ملحق عن الهوية الصورية والهوية الجدلية- الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)


علي عامر
2016 / 12 / 16 - 01:44     

{عن الهوية الصورية والهوية الجدلية}

هذا المقال, يأتي كملحق مكمّل لمقال بعنوان {الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)} نشرته على الحوار المتمدن, ضمن مشروع متسلسل بعنوان "الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال".

1- ينطلق المنطق الصوري, الذي وجد اكتماله عند أرسطو, من نظرة ساكنة للكون والظواهر والحقائق, على عكس المنطق الجدلي, الذي يرى أنّ الحركة الدائمة هي جوهر وطبيعة كل شيء.
2- من ذلك فالهوية الصورية تفترض ثبات الشيء, على عكس الهوية الجدلية.
3- بالنسبة للهوية الصورية فإنّ (أ=أ), حيث يفترض المنطق الصوري أنّ (أ) ستبقى هي هي قبل إشارة المساواة وبعدها.
4- يفترض المنطق الصوري, ثبات الظواهر والأفكار والمعارف والطبيعة والكون, ويعتبر التحوّل والحركة شيئاً عرضياً لا أساسياً يعبر عن نقص المتحرك.
5- فيما يقر المنطق الجدلي, بأنّ الحركة تعبير عن نقص المتحرك, من حيث رؤيته للوجود بكافة مجالاته, كوجود يتطوّر ويتكشّف عن ذاته, ويتحرك من الأدنى للأعلى, من الأبسط للأعقد, من الأقل كمالاً إلى الأكمل, إلّا أنّه يرفض اعتبار التحوّل والتغيّر والتحرّك صفة عارضة, بل يعتبرها صفة جوهرية, تقع في أساس الوجود وكل مكوناته.
6- بالنسبة للهوية الجدلية, فهي تقرّ بأنّ (أ=أ), ولكن تعتبر أنّ هذه الصيغة خالية من المعنى والدلالة والمحتوى, فإنْ أخبرك أحدهم أنّ (أ=أ), فهذا لن يضيف ولن يغيّر بمعرفتك شيئاً. فهنا ينطبق تماماً القول: "كمن فسّر الماء بالماء".
7- ينظر المنطق الجدلي للكون والطبيعة والمجتمع والفكر, كسلسلة متصلة من التدفق والتوالد والتطوّر والانتقال من الأدنى إلى الأعلى.
8- لذا ففي اللحظة (أ) هناك لحظة (لا أ), وهاتان اللحظتان موجودتان معاً وفي نفس الآن, فالظاهرة موجودة وتحمل نقيضها في نفس الآن, والوجود موجود ويحمل نفيه في كل لحظة, لهذا اعتبرت الحركة جوهرية ومطلقة.
9- فيما ينظر المنطق الصوري للظاهرة كما هي, ينظر المنطق الجدلي للظاهرة كما هي وفيما تحمل من إمكانية.
10- فيما ينظر المنطق الصوري للبذرة كبذرة (البذرة=البذرة), ينظر المنطق الجدلي للبذرة كبذرة تحوي بداخلها إمكانية الشجرة, التي تحوي بداخلها إمكانية عدد كبير من الثمار, التي تحوي بداخلها عدد كبير من البذور ذات الجودة الأعلى, التي تحوي بداخلها عدد كبير من الأشجار, وهكذا.
11- اذا افترضنا أنّ البذرة= أ, فإنّ الشجرة هي (لا أ), هي نفي للبذرة, أمّا البذور التي ستحملها الشجرة من خلال الثمار, فهي (لا لا أ), أو نفي النفي, وهذا لا يساوي (أ), لأنّ هناك تطوّر كمّي في عدد البذور التي توالدت من بذرة واحدة, وتطوّر نوعي في جودة البذور الجديدة حسب مبدأ داروين.
12- (لا لا أ), أو نفي النفي, لن يساوي (أ), بل سيساوي (أ تربيع).
13- تطوّر المجتمعات البشرية وعلومها, يثبت يقيناً, وفي كل مجالات الحياة, أن التغيّر والتطوّر والحركة, يقع في جوهر كل شيء.
14- إذا سلّمنا مع المنطق الجدلي والعلوم والخبرات في ذلك, سنقول, أن كل ظاهرة أو فكرة أو شيء, يحمل نقيضه (في طور الإمكان-أي كإمكانية) ستتحقق حتماً إذا توافرت شروط تحققها.
15- فالشجرة لا تشبه البذرة في شيء, رغم أنها خرجت منها.
16- ومن هذا المنطلق وبالعكس, فإنّ تحليل أي ظاهرة أو فكرة, لا بد أن ينفذ من واقع الظاهرة أو الفكرة الحالي, إلى أسبابها الأساسية التي انتجتها, فهدف التحليل تخطّي الظاهرة لما يسبقها منطقياً.
17- ففيما يسعى التحليل الصوري لتحليل السياسة بالسياسة, يسعى التحليل الجدلي لتحليل السياسة بالاقتصاد.
18- لذا, فحين سألنا في المقال السابق: "لماذا لا نقابل البضاعة بذاتها, كأنْ نقول 20 متراً من النسيج = 20 متراً من النسيج؟"
كان الجواب:
"لأنّ قيمة البضاعة لا تظهر إلّا في التبادل, أي من خلال علاقتها بالآخر".
19- وجاء هذا المقال, كتفسير لرفضنا مقابلة البضاعة بذاتها, أثناء سعينا لايجاد قيمتها.
20- فجهد العمال, يحمل في ذاته إمكانية انتاج البضاعة, فجهد العمال كالبذرة, وانتاج البضاعة كالشجرة.
21- وبالعكس, حين نسعى لايجاد قيمة بضاعة ما, حين نسعى لتحليل قيمة بضاعة ما, لن نجد الاجابة في جسد البضاعة, كما أننا لن نجد الاجابة على السياسة في السياسة, ولكننا سنجد الإجابة خارج البضاعة, في أساسها التي جاءت هي كنفي له, في جهد العمال نوعاً وكماً, كما أنّ الإجابة على السياسة توجد خارجها, توجد في الاقتصاد.
22- وبالمثل, فهذا المشروع الذي أعمل عليه "استنباط الجدل الهيجلي من رأس المال", حين أراد أن يحلل رأس المال, أن يحلل الاقتصاد السياسي, لم يحلله برأس المال أو بالاقتصاد السياسي, بل نفذ وتخطّى رأس المال, إلى أساسه الفلسفي في ديالكتيك هيجل, أي يعمل هذا المشروع النظري, على تحليل رأس المال بالفلسفة الجدليّة أو بالديالكتيك.