ملحق: شكل القيمة البسيط في تاريخ التبادل -الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)


علي عامر
2016 / 12 / 19 - 12:19     

{موقع شكل القيمة البسيط والعرضي في تاريخ التبادل}

في مقالتنا على الحوار المتمدن, بعنوان :" الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)", عرضنا للشكل الأوّل من علاقات القيمة بين البضائع, شكل القيمة البسيط أو العرضي, حيث نقابل بضاعة بأخرى لاكتشاف قيمتها, فلو كان عندنا 20 متراً من النسيج, نقابلها بوزن محدد من برادة الحديد مثلاً, لنحدد قيمتها, فلنفرض أن 20 متراً من النسيج, كانت تكافئ 15 كيلوغراماً من برادة الحديد, لذا فقيمة 20 متر النسيج = 15 كغم برادة حديد, وهكذا.
يقع هذا تحديداً, في الجزء الذي عني فيه ماركس, بعرض قصة نشوء النقد, أو لاشتقاقها, وهو يشتقّها منطقياً, بالضرورة العلمية والبرهان, وبعبقرية فذة.

ولكن كيف نتأكد أنّ الطريقة التي استخدمها ماركس هنا لاشتقاق قصّة نشوء النقد هي طريقة صحيحة؟
الجواب من خلال دراسة التاريخ.

سنفترض أنّ كل شكل من أشكال القيمة الواردة في قصة نشوء النقد في الفصل الأول من رأس المال, إنّما يعبّر عن مرحلة تاريخية محددة من الحضارة البشرية وأشكال التبادل.
وهنا سنضيف محوراً جديداً لهذا المشروع النظري لتحليل كتاب رأس المال, فبالاضافة لاستنباط الجدل الهيجلي من متن رأس المال, سنعمل على تتبع التطوّر المنطقي لاشتقاق قصة نشوء النقد تتبعاً تاريخياً.
ليصبح لدينا, قصة نشوء النقد من خلال اشتقاق أشكال القيمة بعضها من بعض, من الأدنى للأعلى, ومن الأبسط إلى الأكثر تعقيداً, واستنباط الجدل الهيجلي ومقولاته المستتر تحت هذا الاشتقاق, ثم إيجاد الموقع التاريخي لكل شكل أشكال القيمة.
فتطوّر أشكال القيمة نحو نشوء النقد, هو تطوّر المراحل البشرية بالنسبة للتبادل حتى الوصول للنقد في العصر الرأسمالي الحديث.

يقول ماركس في بؤس الفلسفة, في الفصل الأوّل, تحت الباب الأول:
"إنّ للتبادل تاريخه الخاص, ولقد مرّ بمراحل مختلفة. فلقد كان هناك وقت –كما في العصور الوسطى- لم يكن يتبادل فيه سوى ما هو زائد, سوى ما يفيض من الإنتاج عن الإستهلاك".
لذا ففي العصور الوسطى وما قبلها, كان هدف الانتاج الأساسي, الانتاج للاستهلاك, لا للتبادل, أي الانتاج بحثاً عن القيمة الاستعمالية للبضاعة, لا عن قيمتها التبادلية, أي انتاج البضاعة لذاتها, وفي هذه اللحظة من التاريخ, كان مايزال مركز الانتاج يعنى بالقيمة الاستعمالية, أي أنّ القيمة التبادلية لم تجد طريقها بعد للتحرر والانفصال عن القيمة الاستعمالية, بل كانت مستترة وغائبة تماماً.

أمّا في حالة وجود وفرة في الانتاج عن الاستهلاك, فقد كانت البضاعة الزائدة عن حاجة الاستهلاك تعرض للتبادل, فتبدأ القيمة التبادلية بالانشقاق عن جسد البضاعة, وانتزاع استقلالها النسبي, والظهور, لا كقيمة كميّة واضحة ومستقلة, وإنّما كقيمة كمية مستترة غير محددة, لذا قال ماركس في رأس المال, عن الشكل المعادل, وهو كميّة البضاعة التي تستخدم للتعبير عن الكميّة الأساس المعروضة للتبادل: "الشكل المعادل لسلعة ما, لا يحتوي على أي تعيين كمّي للقيمة".

فحين نتكلم عن الشكل الأولي للقيمة, الشكل البسيط أو العرضي, فإنّما نتكلم عن شكل المقايضة التاريخي, حيث لا نقد ولا مال ولا ذهب ولا فضة, وإنّما كميّة محددة من بضاعة مقابل كميّة محددة من بضاعة أخرى, أو بلغة ماركس :{الشكل النسبي ومقابله الشكل المكافئ.}