الذين إصطفينا حسب أهمّية ما ألّفوا فى موضوع الحال : سنسارا تيلور و أرديا سكايبراك و لينى وولف و كارل ديكس و ريموند لوتا و طبعا بوب أفاكيان . و إعتبارا لأنّ فى الكتاب تجدون ملحقا يعرض سيرة مختصرة لأفاكيان ، سنكتفى فى هذه المقدّمة بالتعريف بالقادة الآخرين بإقتضاب ، فى أسطر قليلة لا غير .
سنسارا تيلور من أبرز القيادات النسائيّة لهذا الحزب فهي فضلا عن كتابتها الكثير من المقالات فى جريدة " الثورة " تُعنى بمواضيع شتّى ، و إلقاء المحاضرات فى المعاهد و الكلّيات و مكتبات " كتب ثوريّة " و قيادة المسيرات و التجمّعات والإحتجاجات ، مختصّة أساسا فى العمل على الجبهة النسويّة أي تنظيم و قيادة النضال ضد الشوفينيّة الذكوريّة و البطرياركيّة / النظام الأبوي من أجل تحرير النساء و الإنسانيّة جمعاء . وهي مؤسسة شبكة وضع نهاية للبرنوغرافيا و النظام البطرياركي / الأبوي :
" StopPatriarchy.org"
و واحدة من قادة نشاطاتها المتعدّدة عبر الولايات المتّحدة بأسرها . و من مقالاتها القيّمة العديدة ترجمنا و نشرنا على موقع الحوار المتمدّن منذ 8 مارس 2013 مقال " الإمبريالية الأمريكية ، الأصولية الإسلامية و الحاجة إلى طريق آخر " و رابطه على الأنترنت هو :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=348871
و أرديا سكايبراك من القيادات النسائيّة لهذا الحزب منذ عقود وهي مكلّفة حسب ما نقرأ فى جريدة " الثورة " بمهام مغايرة لمهام سنسارا تيلور. هي ذات خلفيّة علميّة بمعنى أنّ تكوينها و دراستها الأكاديميين مجال إختصاصهما هو البيولوجيا كما تخبرنا بنفسها فى حوارها الصحفي المطوّل لسنة 2015 فى جريدة " الثورة " . و قد ألّفت عديد المقالات و الكتب الهامة و منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب " عن الخطوات الأولى و القفزات المستقبليّة : بحث فى ظهور الإنسان و منبع إضطهاد النساء و طريق التحرّر " ( و قد ترجمنا و نشرنا فصلين منه هما الفصل الثالث و الفصل الرابع) و كتاب " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق : معرفة ما هو واقعي و لماذا يهمّنا " و كتاب " العلم و الثورة عن أهمّية العلم و تطبيقه على المجتمع و الخلاصة الجديدة و قيادة بوب أفاكيان- حوار صحفي مع أرديا سكايبراك " هو مضمون الحوار الصحفي المشار إليه أعلاه .
و ليني وولف من قدماء الحزب و أحد منظّريه البارزين و قد ألّف منذ نهاية سبعينات القرن الماضي كتاب " علم الثورة : مدخل " ورابطه على الأنترنت :
http://bannedthought.net/USA/RCP/Books/TheScienceOfRevolution-Wolff.pdf
و من كتاباته المتنوّعة مقالات تحليليّة للبرجوازية الجديدة السوفياتيّة سنة 1984 منها مقال " ملاحظات بإتجاه تحليل البرجوازية السوفياتية " و رابطه على الأنترنت هو :
http://www.bannedthought.net/USSR/RCP-Docs/Wolff-Davis-1984.pdf
و ليني وولف أوّل من صاغ نصّا متكاملا يعرّف بالخلاصة الجديدة للشيوعية ( " إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان؟ ") كان مادة محاضرات و ندوات أدارها منذ سنة 2008 .
و كارل ديكس مناضل قديم وقف ضد حرب الولايات المتحدة ضد الفتنام و رفض الإلتحاق بالجيش الأمريكي المجرم لقتل الفتناميين و نال عقابا على عمله الجريئ ذاك سنوات من السجن . و لم يفتأ كأحد مؤسّسى الحزب و كناطق رسمي بإسمه يقود النضالات ضد إضطهاد السود و المهاجرين اللاتينيّين و يلقى المحاضرات فى مجالات مختلفة . و منذ تأسيسه و الدكتور كورنال واست شبكة
www.stopmassincarceration.net
لم يعد يقدّم نفسه على أنّه ناطق رسمي بإسم الحزب الشيوعي الثوري بل على أنّه ممثّل له مؤسّس لتلك الشبكة التى نظّمت فى أكتوبر الفارط تحرّكات نوعيّة ضد عنف الشرطة و قتل السود و اللاتينيين إلخ هزّت عدّة مدن فى الولايات المتّحدة .
أمّا ريموند لوتا فلا شكّ فى أنّ المطّلعين على ما أصدرنا من كتب قد عرفوه لا سيما و قد إنطوى الكتاب 23 على حواره الصحفي المعنون " لا تعرفون ما تعتقدون أنّكم " تعرفون " ... الثورة الشيوعية و الطريق الحقيقي للتحرير : تاريخها و مستقبلنا ". و ريموند لوتا عالم إقتصاد ألّف المقالات فى هذا المجال منذ سبعينات القرن العشرين و مثال ذلك مقال " حول الرؤية المنشفيّة للأزمة : الرأسمالية تعمل فى النهاية " المتوفّر على الرابط التالي :
http://bannedthought.net/USA/RCP/TheCommunist/TheCommunist-RCP-04-Summer-Fall1978.pdf
و ساهم بمقالات فى مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " منها مثلا :
- " عن ديناميكيّة الإمبريالية و عرقلة التطوّر الإجتماعي "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1985-2/index.htm
- " التمرّد فى الصين : أزمة التحريفية ...أو لماذا كان ماو تسى تونغ على صواب "
http://bannedthought.net/International/RIM/AWTW/1989-14/AWTW-14-ChinaCrisis-
وهو صاحب كتاب " إنهيار أمريكا " ألّفه بمعيّة فرانك شانون و كتاب " و خامسهم ماو " و له مقالات لا تحصى و لا تعدّ عن الإشتراكية والتخطيط و العولمة إلخ و من أهمّ نصوص محاضراته التى نشرنا نصّ محاضرة " الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! " ( " الماوية : نظريّة و ممارسة " عدد 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن ، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله !!! ) . و لأكثر من عقد من الزمن الآن ، صار مشرفا أيضا على مشروع " وضع الأمور فى نصابها " أي الدفاع عن الشيوعية فى وجه الهجمات الرجعيّة والإمبريالية و توضيح الحقائق و المكاسب التاريخية – وهي الرئيسيّة – فى تراث البروليتاريا العالمي و تجاربها الإشتراكية السابقة و نقد بعض الأخطاء متّبعا فى ذلك كما يقول هو نفسه قيادة بوب أفاكيان و مطبّقا ما توصّلت إليه الخلاصة الجديدة للشيوعية . و موقع إنترنت " هذه هي الشيوعية " يشهد بذلك :
www.thisiscommunism.org
و من نافل القول أنّ من يرنو لقراءة كتابات هؤلاء التى ذكرنا أو الكثير منها الذى لم نذكر ليس فى حاجة سوى للبحث فى موقع http://www.revcom.us
وهدفنا ، نكرّرها ، هو الحثّ على نقاش إيديولوجي و سياسي مبدئي مثمر و بنّاء رهانه ليس مستقبل الحركة الماوية العالمية فحسب بل مستقبل الحركة الشيوعية العالمية قاطبة . فما على الرفيقات و الرفاق سوى التشمير على أذرعهم و القيام باللازم شيوعيّا أي الغوص فى النقاش و الجدال لفرز الخطوط و فهم مدارها و نقاط خلافاتها و إعمال الفكر النقدي لكشف الحقيقة مهما كانت مريرة و مزعجة أحيانا و لا ترضى البعض و التمسّك بها و التخلّى عن ما هو خاطئ و مواصلة النضال بلا هوادة و على كافة الجبهات ، وبأولويّات لا مفرّ منها ، و تشييد الجديد الشيوعي الثوري و تهديم القديم البالي الرجعي و التحريفي للمساهمة قدر الطاقة فى دفع عجلة الموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية و عدم التخلّف عن الركب فصحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي أو عدم صحّته هي المحدّدة فى كلّ شيء كما جاء فى إحدى تصريحات ماو تسى تونغ الشهيرة و المسجّلة لحقيقة عميقة و شاملة .
و محتويات هذا الكتاب 25 هي :
مقدّمة
الجزء الأوّل : عن أهمّية قيادة بوب أفاكيان
1- على الطريق الثوري مع رئيس الحزب بوب أفاكيان
ليني وولف ، جريدة " العامل الثوري " عدد 1224 ؛ 28 ديسمبر 2003

2 - تأمّل فى الجرأة الفكريّة
ليني وولف ، جريدة " الثورة " عدد 189 ، 17 جانفي 2010
3 – رحلة مع بوب أفاكيان : قائد ثوري مصمّم و إنسان يتّقد حماسا لعقود
كارل ديكس ، الناطق الرسمي بإسم الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
جريدة " العامل الثوري " عدد 1240 ، 16 ماي 2004
4 - التعلّم من بوب أفاكيان : فهم العالم من أجل تغييره
ريموند لوتا ، جريدة " العامل الثوري " عدد 1248 ، 8 أوت 2004
5 - بعض الأفكار عن أهمّية بوب أفاكيان فى بناء حركة ثوريّة
سنسارا تايلور ، جريدة " الثورة " ، 29 ديسمبر 2008
6- بوب أفاكيان فى كلّ مكان - لا للمقاربة الدينية ، نعم للمقاربة العلمية فقط
بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
" الثورة " عدد 328 ، بتاريخ 2 فيفري 2014
إضافات إلى الجزء الأوّل من الكتاب
(1)
Prisoners write about Bob Avakian
What People Are Saying about Bob Avakian and BAsics
Comments and Reviews
(2)
سيرة مخترصة لبوب أفاكيان
المزيد بصدد بوب أفاكيان
عن موقع
Revolution Newspaper | revcom.us
==================================
( 3 )
حول القادة و القيادة
======================================
الجزء الثاني : عن أهمّية الخلاصة الجديدة للشيوعية
1- ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان؟
ليني وولف ، جريدة " الثورة " عدد 129 ، 18 ماي 2008
2- إطار نظري جديد لمرحلة جديدة من الثورة الشيوعية
مقتطفات من كتاب : " العلم و الثورة – حول أهمّية العلم و تطبيقه على المجتمع و الخلاصة الجديدة للشيوعية و قيادة بوب أفاكيان " لأرديا سكايبراك - 2015
3- الخلاصة الجديدة للشيوعية : التوّجه و المنهج و المقاربة الجوهريّين و العناصر الأساسيّة
بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية - صائفة 2015
جريدة " الثورة " عدد 395 ، 13 جويلية 2015

3- إضافات إلى الجزء الثاني من الكتاب
(1)
ستّة قرارات صادرة عن اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة
( 1 جانفي 2016 ، نشرت فى جريدة " الثورة " عدد 423 ، 25 جانفي 2016 )

(2)
حان وقت التنظّم من أجل ثورة فعلية
رسالة من اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية
( جريدة " الثورة " عدد 440 ، 23 ماي 2016 )
(3)
مبادئ نوادى الثورة
( جريدة " الثورة " عدد 444 ، 20 جوان 2016 )
(4)
كيف يمكننا الإنتصار – كيف يمكننا فعلا القيام بالثورة
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
جريدة " الثورة " عدد 457 ، 19 سبتمبر2016
===================================================================
ملاحق الكتاب 25
(1)
إلى الشيوعيّين الثوريّين فى العالم و أفغانستان : قطيعتنا مع الحزب الشيوعي ( الماوي ) الأفغاني
مجموعة الشيوعيّين الثوريّين - أفغانستان – سبتمبر 2015
(2)
حاجة ملحّة : رفع راية الخلاصة الجديدة للشيوعية لبوب أفاكيان ،
بيان للمجموعة الشيوعيّة الثوريّة بكولمبيا ، غرّة ماي 2016
الإطار الجديد الضروري للمرحلة الجديدة للثورة !
(3)
هذا نداء إستعجالي لغرّة ماي ! لا وقت نضيّعه !
عالم مغاير جذريّا ممكن ! فقط إن رفعنا راية الخلاصة الجديدة للشيوعية !
الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) - غرّة ماي 2016

( 4 ) فهارس كتب شادي الشماوي
======================================
الجزء الأوّل : عن أهمّية قيادة بوب أفاكيان
======================================
1- على الطريق الثوري مع رئيس الحزب بوب أفاكيان
ليني وولف ، جريدة " العامل الثوري " عدد 1224 ؛ 28 ديسمبر 2003 ،
rwor.org
( و قد غدت هذه الجريدة تحمل عنوان " الثورة " منذ 12 سنوات )

ليني وولف هو مؤلّف كتاب " علم الثورة " ، كمدخل إلى المبادئ الأساسية للماركسيّة – اللينينية – الماوية و تحاليلها ومناهجها .
------------------------------
(1)
فى الأشهر الأخيرة ، توفّرت لى فرصة العودة إلى كتاب لينين " ما العمل ؟ " بالتوازى مع دراسة و تأمّل بضعة نقاط أخرى أيضا منها حملة الترويج لرئيس حزبنا و نشر أفكاره فى الأوساط الشعبيّة – و قد قادنى ذلك إلى تقييم متجدّد لجاذبيّة العفوية : لا يهمّ مدى العلوّ الذى تبتغى التحليق به إذا لم تقاتل الجاذبيّة ستسقط أرضا . و يجدر بنا التفكير فى النسبة المائويّة العالية للثوريين فى زمن ما – أفرادا و أحزابا – الذين تحطّموا على هذه الصخور . تقريبا جميعهم إنطلقوا فى النضال من قناعات ثوريّة أصيلة إلاّ أنّهم فى يوم من الأيّام ، بعد سنوات أو حتى عقود من المعارك ، وجدوا بشكل ما إسمهم أسفل عقد بيع – ربّما دون وعي حتى لكيفيّة بلوغهم تلك النقطة أو حتى أنّهم أمضوا على ذلك .
هذه هي قوّة جاذبيّة العفويّة – تماما بمعزل عن قناعاتكم ، إن لم تجدوا طرق تحويل النزعة الطبيعيّة للأشياء ، ستنتهون إلى السقوط إلى موقع أقسمتم أنّكم لن تذهبوا إليه .
و أعتقد أنّ سمة من سمات مقاربة رئيس حزبنا لم تكن أبدا الرضا بما قد أنجزناه . إنّه بلا هوادة يسائل الحزب كلّه و يسائل نفسه :هل نقوم بكلّ ما فى وسعنا لإنجاز الثورة ؟ هل نركّز على المسائل الصحيحة؟ هل ندفع بقوّة كافية – أو فى الطريق الصحيح – إلى حدود الممكن ؟ هل ننظر كفاية إلى الأشياء من وجهة نظر هدفنا النهائي ، و هل نعقد روابط قويّة بما فيه الكفاية بين ذلك الهدف و عديد المهام الملحّة اليوم ؟ هل نقارب الأشياء كفاية من موقف أممي صريح و نضع كلّ عملنا فى قلب الوحش هذا إنطلاقا من حاجيات الشعوب عبر العالم و نضالاتها ؟ هل نفكّر بصرامة كافية فى النقاط التى أثارها الناس الذين لا يتفقون معنا حول الإستراتيجيا ، لكن الذين يمكن أن يشتغلوا على شيء نحتاج إلى التعلّم منه ( على سبيل المثال: كتابات رئيس الحزب عن جورج جاكسون (1) قبل بضعة سنوات ) ؟ هل نلجأ إلى إجابات سهلة أو مقاربات بسيطة لمسائل معقّدة ؟ هل نقوم بما هو كافى لنتقدّم بقطاعات حيويّة من قاعدتنا ، لنطوّر ( و نتعلّم من ) الشباب حول الحزب ، و نتفاعل مع آخرين خارجه للقيام بشيء إيجابي؟
أعتقد أنّ توجّه رئيس حزبنا هو سبب حيوي جدّا لكون حزبنا إستطاع ليس البقاء على الطريق الثوري فى هذه البلاد و حسب لكن عمليّا إستطاع كذلك التقدّم .
(2)
فى وقت ما كان لى تبادل آراء مع رئيس الحزب بصدد مسألة ستالين . من المسائل البارزة – و مشكل بالنسبة يتعيّن على حركتنا الخوض فيه – أن لا أحد آخر من ضمن النواة القياديّة الأصليّة للبلاشفة بإستثناء ستالين تمكّن من أن يواصل كقائد لمجتمع إشتراكي و أنّ بالذات قلّة منهم صارت معارضة لمزيد التقدّم . و كان عددا منهم بعيدا جدّا عن الماركسيّة فى بعض النقاط – بوخارين مثلا . و ستالين ذاته مثلما لخّصنا ، كانت لديه نقائص فى إستخدام المنهج الجدلي ببراعة .
و مثال مكثّف لهذا التناقض : أكتوبر 1917 . إضطرّ لينين فى الأساس إلى أن يهدّد بالإستقالة لأجل الحصول فى النهاية على الأغلبيّة ضمن النواة القياديّة البلشفيّة للموافقة على إنتفاضة أكتوبر ، رغم تقديمه حجّة مقنعة و حججا فى منتهى الإقناع أمام إعتراضات عدّة على تلك الحجّة . لعلّه مزيج من قوّة حججه السياسيّة و سلطته داخل الحزب و مسار الأحداث و نشاطات قسم من الجماهير و شعور بأنّه إن لم يكن لديهم لينين فى حزبهم عندئذ لم يكن حزبهم ليقود أبدا ثورة هو الذى دفع الأغلبيّة إلى تغيير رأيها. لكن مجدّدا – ليس جيّدا أنّه لجأ إلى التهديد بالإستقالة – ليس جيّدا أنّ الناس لم يستطيعوا رؤية ما كان لينين يراه ( ليس أنّه على كلّ شخص بالضرورة رؤية التناقضات بالعمق أو الوضوح أو بنظرة ثاقبة مثل نظرة لينين ، إلاّ أنّه لا يبدو تقريبا كما لو أنّهم كانوا ينظرون حتى من خلال ذات العدسات ) ، و هذا يشكّل مشكلا نحتاج إلى التفكير فيه .
و بالعودة إلى ذلك المشكل و الخوض فيه ، ينبغى التفكير فى نقطة هامّة هي أنّه بُعيد إندلاع الحرب العالميّة الأولى ، أعاد لينين دراسة جدليّة هيغل . و قد صدمه ليس كثيرا إندلاع الحرب كما صدمه إستسلام تسعة أعشار الأحزاب الإشتراكية – الديمقراطية فى أوروبا ، و شعُر بضرورة " إستنطاق الكتب " مرّة أخرى . يمكن إيجاد ملاحظاته عن هيغل فى المجلّد 38 من مؤلفاته الكاملة ؛ وهي تمثّل إعادة تفكير و إلى درجة معيّنة إعادة صياغة لما صار الفلسفة الماركسيّة والمنهج الجدلي ( أنظروا الهامش عدد 3 ). يبدو على الأرجح أنّ إعادة التفكير هذه شكّلت أساس أطروحات لينين الراديكاليّة و غير المتوقّعة ، " أطروحات أفريل " سنة 1917 ، عندما صدم الحزب البلشفي بالدعوة تقريبا إلى الإعداد المباشر للثورة الإشتراكية(عوض فترة طويلة من العمل السياسي بما يعزّز الثورة الديمقراطية البرجوازية الجارية حينها).

و مع ذلك ، لا نشعر بأنّ لينين قد شرح هذه المسائل المنهجيّة و الفلسفيّة إلى قادة آخرين فى الحزب و " أخذهم معه " فى ذلك ( أو على الأقلّ لا أعلم إن فعل – لا يوجد ذلك فى كتاب كروبسكايا (2) أو " تاريخ الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي " ، مثلا ) . بطبيعة الحال ، ربّما لم تكن لديه الحرّية للقيام بذلك لكن على كلّ حال لا تشعر أنّه كان يستطيع إنتهاج هذه الطريقة – لكنّه فى رأيى مرّة أخر ، كان يعيد التفكير و تقريبا يعيد صياغتها بعد إعادة قراءته لهيغل – جعل تلك الأفكار ملكيّة شائعة للقيادات و من خلالها لصفوف الحزب بأكمله . ( طبعا ، قام لينين بتأليف كتاب كامل عن الماديّة لمّا كانت تتعرّض إلى الهجوم – " الماديّة و مذهب النقد التجريبي "– الذى أظنّ أنّه كان له أثر هائل ؛ و مجدّدا ، من الوارد ، مع واقع الحرب و إنهيار الأمميّة الثانية و المهام المتّصلة بتلك الأحداث الكبرى ، أنّ لينين و البلاشفة لم يستطيعا نحت الحرّية لكلّ فرد للقيام بمثل تلك الدراسة لهيغل ؛ لكن نقطتى هي ، مع ذلك ، أنّه وُجد بون شاسع خاصة فى ما يتعلّق بالجدليّة و أعتقد أنّه عاد لنتاب البلاشفة ) (3) .
كنت أفكرّ فى هذا الحوار عن البلاشفة لفترة من الزمن وعدت إلى شيء قالته لى رفيقة قبل بضعة سنوات . نظرا لمشاكل موضوعيّة ، إضطرّ هذا الرفيق لقطع مشاركتنا فى الحياة الحزبيّة ( بما فيها النقاشات ) ، و كان هذا الوضع صعبا عليها . على أي حال ، كنّا نناقش أحد خطابات رئيس الحزب فى بداية التسعينات و لاحظت أنّه كلّما قرأت خطابا من خطاباته ، كانت تشعر كما لو أنّه يتمّ إستدعاؤها إلى الخوض فى و المساهمة فى حلّ المشاكل المطروحة و إيجاد إجابة لها . أعتقد أنّ هذا صحيح حقّا – و جزء من " مقاربته " – و مع مزيد التأمّل أودّ أن أضيف أنّه أيضا " يأخذنا " معه ، و يعطينا فرصة الخوض فى و تدبّر الأمر و بالقيام بذلك نستوعب المنهج الذى يطوّره ( و لتعميقه كذلك ) . هذه نقطة قد وقعت الإشارة إليها قبلا – أنا لا أفعل هنا سوى شرحها قليلا . لكن أعتقد أنّ لهذه " الممارسة " من لدن رئيس الحزب أهمّية عظيمة على ضوء تاريخ حركتنا بهذا الشأن بما فى ذلك بعض نقاط ضعفها .
--------------------------------------
(3)
أرى فعلا أنّ رئيس الحزب قد عمّق أكثر المساهمات الفلسفيّة لماو تسى تونغ خاصة فى شيء من الخلاصة الأرقى . و يعود ذلك إلى كون الكثير من أفكار ماو الفلسفيّة الأخيرة و الأكثر إستفزازا – كما سجّلتها مجموعات نصوص و خطب و تعليقات غير رسميّة متنوّعة بعد 1949 – و كذلك الإنعكاسات الفلسفيّة لبعض تحاليل ماو السياسيّة الرائدة و بعض ما نجم عن القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( مثل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ، و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و دور الوعي و البنية الفوقيّة ، و تجاوز الحقّ البرجوازي ، و دور الحزب فى ظلّ الإشتراكية إلخ ) - لم يقع تلخيصها أبدا فى كلّ منسجم إلى أن كتب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " .
و بينما ستكون لذلك كافية فى حدّ ذاتها ، فإنّ طريقة تلخيص رئيس الحزب ، و مزيد تطويره و تطبيقه لهذه الرؤى الثاقبة يعنى عمليّا مزيد المساهمة فى الفلسفة الماركسيّة . و هذا يمضى من " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " إلى البحث القصير فى 1981 بعنوان " الأساس الفلسفي للأمميّة البروليتارية " و " كسب العالم ..." و نقاشات كُثر عبر السنين بشأن مسائل الجدليّة و المنهج ، وصولا إلى الخطاب الحديث " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " – أين يأخذ مفهوم و " ممارسة " [ براكسيس ] طُوّرا فى الأصل لتطبيقهما على الإقتصاد فى الصين و يستخلص منهما تبعات فلسفيّة و منهجيّة تتراوح العلاقة بين السببيّة و الصدفة و الصدفة و الضرورة و المنهج الماركسي العالمي و خاصة مجالات النشاطات الإنسانيّة و التعلّم و القيادة ، و القيادة و إطلاق العنان ، و الإقتصاد و السياسة إلخ ؛ كلّ هذا فى إطار صراع حقبة إنسانيّة لفهم العالم و تغييره . هذا حقّا أمر جيّد – و حقّا شيء جيّد !
و بالعودة إلى ملاحظة الرفيقة و إلى المشكل المطروح ( أو التناقض المكتشف ) لنقائص النواة القياديّة البلشفيّة ، من اللازم أن " نقبل الدعوة " و نتعمّق قدر الإمكان فى الخوض فى ذلك المنهج وتلك المقاربة، مجتهدين لجعلهما ملكيّة ( جماعيّة ! ) للناس الذين نقودهم ، و مواصلة السير مع النسق
و التقدّم معا فى خطوات تمضى بنا إلى الأمام عندما تتحقّق .
------------------------------
(4)
إذا كانت لديك رؤية ، مسألة خلاف غير تام التشكّل – إن كنت تفكّر بصوت عالي و تحاول إبراز فكرة جديدة – سيُنصا إليك رئيس الحزب بآذان صاغية ثمّ سيتحدّاك لتطوير تلك الرؤية أو المسألة أو الفكرة أو الخلاف قدر مستطاعك ؛ و سوف يحثّك على أن تصوّر الإنعكاسات الأعمق على أتمّ وجه ممكن ، و سيشجّعك لأخذ الوقت ( و المسؤوليّة ) للتفكير فيها بأكبر قدر من الصرامة الممكنة .
و النتيجة المباشرة هي أنّ رئيس الحزب لا يرضى بالسطحيّة و الرضا على النفس فى تحليل ظاهرة ، و تقديم نقد و معالجة مسألة إلخ . إنّه يطلب من الآخرين ما يطلبه من نفسه : التعمّق حقّا فى ظاهرة أو حجّة أو مسألة و الشرح الحقيقي للتناقضات الكبرى المعنيّة و تفحّص و الغوص حقّا فى الأمر و تفكيكه على نحو صريح جدّا . و فى كلّ هتين النقطتين ، هناك توجّه كامن : لا صرامة أو " إمتياز " بعيدا عن و فوق الطبقات و الصراع الطبقي ، لكن إذا كنّا سنقوم بما علينا فعله ،و غذا كنّا سنعالج حقّا المسائل التى أمامنا ، ليس هذا مجرّد تمرين فكري و إنّما شيء له رهانات عالية جدّا بالنسبة إلى مستقبل الناس – و علينا أن نجتهد لمقاربة كلّ مسألة و إعمال الفكر فيها و تولّى تلك المسؤوليّة .
----------------------
(5)
نقطة أخرى بصدد المقاربة : رئيس الحزب هو من سأعتبره مفكّرا شاملا و بعيد النظر – مزيج من مفكّر واسع الإطلاع و المعرفة الشاملة و فى نفس الوقت مفكّر منفتح للجديد و غير المنتظر . هناك مقاربة للإطلاع الواسع و نسج روابط ( روابط تبدو أحيانا غير مرجّحة لأوّل وهلة ) – لأن نكون شامخين جدّا و جدّ واقعيين فى خصوص المسألة الحقيقيّة ، و فى نفس الوقت – والقيام بكلّ هذا خدمة لمواجهة أصعب المشاكل .
أعتقد أنّ هذه المقاربة عمليّا جزء من تطبيق المنهج الجدلي ( الروابط المتناثرة من الأماكن غير المتوقّعة تعمّق فهم السيرورة برمّتها ، السيرورة برمّتها ) و الفهم المادي أيضا ( الأفكار تعكس الواقع ، و حتّى الأفكار الخاطئة أو الصحيحة جزئيّا و تحليل هذه الأفكار – و خاصة إن كنت تقدر على ( مجدّدا ) " التعمّق فيها " و تفكيكها كما يفعل الرئيس – يمكن أن تؤدّى إلى خلاصة أرقى ، إلى فهم أصحّ بصفة أكمل لذلك الواقع – منهج ليس قليل الأهمّية ).
و فى الآن نفسه ، تفكير رئيس الحزب متجذّر عميقا فى الممارسة العمليّة المتقدّمة للصراع الطبقي – إنّه يسائل و يحلّل و يستخلص الدروس من هذه الممارسة من وجهة نظر تقدّم الإنسانيّة نحو الشيوعيّة –و كلّ هذا بوعي عميق بإطار تجربة البروليتاريا العالميّة ، و خاصّة الدول الإشتراكية التى ولّدتها الثورة البروليتارية – الضرورة الماديّة التى واجهت الناس و ما كانوا يحاولون القيام به فى وجه ذلك .
كلّ هذا التوجّه الشامل و البعيد النظر شيء ليس شائعا فى حركتنا و فى تاريخنا _ إنّه شيء تدفع ضدّه بآلاف الطرق المختلفة إلحاحيّة الأحداث الإستعجاليّة ، و الحاجة إلى التركيز بعمق على بعض الأشياء ، و عوامل أخرى كذلك بلا شكّ – لكنّه شيء مهمّ جدّا لبذل الجهد من أجله إذا كنّا نريد القيام بكلّ ما بوسعنا للتقدّم بالأشياء إلى أبعد ما أمكن بالنسبة لطبقتنا و قضيّتنا – و بالنسبة للإنسانيّة ذاتها التى تمثّل طبقتنا أعلى مصالحها فى هذا الوقت .
--------------

الهوامش :
1- أنظروا " تجاوز الحدبتين الكبيرتين : مزيدا من الأفكار حول كسب العالم – إعادة قراءة جورج جاكسون " ، جريدة " العامل الثوري " عدد 968 ( 9 أوت 1998) .
2- ن. ك. كروبسكايا " ذكريات مع لينين " ( ناشرون عالميّون 1970 ) .
3- إنعكاسات معركة لينين ضد مذهب النقد التجريبي يولى لها إهتمام له دلالته فى " تاريخ الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي " ، رغم أنّها كذلك توضع نوعا ما كمقدّمة لما سيُنشر لاحقا لستالين " المادية الجدلية و المادية التاريخية " الذى وصفه رئيس حزبنا فى " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " على أنّه " صحيح إلى درجة كبيرة [ لكنّه ] ينطوى على قدر معيّن من الميتافيزيقا " – خاصة ، الإخفاق فى " التركيز على القانون الأساسي للماديّة الجدليّة " [ ص 147 ] ، حتى و ستالين عمليّا يستشهد بالمجلّد 38 من مؤلّفات لينين . و لا يشير " تاريخ ..." إلى دراسة لينين لهيغل ، على حدّ معرفتى . و فى حين أنّي لم أقم بدراسة تامة أخيرا للكتاب برمّته ، فإنّ مراجعة تدوين ستالين تبيّن نزعة نحو تقليص منهج لينين إلى مجموعة من ( مع الإقرار بصحّتها و أهمّيتها ) التعاليم الخاصة بطبيعة أحزاب الأمميّة الثالثة مقارنة بأحزاب الأمميّة الثانية [ أنظروا القسم المعنون " 2- المنهج " ، صفحة 11-19 بالأنجليزية من " مسائل اللينينية " بما فى ذلك ( فى علاقة بمسألة المنهج الفلسفي و الجدلي ) و الحاجة إلى أن نختبر النظريّة " فى خضمّ الصراع الثوري للجماهير " و سياسة الحزب للحكم عليه إنطلاقا من أفعاله لا من أقواله . فى على الأقلّ موقع من عمله ، يحاجج ستالين صراحة ضد و حتى يسخر من مفهوم أنّ لينين قد طوّر تفكيره بشأن علاقة مراحل الثورة البرجوازيّة و البروليتاريّة ، عندما واجه تطوّرات و أوضاع جديدة غير مسبوقة . لقد كان هذا على الأرجح فى تعارض مع إدّعاء تروتسكي بأنّ لينين قد إتّحد مع خطّ تروتسكي ليصوغ " أطروحات أفريل " ، لكن هذا لا يبرّر حقّا الإخفاق فى المسك بالطرق الهامة التى تطوّر بها فعلا تفكير لينين .

2 - تأمّل فى الجرأة الفكريّة
ليني وولف ، جريدة " الثورة " عدد 189 ، 17 جانفي 2010 .

الزمن الذى نحيا فيه زمن رهانات كبرى خارقة للعادة . فهناك بون شاسع بين العالم كما هو و العالم الذى تستطيع الإنسانيّة و تحتاج بإلحاح إلى أن توجده . أحيانا يصدمك هذا البون صدمة شديدة قليلا . و أحيانا، بعد نهاية ليل طويل حيث إحتمالات بلوغ ما نحتاج إلى القيام به بصفة مستعجلة قد يكون طويلا جدّا فعلا.
عند التأمّل فى هذا فى المدّة الأخيرة ، وجدت نفسى أفكّر فى الجرأة الفكريّة . فكّرت فى أنّ هناك على الأقلّ أنواع ثلاثة لهذه الصفة النادرة جدّا .
هناك جرأة التشديد على و القتال من أجل ما تعرفون أنّه صحيح فى مواجهة الفكر السائد و الضغط الإجتماعي العام . قد تفاجئ بمدى صعوبة أن يكون الأمر كذلك – أنّه غير عادي – لكن الناس حيوانات إجتماعيّة ، جرى تكييفه على البحث على القبول الإجتماعي ، وهم يعيشون فى مجتمع طبقيّ حيث الروح النقديّة يقع حتما ترويضها و الإبقاء عليها فى الحدود الأضيق . و مع ذلك ، دون هذه الجرأة ، لا يمكن لشيء ذى قيمة أن يحدث ، أو حتى أن يكون قد تحقّق .
و هناك نوع ثاني من الجرأة الفكريّة : الجرأة على الحفاظ على القناعات فى مواجهة القمع و التهديدات الشديدين . فى السنوات القليلة الأخيرة ، إلتقيت إمرأة ثوريّة عرفت غرف تعذيب آيات الله و رفضت أن تقول إنّها تؤمن بالله ؛ و قد سمعتُ الدكتورة سوزان ويكلوند تتحدّث وهي دكتورة وضعت حياتها بين يديها لتقدّم الإجهاض للنساء فى المدن الصغرى و أكثر من ذلك ، تقف لتتحدّث و تكتب عن هذا بفصاحة و شرف . و أقلّ ما يقال إنّها قد أثّرت فيّ و ألهمتنى بهذه اللقاءات . تحتاج الثورات إلى العديد و العديد من الناس الذين يتقدّمون لإجتراح مثل هذا النوع من الجرأة .
و ثمّ هناك نوع ثالث من الجرأة الفكريّة : جرأة النظر مباشرة تماما إلى وجه مشكل مروّع ووضع صعب. على وجه الضبط أنواع الأوضاع فيها طريق التقدّم بعيد عن أن يكون واضحا و فيها تهظر إحتمالات تمنع التقدّم – و ليس رفض الإحجام أو التراجع و حسب ، بل كذلك تكريس النفس للحفر بعمق و تفحّص كلّ تعقيد ملتوى من تعقيداته . بمعنى ، جرأة رفض الإجابات السهلة .
هذه الجرأة تقف بحدّة فى معارضة الذهنيّة التى تدير ظهرها لعمق التحدّى بسبب الإنعكاسات الهائلة و غير المرضية الممكنة لحلولها الممكنة . إنّها تقف بشدّة فى معارضة ذهنيّة أنّه عندما تجرى مواجهة الهاوية ، تتجه عوض ذلك إلى رواية معزّية لكنّها مخدّرة و فى نهاية المطاف قاتلة . هذه الذهنيّة المستشرية اليوم إن لم يقع تحدّيها لن تبقي فقط الإنسانيّة فى أغلالها بل ستخنق أي أمل فى المستقبل . و نظرا لذلك ، يمكن للمرء أن يقول إنّ هذا النوع الثالث من الجرأة الفكريّة هو النوع الأندر و الأثمن إطلاقا .
لا أحد أعرفه يمزج بين الأنواع الثلاثة من الجرأة الفكريّة – و خاصة ذلك النوع الحيوي – مثلما يفعل بوب أفاكيان . هناك قسط هائل – قسط ضخم حقّا – قد حقّقه أفاكيان فى خلق جملة من الأعمال و صياغة منهج و مقاربة قد أنقذت و أعادت تشكيل الفكر الشيوعي و الثورة الشيوعية التى هي فى الواقع الإجابة الفعّالة الوحيدة التى لدى الإنسانيّة عمليّا تجاه الوضع المقرف السائد. لكن كجزء مفتاح من هذه المقاربة ، هناك كذلك توجه – مجدّدا ، جرأة – دفعت قدما بلا هوادة تلك الجملة من الأعمال . خطابه الأخير ، " التناقضات التى لم تحلّ قوّة محرّكة للثورة " يتناول عددا من المسائل والمشاكل المختلفة المجمّعة حول تناقضات حيويّة ثلاثة لم تحل : الإستقطاب السياسي الصعب للغاية الذى يواجهه اليوم الثوريّون والناس التقدّميّون ، بما فى ذلك داخل الولايات المتّحدة ذاتها ؛ و الهزائم التى مُنيت بها الحركة الشيوعية العالميّة فى العقود الحديثة و التفسيرات الخاطئة ( و القاتلة ) التى تقدّم الآن لمواجهتها ، و العمق الحقيقي للإضطهاد الفظيع للمرأة ، نصف الإنسانيّة ، إلى جانب النقائص المؤلمة التى تحتاج حركتنا أن تفحصها لرفع التحدّيات فى ذلك المجال .
كيفيّة تطرّق أفاكيان إلى هذه المجموعات منالمسائل توفّر مثالا عن ما أذهب إليه . لا تجميل و لا تطمينات كاذبة ... بل تحليل لا هوادة فيه لعمق هذه التناقضات المؤلمة و إطارها و حركتها ، و من خلال السيرورة و بشقّ الأنفس تحديد المصادر الخفيّة للتغيير والمسالك الممكنة للتقدّم فى خضمّ هذه المسائل التى لم تحل، و رسم طرق بها تكون فى جوهرها قوى محرّكة للثورة و تضع تحدّيا أمامنا للمواجهة التامة للواقع و المساعدة على صياغة هذه المسالك فى مجالات كلّ من النظريّة و الممارسة و بالتالي الإضطلاع بأكبر قدر من الفعاليّة الممكنة بالعمل الصعب لكن الضروري بصفة ملحّة للقيام بالثورة و تغيير العالم .
هناك جسارة و تعطّش إلى الحقيقة ، غير أنّ هذا ليس شيئا غامضا بل شيء نفكّر فيه و نبنى على أساسه، شيء نتعلّم منه و نطبّقه مهما كانت ظلمة الليل و كان نور النهار .

3 – رحلة مع بوب أفاكيان : قائد ثوري مصمّم و إنسان يتّقد حماسا لعقود
كارل ديكس ، الناطق الرسمي بإسم الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
جريدة " العامل الثوري " عدد 1240 ، 16 ماي 2004
www.rwor.org
و أنا أطالع مقال لينى وولف بصدد مقاربة بوب أفاكيان و صراع الخطّين و كيف يتخذ أفضل حجج الخطوط المعارضة و يفكّكها و يبيّن إلى أين ستقود ، و كيف يدعوك إلى الخوض فيها ، و إلى إتباع مقاربته و منهجه ، عادت إلى ذاكرتى أوّل تجربة لى فى التفاعل مع بوب أفاكيان . و قد حدث هذا فى أواسط سبعينات القرن الماضي فى فترة كانت فيها الحركة الشيوعية غارقة فى صراع خطّن حاد . كان ذلك زمن كنّا فيه نحن الذين كنّا نرى أنفسنا شيوعيين نبحث عن أي خطّ بإمكانه أن يقودنا إلى إنجاز ثورة شيوعية هنا بالذات فى قلب الوحش كما كان يقول الكثيرون منّا حينها .
كنت أقيم ببلتيمور و كنت ناشطا ضمن مؤتمر العمّال السود . و صادف أن كنت و رفيق من الإتحاد الثوري فى حاجة ماسّة إلى مكان نوى إليه لقضاء الليل فى منطقة نيويورك . و كانت تلك وضعيّة فى حدّ ذاتها غير عاديّة ذلك أنّ الإتحاد الثوري و مؤتمر العمّال السود كانا يخوضان جدالا شرسا حول المقاربة التى نحتاج لبلوغ تحرير السود . و كان هذا الجدال يشمل مسائل مثل كيف نصف بطريقة صحيحة أمّة السود المضطهَدَة فى الولايات المتحدة ، و مدى محوريذ’ حقّ إقامة دولة منفصلة للسود لبلوغ تحريرهم و مسائل تخصّ قيادة الحزب الشيوعي الجديد الذى نحتاج لقيادة النضال الثوري و ما كانت صلة النضال من أجل إنهاء إضطهاد السود و القوميّات المضطهَدة الأخرى بالنضال العام البروليتاري الثوري .
كانت المنظّمتان ( الإتحاد الثوري و مؤتمر العمّال السود ) تقومان بعمل مشترك قصد تشكيل حزب شيوعي جديد لقيادة الثورة هنا ، فى قلب الوحش إلى أن إختلفتا فى كافة المشاكل الكبرى الأخرى التى تشمل التقدّم بالصراع الثوري . و كانت بلتيمور آخر منطقة فى البلاد حيث حافظت المجموعتان على العمل المشترك .
و للعودة إلى قصّتى ، لم تكن لديّ أيّة آفاق لإيجاد أي مكان آوى إليه فى منطقة نيويورك لكن رفيق الإتحاد الثوري قال إنّ لديه مكان سيحاول الإتصال به ثمّ أجرى مكالمة هاتفيّة ، و عقب نقاش طويل ، قال إنّ لديه فعلا مكان أين يمكن أن نمضي الليلة .
ولمّا نزلنا بالمكان ، إتّجه إلى عمق الشقّة بينما بقيت أنتظر فى قاعة الجلوس . حسبت أنّ هذا و المكالمة الهاتفيّة الطويلة مردّهما حرج فى أنّ شخصا من مؤتمر العمّال السود يُجلب إلى منزل شخص من الإتحاد الثوري فيما كانت المجموعتين فى جدال حاد . لكن الأمر كان يتعدّى ذلك . عاد الرفيق بعد بضعة دقائق. وبعد شيء من الحديث التمهيدي سأل إن كنت أنوى إثارة المسائل الخلافيّة بين المنظّمتين. وأجبت بنعم و عرضنا مواقفنا المتباينة بإقتضاب . ثمّ إعتذر الرفيق و ذهب إلى عمق الشقّة مرّة أخرى . و بعد بضعة دقائق ظهر بوب أفاكيان .
و إنطلق الكلام بشرح أنّهم كانوا متردّدين فى جلبي إلى المكان نظرا لأنّه هو كان يقيم به . و حينما أنهى كلامه قلت له ما كنت أتوقّعه . و تاليا إقترح أن ننطلق فى النقاش من القمّة . فشرعت فى إثارة الخلافات بين منظّمتينا فى ما يتعلّق بشعار " ليتولّى العمّال السود القيادة " . ( كان ذلك شعار رفعه مؤتمر العمّال السود كطريقة لتقديم كلّ من الصراع الطبقي الشامل و الصراع ضد إضطهاد السود ) . إنتقيت هذا كنقطة إنطلاق لشعور إنتابنى بأنّى قادر على الدفاع الجيّد عنه . ( و كان النقاش مع بوب أفاكيان و كنت قد سمعته يتحدّث عدّة مرّات و أعلم أنّه مثال فى الدقّة و التصميم فى ما يتّصل بصراع الخطّين . لكنّنى أحسست بقدرتى على رفع هذا التحدّى . ) فردّ بإقتراح أن نركّز أوّلا على الصراع الطبقي العام لأنّه محوريّ تماما لما نحن بصدده ".
حجّة مؤتمر العمّال السود للماذا كان هذا الشعار صحيحا تقوم على أنّ العمّال السود كانوا أكثر الفئات تقدّما فى صفوف الطبقة العاملة و بالتالى ينبغى أن يكونوا فى مصاف قيادة صراع الطبقة العاملة . تناول أفاكيان هذا بصفة خاصة متوجّها إليه أوّلا و قبل كلّ شيء من منظور إلى أين كنّا نحاول الوصول- إلى مجتمع شيوعي خالي من الطبقات . و على ضوء هذا ، بيّن أنّ الحيوي هو الفئة الواعية طبقيّا من الطبقة العاملة التى يجب أن يتمّ التوحّد حولها لقيادة البروليتاريا فى الصراع من أجل مصالحها كطبقة . و حتىّ إن كان العمّال السود جزءا كبيرا نسبيّا من الفئة الواعية طبقيّا من البروليتاريا عندئذ ، فهم يحتاجون إلى النهوض بدور قيادي كبروليتاريين واعين طبقيّا و ليس كعمّال سود . و إجابة على شيء قلته عن كيف أنّ العمّال السود كانوا هم الذين تفاعلوا أفضل تفاعل مع تحريضنا الثوري فى المصانع و فى الأحياء البروليتاريّة ، أشار إلى أنّ بعض هذا يعزى إلى فهمهم و كرههم لإضطهاد السود و أنّه بينما تقع على عاتق الشيوعيين مسؤوليّة التوحّد مع هذا الكره الصائب للإضطهاد القومي ، لا ينبغى أن نخلط ذلك مع الوعي الطبقي . و إن خلطنا ذلك ، يمكن أن ننتهي إلى الإخفاق فى التمييز بين الأمميّة و القوميّة و فى آخر التحليل ، إلى التذيّل للقوميّة . فى الحال لم أفهم كلّ ما شرحه هنا ، لكن حججه تركتنى أشعر أنّ هناك شيئا خاطئا فى تقديم هذا الشعار كشعار صحيح للتقدّم بالصراع الطبقيّ ككلّ .
-----------
و من ثمّة إنتقلنا إلى ما إذا كان شعار " ليتولى العمّال السود القيادة " صحيحا للتقدّم بالنضال من أجل القضاء على إضطهاد السود . كنت أعتقد أنّ موقفى ( و موقف مؤتمر العمّال السود ) بروليتاري بهذا المضمار : من الأفضل أن يقود السود النضال ضد إضطهاد السود . ففى نهاية الأمر ، هم الذين ستوفّر لهم مصالحهم كجزء من الطبقة العاملة قاعدة أكبر لعدم الغرق فى نصف الطريق و فى مخطّطات الإصلاحيّة و الأحلام التى يدفع بها النظام هناك ويخوضوا الصراع إلى النهاية . وأشار إلى أنّ هذا النضال شأنه شأن أي نضال آخر ، يحتاج إلى أن يتطوّر كجزء من النضال الشامل من أجل الثورة البروليتارية ، و فى ضوء ذلك ، يحتاج إلى أن تقوده بروليتاريا متعدّدة القوميّات .
إعتقدت أنّه يقوم تقريبا باللعب على الكلمات هنا . نعم ، البروليتاريا المتعدّدة القوميّات يجب أن تقوم النضال الشامل ما سيعنيه ذلك عمليّا سيساوى تقريبا أنّ العمّال السود سيهضون بدور قيادي إن كان نضالا ضد إضطهاد السود . و ذكرت له نضالا محلّيا ضد جريمة شرطة أين إضطلع مؤتمر العمّال السود بدور هام فى الحفاظ عليه من الفرق الإصلاحيّة الضيّقة . و طرحت أن رفاق الإتحاد الثوري قد شاركوا فى ذلك غير أنّهم لم يكونوا ليضطلعوا بالدور الذى إضطلع به مؤتمر العمّال السود .
حصل إتفاق بيننا على أنّ القيادة البروليتارية فى حركات شعوب مضطهَدة قد تشهد أحيانا نوعا من تقسيم العمل فيوفّر البروليتاريّون السود القيادة لنضالات فى صفوف السود . إلاّ أنّه أضاف أنّ المسألة ليست مسألة دلالة ألفاظ أن نقول إنّه يجب أن تكون البروليتاريا المتعدّدة القوميّات هي التى تقود كامل الجبهة المتّحدة بما فيها النضال من أجل تحرير السود . و لم يوافقنى الرأي فى أنّ رفاقا من الإتحاد الثوري سواء كانوا سودا أم بيضا لم يكونوا ليستطيعوا تقديم قيادة لهذا النضال و شرح شيئا لم أفهمه تمام الفهم عن كيف أنّ النضال لوضع حدّ لإضطهاد السود فى الولايات المتّحدة لم يكن نضالا من مرحلتين .
و عدت إلى النقطة الأولى و شرحت كيف أنّ الناس المعنيين بهذا الصراع الذى أشرت إليه كانوا متحفّظين من إنخراط أناس بيض فيه . و فى الواقع ، بعض القوميين الذين حضروا التجمّعات حاججوا بأنّه يجب مطالبة كافة البيض بمغادرة الإجتماع . و إلتحق رفاق مؤتمر العمّال السود بالرفاق من الإتحاد الثوري الذين كانوا من البيض للدفاع عنهم حتى لا يقع طردهم من التجمّعات . و كانت إجابته أنّه ليس من الأكيد كيف كان الأمر سيجرى لو كان رفاق الإتحاد الثوري لوحدهم – ربّما وقع طردهم و ربّما لم يقع – لكن جوهر المسألة هنا كان النضال من أجل مصالح البروليتاريا ، ليس قوميّة الشيوعيين الذين أنجزوا هذا النضال . و حتّى إن كان الشيوعيّون جميعهم سود ، كانوا يحتاجون إلى تقديم مصالح البروليتاريا المتعدّدة القوميّات و القتال فى سبيلها . كان التشديد الذى كنت أضعه على قوميّة الشيوعيين الذين سيقاتلون من أجل مصالح البروليتاريا سيؤدّى منطقيّا إلى موقف أنّ للبروليتاريين السود مصالح معيّنة غير مصالح البروليتاريا ككلّ .
و إستغرق النقاش بعض الوقت و فى الأخير شعرت بأنّ خلافاتنا كانت حول دلالات الألفاظ أكثر من أيّ شيء آخر و ظلّ هو يحاجج بأنّها أكثر من ذلك . ثمّ رجع إلى نقطته الأولى عن أنّ النضال ضد الإضطهاد القومي فى الولايات المتحدة الأمريكية لا يمرّ بمرحلتين . و كنت أشاطره الرأي مثل أي شيوعي يعرف أنّ تحرير السود فى الولايات المتّحدة جزء من النضال البروليتاري الثوري العام . قال إنّه مبتهج بأنّنا كنّا متحدين بشأن هذه النقطة و سأل إن كانت هناك جبهة متّحدة منفصلة لنضال السود فى الولايات المتحدة . و أشار إلى أنّ فى بلد أفريقي مثل تنزانيا سيكون النضال الثوري على مرحلتين ، مرحلة ديمقراطية متبوعة بمرحلة إشتراكية . و هتين المرحلتين يمكن أن ترتبطا إن وجدت قيادة شيوعيّة للنضال هناك إلاّ أنّه ستوجد مرحلتين مختلفتين . و ستوجد جبهة متّحدة للنضال الثوري مختلفة عن الجبهة المتحدة فى بريطانيا العظمى التى هي بلد إمبريالي يهيمن على تنزانيا . و تاليا مررنا إلى أخطاء الحزب الشيوعي الفرنسي بشأن النضالات فى الجزائر و فتنام وهو موضوع شعرت أنّي أعلم عنه الكثير و أدركت بصفة متأخّرة أنّه على الأرجح كان يعرف قدر ما كنت أعرف إن لم يكن أكثر بيد أنّه إستمع غالبا إلى ما كنت أقوله .
----------------
و بعدئذ عاد إلى مسألة الجبهة المتحدة لنضال السود و كان عليّ أن أتّفق معه بشأن أنّه ليست هناك جبهة منفصلة عن أفق محاولة القيام بثورة شيوعية فى قلب الوحش . و ربط هذا بمسألة قيادة النضال القومي للسود . إذا كنتم تقولون إنّه مجال حيث العمّال السود فقط بإمكانهم ممارسة القيادة ، كيف ينسجم هذا مع مجتمع شيوعي بلا طبقات . هل أنّ القيادة المتعدّدة القوميّات لهذا الجزء من الجبهة المتّحدة ممكن فحسب بعد إفتكاك السلطة ؟ و هل أنّ هذا يعود إلى أنّ الجماهير ستكون مستعدّة حصرا لهذا عند تلك النقطة أم هل هو شيء ليس بعض الشيوعيين مستعدّون له بعدُ ؟
و ربط كذلك هذا بأين ينسجم حقّ تقرير المصير للسود مع الثورة البروليتارية . كان موقف الإتحاد الثوري أنّ أمّة مضطهَدَة ضمن حدود الولايات المتحدة ، السود ، من حقّها تقرير مصيرها بما فى ذلك حقّ تشكل دولة سود منفصلة لكن هذا ليس بلبّ نضال السود . لم يكن هذا شيئا فكّرت فيه تفكيرا شاملا . كان من الواضح أن البلاد بلاد رأسماليّة متطوّرة أين مرحلة واحدة من المواجهة الحاسمة من أجل السلطة هو الشكل الذى يجب أن تتخذه الثورة . كانت بحوزتى معلومات بما فيه الكفاية عن الوضع فى روسيا قبل الثورة لمعرفة أنّ هناك أمما منفصلة بطبقات عاملة منفصلة . لكن فى الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، هناك طبقة عاملة واحدة متعدّدة القوميّات . كنت أعتقد أنّ هناك أمّة سود فى الولايات المتحدّة لها حقّ تقرير المصير ، إلاّ أنّى كذلك كنت أعتقد أنّه سيكون تراجعا للثورة البروليتاريّة إن وحّدت القوى القوميّة جماهير السود حول موقف إنفصالي غداة الثورة . ولم أعتبر حقّ تقرير المصير هدفا على الشيوعيين القتال فى سبيله . و عرضت عليه كلّ هذا .
بجلاء فكّر فى الأمر مليّا و وافقنى الرأي فى ما يتعلّق بما قلته عن الثورة البروليتارية فى الولايات المتحدة والحاجة إلى شكل المواجهة الحاسمة مع الطبقة الإمبريالية الحاكمة فى مرحلة واحدة من الثورة. و مضى بعيدا ليشير إلى أنّه إعتبارا لكون غالبيّتهم جزء من بروليتاريا واحدة متعدّدة القوميّات فى هذه البلاد ، فإنّ النضال من أجل تحرّرهم كشعب مرتبط بألف خيط و خيط بتلك المواجهة الحاسمة الوحيدة . و مجدّدا وضع الأشياء فى أفق كيفية بلوغ الشيوعية و شرح أنّه بسبب هذه العوامل الموضوعيّة ، حاجج الإتحاد الثوري بأنّ حق تقرير المصير لم يكن جوهر نضال السود . كانت تلك نقطة هامة بالنسبة إلى لأنّى كنت نوعا ما أنظر إليها نظرة براغماتيّة – و أنّ عددا ليس كبيرا من السود كانوا يرفعون مطلب دولة سود منفصلة ، ثمّ ربّما لهذا ليس حقّ تقرير المصير جوهر نضال السود .
و عوض ذلك ، كان ينظر إلى المسألة من أفق شيوعي و يشرح لماذا الأمر على ذلك الحال . شعرت كما لو أنّه أوضح الإرتباك الذى كان لدي بهذا المضمار و كان عليّ أن أشاطره الرأي بشأن كلّ ما قاله بذلك الصدد .ثمّ عاد إلى مسألة الجبهة المتّحدة المنفصلة للحركة القوميّة للسود و أعرب عن أنّه شعُر أنّ إختلافاتنا بهذا الشأن كانت مرتبطة بالعلاقة بين الثورة البروليتارية و حقّ تقرير مصير السود . و سألته تفسير ذلك و فعل .
هنا لا أتذكّر كلّ ما تطرّق إليه بيد أنّ جوهر الكلام هو مسألة وجود بروليتاريا وحيدة متعدّدة القوميّات و أنّ غالبيّة السود جزء منها و كيف يربط ذلك النضال من أجل تحرير السود بالنضال من أجل الثورة البروليتارية . قال إنّ الجبهة المتّحدة التى نحتاج إليها لإنجاز الثورة هي إنتظام لقوى طبقيّة ، تجميع لكافة الطبقات و الفئات فى المجتمع التى لها مصلحة فى القضاء على النظام الإمبريالي . و حاجج بأنّه إن كان هدفنا هو الإطاحة بالإمبريالية و إنجاز الثورة لبلوغ الشيوعية ، عندئذ لا ينبغى أن نستهدف إنتظاما مغايرا من القوى الطبقيّة بشأن تحرير السود . هذا من ناحية و من ناحية ثانية ، إن كان هدفنا إيجاد مجال صغير آخر لبعض السود للحصول على جزء أكبر من الكعكة فى أمريكا الرأسماليّة أو القتال فى سبيل إرساء نسخة للسود من هذا النظام الإستغلالي و الإضطهادي ، عندئذ سيكون هدفنا إصطفاف قوى معاير للجبهة المتحدة ضد الإمبريالية .
===========
من جهة ، عند هذه النقطة ، كنت أفكّر " كيف أمكن لنا نحن ( مؤتمر العمّال السود ) أن نكون غير ماسكين بمثل هذه المسائل الأساسيّة " ؟ . و لو يقف الأمر عند هذا الحدّ . و مرّ من هذا إلى مسألة الصراع حول قيادة الحزب الشيوعي الجديد . لقد أحسست بالتقطّع أمام حجّة مؤتمر العمّال السود بانّ قائد الحزب الشيوعي الجديد يجب أن يكون شخصا ليس من البيض . كان يبدو أنّنا نحتاج إلى قائد ثوري قادر على قيادة حزب جديد ليترأّسه . لكن قادة مؤتمر العمّال السود ( وآخرون فى الحركة الثوريّة ) إنّ تاريخ العنصريّة فى الولايات المتحدة يشهد بأن لا أحد من البيض يمكن أن تنطبق عليه هذه المواصفات. و كان وقع ذلك ثقيلا عليّ . الآن يمكن أن أرى أنّ هذه الحجّة حجّة قوميّة فى الأساس . فهي تساوى قول إنّ لا قائد ثوري من البيض يمكن حقّا أنّ يمثّل طموحات المضطهَدين لتخليصهم من نير إضطهادهم كشعب . لكن بوضوح ما كانت عندى مناعة ضد الحجج القوميّة . ( و بالفعل لا أحد منّا يكسب أبدا أي نوع من المناعة ضد هذه و غيرها من الخطوط التى تمثّل مصالح الطبقات الأخرى فى المجتمع . فى مجتمع تحكمه البرجوازية ، للخطوط التى تمثّل مصالحها إنجذاب عفويّ إليها . والوسيلة الوحيدة لإلحاق الهزيمة بتأثيرها من داخل الصفوف الثورية و من خارجها أيضا ، تكون عبر النضال بلا هوادة من أجل أن نستوعب بصلابة الخطّ الصحيح فى معارضة الخطوط غير الصحيحة و بلا هوادة الصراع ضد النزعة العفوية ).
خضنا فى المسألة على مستوى معيّن ، و كنت أحاجج لماذا حزب له قائد أبيض سيُنظر إليه بريبة من قبل بعض السود . فوافقنى الرأي مع إضافة أنّنا " نحتاج أن ندفع الكثير من الناس نحو تجاوز هذا الصنف من ضيق الأفق إن كنّا سنمضى صوب الثورة " . و عدت إلى تناول كيف أنّ للسود سبب وجيه للريبة فى البيض.
و أجرى هو تمييزا بين جماهير السود عامة و ريبتها من البيض و الشيوعيين اسود و محاججتهم بأنّ قيادة حزب جديد يجب أن تقام على العنصر الأسود . و مجدّدا ، حاجج من أجل النظر إلى هذا من منظور إلى أين نمضي و ما الذى نحن ضدّه – كيف بالنسبة لشيوعيي كافة القوميّات كان هذا يعنى تطبيق المعايير الشيوعية على هذا أو على مجمل المسائل الأخرى . قال إنّه إذا أخترنا قيادة الحزب الجديد على أي أساس آخر عدا من الأفضل ليقوده فى رفع التحدّيات التى نواجه ، سنكون قد أضعفنا فرصتنا فى دفع الثورة إلى الأمام . و كان عليّ أن أقرّ بأنّ ذلك صحيح . و أضاف أنّ النظر لإختيار القيادة على أساس تمثيل كافة القوى المتنوّعة المقاتلة ضد الإمبرياليين لن يفلح بأي حال . و إن كان أسودا فإنّه لن يكون لاتينيّا أو آسياويّا إلخ .
عند هذه النقطة ، كان نقاشنا قد دام بعدُ ساعات . و قبل ذلك كنت أثرت بعض النقد لممارسة رفاق الإتحاد الثوري فى ما يتّصل بالمسألة القوميّة و عدنا بالنقاش إلى ذلك .كان نقدي مختلطا ؛ بعضه ثانوي للغاية كإثارتى لكون رفاق الإتحاد الثوري ببلتيمور نظّموا عشاء لجمع التبرّعات لإضراب عمّال غالبيّتهم من السود و قدّموا خضروات غير تامة الطبخ . و من المفترض أنّ العمّال كانوا يريدون خضروات مطبوخة أكثر قبل أكلها ، لكن هذا لم يعنى أن بعض هؤلاء الرفاق كان خطّهم سيّئا بشأن قتال الإضطهاد القومي . و كان البعض الآخر من النقد وجيها ، بمعنى أنّه أحيانا كان رفاق الإتحاد الثوري قد قرّروا خطأ أنّ السود الذين كانوا متردّدين فى العمل مع البيض كانوا متخلّفين عامة . لكن كلّ هذا كان ثانويّا بالنسبة للمارسة العامة للإتحاد الثوري المحلّي فى علاقة بالنضال القومي . قاموا بأخطاء فى بعض الأحيان غير أنّ توجّههم كان تطوير القتال ضد إضطهاد السود كجزء من النضال البروليتاري العام ، و أقررت بذلك .
و على أي حال إستمرّ نقاشنا لذلك لفترة من الزمن و كنت أقدّم حججى وهو يصغى و يردّ عليها من منظور كيفيّة القيام بالثورة و بلوغ المجتمع الشيوعي . لا أتذكّركامل تفاصيل النقاش لكنّى أتذكّر بعض الأشياء العامّة و منها على الأرجح ما أثاره لعدّة مرّات عن حاجتنا إلى النظر إلى الأشياء من افق بلوغ مجتمع لاطبقي ، مجتمع شيوعي . و كان ذلك يعود من جهة إلى كونه ينظر بصلابة إلى الشياء من ذلك النوع من الأفق و إلى كون ذلك نقطة ضعف مستشرية فى صفوف الحركة الثوريّة زمنها . و من جهة ثانية ، كان ذلك يعكس ميزة مقاربة بوب أفاكيان ، ميزة يتقاسمها مع قادة مثل لينين و ماو . لم يكن يركّز نظره على ما هي الخطوات التى نتوّخاها على المدى القصير ونجعل ذلك يحدّد خطوطنا و سياساتنا عامة. و وضع نقطة الإنطلاق من أين نسعى إلى و نطوّر خطوط و توجّه إستراتيجي من ذلك المستوى العالي .
------------------
و من الأشياء الأخرى التى علقت فى ذاكرتى المنهج الذى سلكه فى صراع الخطّين الذائر بيننا . كنت أتناول الأشياء بوضوح من الإختلاف معه و التشديد على ذلك على أفضل وجه ، و كان يعطى حججى أفضل التأويلات و يتناولها و يحاول أن يبيّن لى أنّ الأشياء التى كنت أعارض بها الخطّ الذى كان يرسمه لن تقود إلى حيث نريد أن نصل . كانت هناك أسلاك عديدة فى جدال مؤتمر العمّال السود . كان بوسعه دفعها بيد أنّه لم يفعل . و بدلا من ذلك ، عالج إلى أين ستمضى الخطوط التى كان مؤتمر العمّال السود يحاجج بها إن تمّ إتباعها إلى نهايتها المنطقيّة . و كذلك لم يُثر أيّة مسائل أخرى كانت عالقة بين المنظّمتين و لم تثر علنيّا . و هذا جدير بالملاحظة لأنّه فى غضون بضعة أسابيع ، كان مؤتمر العمّال السود يروّج إلى موقف يحاجج بأنّ حقّ تقرير المصير كان جوهر نضال السود . كان عليّ ، على الأرجح ، أن أعي هذا حينما حصل نقاشنا الذى دام طوال الليل ، غير أنّه لم يثر ذلك . فى هذا كان فى آن معا مبدئيّا و كان يظهر إيمانا كبيرا بقدرتى على التمييز بين الماركسيّة الحقيقيّة و الماركسيّة الزائفة . و بما أنّنى كنت أقول إنّه ليس من الماركسي إعتبار دولة منفصلة جوهر نضال السود ، كان بوسعه أن يقول لى إنّ قادة مؤتمر العمّال السود كانوا قاب قوسين أو أدنى من الترويج للموقف إيّاه . لكنّه ترك ذلك إلى قيادة مؤتمر العمّال السود كي يثير هذا فى صفوفه و ترك لى أن أبقى أولا على صلابة فى موقفى من كون ذلك مناهضا للماركسية .
و كان هذا فى تعارض بيّن مع كيفيّة مقاربة مؤتمر العمّال السود مقارنة بالإتحادالثوري . و بعد بضعة أسابيع ، أتى عضو سابق من الإتحاد الثوري إلى بلتيمور بنسخ من جريدة تحاجج بأنّ حقّ تقرير المصير جوهر نضال تحرير السود . و كانت قيادة مؤتمر العمّال السود تسانده و أرادوا منّى أن أوزّع هذه الجريدة فى صفوف رفاق الإتحاد الثوري ببلتيمور ، بهدف خلق إنشقاق فى صفوفهم . و كنت قادرا على التمسّك بصلابة بموقفى بأنّ هذا موقف خاطئ بشأن العلاقة بين النضال من أجل تحرير السود و النضال العام البروليتاري الثوري فى الولايات المتحدة . و وضعنى النضال من أجل موقفى على الطريق الذى أدّى بى إلى مغادرة مؤتمر العمّال السود و الإلتحاق بالإتحاد الثوري و فى النهاية أصبحت عضوا مؤسّسا للحزب الشيوعي الثوري .
لقد كان النقاش الذى خضته مع بوب أفاكيان نقطة تحوّل هامة فى حياتي . لا أبالغ حين أقول إنّه بفضله إستطعت البقاء على الطريق الثوري . و قادة مؤتمر العمّال السود الذين دفعوا بخطّ مناهض للخطّ الذى قاتل بوب أفاكيان فى سبيله إنتهوا أغلبهم إلى قيادة الذين إتبعوهم إلى خارج حدود النضال الثوري و سرعان ما تخلّوا عن النضال برمّته . لكن هذا الخطّ كان يخصّ أكثر من إلى أين سينتهى بعض الأشخاص أو حتى منظّمات برمّتها . و كانت الجدالات المحتدمةفى صفوف الحركة الشيوعية آنذاك حول الفهم الصحيح للعلاقة بين النضالات القوميّة و الطبقيّة ذات دلالة كبرى . و لعبت صياغة خطّ صحيح بهذا المضمار دورا حيويّا فى تشكّل طليعة للثورة البروليتارية هنا فى قلب الوحش . و يشهد خوض صراع الخطّين هذا على صحّة خطّ بوب أفاكيان الذى قاد الحزب الشيوعي الثوري فى صياغته منذ الأشهر التى قادت إلى تشكله إلى اليوم . وهو شاهد على أهمّية أن نتعلّم من المقاربة و المنهج اللذان جلبهما إلى النضال الثوري لأكثر من عقود ثلاثة عرفته خلالها .
4 - التعلّم من بوب أفاكيان : فهم العالم من أجل تغييره
ريموند لوتا
جريدة " العامل الثوري " عدد 1248 ، 8 أوت 2004 .
" تسمح إيديولوجيا البروليتاريا و تتطلّب التفكير النقدي و تحدّى التفكير السائد و النقاش الحيوي و الصراع حول الأفكار و رفع نظر كافة المجتمع إلى المسائل الجوهرية و ربط النظريّة بالممارسة لأجل مواصلة تعميق فهمنا للواقع و تغييره – معرفة العالم و تغييره – خدمة لمصلحة الإنسانية " .
بوب أفاكيان - " نهاية مرحلة و بداية مرحلة جديدة " .

" يجب أن نسائل أنفسنا على الدوام و كذلك أن ننصت إلى " تساؤلات " الآخرين ".
بوب أفاكيان - " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج "

مقدّمة : يتحدّث المؤلّفون و المثقّفون بمن فيهم أنا نفسي عن أناس أثّروا فيهم ، عن أساتذة فتحوا أمامهم أبواب تقدير أشياء و شجّعوهم ( حين تكون هناك حاجة إلى التشجيع أكثر من أيّ شيء آخر ) ؛ عن أكاديميين وضعوا معايير وضوح و صرامة و مثابرة فكريّة . وعاملين فى ميادين و عبرها ، نعترف بجميل الآخرين لأنّ العمل الفكري فى أساسه جهد جماعي ينطلق من و ينبنى على عمل الآخرين و يتطلّب حوافز الآخرين و نقدهم و رؤاهم الثاقبة .
لقد كان بوب أفاكيان بالنسبة إليّ المعلّم و الناصح إلاّ أنّه كان من نوع خاص لأنّه مزيج نادر من المفكّر الرائد و الفاعل الواعي فى التاريخ و إنسان لا يضفى و حسب معرفة جديدة بل كذلك ينقل و يجسّد مشروعا تاريخيّا يحرّك آخرين و يسترعى إنتباههم .
و كمنظّر ، أنتج بوب أفاكيان جملة من الأعمال فى مجلاتها و موضوعاتها قد وسّعت آفاق الماركسية . و أتحدّث عن كتابات مثل " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " و " كسب العالم : واجب البروليتاريا و رغبتها . " و " من أجل حصاد التنانين " و " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " و " الوعظ من منابر العظمة ، نحتاج إلى أخلاق لكن ليس إلى أخلاق تقليدية " و المجموعة الحديثة من البحوث من مثل " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج – مسائل نظرة و منهج " .
كرئيس للحزب الشيوعي الثوري و قائد للحركة الشيوعية العالميّة ، كان يشقّ طريق صراع ثوريّ تغييريّ فى العالم المعاصر . كان يخوض فى تعقيدات و تناقضات مجتمع الولايات المتّحدة و النظام العالمي ؛ و إستخلاص دروس الصراع الطبقي العالمي . لقد كان يشرح المكاسب الكبرى و كذلك نقائص التجربة الإشتراكية للقرن العشرين و تراجعاتها و أخطائها – و من خلال هذه البحوث النقديّة يشخّص و يواجه و يعرض على الناس المسائل الصعبة التاريخيّة – العالمية التى يجب أن تعالجها الموجة التالية من الثورات الإشتراكية .
لقد تقدّم بوب أفاكيان برؤية تنبض حيويّة و عالية التطوّر للمجتمع الإشتراكي و الشيوعي . إنّها رؤية توسّع و تعمّق فهم ما يعنيه للإنسانيّة المضطهَدَة أن تحرّر نفسها من عوائق الإنقسام الطبقي و كافة العلاقات الإضطهادية . إنّها رؤية للتحرّر من علاقة جدليّة مع فظاعة علم اليوم مستندة إلى إمكانيّة ماديّة و إجتماعيّة متوفّرة الآن ، إمكانيّة تجاوز الإنسانيّة للندرة و الإستغلال . و فى علاقة جدليّة بصراعات اليوم ، وضع أفاكيان الأمر بدقّة : لا يمكن أنيوجد تحدّى فعليّ سياسي و إيديولوجي للنظام القائم فى غياب الدعاية الواسعة للرؤية الشيوعية .
لكن إنتظروا . ليس من المفترض أن نحصي .يدعوننا حرّاس الوضع السائد إلى أن نستفيق و نشمّ رائحة قهوة : " الشيوعيّة ماتت " و خيار ، يقال لنا ، الغرق أو السباحة فى دوّامة السوق العالميّة . فى أعمال مثل " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقيّة " ، واجه بوب أفاكيان بجسارة هذا الهجوم الإيديولوجي و لم يدافع عن الشيوعية فحسب بل كذلك ضخّ فيها حيويّة وفعاليّة و إستعجاليّة جديدتين ما يعنى أنّه هناك مخرج ، هناك طريق للتقدّم ، هناك مستقبل آخر .
طوال العقود الثلاثة الماضية ، فهمى للماركسيّة و إستيعابي لما يعنيه إنجاز عمل فكري شيوعي و تطوّري كإقتصادي سياسي ماوي قد شكّلهم بعمق بوب أفاكيان . فمنه تعلّمت أنّه ثمّة علامة إنطلاقا منها يقع تقييم عمل الإنسان و حياته . إنّها موقف من أجل من– المضطهِدون أو المضطهَدون - و من أجل ماذا– تحرير الإنسانية من عوائق كافة العلاقات و الأفكار الإضطهاديّة و إنشاء عالم شيوعي . تعلّمت أنيكون المرء مثقّفا شيوعيّا يعنى أن ينجز نوعا معيّنا من العمل النظري– يساهم فى تمكين جماهير الشعب من فهم العالم و تغييره تغييرا واعيا ؛ و أن ينجز العمل النظري بنوع من المنهج المعيّن– الخلاّق و البحثيّ و النقدي .
و العمل وفق هذا الفهم يعنى أن نكون متيقّظين للإمكانيّة الثوريّة ، أن نعانقها و نقاتل من أجل تحقيقها عبر الصراع الماتوى فى عالم دائم التغيّر ، و ربط المسقبل بتحدّيات الحاضر و مهامه .
لقد رسّخت حجج بوب أفاكيان المدافعة عن الماركسيّة و الممارسة العلميّة للماركسيّة المنفتحة و الثوريّة معاييرا منهجيّة و مثالا يحتذى بالنبسة إليّ . أتحدّث عن ماركسية يجب تطبيقها و تجربتها و تعميقها فى هذا العالم الدائم التغيّر ، ماركسيّة تتطوّر و تزدهر فى تماس مع التيّارات الفكريّة و الخطابات الأخرى ، حتى المعادية لها ؛ ماركسيةّ لا تركن للدوغما و الرضا عن النفس و تأكّد على وضع تقاليدها و أسسها الخاصة فى مجهر النقد .
لقد مكّنتنى تحاليل بوب أفاكيان ذات النظرة الثاقبة لديناميكيّة النظام العالمي و بحوثه و تساؤلاته فى ما يتصل بما يسمّيه " الموجة الأولى " من الثورات الإشتراكية ( من كمونة باريس1871 إلى الثورة الثقافيّة لماو ) من مفاهيم و أجندا بحث .
و تعلّمت و أواصل تعلّم الكثير و الكثير جدّا من بوب أفاكيان . و فى هذا البحث ، أودّ أن تقاسموننى هذه الدروس و بعض التجارب الخاصة التى عشتها فى العمل معه .
إقتحام مجال نظريّ جديد : مواصلة عمل لينين حول الإمبريالية :
فى 1984 ، تمّ نشر كتاب " إنحطاط أمريكا " . و كان حافزهذا المشروع و توجّهه منبعه بوب أفاكيان . فبعد تحليل تحوّل التناقضات فى النظام الإمبريالي العالمي ، إنتهى إلى إستنتاج مفاده فى 1975- 1976 كانت الكتلتان الإمبرياليتان ، المتلة التى تترأسها الولايات المتحدة و الكتلة التى يوجد على رأسها الإتحاد السوفياتي فى سيرورة نزاع . و كان ماثل هناك خطر حرب عالمية متنامي . و فى نفس الوقت ، بالذات بسبب إشتداد و تداخل التناقضات السياسيّة و الإجتماعية و الإقتصاديّة ، كانت إمكانيّات إختراقات ثوريّة تنفتح بسرعة و بشكل غير منتظر .
كان موقف أفاكيان نّنا ندخل فترة تفاقم نزاع تاريخي إستثنائي ، لحظة مفصلية ، و نضالات قد تنعكس نتائجها على الهيكلة العامة للعلاقات العالميّة ل " عقود قادمة " . كانت الإنسانيّة تواجه تحدّيات كبرى و فرص كامنة كبرى أيضا .
تلبية حاجة كبرى :
لقد تحدّث بوب أفاكيان عن الفنّانين و المثقّفين و الثوريين الذين ينجزون أشياء هامة و ينتجون أعمالا هامة وأحيانا أعمالا عظيمة – ليس لأنّهم خطّطوا لذلك و إنّما لأنّ هدفهم هو " تلبية حاجة كبرى " . فقد أدرك بوب أفاكيان بقوّة بأنّه تقع على عاتقنا مسؤوليّة أمميّة هي إنتاج تحليل عميق للوضع العالمي و إستكشاف كيف أنّ التناقضات التى تتسبّب فى حدّته كانت فى الواقع تعبّر عن الحركة و التطوّر الكامنين فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية هذا .

وهذا المشروع النظري الذى سيغدو لاحقا كتاب " إنحطاط أمريكا " لم يتمّ النهوض به كتمرين أكاديمي. كانت الغاية منه هي مدّ الناس بإطار مفهومي ماركسي – لينيني – ماوي بفضله يتمّ تأويل الظواهر المتباينة للإقتصاد والسياسة العالميين ، ويساعد سياسيّا الناس الواعين على إستيعاب ضخامة و رهانات الوضع العالمي المتطوّر – و إنعكاساته على النضال الثوري .
كانت تلك هي " الحاجة الكبرى " التى دعانا إلى تلبيتها بوب أفاكيان و قادنا فى ذلك .
يبنى كتاب " إنحطاط أمريكا " على نظريّة لينين و نموذج الإمبريالية و يوسعهما . الإمبريالية أعلى مراحل تطوّر الرأسماليّة – مرحلة متجذّرة فى نمط الإنتاج الرأسمالي لكن ذات مظاهر خاصة للدور المهيمن للشركات العملاقة الإحتكاريّة و عولمة دوائر رأس المال . لقد تصوّر لينين الإمبريالية كنظام عالمي مندمج و كعصر من الإنتقال العنيف بإتجاه نمط إنتاج أرقى : الإشتراكية . و شرح المظاهر الهيكليّ’ للرأسمالية الإحتكارية و ديناميكيّتها ، خاصة التطوّر اللامتكافئ بين فترة و أخرى إلى إعادة تقسيم العالم عبر الحرب .
فى تلك الأيّام ، فى أواخر سبعينات القرن العشرين ، كانت مرّت 65 سنة على كتابة لينين لدراسة مَعلَم. و مذّاك حدثت تطوّرات كبرى فى العالم : دمار حربين عالميتين و إعادة تنظيم الإقتصاد العالمي ؛ و إنتصار الثورة الصينية لسنة 1949 ، و إنتشار نضالات التحرّر الوطني ؛ و ظهور الولايات المتحدة إثر الحرب العالميّة الثانية كقوّة عالمية مهيمنة ضمن نظام رأسمالي عالمي مندمج إلى درجة عالية ؛ و التوسّع الإقتصادي غير المسبوق لفترة ما بعد الحرب العالميّة الثانية و التوغّل الرأسمالي الكبير فى العالم الثالث ؛ و الإنقلاب على الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي فى 1956 و تحوّله إلى قوّة عظمى رأسمالية تتنازع مع الولايات المتحدة ؛ و الإنقلاب التحريفي على افشتراكية فى الصين الماوية سنة 1976.
لقد رأى بوب أفاكيان أنّ المهمّة ذات شقّين . كنّا فى حاجة إلى الخوض فى واقع النظام العالمي – نبحث و نحلّل تاريخيّا و نطبّق و نختار مقترحات نظريّة – و و إلى تلخيص فهم أعمق لديناميكيّة الإمبريالية . بإختصار ، كان علينا أننقتحم جالا نظريّا جديدا . لكن للقيام بذلك ، كنّا كذلك فى حاجة إلى القطع مع بعض " المعتقدات التقليدية الماركسية " و " التقاليد الماركسية " – على وجه الضبط الإقتصاد السياسي للأحزاب الشيوعية للأمميّة الثالثة لثلاثينات القرن العشرين .
و من تلك الأشياء الواقعة فى جوهر ذلك التقليد النظري مفهوم أنّ الرأسمالية كفّت عن أن تكون نظاما ديناميكيّا – متميّزا بتحطيم رأس المال و إعادة هيكله و بالتوسّع المؤدّى إلى الأزمة – لكنّه راكد و يغرق فى " أزمة عامة " لا تنفكّ تعصف به . و المنيجة الطبيعيّة الإستراتيجيّة لهذه النظرة إلى الرأسماليّة كانت فكرة أنّ الثورة ستتطوّر كنتيجة خطّية لإشتداد الأزمة الإقتصاديّة المفرزة لتفقير متنامي يؤدّى إلى إحتدامالصراعات الإقتصاديّة التى تمضى بصورة ميكانيكيّة ( تقريبا كيميائيّة ) نحو الثورة .
لم يكن هذا الفهم للرأسماليّة خاطئا فحسب ، الرأسماليّة التى كانت فى وقت ما نظاما ديناميكيّا يعرقل تطوّر الإنسانيّة ، بل كان أيضا نظرة غالطة و واهنة للسيرورة الثوريّة : الترابط بين العوامل الموضوعيّة و الذاتيّة ، و الدور الحيوي للإيديولوجيا و الوعي ، والعمل الثوري على نطاق شامل .
وكان من المهمّ ، و كان ذلك منسجما مع منهج بوب أفاكيان أن ننقد الفكر السائد الموروث عن الحركة الشيوعية العالمية بما أنّنا خطّطنا إلى تطبيق الماركسيّة على التحدّيات الجديدة و المساهمة فى الحركة الشيوعية العالمية .
التلاقح الفكري و " الإستماع بفعالية " :
لقد شجّعنى بوب أفاكيان و آخرين على العمل على ما سيمسى كتاب " إنحطاط أمريكا " وعقد إجتماعات و تبادل آراء و أفكار مع إقتصاديين سياسيين ماركسيين آخرين : أناس كانوا يشتغلون فى مجالات معيّنة كمجال التجارة العالمية ، و تيّارات ربح رأس المال الأمريكي و، و تصنيع ما يسّمى بالعالم الثالث و ما إلى ذلك . و قد حضر بعض هذه اللقاءات . و قرأ بنهم اكتبا و مقالات و جلب حماسا و قناعة كبيرين إلى هذه النقاشات .
أذكر نقاشا عن ما يطلق عليه التبادل اللامتساوي ( بشأن مواضيع التجارة و علاقات السعر و نقل القيمة من خلال آليّات السوق العالمية ) . كان بوب أفاكيان يحاجج بقوّة بأنّ إلحاق الأمم المضطهَدَة مظهر هيكلي للنظام الإمبريالي العالمي و أنّ الماركسيين يجب أن يفهموا ليس الآليّات الإقتصاديّة المؤدّية إلى مثل هذه التبعيّة و تعزيزها فقط بل كذلك عامل آخر فى علاقات السلطة اللامتساوية و الهياكل الإمبريالية للسيطرة السياسيّة . ( فى بحثه " كسب العالم ... " كان يصف العلاقة بين الأمم المضطهِدة و الأمم المضطهَدَة بمفهوم " علاقة إنتاج " سيكون محوريّا فى تحليل تبعية العالم الثالث فى كتاب " إنحطاط أمريكا " .
زمن هذه النقاشات و تبادل الآراء ، أذهلتنى قدرة بوب أفاكيان و هنا أستعمل جملة فيلسوف صديق لى ، هي " الإستماع بفعاليّة " . و مهما كانت الإختلافات حادة – و كان بإمكانها و فعلا كانت حادة – كان يعير إنتباها نقديّا و يصغى جيّدا و بإحترام لمحاججة الآخرين و مواقفهم . فكان يمحّص الحجج و يشخّص المواضيع المفاتيح . و كان ينطلق بحماس من أفق ماركسي – لينيني – ماوي باحثا عن إنتزاع الوضوح و رفع مستوى الفهم و أحيانا بإعادة صياغة الأسئلة من جديد .
و حتى عندما كانيشعر بأنّ شخصا " خارج الموضوع " بوجه عام ، إن كانت لديه أفكار ثاقبة و كان يشير إلى خطوط مثمرة أو كان يستعمل نقدا مفيدا لعملنا – كان يسعى إلى التعلّم منه. و أذكر أكاديميّا كان بالأحرى يستبعد لينين لكنّه كان يشتغل على تطبيق أنماط القيمة الماركسية على الدخل القومي و معطيات الإنتاج . و كان بوب أفاكيان يقدّر عمله الذى درسناه لكنّه تصارع أيضا حول لينين و الإمبريالية مع هذا الأكاديمي .
لسنتين إثنتين طويلتين ، إنغمست مجموعة منّا فى البحث و صياغة فصول عن مواضيع معيّنة . فكتبنا عن البنوك و الديون و الفلاحة و حركة تدفّق رأس المال بإتجاه البلدان المتقدّمة و الأقلّ تقدّما . و كان عملا مفيدا بما أنّنا كنّا نشير إلى تيّارات و مظاهر هامة من النظام العالمي . و كان بوب أفاكيان يعلّق و ينقد مطوّلا – وبصرامة و أحيانا يوضّح الأشياء بطريقته المميّزة .
وفى مناسبة من المناسبات ، أرسلت له مسودّة فصل عن تيّارات المراكمة فى الولايات المتحدة . و عند نقاش أنماط التشغيل الوقتي ، ألمحت إلى كيف ( وهو أمر لا يزال صالحا اليوم ) أنّ قسما هاما من قوّة العمل فى الولايات المتحدة الأمريكية أقلّ من سنّ الثلاثين قد إشتغل فى قت أو آخر لدى شركة ماك دونالد . وبعد الإشارة إلى هذه الشركة بذكاء ساخر ( فكّرت كذلك ) : " يعنى شطيرتين من لحم البقر و خسّ وجبن و مخلّلات و بصل على كعكة بذور السمسم " . و وضع بوب أفاكيان تعليقاته العاديّة على الهومش و إلى جانب هذا الموقف كتب بأحرف كبيرة " خطأ : يعنى شطيرتين من لحم البقر و صلصة خاصة و خسّ و جبن و مخلّلات و بصل على كعكة بذور السمسم " ! لقد أغفلت الصلصة و بوب أفاكيان يعرف ثقافته المطبخيّة و ماركسيّته !
و كان فريقنا يحرز تقدّما : مولّدا معلومات و مشخّصا مشاكلا مفاتيحا للتحليل ،و منظّرا لبعض مظاهر الفهم . وعندما حصلنا على عدد كبير من الفصول واجهنا مشكل . كنّا بعدُ نعتبر النظام إلى درجة كبيرة بمعانى وصفيّة تجريبيّة . و لم ننتج هيكلا نظريّا مناسبا لإستيعاب و توضيح ما أسماه ماركس " الحركة الحقيقيّة للإشياء " .
وآن أوان المسك بحصيلة المشروع و التجميع . حان وقت التقدّم ، إن أمكن القول ، بإتجاه خلاصة نظريّة أرقى ، ستمثّل إطارا و مرشدا متقدّما و موجّها للعمل التجريبي . كنّا فى حاجة إلى تحقيق قفزة نظرية .
الإشتغال على المشاكل و الإختراقات فى الفهم :
لقد دعانى بوب أفاكيان لقضاء مدّة من الزمن معه كي نستطع الإشتغال على هذهالمواضيع و نركّز أجندا بحث جديدة و نطوّر هيكلة كتاب " إنحطاط أمريكا " . كان العمل مع بوب أفاكيان ، هذا القائد البارز ، على الدوام تجربة مبهجة و تجربة غيّرت حياتي : درس فى تطبيق الماركسيّة و مخبر للجدليّة . و لم تكن قوّة أفكار بوب أفاكيان فحسب بل قوّة حساسيّته أيضا – حرارته ، فكاهته ، و حبّه الكبير للجماهير – هي التى شعرت بها شعورا قويّا .
كيف إشتغلنا على المشاكل ؟ مثلا ، يمكن أن نحفر عميقافى مفهوم أساسي كالإنتاج السلعي و نعيد قراءة شرح ماركس فى " رأس المال " إلاّ أنّ بوب أفاكيان كان كذلك ينظر إلى كيف أنّ العلاقات السلعيّة الرأسماليّة و التنافس كانا يجريان بأشكال إجتماعيّة و مقنّعة بدرجة عالية – بصفة خاصة ، فى الإتحاد السوفياتي كرأسماليّة –دولة زمنها . و رسمنا كيف أنّ الملكيّة كان يُعبّر عنها فى شكل ملكيّة دولة بينما التفاعلات الإقتصادية فى المجتمع كانت بالفعل تفاعلات كتل متنافسة لرأسمال(مركّز إلى درجة عالية ). و ساعدنا هذا الإستكشاف عمليّا على بناء عرضنا فى " إنحطاط أمريكا " للمظاهر الأساسية للإنتاج السلعي الرأسمالي .
وُجدت على الدوام مراوحة بين الإكتشافات التجريبيّة و مواضيع عمليّة التنظير . لم يكن بوب أفاكيان ليرضى بالفهم السطحي و إن كنّا نواجه أدلّة تتعارض مع فهمنا القائم أو الفهم السائد فى الحركة الشيوعية، كنّا نواجهه . و دعونى أضرب مثالا على ذلك .
إنّ الحجم الكبير لتدفّق رأس المال فى العالم كان وهو ضمن البلدان الرأسماليّة المتقدّمة . لذا كيف نفهم أهمّية الإستثمار فى ما يسمّى بالعالم الثالث ؟ لقد حلّلنا المعلومات و تأمّلنا فى الجدالات النظريّة و منها تلك المتصلة بطبيعة الأرباح الطائلة التى يتمّ جنيها من العالم الثالث . وقد دقّقنا عملنا الخاص . و درسنا أعمال و إكتشافات آخرين من آفاق جدّ متباينة .
و الآن بالنسبة لبوب أفاكيان لم نكن لننطلق من مفهوم أخلاقي أو ما قبلي عن أهمّية العالم الثالث بالنسبة للإمبريالية لكن كذلك لم نكن لنرسم إستنتاجات تجريبيّة تقوم على مجرّد " قراءة " للمعلومات ( المعلومات لا تشرح نفسها أبدا ) . و كان علينا أن نحفر عميقا وهو ما قمنا به . و فى حين أنّ هذا المجال لا يسمح بتلخيص مقاربتنا و المحاججة المطوّرة ، توصّلنا إلى تشخيص الدور النوعي و الإستراتيجي الذى ينهض به الإستثمار الإمبريالي و التغيير الذى تجريه الإمبريالية فى البلدان المستعمرات الجديدة فى السيرورة الشاملة للمراكمة العالميّة و تاثيرها على الربح العام للرأسمال الإمبريالي .
وهذا النوع من التشاور كان جزء من محاولتنا الأوسع لأن نتصوّر بأكثر عمق هيكلة النظام الإمبريالي العالمي و حركته و تطوّره . لقد أشرت إلى لينين و تشديده على قانون التطوّر اللامتكافئ . و هذا القانون يعبّر عن نفسه من خلال التنافس ما بين الإمبرياليين و تحوّل موازين القوى و الضرورة التى تدفع القوى الإمبريالية فى أوقات معيّنة إلى إعادة تقسيم العالم .
لقد إقترح أفاكيان أنّ ما كان يصفه لينين هو عمليّا جزء من ديناميكيّة كبرى . و صار بوب أفاكيان يطلق على ذلك " حركة الظرف التاريخي / اللولب " . و بما أنّ هذا يمثل مساهمة كبرى فى الإقتصاد السياسي الماركسي – اللينيني – الماوي قام عليه و تمّ التنظير له أكثر فى كتاب " إنحطاط أمريكا " – قد يكون مساعفا أننلخّص بإقتضاب بعض نقاط الفهم المفاتيح .
إنّ لولب تطوّر عالمي مرحلة أو فترة فى تطوّر التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الخاص وهو التناقض الجوهري للرأسمالية . كلّ لولب يتشكّل من مجموعة خاصة من التناقضات و العوامل على النطاق العالمي - وهو يشمل خاصة هكذا بعيدا فى تاريخ الإمبريالية ، العلاقات فى صفوف الإمبرياليين ( أساسا صراعاتهم لأجل تقسيم العالم ) و العلاقة بين الإمبرياليين و القوى المعارضة لهم . و اللولب هو أيضا إطار عالمي للمراكمة الرأسماليّة .
وقد إنطلقت حركة لولب من تطوّر العالم مع نهاية الحرب العالميّة الثانية ؛ و لهذا اللولب مظاهر خاصة محدّدة مثل الدورالقيادي و المنسّق للولايات المتحدة فى النظام الإمبريالي العالمي .
و عند نقاط معيّنة من تطوّر اللوالب ، تصبح تناقضات النظام العالمي محتدمة و متشابكة بإحكام ما يفرز إنفجارات ثوريّة ( حروب و ثورات عالميّة ) أو إنعطافات دراميّة فى القوّة ( مثل إنهيار الإتحاد السوفياتي و كتلته فى 1989-1991) . هذه ظروف تاريخية عالمية من خلالها يتمّ حلّ التناقضات المميّزة للولب خاص ( و إن كان بشكل مؤقّت و جزئي ) و تقع إعادة صياغة العلاقات العالميّة و الأساس الذى تمّ رسمه للإقتصاد الإمبريالي العالمي .
لمرّتين فى القرن العشرين ، مثّلت الحروب العالمية نقاط تحوّل فى اللوالب . و إلى حدّ الآن ، حصل تطوّر الثورة البروليتارية كجزء من الحركة الكامنة للإمبريالية بينما فى نفس الوقت كانت تأثّر فيها .
و ظلّ بوب أفاكيان يطوّر هذه الأطروحة لبعض الوقت . كنّا نتفحّصها واضعينها محلّ الإختبار و مبيّنين قيمتها التحليليّة . ومع العديد من البحوث و المشاكل النظريّة الأهمّ التى إشتغلنا عليها ، كنّا نعالج الأمور على مستوى معيّن و نمضى إلى طرح مسائل جديدة للبحث . لكن عبر كلّ هذا ، كنّا نبلغ نظام تلخيص أرقى لديناميكيّة اللولب / الظرف التاريخي و نكسب وضوحا. و أخذ كتاب " إنحطاط أمريكا " فى التشكّل.
الماركسيةّ فكر جدالي :
يتعيّن علي أن أقول إنّ بوب أفاكيان كان يدفع حدود فهمي و فى نفس الوقت يحثّنى على المضيّ قدما و أعمق فى التحليل . لديه هذه الطريقة الجميلة فى التركيز على مسائل و إثارتك بأطروحات متحدّية و بتأمّلات نقديّة للنظريّة و الممارسة الماركسيّة و بمواضيع فلسفيّة .
و من نقاط الإهتمام الفلسفي لبوب أفاكيان فى التشاور كان ما وصفه بتفكير " الحركة – النموذج " أي نزعة الحتميّة الفظّة فى التقاليد الماركسيّة لرؤية التطوّر التاريخي بمعنى الأنماط الثابتة أو النتائج و نقاط النهايات المعلومة مسبّقا . و التفاعل المعقّد لمستويات مختلفة من المجتمع و القاعدة الإقتصاديّة و البنية الفوقيّة و دور النضال الثوري و الصدفة و الإحتمال التاريخي – كلّ هذا يُستهان به فى هذه التقاليد .
و كان بوب أفاكيان يقوم بشيء من التأمّا و الكتابة عن مشكل التفكير فى " الحركة – النموذج " هذا . و كانت كذلك قراءاته و تأمّلاته متّصلة بالرؤى الثاقبة و النقاشات من خارج الماديّة التاريخيّة كما هو الحال فى العلوم البيولوجيّة .
و هذا النوع من القوانين و الأنماط الكامنة للتطوّر كان مكوّنا هاما فى عملنا . كنّا نبحث عن تشخيص بعض " الديناميكيّة الهيكليّة " فى عصر الإمبريالية و التنظير لها . كنّا نحاول مثلا ، تحليل كلّ من المظاهر الأكثر عالميّة و الأكثر تمايزا لنتائج الحرب العالميّة الأولى و الحرب العالميّة الثانية تباعا .
و محبّذ إلى قلب بوب الإستشهاد بمقولة ماو : " الماركسيّة فكر جدالي " . وهي كذلك أبدا ! كنّا نتجادل بشأن مواضيع نحلّلها و نحن نطبّق أدوات الماركسيّة و كنّا نتجادل مع أدوات الماركسيّة و نحن نكرّس أنفسنا لتحدّى تحليل هياكل و سيرورات معقّدة . كان ذلك يتطلّب منّا الكثير و الكثير جدّا من الجهد . تتخمّر و كان محفّزا جدّا . و كان متعة كبيرة ( بوب يعتقد ذلك ) .
و فى المدّة الأخيرة تذكّرت كلّ هذا عندما إستمعت إلى حوار مع عالم أعصاب ، جيرالد أدلمان . كان يتحدّث عن معهد أبحاث يترأسه و كيف أنّه من المهمّ أن يتوفّر جوّ فكريّ يؤدّى إلى التحقيق و إختراقات فى الفهم . قال علينا أن نقدر على طرح الأسئلة رغم أنّه فى البداية لا نعرف ما هي الأسئلة الصحيحة ، نحتاج إلى أن نكون منفتحين على الأفاق النضرة و نحتاج إلى أن نسمح للأفكار بأن تتخمّر و نتّبع إلى أين تؤدّى بنا – لكلّ هذا قيمة كبرى حتى و إن لم يفضى مباشرة إلى حلول . ثمّ سخر : إن كنتم تقومون بهذا على نحو صحيح ، يمكن أن يصبح غريبا على نحو مضحك قليلا أحيانا يبدو هذا شبيها بالإشتغال مع بوب أفاكيان .
وأذكر جلسة نقاش حول حركة الظرف التاريخي / اللولب. و كنّا نتحدّث عن فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية و نناقش كيف أنّ إطارا تاريخيّا خاصا و مسارا تطوّريّا تاريخيّا خاصا لا يمكن أن يستمرّ بلا إنقطاع ( رغم أنّه لا يمكن تحديد إلى أي مدى مسبّقا ) و سينتهى إلى إعادة صياغة متشنّجة . كنّا نميّز هذا إنطلاقا من محاولات صياغة لوالب ممتدّة من المراكمة – الحركات الإقتصاديّة النظاميّة الصاعدة مديدة متبوعة بإضطرابات نظاميّة طويلة.
كنت أثير بعض الأسئلة فنظر إليّ نظرة مندفعة و قال ، دعوني أبيّن لكم الأمر . و سرعان ما قفز من كرسيّه و شرع فى هزّ يديه ، رافعا إيّاهما إلى ما فوق رأسه و مقرّبا إيّاهما إلى بعض – و خلال كلّ هذا كان يصدر طنينا . ثمّ ، عندما كانت يداه ممتدّتين تماما ، صدمهما صدمة قويّة . و أعتقد أنّي أدركت فحوى حركة الظرف التاريخي / اللولب . هل فعلت ذلك ؟ و فى اليوم التالى كنت بقاعة الحمّام و لمّا هممت بتناول لفّة المرحاض ، رأيت رسالة مكتوبة على اللفّة : " لا تنس الظرف التاريخي " . و على الفور أطلقت ضحكا صاخبا و من خارج الحمّام أطلق بوب ضحكا صاخبا أكثر حتّى ( القرّاء الأكبر سنّا سيتذكّرون لفّة قاعة الحمّام و مجموعة الأشياء معها ).
نُشر كتاب " إنحطاط أمريكا " فى 1984 . وقد رأى بوب أفاكيان الحاجة إلى إرساء أرضيّة نظريّة جديدة لتسليح الناس بفهم ما كان يحدث فى العالم . و مستندين إلى قوانين رأس المال كما تأكّد نفسها و تتفاعل مع الصراع الطبقي فى عصر الإمبريالية ، وسّعنا تنظير لينين للإمبريالية . و طبّقنا و إختبرنا هذا التنظير من خلال التحليل الملموس. و بنينا على أساس ذلك بعض التوقعات فى التطوّرات والنتائج .
مساءلة أنفسنا و تلخيص الأخطاء و الخوض فى الواقع بعمق أكبر :
لقد قدّر الحزب الشيوعي الثوري أنّ إحتداد النزاع بين الإمبريالية الأمريكية و الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية ، بالتفاعل مع تناقضات أخرى ، سيجرّ إلى حرب عالميّة – إلاّ إذا منعتها الثورة فى أجزاء واسعة أو إستراتيجية من العالم . و لم تجر الأمور تماما على هذا النحو إذ تداعى الإتحاد السوفياتي و كتلته فى 1989-1991 . و مثّل ذلك تغيّرا دراميّا فى العلاقات العالميّة . و هكذا وقع حلّ التناقضات التى كانت تتفاقم و التى كانت بالفعل تحرّك الأشياء نحو حرب عالميّة فى ثمانينات القرن العشرين .
و فى أعقاب إنهيار الإتحاد السوفياتي ، جدّت عديد التغيّرات فى الإقتصاد و السياسة العالميين . و كان ظهور الولايات المتحدة كقوّة عظمى إمبريالية وحيدة علامة تطوّر كما صار التنافس الإقتصادي أكبر فى صفوف القوى الإمبريالية و إشتدّت موجة عولمة .
كنت مستثارا لمزيد الخوض فى هذه المواضيع و غيرها . و مرّة أخرى ، إستطعت مراسلة بوب أفاكيان و توفّرت لى فرصة الإشتغال المباشر معه . و لم تكن نقطة إنطلاقنا مع ذلك تلك التى أعددت إليها. فقد شرح لى أنّه نعم بينما يجب علينا أن نشرح التشكّلات العالميّة الجديدة للقوى و التيّارات فى افقتصاد العالمي ، علينا أوّلا أن نراجع صراحة تحليلنا لثمانينات القرن العشرين . كان علينا أن نواجه هذه الإستنتاجات الخاطئة التى توصّلنا إليها – أين أخفقنا و أين أخطأنا – و نعزّز ما كان صائبا فى تفكيرنا .
و شدّد بوب على أنّه لا يمكن أن نعتّم على أخطائنا . منواجبنا مواجهتها مواجهة مباشرة . و زيادة على ذلك ، و كانت هذه نقطة توجّه كبرى ، ينبغى أن نعرض نقدنا الذاتى أمام الآخرين . و بالنسبة إلى بوب ، لم يكن الأمر مجرّد أمانة و دقّة فكريين و إن كان ذلك مهمّا بالنسبة له . كانت تقع على عاتقنا مسؤوليّة التشخيص و الغوص فى تدفّق تحليلنا و نقاط ضعف مقاربتنا ، كي نستطيع أن نرفع الفهم و أن ننشر المقاربة العلميّة النقديّة الماركسية – اللينينية – الماوية فى صفوف الشعب . كنّا نحتاج إلى جلب الناس ، داخل الحزب و خارجه ، إلى سيرورة الخوض فى هذه المواضيع حتى نتمكّن من تعميق تحليلنا للوضع العالمي و التيّارات الهامة الجديدة .
و لم يكفّ بوب أبدا عن مساءلة النفس أو عن وضع أفكاره الخاصّة أمام مساءلة الآخرين . وكذلك ، بما هو ماركسي – لينيني – ماوي لم يعتبر ماركس و لينين و ماو " خارج الحدود " [ أو " فوق النقد " ] حينما يتعلّق الأمر بالدقّة و التقييم النقديين . ( أشجّع بقوّة القرّاء على الإطّلاع على " كسب العالم : واجب البروليتاريا العالمية و رغبتها " فقد كتب بوب أفاكيان عن مشكل ماركسية تكفّ عن مساءلة نفسها فتمسى وصفة للتسفيه و السلبيّة و النفاق الفكريين .
بالنسبة لبوب ، للنظريّة الثوريّة ميزة هي التمرّد و القلق : مساءلة الحقائق و التقاليد الراسخة و رفع تحدّيات جديدة مع بحثها عن إستيعاب أعمق للعالم فى تغيّره . و هذا لا يعنى إعتبار كلّ شيء لقمة سائغة بل بالأحرى نصبح واقفين بأكثر رسوخ فى الواقع و فى حركته و تطوّره . إنّه يهدف إلى تعزيز أسس الفهم العلمي . لقد وجدت هذا حماسيّا بشكل مفزع – حتى ( و خاصة ) و أنا أصارع للبقاء و المضيّ معه فى رحلة إستكشاف .
بمعنى أنّنا فى نقدنا الذاتى الذى لن أحاول أن ألخّصه هنا نظرا لكونه مطوّل نوعا ما و له مستويات متعدّدة، إنطلقنا من مستويين أساسيين . عالجنا أين أخفقنا فى تحليلنا الخاص للتيّارات العالمية فى ثمانينات القرن العشرين و لماذا أخفقنا ؛ و عالجنا نقاط ضعفنا المنهجية التى يمكن رؤيتها الآن بوضوح أكبر فى كيفيّة تنظير كتاب " إنحطاط أمريكا " و تطبيق نموذج " الظرف التاريخي / اللولب " ( سقطنا فى عناصر من تفكير " الحركة – النموذج " التى كانت موضوع نقدنا السسابق ) . و ثمرة هذا النقد الذاتي و مزيد البحث و التحليل كانت " ملاحظات حول الإقتصاد السياسي : تحليلنا لثمانينات القرن العشرين و المسائل المنهجيّة و الوضع العالمي الراهن " التى نشرت سن 2000.
المسألة فى آخر المطاف :
إنّ العمل مع بوب على " إنحطاط أمريكا " و " ملاحظات حول الإقتصاد السياسي ..." و فى ظلّ قيادته قد ساعدنى على أن أقدّر بعمق أكبر مقاربته و أن أستوعب أكثر الماركسيّة كعلم حيّ متطوّر يخدم التغيير الثوري للعالم . و قد أفادنى أيضا فى تقدير أعمق لمناهج عمله و قيادته – و نظرته لمعنى الحزب الطليعي الماوي .
لا يتعلّق الأمر بأنّ الطليعة على حقّ دائما أو أنّها دائما على الطريق القويم فى كلّ مسألة كبرى ( و إن كنت تفكّر بتلك الطريقة فالقضيّة بعدُ خاسرة ) . لا ، ما يشدّد عليه بوب أفاكيان هو أن نكون طليعة ، طليعة تتحمّل المسؤوليّة التاريخيّة لقيادة الجماهير فى إعادة صنع العالم و يعنى ذلك و يتطلّب إمتلاك العلم و المنهج و النظرة اللذان تخوض بهما فى الواقع بالطريقة الأكثر صراحة و علميّة أي البحث عن الحقيقة . إنّه يعنى أن نكون قادرين على القيادة و على إطلاق العنان للآخرين و التعلّم منهم ؛ و الإقرار بالأخطاء و تلخيصها ؛ و أن نكون منفتحين على نقد الآخرين .
الكثير يقوم على هذا . و المسألة فى آخر المطاف هي بالنسبة للإنسانيّة فهم العالم و تغييره .
----------------------
ريموند لوتا إقتصادي سياسي ماوي . من مؤلّفاته " إنحطاط أمريكا " و " الإتحاد السوفياتي : إشتراكي أم إمبريالي – إشتراكي ؟ " و " الإقتصاد الماوي و الطريق الثوري نحو الشيوعية " . و قد ألقى محاضرات كثيرة فى الولايات المتحدة و فى الهند و المكسيك و الفليبين .
====================================================
5 - بعض الأفكار عن أهمّية بوب أفاكيان فى بناء حركة ثوريّة
سنسارا تايلور
جريدة " الثورة " ، 29 ديسمبر 2008 .

مثلما يعلم ذلك العديد من قرّاء جريدة " الثورة " ، كنت أتنقّل و ألقى المحاضرات و أتحدّث بشكل واسع عن الكتاب الحديث لبوب أفاكيان " لنتخلّص من كافة الآلهة ! تحرير العقل و تغيير العالم راديكاليّا " و قد كتبت سابقا تقاريرا عن ما كان يعترضنى فى هذه الجولة . و هنا أودّ أن أتقاسم و القرّاء الطرق التى من خلالها عمقت تجارب الجولة – ومن خلال الجهود الحديثة للحزب كما تركّزت فى " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة ، بيان للحزب الشيوعي الثوري " (1) – تقديري للقيادة التى لدينا فى بوب أفاكيان و الأهمّية الكبرى و القوّة التى لدينا فى الترويج لهذا القائد الثوري .
-------------------
الأخلاق الشيوعية : إعطاء معنى للحياة و تقديم مذاق المستقبل الشيوعي :
أودّ أن أستهلّ الحديث بتناول الأخلاق الشيوعية – و تجذّرها فى العالم الحقيقي – قوّة جذب شديدة وهي فى نفس الوقت مغناطيس قويّ للتشويهات الكبرى لدى الناس بصدد أهداف الشيوعية ( بما فى ذلك قضايا الوسائل و الغايات ) .
إنّ الأخلاق الشيوعية متجذّرة فى ألإمكانيّات الماديّة لبلوغ تحرير الإنسانيّة – ومن ذلك وهو أمر مهمّ جدّا ، التحرير التام للنساء و إجتثاث كلّ الإضطهاد القومي و العنصريّة كجزء من تجاوز الأمم جميعها، و فى نفس الوقت ، يستمرّ دفع التنوّع الثقافي و اللغوي ؛ و تجاوز نظام يفرض على الناس أن يحسبوا " بحمّة البخيل " ما الذى يحصلون عليه من كمّية العمل التى يبذلونها فى أعمال شفقة تجاه أصدقائهم ؛ مثمّنين و مشجّعين على روح نقديّة و علميّة ( لأنّ الثورة الشيوعيةّ لا مصلحة لها فى حجب أيّة حقائق و لها مصلحة كبرى فى إطلاق العنان لسيرورة بلوغ الحقيقة و تدريب الجميع على المنهج العلمي و مساءلة التقاليد ) ، و إطلاق العنان للفنّ و الخيال دون تقيّد بضرر أسطورة الدين و الجهل ؛ و معطية معنى للحياة و المساهمة فى إنشاء عالم جديد متحرّر تماما ، واضعة حياة الإنسان فى خدمة ذلك . كلّ هذا ، عندما يُناقش جذّاب جدّا للناس . كلّ هذا متجذّر لا فى بعض " المثل الأعلى المثالي " بل فى إمكانيّة معالجة التناقضات الماديّة الأكثر تحديدا لزمننا – التناقض بين الإنتاج ذو الطبيعة الإجتماعيّة من جهة و الملكيّة الفردية من جهة أخرى و الذى يجد تعبيرا عنه فى علاقات الإتسغلال الطبقي والمؤسسات الإضطهاديّة و الأفكار التى تعكس كلّ هذا و تعزّزه – و العالم الجديد تماما مرتهن إيجاده بمعالجة ذلك التناقض عبر الثورة .
هذا جزء هام للغاية من ما هو جديد فى مقاربة بوب أفاكيان للثورة و الشيوعية . من ناحية ، هو إنعكاس للمقاربة الشاملة الأعمق و الأكثر علميّة للماديّة الجدليّة و منها كما تطبّق على المجتمع الإنساني و العلاقة الجدليّة بين القاعدة الإجتماعيّة والبنية الفوقيّة ، والنقطة التى يثيرها فى" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " بخصوص وجود عدّة قنوات عبرها يعترف الناس بالضرورة و يقومون بتغييرها (2). و فى نفس الوقت، الأخلاق الشيوعية مظهر خاص هام بشكل لا يتصوّر للخلاصة الجديدة لأفاكيان حول الثورة و الشيوعية وهي قوّة جذابة اليوم و مذاق للعالم القادم . هنا مفيدة جدّا هي النقطة المثارة فى " الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون " : " إنّ النضال من أجل الثورة و كذلك من أجل الهدف الأسمى الشيوعي شيء – و يجب أن يقدّم بطريقة حيويّة على أنّه – شيء أفضل بكثير ، شيء تحريري حقّا . حتى مع كلّ نضاله و تضحيته ، حتى مع كلّ التمرّد ، حتى مع كلّ العنف و الدمار الذى تتسبّب فيهما قوى النظام القديم للحيلولة دون هذا التغيير الراديكالي للعالم ؛ لن تقود ثورتنا إلى مستقبل للإنسانيّة مختلف راديكاليّا وأفضل بكثير و حسب ، بل سيرورة هذه الثورة ذاتها يجب و يمكن أن تجسّد العناصر النامية لذلك المستقبل و تكون هي ذاتها نهوض عميق للأعداد المتنامية و بوعي متزايد لتساهم و تدفع إلى الأمام هذه الثورة ، و لمصلحة الغالبيّة العظمى من الناس " (3)
و يسترسل هذا الكرّاس ليستشهد بكتاب " من أجل حصاد التنانين " أين كتب بوب أفاكيان :
" فى آخر التحليل ، مثلما عبّر عن ذلك إنجلز فى مناسبة من المناسبات ، يجب على البروليتاريا أن تكسب تحرّرها فى ساحة المعركة . لكن لا توجد مسألة الإنتصار فحسب بهذا المعنى بل بالمعنى الأوسع لكيفية الإنتصار . و من الطرق المهمّة أو لعلّها الدقيقة و عادة نادرا ما تلاحظ و التى يبحث بها العدوّ حتى فى الهزيمة ، عن الثأر تماما من الثورة و زرع بذور تفكّكها المستقبلي ، هي ما سيجبر الثوريين على أن يصبحوا ليلحقوا به الهزيمة . و يتلخّص الأمر فى التالي : علينا أن نواج العدّوفى الخنادق و نلحق به الهزيمة وسط دمار فظيع لكن لا ينبغى فى السيرورة أن نمحو الإختلاف الجوهري بيننا و بين العدوّز هنا مثال ماركس ساطع : لقد قاتل مرارا و تكرارا بصورة لصيقة إيديولوجيي البرجوازية و مدّاحيها بيد أنّه لم يقاتل أبدا على طريقتهم أو بنظرتهم ، منهج ماركس منعش بقدر ما أنّ هدفه ملهم.
يجب أن نتمكّن من أن نحافظ على صلابة مبادئنا لكن فى نفس الوقت نحافظ على مرونتنا ، نحافظ على ماديّتنا وعلى جدليّتنا ، على واقعيّتنا و على رومنسيّتنا ، على حسّنا الجدّي بالهدف و على حسّنا الفكاهي . " (4)
و أودّ أن أشدّد أكثر على هذا و أطرح أنّنا نحتاج إلى أن نجد المزيد من الطرق للتعبير عن هذا – للحديث مع الناس و تبليغهم هذا المستوى ليمسي قوّة شديدة الجاذبيّة .
و يرتبط هذا ب " أشياء غامضة " يراها الناس و ينجذبون إليها فى شخص بوب أفاكيان ، مثلا ، عندما يشاهدون القرص المضغوط ( دي فى دي ) لخطابه " الثورة : لماذا هي ضرورية ، لماذا هي ممكنة ، ما الذى تعنيه " أو يقرؤون سيرته الذاتيّة " من إيكي إلى ماو و بعده : مسيرتى من الفكر الأمريكي السائد إلى شيوعي ثوري " . أتذكّر مناضلة نسويّة راديكاليّة لزمن طويل بعد مشاهدتها للقرص إيّاه فى سنفوني سبايس قبل بضعة سنوات ، علّقت قائلة إنّها كانت منذهلة جدّا ، ليس فقط لوجود قسم قويّ عن إضطهاد المرأة و تحريرها و إنّما لأنّه عبر الأقسام الأخرى ، وجدت مقاربة مختلفة تماما للنساء منسوجة و كان ذلك متّسقا و منسجما . كتن واضحا أنّ بوب أفاكيان كان يأتى من مكان مختلف إلى هذه المسألة حتى عندما لم تكن " موضوع الحال " . يمكن للناس قول هذا . و هذا مهمّ بالذات بقدر أهمّية " النقاط الأساسيّة المعالجة " فى زمن معطى فى خطاب أو مقال أو حوار . إنّه مشابه للتحريض الذى تمّ بشأن تييشا ميلر (5) . لا يتعلّق الأمر ببساطة بجريمة شرطة خاصة ، أو حتّى بأنّه إن كنّا نسيّر المجتمع لم نكن لنعالج هذا الوضع بشكل مغاير راديكاليّا ، لكن بطريقة شاملة يتطرّق أفاكيان بوسيلة أخرى تماما لإمكانيّة وجود العالم بكلّ تركيبته – أخلاقه تجاه الجماهير و مادية كيفيّة أن يكون مغايرا راديكاليّا ، و طبيعة العالم الذى نعيش فيه اليوم و إلى ماذا تنتمى تلك الجريمة . إنّه كلّ مركّب وهو لميّ مثلما هو راديكالي و أيضا حماسيّ و حزبيّ مرّة أخرى ، هذا فى منتهى الجاذبية .
دعامة نضال ثوري :
هذا أمر نحتاج إلى تقديره بشكل أشمل و علمي فى سعينا لبناء ثقافة تقدير و ترويج و نشر شعبي كدعامة حقيقيّة لنضالنا الثوري – ( 6) و هذه الأشياء تحتاج إلى أن يُوفّر لها تعبير أكبر من قبل حركتنا الثوريّة ككلّ .
و بقدر ما أتجوّل بين المدن ، بقدر ما يذهلنى مدى تمثيل هذا دعوة قويّة بالنسبة لنا . تشكّل النظرات المنخفضة مشكلا ضخما كما يمثّل مشكلا ضخما أيضا نقص المادية و القتال الهائل لجعل الناس يفكّرون فى العالم الحقيقي و يفكّرون بعلم و يقطعون مع الإفتراضات المناهضة للشيوعية و مع الديمقراطية البرجوازية و أوهام " الديمقراطية الخالصة " و الحقّ البرجوازي – لكن هناك كذلك وسيلة أنّه فى خضمّ هذا نحن الشيوعيين شيء يجعل الناس يحبسون أنفاسهم . فكّروا فى كافة الشباب الذين قالوا عن أوباما : " لم يكن لدينا قط شيء نؤمن به " . إنّه يشبه شعور الناس بالحاجة إلى الدين فى هذه الأوقات من طفيليّة الإمبريالية و الإستهلاك الفارغ و العلاقات الإجتماعيّة التى تحوّل الناس إلى مغتربين بشدّة ، و الفظائع ضمن حدود البلاد و كذلك و خاصة عبر العالم ( كلّ شيء عن كيف أنّ العيش فى الولايات المتحدة يشبه "العيش فى منزل تونى سوبرانو " ) (7). واقع أنّه لدينا فعلا شيئا تحريريّا راديكاليّا للإيمان به ، بلوغ الفهم علميّا و النهوض و القتال من أجله ، و وضع حياة الإنسان فى خدمته و المساهمة فيه و الإنخراط فى ذلك على عديد المستويات – وهذا فى منتهى الأهمّية والجاذبيّة ( بداهة ) حيث نتقدّم بهذا بمضمون مادي مقنع وحماس وخاصة حيث نضع هذا فى معارضة ما يمثّله حقّا أوباما ، أو ما تمثّله حقّا أمريكا ، أو ما يمثّله حقّا الدين – حسنا نظرتنا إلى المستقبل و مناهجنا لبلوغ ذلك و أخلاقنا أفضل بكثر .
و يبرز هذا و يجب أن يبرز عندما نلتقى بأشخاص مرتبطين بالحزب الشيوعي الثوري . لقد كتبت تقاريرا لهذه الجريدة و تقاسمت مع الرفاق فى عدّة مستويات ما جرى فى عدّة جولات و الصراع الواسع مع الجماهير الذى شاركت فيه ، لكنّى لا أعتقد أنّى أبدا قد لخّصت حقّا هذا العنصر " الغامض " ) بما فيه الكفاية سيما و أنّه بقدر ما كنت أقدّم الثورة و الشيوعية و أقاتل من أجلهما بطريقة مباشرة و علميّة ، أريد أن ألخّص هذا بصفة صريحة : معظم الناس الذين تحدّثت إليهم لميقابلوا أو لم يشاهدوا او حتّى لم يسمعوا عن أيّ شيء مثلى أو أكثر جوهريّة عن الحركة الشيوعية الثوريّة التى أنا جزء منها – حزبنها الطليعي و علمه و أهدافه لتحرير كافة الإنسانيّة و مناهجه . و هذا فى حدّ ذاته مثير و جذّاب – و يقول لى الناس ذلك بألف طريقة و طريقة ، إرسال أعمال فنّية أنجزوها و كتابة رسائل ، و حضور الأحاديث و الكلام من موقع من تحرّكت مشاعره و كذلك من شعر بالتحدّى إلخ .
الترويج لبوب أفاكيان – جذب الجماهير و الإجابة عن مسائل الثورة الأكثر خلافيّة و الأهمّ :
و كلّ هذا يعيدنى إلى إفتتاحيّة مهمّة لبراين غرين فى النيويورك تايمز أثناء مهرجان العلم العالمي . (8) فقد أكّد أنّ العلم ليس مجرّد مجموعة من الإستنتاجات و إنّما هو منهج للماذا و كيف أنّ هذه النظريّات يمكن أن تفتح شهيّة الناس و يمكن دعوتهم و أسرهم للتعمّق فى المبادئ الأكثر جوهريّة التى تعتمد عليها هذه النظريّات الأكثر تطوّرا . و إنّه بالإنخراط فى العلم الأكثر تقدّما ، يمكن الإرتباط بذلك و الحصول على إستيعاب أساسي كذلك متقدّم – و من خلاله الشعور بالحاجة و بأن نقاد إلى التعلّم بعمق أكبر للنظريّات و الحقائق و المناهج العلمية الأكثر كمونا .
أعتقد أن هناك تشابه هنا مع بوب أفاكيان و سعينا إلى أن ندفع حقّا ثقافة تقديره و ترويجه و نشره فى صفوف الشعب هو و مجموعة أعماله و منهجه و مقاربته و الدور الراهن الذى يضطلع به . إنّ بوب أفاكيان والعمل الذى أنجزه و ينجزه يركّز الشيء الأكثر تقدّما والأكثر جاذبيّة فى عملنا و أهدافنا و منهجنا. و الترويج له بطريقة مركّزة يذهب تماما ضد كلّ التفكير المتخندق المعادي للشيوعية و غير العلمي ، و الأفكار المسبّقة الديمقراطية البرجوازية و الأحكام الخاطئة بشأن المشروع الشيوعي ، و سياسات الهويّة ، و البراغماتيّة المعادية للنظريّة ، و عياب الماديّة و كافة الحواجز الأخرى التى ننهض ضدّها فى سيرورة إيجاد شعب ثوري و إستقطاب ثوري . لا أعلم إن كنّا قد قدّرنا بعدُ تماما وعانقنا الجدليّة المعنيّة فى هذا ، أنّ الترويج لبوب أفاكيان يفتح الباب لجميع جدالات الشيوعية – و أنّه يتعيّن علينا أن نريد ذلك ، و أنّ ما يقوم به أفاكيان هو عمليّا الإجابة الأكثر تكثيفا على هذه الجدالات المتّصلة بالشيوعية .
و أشعر أنّه لا تزال هناك قفزة أعمق نقوم بها بمعنى جعل كلّ إنسان يتقدّم إلى هذه الحركة الثوريّة حقّا يرغب فى هذا الجدال و يستوعبه و يعرض بطريقة غير دفاعيّة و مضمون مادي مقنع الإجابات على هذه الجدالات المكثّفة لدى أفاكيان .
أعتقد أنّه هناك نقطة فى ما كان برين غرين يقول عن العلم الأكثر تطوّرا كونه شيئا لا يحتاج و لا يجب أن " يحفظ " إلى أن يحصل الناس على كامل الأسس و إلى أن نشيّد الكتل للوصول إليه ، لكنّه فى حدّ ذاته الطريقة الأقوى لإيلاج الناس إلى العلم ككلّ و من ثمّة يتمّ الإلهام والتحدّى للتعمّق أكثر فى مكوّناته. و ينسحب هذا على كلّ من النظريّة الشيوعية و الإختراقات التى أنجزها بوب أفاكيان المتقدّمة إلى أقصى الحدود ، و كذلك على كلّ ما هو " غامض " تناولته بالحديث قبلا و ما هو جذّاب بشأن كيفيّة التقدّم من المعلومات و تشكيل خطاب شامل و جذّاب .
بطريقة ملموسة جدّا و مطروحة بإلحاح ، إن كنّا لنفلح فى إيجاد شعب ثوري مع لبّ صلب متنامي يتطرّق إلى كلّ الأمور بإعتباره محرّر الإنسانيّة ، نحتاج إلى أناس على نطاق واسع يتفاعلون مع بوب أفاكيان و يقدّرونه و يحصلون على قيادته و يدافعون عنه . و هذا سيقتضى و يجب أن نرغب فى أن نعالج كلّ ما يقف حجر عثرة فى طريق قيام الناس بذلك ، بما فيها كون حتى الإعتراضات التى يثيرها عديد الناس بصدد أفاكيان كشخص و أفكارهم هامة بصفة غير متناسبة و تنبع من نظرة إلى العالم يجب أن نرغب فى تحدّيها ، و تنبع من إفتراضات قائمة على الحقّ البرجوازي ما نحتاج إلى كسر طوقه على الناس و حول هذا الموضوع لم ينجز أحد عملا متقدّما أكثر ممّا أنجزه أفاكيان . (9 )
كلّ ما نقوم به جزء من القيام بالثورة :
و نقطة أخيرة أريد أن أبدى ملاحظات بخصوصها إنطلاقا من الخروج إلى العالم على نطاق واسع ، ألا وهي أهمّية إنجاز ما يوصف فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " و بجرأة نشر الثورة و الشيوعية فى كلّ مكان و لماذا نرغب نحن الشيوعيين فى سلطة الدولة و ما فائدة ذلك . كيف ينبغى أن نركّو حقّا على كون كافة الفظائع فى العالم تنبع من مسك البرجوازيّة بسلطة الدولة و إستعمالها لتعزيز علاقاتها الإقتصادية و الإنتاجيّة و الإجتماعيّة عبر العالم باسره ، و لماذا سلطة الدولة بأيدى البروليتاريا بقيادة طليعتها ، شيء جيّد جدّا و لماذا نرغب فى ذلك ، و يتعيّن أن نرغب فى ذلك و لماذا نحن و أعداد نامية من الآخرين ينبغى أن نعمل معا من أجل هذا !!!
حين نتحدّث فى دنفر ببرنامج كجزء من الإحتجاجات ضد الإتفاق الديمقراطى الوطني ، تقدّمت دون إعتذار بتاتا بأنّ الحزب الشيوعي الثوري يرغب فى سلطة الدولة و هذا شيء جيّد و يمكن بفضله فعل أشياء عظيمة . وتحدّثت عن وضع حدّ للحروب غير العادلة و للإستغلال والإغتصاب و العنصريّة و الإضطهاد القومي و كيف أنّ الكثير يمكن فعله بالذات بسلطة دولة ثوريّة. و صفّق الجمهور ومتكلّمون كثر من بعدى تحدّثوا بشكل إيجابي عن هذه الثورة حتى و هم يثيرون إختلافاتهم و إشترى عدد كبير من الناس نسخا من " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " و من جريدة " الثورة " . و فى اليوم التالى ، إقترب منّى فوضويّ – ماركسي –مرمونى تخرّج من شباب بريغهام و جلبه صديق له إلى الإحتجاج ، و كان بجلاء متأثّرا بخطابي . كان الأمر مضحكا لأنّه كان عمليّا محتشما شيئا ما فى قول إنّه بم ير أبدا سلطة الدولة كشيء جيّد بل إنّه الآن أخذ فى إعادة النظر فى المسألة . و إشترى زوجان من ستينات القرن العشرين كلّ ما كان لدينا من أدبيّات بوب أفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري ، و حضرا جميع النقاشات المنظّمة حولها خلال ذلك الأسبوع و مذّاك بقيا معنا على إتصال . و فى الأسبوع ذاته فقط ، أرسل لى طالب فى جامعة ساوث فورك بالكلورادو كان بعدُ متأثّرا بسماع هذا الخطاب رسم طباعة حجريّة أسود و أبيض تقشعرّ له الأبدان لسجين وضع له قناع واقف على صندوق و أسلحة موجّهة إليه و يداه مشدودتان بخيوط كهربائية ( و كتب على الصندوق " صنع فى الولايات المتحدة الأمريكية " ) ، و فى خلفيّة الرسم جماجم صعنها و عرضها فى معرض فنّي لمناهضة الحرب .
لا أحد لآخر يقول أي شيء مثل هذا و هو يعنى الكثير بالنسبة لجماهير اليوم – و لأمكانيّات المستقبل – أن نقوم بهذا بجرأة و بمنتهى الصراحة . ما يقال فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " صحيح حقيقة بشأن كيفيّة تقديم عرض حيّ لمدى قيمة سلطة الدولة إن كانت بأيدينا . (10 ) . نحتاج إلى التكلّم بلغة سهلة و مصطلحات حيويّة فى هذا المضمار و إلى عرض لماذا سلطة الدولة القائمة و ليست طبيعة الإنسان أو أي شيء آخر يمنع هذه الأشياء الكبرى من الحصول و لماذا بسلطة الدولة يمكننا أن نفعل كافة أنواع الأشياء التحريريّة فورا ، أشياء حقيقية ! و من هناك نمضى فى الصراع لإجتثاث كلّ بقايا " الكلّ الأربعة " (11).
و هنا أسجّل هذا لأنّنى أريد أن أسلّط الضوء على الجاذبيّة ذات الدلالة بالنسبة لنا فى إبراز ثورتنا دون إعتذار و بجرأة تامّة . و أعتقد أنّنا سنكرّر الإخفاق فى تقدير ما يعنيه هذا هناك – و ما يشير إليه ذلك بأكثر جسارة .
وفى الختام ، كجزء من الجولة الحديثة التى كنت خلالها أروّج لكتاب بوب أفاكيان " لنتخلّص من كافة الألهة ! تحريرالعقول و تغيير العالم راديكاليّا " ، إلتقيت بأستاذ حضر إحدى التحرّكات التى نظّمناها . و كان أوّل تعليق له هو نقد واقع أنّ جريدة " الثورة " تنشر كتابات بوب أفاكيان كلّ أسبوع . هو معجب بأعمال أفاكيان و قد قرأ " لنتخلّص من كافة الآلهة ! ..." و كان يدعم الحزب بطرق شتّى إلاّ أنّه إعتقد أنّ هذا كان مغالى فيه بالنسبة إلى فرد . فتصارعنا قليلا حول هذا – و تجدر الإشارة إلى أنّنا لم نمض حقّا إلى أيّ مكان إلى أن أصبح نقاشنا لاحقا متركّزا على إقتراحه بأنّ نكون أقلّ إيديولوجية من أجل الإتحاد مع المزيد من القوى حيث توجد فى سبيل بناء أوسع حركة ممكنة . و شرحت له بوضوح كبير أنّ المسألة المفتاح لم تكن حجم الحركة التى نبنى فى أي وقت معطى و إنّما الهدف الذى نبنى من أجله الحركة – إنّ غالبيّة الإنسانية تحتاج إلى سلطة الدولة و الشيوعية و إنّنا نحتاج إلى حركة تعتمد على بلوغ ذلك .
و على الفور ، ردّ " آه ، أنت تتكلّمني عن سلطة الدولة ...حسنا ينطوى هذا على أنواع شتّى من المشاكل " . و من ثمّة تحوّل نقاشنا كلّه عندما توغلت فى الفظائع الحقيقيّة التى تحصل عندما لا تكون سلطة الدولة بأيدينا ، عندما تكون بأيدى الإمبرياليين و يستخدمونها للقيام بأشياء فظيعة و يعزّزونها ؟ لذا نعم ، هناك مشاكل مع سلطة الدولة و سلطة الدولة بأيدينا لكن فى الأساس ذلك شيء جيّد جدّا !!! و كلّ من الفظائع الحقيقية و كابوس الإمبرياليين يمسكون بسلطة الدولة و حاجتنا إلى إفتكاكها و التحدّيات التى تنشأ عن مسك سلطة الدولة و إستخدامها و إستخلاص الدروس الصحيحة من الماضى و مع ذلك القيام ببراعة بأشياء أفضل ، و لهذا كلّه تنشر جريدة " الثورة " كتابات بوب أفاكيان أسبوعيّا !
ثمّ ، فى هذا السياق من توضيح أنّنا نتحدّث حقيقة عن ثورة ، فإنّ الصراع حول بوب أفاكيان و قيادته و مضمون خلاصته الجديدة ، فى كلذ من معنى مفهوم المنهج و المفهوم السياسي بما فى ذلك دور الفنّانين و المعارضة و الدين و الصراع الإيديولوجي و اللبّ الصلب و المرونة فى عدد من الأبعاد و كذلك المفهوم الإستراتيجي للتسريع و الإنتظار و إغناء ما العمل ( و منه عرض هذه المسائل على الجماهير الآن فى الجريدة أسبوعيّا و بطرق أخرى ) (12)- كلّ هذا كان إعادة صياغة و كنّا قادرين على الصراع حول أهمّية بوب أفاكيان من منظور ثوري . إنّه حال الكثيرين الذين لم يفكّروا بعدُ جدّيا فى ما تتطلّبه الثورة . و حينما تفكّرون جدّيا فى الثورة تصبح الحاجة إلى القيادة بارزة للعيان . و هكذا نعود إلى المسألة المحوريّة فى هذا على كلّ حال . و بقدر ما نكون متجذّرين بصلابة فى الحاجة إلى الثورة و بقدر ما ننطلق من هذا، بقدر ما نتخطّى الصعوبات و نرغب عمليّا فى الترويج لبوب أفاكيان . و بقدر ما نروّج لبوب أفاكيان و ما يمثّله فعلا وحاجة الثورة فعلا إليه ( ثورة هدفها تحرير الإنسانيّة قاطبة ) ، بقدر ما ندفع إلى ألمام الحركة الثوريّة و نخوض فى المسائل الكبرى لهذه الثورة و نجلب إليها أعدادا متنامية .
---------------------------------------------
الهوامش :
1- " الثورة " عدد 143 ، 21 سبتمبر 2008 ، و الرابط على الأنترنت هو :
http://revcom.us/Manifesto/Manifesto.html
2- أنظروا " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الصفحة 11 من كرّاس " الثورة و الشيوعية : أساس و توجّه إستراتيجي " ، ضمن الفقرة التى تحمل العنوان الفرعي " الحرّية ... و الضرورة " : " لكن جوهريّا ( إن أمكن القول ، ما يقف وراء هذا) تكمن الحرّية فى الإعتراف بالضرورة و تغييرها . و المسألة هي أنّ هذا الإعتراف و القدرة على إنجاز التغيير تمرّ عبر الكثير من " القنوات " المختلفة وليست مرتبطة بطريقة تجريبيّة أو إختزاليّة أو خطّية لكيفيّة تقديم التناقضات الإجتماعية الأساسية نفسها فى وقت معيّن . إنّ كان الأمر كذلك – أو إن قاربناه بهذه الطريقة – سنصفّة دور الفنّ و الكثير من البنية الفوقيّة عامة . لماذا نخوض معركة فى مجال الأخلاق ؟ لأنّ هناك مبادرة و إستقلاليّة نسبيّة فى البنية الفوقيّة . و بقدر ما يقع التعبير عن ذلك عبيرا صحيحا ، بقدر ما يكون الأمر أفضل ، بمعنى نوع المجتمع الذى لدينا فى وقت معيّن و بمعنى قدرتنا على الإعتراف بالضرورة و خوض الصراع لتغيير هذه الضرورة ".
" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " متوفّر أيضا على ألنترنت على الرابط التالي :
http://revcom.us/avakian/makingrevolution/
3- " الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون " ( منشورات الحزب الشيوعي الثوري 2008 ) وهو متوفّر على الأنترنت على الرابط التالي :
http://revcom.us/Comm_JeffDem/Jeffersonian_Democracy.html
4- بوب أفاكيان – " من أجل حصاد التنانين ، حول " أزمة الماركسية " و قوّة الماركسية - اللآن أكثر من أي زمن مضى " ؛ منشورت الحزب الشيوعي الثوري 1983 ، ص 152.
5- " عرض خطّنا – بطريقة جريئة و مقنعة " ؛ جريدة " العامل الثوري " عدد 1177، 1 ديسمبر 2002 .
6- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، ص 48 ، ضمن " الثورة و الشيوعية : أساس و توجّه إستراتيجي " .
7- أنظروا " التقدّم بطريقة أخرى " و رابطه على الإنترنت هو :
http://revcom.us/avakian/anotherway
8- " ضعوا القليل من العلم فى حياتكم " ، نيويورك تايمز ، 1 جوان 2008 .
9- أنظروا قسم " أريد المزيد – أم نريد عالما آخر ؟ " ضمن " القيام بالثورة وتحرير الإنسانيّة " ، الصفحة 1 من كرّاس " الثورة و الشيوعية : أساس و توجّه إستراتيجي " ، و الرابط على الأنترنت هو :
http://revcom.us/avakian/makingrevolution/
10- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، الصفحات 46-48 ضمن كرّاس " الثورة الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي " .
11- هذه " الكلّ الأربعة " التى تميّز التقدّم صوب الشيوعي هي إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة ، و كلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها تلك الإختلافات الطبقية ، و كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ، و تثوير كافة الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات الإجتماعية .
أنظروا " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، ص 13 ضمن كرّاس " الثورة الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي " .
12- فى" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "، يشرح بوب أفاكيان :" يحيل حديثنا عن إغناء" ما العمل؟" على ما وقع مزيد تعلّمه منذ زمن لينين – بما فى ذلك بمعنى العلاقة الجدلية بين الوعي و تغيير الواقع المادي ، أو بين العوامل الذاتيّة و الموضوعيّة – و حتى تشديد مضاعف ليس على تمكين أعداد متنامية من الجماهير من الإنخراط فى ما يحدث فى كافة المجالات المختلفة للمجتمع و كيف ترتبط بالطبيعة الجوهريّة للمجتمع و المسألة الجوهريّة لتغيير المجتمع و العالم ، لكن أيضا تشديد على تحليل إلى أقصى درجة ممكنة فى أي زمن معطى للعوائق التى تحول دون إنخراطهم فى مجال " الإشتغال على الأفكار" و الصراع و النزاع فى مجال الأفكار ( فى حقول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة و ما إلى ذلك ) وكذلك عرض مشاكل الثورة على الجماهير– جالبينها إلى أكبر وأتمّ مدى ممكن فى كلّ لحظة إلى الخوض فى المسائل الحيويّة المتصلة بالحاجة إلى الثورة الشيوعية ووسائل القيام بهذه الثورة ".
( الصفحات 41-42 من " الثورة الشيوعية : أساس و توجّه إستراتيجي " ) .
=====================================================
6 - بوب أفاكيان فى كلّ مكان – لا للمقاربة الدينية ، نعم للمقاربة العلمية فقط
بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية .
" الثورة " عدد 328 ، بتاريخ 2 فيفري 2014
فيما يلى مقتطف من بعض التعليقات التى أرسل بها بوب أفاكيان إلى رفاق قياديين آخرين فى الحزب، متوجّها ببعض النقد للنسخة الأصلية من مقال " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان – تصوّروا الإختلاف الذى يمكن أن يحدثه ذلك ! لماذا وكيف هي مفتاح فى تغيير العالم – فى القيام بالثورة ." و قد صدر ذلك المقال أوّل ما صدر بتاريخ 27 نوفمبر 2013 على الإنترنت بموقع
revcom.us
وعلى أساس نقاش القيادة لتعليقات بوب أفاكيان هذه ، تصدر الآن نسخة جديدة منقّحة لمقال " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ..." بنفس العنوان لكنّها تتضمّن التنقيحات المقترحة من قبل بوب أفاكيان ويظهر الآن على موقع الأنترنت المذكور أعلاه مرفوقا بتقديم لشرح التنقيحات ،و هذه النسخة الجديدة قد وقع إصدارها فى جريدة " الثورة " عدد 324 بتاريخ 15 ديسمبر 2013 .
و شعرت قيادة الحزب أيضا أنّه سيكون من المفيد نشر هذا المقتطف من تعليقات بوب أفاكيان نظرا لمضمونها و حتّى أكثر جوهرية نظرا للمبادئ و المنهج الذين تكرّسهما و تمثّلهما. و إليكم المقتطف :
----------------
فى المقال [ الأصلي ] حول " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان..."، هناك عدد من النقاط الجيدة و الهامة. إلاّ أنّه لسوء الحظّ ، هناك بضعة صيغ خاطئة وعمليّا ضارة – ليست علمية و تذهب ضد التشديد فى ذلك المقال نفسه ، و ضد كيف كنّا نشدّد عامة ، على الحاجة إلى منهج و مقاربة علميين و على أهمّيتهما، و التى يمكن أن يكون لها تأثير التشجيع على المقاربة الدينية للعمل الثوري الذى ننجزه الآن . وهنا سأركّز على صيغتين من هذه الصيغ التى يتكثّف فيها المشكل .
من أكثر الصيغ التى تستوقف الأنظار هي الصيغة التالية :
" دون حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ، ببساطة شديدة ، الثورة غير ممكنة " .
و ببساطة غير صحيح . حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ... حملة غاية فى الأهمّية وهي عند هذه النقطة توجّه قيادى لكامل العمل الثوري ( جميعه) الذى نقوم به – لكنها ذلك و حسب ، هي حملة و ليست شيئا يرتهن به أفق الثورة برمّتها . فكّروا فى هذا : مهما كانت الأهمّية العملية لتحقيق أهداف هذه الحملة (حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ) ، إن فشلنا فى القيام بذلك ، هل سيكون من الصحيح إستنتاج أنّ الثورة غدت غير ممكنة ؟ و طرح السؤال على هذا النحو يشير إلى الجواب : لا . سيمثّل الفشل فى هذه الحملة تراجعا جدّيا – و لذلك و لأسباب أكثر إيجابية – علينا أن نعمل حقّا لبلوغ أهداف هذه الحملة كتوجّه قيادي لمجمل عملنا الثوري فى هذه الفترة - لكن إن فشل هذا بطريقة ما ، سنلخّص ما حدث ( كيف أخفقنا و لماذا إلخ ) و سنحدّد كيف نعيد تجميع قوانا و نمضى فى القتال نحو هدف الثورة ، على أساس تقييم علمي بأنّ هذه الثورة لا تزال ضرورية و ممكنة على حدّ السواء . و وضع جملة خاطئة ، غير علمية فى مطلع هذه الفقرة الهامّة ، يفسد ما يتبع ذلك فى الفقرة و إلى درجة هامّة يفسد المقال ككلّ.
صحيح أنّه دون تحقيق تقدّم كبير بمعنى نشر تأثير عماد كبير من مجمل عملنا الثوري – تقدير بوب أفاكيان / الخلاصة الجديدة للشيوعية و الترويج لهما و نشرهما فى صفوف الشعب – و كذلك الشأن أيضا بخصوص العماد الكبير الآخر ( موقع الأنترنت / الجريدة ) ، على الأرجح سنكون غير قادرين على القيام بالثورة . بيد أنّ هذا لا يضاهي قول ما قيل فى ذلك المقال – " دون حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ، ببساطة شديدة ، الثورة غير ممكنة " . ومن ضمن أشياء أخرى ، المعنى هنا هو خلط – تداخل – بين " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ..." و العماد الكبير الأوّل ، فى الدور العام و فى طريقة السير.
و لمزيد تسليط الضوء على الإختلافات الحيوية هنا ، دعونى أقترح إعادة كتابة للمقطع المعني :
" إنّ الترويج للخلاصة الجديدة التى تقدّم بها بوب أفاكيان و لما تجسّده قيادته عامة و نشرها فى صفوف الشعب على نطاق واسع جزء حيوي من إعداد الأذهان و كذلك من تنظيم القوى من أجل الثورة . فى هذه الفترة ، "حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ..." هي محور تركيز العمل من أجل تحقيق ذلك الترويج و النشر فى صفوف الشعب . إنّها التوجّه القيادي الآن لسيرورة إستراتيجية كاملة تتفاعل مع التطوّرات الموضوعية فى العالم، من خلالها يتمّ بناء حركة الثورة و الحزب الذى يقود الثورة ؛ سيرورة يمكن أن تسرّع فهم الناس على نطاق واسع لكون النظام هو المشكل – مع رؤية أنّ قادة هذا النظام و هياكله غير شرعية – و من خلالها يمكن للملايين رؤية أنّ هذه الثورة هي الحلّ للمشاكل الفظيعة و المستعصية التى تواجهها الإنسانية . إذا لم يعلم الناس بشكل واسع أنّه ثمّة طريقة أخرى يمكن للعالم أن يكون عليها – مع رؤية و خطة من أجل مجتمع أفضل يكون فعلا تحرّريّا ، و لم يعرفوا و يحترموا أنّ هناك خطّة و قيادة لتحقيق ذلك فى الواقع ؛ و أنّ هناك طريقة مغايرة تماما للتفكير و الفهم و العمل على ما هو المشكل و ما هو الحلّ فى عالم اليوم ، عندئذ سيظلّ العالم على حاله – يحطّم الحياة و يزهق الأرواح " .
و على عكس ما يوجد أعلاه ، ما وُجد فى ذاك الجزء من المقال إيّاه ، مثلما كُتب و نُشر ، يمكن أن يشجّع بصورة جدّية كلاّ من المقاربة الدينية و الإنهزامية ، جاعلا كلّ شيء متعلّقا بنجاح ( أو فشل ) " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان..." . و للتشديد على ذلك مرّة أخرى ، لا يتعلّق الأمر بالتأكيد بأنّنا لا نحتاج إلى إبراز أهمّية بلوغ أهداف " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان..." – بالفعل ، نحتاج كثيرا و بصورة ملحّة أن نحقّق عمليّا هذه الأهداف و نحتاج أن نقود الشعب على أساس ذلك الفهم – لكن هذا يحتاج لأنّ ينجز على قاعدة أن نكون علميين بدقّة و صراحة و ليس بالإنزلاق إلى تحاليل و مواقف غير علمية تذهب ضد ما نحتاج أن نقوده و ننشره فى صفوف الشعب .
و الصيغة الأخرى التى تكثّف المشكل الذى أركّز عليه هنا وردت قبل ذلك بقليل فى المقال . إنّها فى الفقرة التالية التى تتحدّث عن ضرورة الثورة كحلّ لمشكل العالم :
" اليوم ، ما يجعل هذا ممكنا هو قيادة بوب أفاكيان و أعماله - بوب أفاكيان قائد الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية . يكمن أساس الثورة بالذات فى طبيعة النظام الرأسمالي نفسه – تناقضاته الحادّة جدّا التى تفرز بصفة متكرّرة العذاب الكبير و الأزمات ، بما فيها أحيانا أوضاع شدّة تزعزع النظام من أسسه . و تقتضي إمكانية أن تحوّل تناقضات هذا النظام وأزماته إلى ثورة قيادة ثورية علمية بعيدة النظر ".
صياغة موقف مجرّد – و إستهلال هذه الفقرة به – أنّ ما يجعل الثورة ممكنة الآن هو قيادة بوب أفاكيان و أعماله يضع الأمور على أساس خاطئ و فى مقام خاطئ . إنّه يعنى بقوّة إن لم يكن يأكّد عمليّا ، أنّه دون بوب أفاكيان لن تكون الثورة ممكنة . و هذا خاطئ و ضار – و من جديد يروّج للمقاربة الدينية التى يمكن بسهولة أن " ترتدّ " إلى ( أو بالفعل تترافق مع ) الإنهزامية . ماذا لو تعرضت لأمر ما يبعدنى تماما أو فعليّا عن الساحة و يعنى أنّه لن يكون بعدُ بمستطاعي أن أوفّر القيادة ؟ بداهة ، سيشكّل شيئا من هذا القبيل تراجعا كبيرا هاما - و القيام بكلّ ما فى وسعنا للحيلولة دون وقوعه أمرمهمّ وحيوي . لكن إن حدث مثل هذا التراجع ، هل سيكون صحيحا علميّا أن نقول إنّ تلك الثورة ستكون عندئذ غير ممكنة ؟ لا – مجدّدا . لا ، لأنّ الأساس الجوهري لهذه الثورة يكمن فى تناقضات هذا النظام .
و وفق ذات خطّ التفكير ، فى الجملة الأخيرة ( كما وردت فى الفقرة ) موقف أنّ إمكانية القيام بالثورة ( على قاعدة تناقضات النظام و أزماته الحادّة ) " تقتضى " قيادة ثورية علمية ، هو كذلك موقف مجرّد جدّا و إطلاقي. إمكانية الثورة تقتضى إلى درجة كبيرة هذا - لكن كلّ شيء ، حتى فى إطار أزمة حادّة ، لا يمكن أن يُقلّص إلى مجرّد عامل ذاتي ( قيادة ثورية علمية ). و مثلما شدّدت على ذلك قبلا ، لا ينبغى أن نعطي حبّا لطحن الصيغ – التى تفوح منها فى الواقع مقاربة دينية - أنّه ب " فضل بوب أفاكيان " الثورة ممكنة . فى حين أنّه من جديد – وهي مسألة ينبغى التأكيد عليها – القيادة الثورية العلمية حيوية ، وهي تتخذ تعبيرا مكثّفا عنها فى الخلاصة الجديدة للشيوعية و القيادة التى أقدّمها ، من غير الصحيح قول إنّ هذه القيادة هي التى " تجعل الثورة ممكنة ". و إن عقدنا مقارنة بين هذا الموقف وما قلناه فى موقف " بفضل " الذى قد شدّدنا عليه بصورة صحيحة ، فإنّ الإختلاف سيبدو جليّا . [ موقف " بفضل " الذى يشير إليه بوب أفاكيان هنا هو التالي : " بفضل بوب أفاكيان و الأعمال التى ألّفها طوال عقود عدّة ، ملخّصا التجربة الإيجابية منها و السلبية للثورة الشيوعية إلى حدّ الآن ، مستفيدا من سلسلة واسعة من التجارب الإنسانية ، نشأت خلاصة جديدة للشيوعية - هناك حقّا رؤية و إستراتيجيا حيويين لمجتمع و عالم جديدين راديكاليّا و أفضل بكثير، و هناك القيادة الحيوية التى نحتاجها للتقدّم بالصراع نحو هذا الهدف " ].
فى تلك الفقرة من المقال ( " حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان ..." ) مثلما نُشر أوّل ما نُشر ، الجملة الثانية هي الجوهرية و المحورية عمليّا . و مثلما لم نكفّ عن التشديد على ذلك ، كجزء من التشديد العام على المنهج و المقاربة العلميين الماديين الجدليين ، فإنّ أساس الثورة يكمن بالفعل فى طبيعة هذا النظام ذاته و تناقضاته الحيوية. هذا ما كان يجب التأكيد عليه أوّلا فى هذه الفقرة ليكون أساسا للباقي . ومرّة أخرى ، لتسليط الضوء على الإختلافات الحيوية ، هذا مقترح للفقرة مثلما يتعيّن أن تأكّد على الأشياء و تكشّفها :
" يكمن أساس الثورة بالذات فى طبيعة النظام الرأسمالي نفسه – تناقضاته الحادّة جدّا التى هو غير قادر على معالجتها و التى تفرز بصفة متكرّرة العذاب الكبير و الأزمات ، بما فيها أحيانا أوضاع شدّة تزعزع النظام من أسسه . و تقتضي إمكانية أن تحوّل تناقضات هذا النظام وأزماته إلى ثورة قيادة ثورية علمية بعيدة النظر . بهذا الفهم ، تبرز أهمّية قيادة بوب أفاكيان و الخلاصة الجديدة التى تقدّم بها ."
و آمل أن تكون المسائل الأساسية و الجوهرية المتصلة بالمبادئ و المنهج – فى تعارض مع مشاكل فى الصيغ التى ذكرت و عالجت - واضحة . والغاية هي التعلّم من هذا و القيام بما هو أفضل و نحن نتقدّم .
===========================
" لماذا أنا مهمّ ؟ - لماذا جملة أعمالي و منهجي و مقاربتي مهمين ؟ لأنّنا نقدّم فهما متطوّرا ، فهما راقيا لما تعنيه الثورة و تعنيه الشيوعية و كيفية المضي قدما نحو هدف الثورة والشيوعية ، و كذلك لمنهج الإنخراط و النضال لمعالجة التناقضات التى ستعترضنا حتما فى هذه السيرورة ...
إذا كان فعلا يقودنا فهم علمي لكون المجتمع الإنساني يحتاج و بإمكانه التقدّم صوب الشيوعية ، و لكون النضال من أجل تحقيق هذا الهدف يجب أن يكون عملا واعيا للجماهير الشعبية ، من جهة ، بينما فى نفس الوقت ، يجب أن تكون لهذا قيادة ، و لا أفق لتحقيقه دونها - قيادة تجسّد فى علاقة بهذا الهدف الفهم و المنهج الأكثر تقدّما – و أن ما يتكثّف فى هذا الشخص ، نعم ، و لكن و بأكثر جوهرية فى جملة أعمال بوب أفاكيان و منهجه و مقاربته ، يمثّل هذه القيادة ؛ عندئذ ما يترتّب طبيعيّا عن ذلك هو الإعتراف بأن هذا أمر يجب توعية الجماهير الشعبية به و تعريفهم به ، و يجب أن نجعلهم يحتضنوه ، بفهم مدي حيويته بمعنى خدمته لمصالحها الجوهرية الخاصة و فى النهاية خدمته لأعلي مصالح الإنسانية جمعاء . و مثلما شدّدت على ذلك وثيقة لحزبنا حول مسألة القيادة الثورية :
" إنّ ظهور بعض الثوريين كتعبير مركّز لهذه السيرورة و تحوّلهم إلى تعبير مركّز لأفضل ميزات القيادة الثورية - بما فى ذلك بذل النفس بلا أنانية من أجل القضيّة الثورية و الحبّ العميق للجماهير ، و كذلك إستيعاب قوي للمنهج العلمي لإطلاق العنان للجماهير و رسم طريق الثورة فى تناغم مع مصالحها الموضوعية - بالتالى لا يكون وجود هكذا قائد أو قادة مصدر إزعاج و إنّما شيئا يرحّب به و يحتفى ! إنّه جزء من قوّة الشعب."
القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ، الجزء الثاني
" كلّ ما نقوم به يتعلّق الثورة "
" الثورة " عدد 115، 13 جانفي 2008