رأسمالية بدون رأسماليين !!! حوار مع الرفيقة نجاة طلحة


سعيد زارا
2016 / 12 / 6 - 22:53     


نشرت الرفيقة نجاة طلحة على صفحة الحوار المتمدن عدد 5300 بتاريخ 30/09/2016 مقالا بعنوان : "خواطر من وحي الجدل الشيوعي/الشيوعي حول انهيار الرأسمالية" تدعو فيه الجميع إلى المشاركة في إثراء المناقشة من اجل تشخيص الوضع الراهن الذي سمته الرفيقة نجاة ب"الحالة الراهنة للرأسمالية" و قد جددت الرفيقة الدعوة من خلال تعليق لها على مقال "الشعب السوري يصحح التاريخ" للرفيق فؤاد النمري على صفحات إيلاف.

إن تعميق النقاش حول موضوع تشخيص الوضع الراهن هو المدخل الذي لا مفر منه لبلورة أساليب عمل شيوعي جديدة قادرة على تجاوز عجز و وهن أساليب الأحزاب الشيوعية بعد أن ثبتت لاشرعيتها و خيانتها للمشروع اللينيني و للطبقة العاملة. و تلبية لنداء الرفيقة سأحاول قدر المستطاع المساهمة في هذا الموضوع الحيوي.

أثثت الرفيقة نجاة لمساهمتها في تشخيص الموضوع عبر التطرق إلى إحدى مظاهر تطور الرأسمالية من "الإنتاج الحرفي البسيط" إلى "الإنتاج البضاعي الموسع" الذي قام على ثورة قوى الإنتاج من تقدم تكنولوجي إلى ثورة صناعية , و ذلك من حقها , لكن ما يهمنا هنا هو الحالة الرأسمالية سواء تلك التي اكتمل نضجها كما شرحها ماركس و رفيقه انجلز حيث تم بلورة أساليب العمل الشيوعي تناسبت و تلك الحالة, أو تلك التي تعفنت كما شرحها لينين بمنهجية ماركسية أصيلة أدت إلى إحداث أشكال و أساليب عمل شيوعي استجابت لمتطلبات المرحلة الاحتكارية حيث أفضت إلى قيام أول دولة للبروليتاريا في العالم.

إن ما يميز مساهمة الرفيقة نجاة عن باقي الشيوعيين هو طرحها لمسالة انهيار الرأسمالية, فالوقائع تقول ذلك. صحيح أن إقلاع الدول الرأسمالية السابقة عن الإنتاج البضاعي لهو حدث و واقع كفيل ليخلص المرء إلى أن هذه الدول لم تعد رأسمالية , فلا يمكن للإنتاج الرأسمالي أن يكون كذلك بدون إنتاج بضاعي كما لا يمكن للماء أن يكون بدون ذرتي الهيدروجين و ذرة الأوكسجين, لكن علامات انهيار الرأسمالية كثيرة و متعددة, و للأسف لم تشر الرفيقة نجاة على الأقل إلى أبرزها و هي بالغة الأهمية, و منها:
* استقلال المحيطات عن المركز الرأسمالي الذي اكتمل في بداية السبعينات بعد أن نجح البلاشفة في دعم حركات التحرر الوطني خصوصا بعد خروجه كقوة عظمى عندما دحر الذئاب النازية أثناء الحرب العالمية الثانية.
* فك النقد (الدولار) عن غطائه الذهبي طوال بدية سبعينات القرن الماضي منذ خطاب نيكسون غشت 1971 إلى إعلان رامبوييه نونبر 1975 إلى اتفاقيات جمايكا كنغستون يناير 1976 حيث نقلت القيمة من البضاعة إلى النقود.
* سيادة إنتاج الخدمات الذي تعدى 80 بالمائة من إنتاج أعتى الامبرياليات بعد الحرب العالمية الثانية و هي أمريكا و هو كذلك سائد في الرأسماليات الكلاسيكية سابقا بنسب تتراوح بين 60 و 70 بالمائة من إنتاجها المحلي.

إن رفيقتنا محقة تماما و هي ترى في الوضع الراهن هو حالة انهيار الرأسمالية بعد أن أقلعت قلاع الرأسمالية عن الإنتاج البضاعي الرأسمالي, و لكن في نفس الوقت تخطئ و هي تقر أن حالة الإقلاع عن الإنتاج البضاعي الرأسمالي هذه هي مقرونة بغلبة "الاستثمار النقدي" حيث قالت بعد أن شرحت الطبيعة اللاراسمالية للمضاربات المالية : "... من هذا يتضح أن سوق المضاربات وكل أشكال الإستثمار النقدي السائدة اليوم لا تعتبر نشاط رأسمالي وغلبته في المرحلة الحالية و تغوله على الإنتاج البضاعي هو السمة الأولى لانهيار الرأسمالية."

علمنا ماركس انه مادام هناك فائض للإنتاج الرأسمالي فهناك مكان للمضاربات المالية, فالمضاربات المالية كانت دائما بالنسبة للرأسماليين, كما شرح ماركس أيضا, تشكل ذلك المتنفس المؤقت عندما يصل فائض الإنتاج أوجه, لكنها لم تكن الملاذ الذي تلجأ إليه لتقضي على إنتاجها فهي كانت متنفسا مؤقتا فقط, يعني أن الرأسماليين يضاربون بقوة عندما يصل فائض الإنتاج أوجه دون أن تكون تلك الممارسة اللاراسمالية بديلة عن الإنتاج البضاعي الراسمالى بالنسبة للرأسماليين. بل كما يخلص ماركس فالمضاربة المالية في المجتمع الرأسمالي هي دلالة على فائض الإنتاج.

أسوق مقاربة ماركس هذه للمضاربة في عصر الرأسمالية حتى أقول للرفيقة التي تقول بان المرحلة هي مرحلة الرأسمالية المالية التي تتسم بتصدير رؤوس الأموال عوض البضائع لهو وصف مضلل لطبيعة المرحلة. الرفيقة تقتفي آثار معظم الكتاب الشيوعيين و غيرهم من الذين يصرخون إن الرأسمالية المالية تطورت لحد أن تنفي الرأسمالية الصناعية و في هذا تناف مع تشريح الماركسية لحدود تطور الرأسمالية.

الرأسمالية المالية لا يمكن أن تنفي الإنتاج البضاعي الرأسمالي لان الفائض منه هو دلالة الأولى و شرط وجودها و بقائها.

يستهل لينين مبحثه في الرأسمال المالي و الطغمة المالية من كتابه الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية بنقده لهيلفيردينغ الذي طور إلى حد ما مفهوم رأس المال المالي. يخلص هيلفيردينغ إلى أن:
«الرأسمال المالي هو إذن الرأسمال الموجود تحت تصرف البنوك والذي يستخدمه الصناعيون»
لكن الرفيق لينين يرى في مفهوم هيلفيرديغ لرأس المال المالي مفهوما غير كامل وهو ما يعني انه لا يعارض هيلفيردينغ في أن أساس قيام رأس المال المالي و وجهته النهائية هو الإنتاج البضاعي الرأسمالي , لكنه يوضح نقصان مفهومه من ناحية انه اغفل و يمر في صمت بجانب الفحوى الحقيقي لمفهوم رأس المال المالي كنتيجة لتمركز الإنتاج الذي أفضى إلى الاحتكار حيث قال الرفيق لينين: "تمركز الإنتاج, الاحتكارات الناشئة عن هذا التمركز, اندماج او اقتران البنوك و الصناعة, هذا هو تاريخ نشوء الرأسمال المالي و فحوى مفهومه."

عبثا يحاول الكتاب الشيوعيون و غير الشيوعيين أن يفصلوا بين الرأسمالية المالية و الرأسمالية الصناعية في حين أن التاريخ اثبت اندماجهما و اقترانهما منذ نشوء الاحتكارات التي قال عنها ماركس أنها النتيجة المباشرة لتمركز الإنتاج و تركيزه عكس الاقتصاديين البورجوازيين اللذين رأوا في المنافسة الحرة قانونا طبيعيا للرأسمالية.

إن وصف المرحلة الراهنة بالرأسمالية المالية بدون إنتاج بضاعي كمن يقول بإمكانية قيام الرأسمالية بدون رأسماليين.

لا اختلف بتاتا مع الرفيقة نجاة و هي تؤكد بان الاستثمار النقدي هو نشاط لاراسمالي لكنني اختلف تماما عندما تخلص بان الغلبة و السيادة له دون أن تحدد طبيعته و نسبته في الإنتاج الإجمالي. الإقلاع عن الإنتاج البضاعي الرأسمالي حدث ليس بغلبة الاستثمار النقدي و تغوله و لكنه كان بسبب انتشار ورم الإنتاج الخدماتي الذي نهش مجتمعات قلاع الرأسمالية السابقة و الذي كان النتيجة للأسباب التي أشرت إليها أعلاه و لم تشر إليها الرفيقة نجاة. المضاربة من الخدمات و نسبة الخدمات في الإنتاج المحلي لأمريكا يتعدى 80 بالمائة و إنتاج الخدمات ليس من إنتاج الرأسماليين و هي من إنتاج البورجوازية الوضيعة و هذا معناه أننا إزاء اقتصاد خدماتي يمكن تسميته بالاقتصاد الاستهلاكي لأنه من إنتاج طبقة لا تنتج بضاعة رأسمالية الحاملة لفائض القيمة و بالتالي لا تنتج ثروة.

ما يثير الغرابة في طرح رفيقتنا لواقعة انهيار الرأسمالية هو أن الرأسماليين لا زالوا يتحكمون في دواليب الدولة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي أي أن السيادة السياسية لا زالت من نصيبهم رغم انهيار إنتاجهم في وجه الإنتاج الخدماتي, وتبرر الرفيقة هذه الحالة المستعصية على الفهم بثنائية البناء الفوقي و التحتي و تداخلهما و كيف يمكن للفوقي أن يؤثر في التحتي.

لنفترض أن السيطرة السياسية هي للرأسماليين فهل يعقل أن تحمي طبقة إنتاجا غير إنتاجها , الحاكمون في أمريكا و كل الرأسماليات الكلاسيكية السابقة يحمون الإنتاج الخدماتي و إن تعالت بعض أصوات الحاكمين كصوت اوباما ,خلال مدة رئاسته, لعودة الإنتاج البضاعي فذلك لا يفسر إلا شيئا و حقيقة واحدة و هي أن البورجوازية الوضيعة تعي جيدا أن البروليتاريا هي مصدر كل الثروات. لم يعرف التاريخ أن سادت طبقة لتحمي إنتاجا غير إنتاجها.

الطبقة لا تحمي إنتاجا غير إنتاجها بل أكثر من ذلك فهي تخوض معارك الصراع الطبقي و تدخل سوحها لتبادل منتوجها مقابل باقي المنتوجات و سيادة إنتاج معين هو سيادة الطبقة التي أنتجته , فلا يمكن أن تتنازل طبقة عن سيادتها و منتوجها هو سيد باقي المنتوجات . فالطبقة وحدة تتحدد و ترتسم ملامحها و حدودها فقط في عملية الإنتاج و من غير الأخيرة تبقى مجردة هلامية.

إن عمل الماركسي في تشخيص الأوضاع كعمل الطبيب الكفؤ الذي يحسن تشخيص حالة مريضه بتسخير كل العلوم قبل أن يصف له الدواء عكس دعاة الماركسية الذين يعملون مثل الطبيب الذي يصف دواء مريضه دون تشخيص حالته..

في انتظار رد الرفيقة الشيوعية نجاة و أنا متأكد من وعيها المستنير في إثارة و تعميق النقاش حول تشخيص الوضع الراهن , أتوجه له بالشكر الجزيل على دعوتها التي تعد من ضروريات البحث في آليات العمل الشيوعي اليوم.