الأحد الدامي - البلشفية طريق الثورة


آلان وودز
2016 / 12 / 3 - 11:10     

البلشفية طريق الثورة

الفصل الثاني: الثورة الروسية الأولى

الأحد الدامي


آلان وودز
ترجمة: هيئة تحرير موقع ماركسي
أثارت العريضة قدرا هائلا من الحماس عندما كان تقرأ في المجالس العمالية الجماهيرية، حيث كانت تقابل في كل مكان بالتزكية. وبسذاجة تثير الاستغراب، كتب غابون إلى وزير الداخلية، عشية يوم الأحد الدامي، يطلب منه الإذن القانوني لتنظيم مظاهرة سلمية أمام قصر الشتاء. كتب له: «ليس للقيصر ما يخشاه، فأنا، باعتباري ممثلا لمجلس العمال الروس، وكذا زملائي والرفاق العمال، بل وحتى ما يسمى بالجماعات الثورية من مختلف الاتجاهات، نضمن حرمة شخصه. دعه يخرج مثل قيصر حقيقي، بقلب شجاع، للالتقاء بشعبه ويأخذ بيديه عريضتنا. توقيع: الكاهن غابون ونواب العمال الإحدى عشر ، سان بيترسبورغ، 08 يناير».[1]

في محاولة لتأكيد نواياهم السلمية، منع منظمو المسيرة حمل الأعلام الحمراء. الاشتراكيون الديمقراطيون، وعلى الرغم من وجود شكوك جدية لديهم تجاه المظاهرة، ، قرروا بشكل صحيح، المشاركة جنبا إلى جنب مع بقية أبناء طبقتهم. وافق المنظمون على مشاركة الاشتراكيين الديمقراطيين لكن بشرط أن يسيروا في مؤخرة المظاهرة، وهو التدبير الذي أنقذ حياة الكثيرين منهم.

في حين كان قادة النقابة يبذلون كل ما في وسعهم لإقناع الحكومة بنواياهم السلمية، كانت هذه الأخيرة تستعد، في حالة من الذعر، لتعليم الجماهير درسا دمويا. على الساعة الثانية بعد ظهر يوم الأحد 09 يناير، بدأ العمال في التجمع أمام قصر الشتاء. سرعان ما صارت الساحة مكتظة بعدد وافر، ليس فقط من العمال، بل أيضا الطلاب والجماعات الاشتراكية والنساء والأطفال وكبار السن، في ما مجموعه 140.000 شخص. «وكما تم الاتفاق عليه، كانت المسيرة إلى القصر سلمية، دون أغاني ولا لافتات أو خطب. كان الناس يرتدون ملابس يوم الأحد، وفي بعض أنحاء المدينة حملوا أيقونات دينية وأعلام الكنيسة. في كل مكان كان المتظاهرون يلتقون القوات، كانوا يتوسلون لهم لكي يسمحوا لهم بالمرور. كانوا يبكون ويحاولون الالتفاف حول الحواجز، وحاولوا المرور عبرها. أطلق الجنود النار طوال اليوم، فسقط القتلى بالمئات والجرحى بالآلاف. من المستحيل التعرف على العدد الدقيق إذ أن الشرطة استولت على جثث القتلى ودفنتهم سرا في الليل»[2]. لقد قتل وجرح 4600 شخص، على الأقل، في ذلك اليوم.

كشفت مذبحة 09 يناير أن "نيكولا الدموي"، كما صار يعرف بحق، لم يكن فقط رجلا قاسيا وخسيسا، بل كان أيضا ملكا غبيا جدا. تتذكر إيفا برويدو قائلة: «تردد صدى الطلقات التي أطلقت، يوم 22 يناير 1905، في جميع أنحاء روسيا. في كل مكان انتزعت الجماهير من لامبالاتها، وانتهى ذلك الاعتقاد القديم بطيبوبة "الأب المبجل"، لقد مات القيصر. حتى العمال الأكثر تخلفا فهموا ذلك جيدا».[3]

بعد المجزرة، ارتد غابون في حالة رعب، صار يندد بالقيصر ويدعو لانتفاضة مسلحة. في اجتماع مشحون بالعواطف عقد في ليلة الأحد الدامي، أعلن غابون أمام تجمع للعمال: "لم يعد لدينا قيصر". جابت حشود من العمال الشوارع، غاضبة ويائسة، لكن دون قيادة. وفجأة صار نفس هؤلاء الثوار الذين كانوا يواجهون بالرفض وصيحات الاستهجان، بل ويتعرضون للضرب، محورا للاهتمام الشديد. وصف المندوبون البلاشفة عن مدينة بيترسبورغ إلى المؤتمر الثالث كيف خرج المحرضون البلاشفة، مساء 09 يناير، إلى الشوارع بحثا عن العمال لمخاطبتهم، لكنهم وجدوا أن الأمور قد تجاوزت بالفعل تلك المرحلة. لقد تعلم العمال، في غضون ساعات، أكثر مما كان يمكن لعقود من التحريض والدعاية أن تعلمهم. «كانت تمر أمامنا عربات تحمل الموتى، ووراءها كانت تركض حشود من الناس وهم يهتفون "يسقط القيصر!". كان عليك فقط أن تلوح بيديك لمثل تلك الحشود لكي تتبعك إلى أي مكان تريد. في جزيرة فاسيلي كسرت أقفال متجر لخردة الحديد وقام المحتجون بتسليح أنفسهم بسيوف قديمة. خلق هذا انطباعا مثيرا للشفقة. في كل مكان يمكنك أن تسمع صرخة: "إلى السلاح! إلى السلاح!". وبحلول المساء خضع الموقف من التنظيم لتحول جذري. كانت الجماهير تستمع بحماس لمحرضينا. وكان في إمكان المنظمين أن يذهبوا إلى أي مكان يحلو لهم. وكان في الإمكان أن نرى نفس المزاج طيلة الأيام الموالية».[4]

كتب ماركس ذات مرة أن الثورة تحتاج، في بعض الأحيان، لسوط الثورة المضادة ليدفع بها إلى الأمام. وعلى الرغم من التأثير المنوم الذي مارسه غابون على العمال في ذلك الوقت، فإنه كان مجرد شخصية عرضية سرعان ما ألقتها حركة الجماهير جانبا، مثل كمية من الزبد على قمة موجة قوية، تظهر زاهية للحظة قبل أن تختفي إلى الأبد. كان سبب نجاحه بالذات هو واقع أنه كان تجسيدا للمرحلة الأولى البدائية، العفوية، للحركة العمالية، للتحركات الأولى للجماهير نحو اكتساب الوعي. مثل هذه الحركة في البداية تميل حتما إلى البحث عن الطريق السهل والمسارات المألوفة والعبارات المعروفة والقادة المشهورين. استغرق الأمر حدوث مجزرة الأحد الدامي لكي تتخلص عقول الجماهير من الأوهام في القيصر السائدة منذ قرون. في ظل الوضع الثوري ينمو وعي العمال بسرعة فائقة. وفي الواقع تمثل التحولات المفاجئة والحادة في مزاج الجماهير عنصرا أساسيا من عناصر المرحلة الثورية أو الما قبل ثورية. وبحلول نهاية العام، كانت الحركة الاشتراكية الديمقراطية الثورية قد صارت بالتأكيد قوة مهيمنة داخل الطبقة العاملة، وتسعى لوضع نفسها على رأس الأمة الثورية.

من منفاه في سويسرا، أشاد لينين فورا بأحداث يناير باعتبارها بداية الثورة في روسيا، وكتب قائلا: «لقد تعلمت الطبقة العاملة درسا بالغ الأهمية في الحرب الأهلية: لقد حقق التعليم الثوري للبروليتاريا، في يوم واحد، أكثر بكثير مما قد يحققه في أشهر وسنوات من الحياة الراكدة الرتيبة البائسة. إن الشعار البطولي لبروليتاريا سان بيترسبورغ: "الموت أو الحرية!"، يدوي في جميع أنحاء روسيا».[5]

قبل 09 يناير، كما سبق لنا أن رأينا، لم يكن العمال على استعداد لقراءة المنشورات الاشتراكية الديمقراطية، وغالبا ما كانوا يقومون بتمزيقها وحتى ضرب من يوزعونها. لكن الآن تغير وعي الجماهير. وصف أحد الاشتراكيين الديمقراطيين الوضع قائلا: «الآن عشرات الآلاف من المنشورات الثورية صارت تبتلع بنهم. تسعة أعشار تلك المنشورات لم تكن تقرأ فحسب، بل كانت تقرأ حتى تبلى. والجرائد، التي كنت تعتبر من قبل الجماهير العريضة في الماضي، وخاصة من قبل الفلاحين، شأنا خاصا بالسادة، والتي عندما كانت تسقط في أيديهم عن طريق الصدفة كانوا يستخدمونها في أفضل الحالات للف السجائر، صارت الآن تطوى بعناية، بل وبمحبة، وتفرد بلطف وتقدم لمن يعرفون القراءة، بينما تستمع الحشود الصامتة إلى "ما يكتبونه عن الحرب" ... لم يكن الجنود وحدهم هم من يتحركون على طول كل خطوط السكك الحديدية ويتقاتلون تقريبا للحصول على صحيفة، أو غيرها من المطبوعات التي تلقى من نافذة قطار عابر، بل حتى الفلاحون في القرى القريبة من السكك الحديدية صاروا، منذ ذلك الحين، وأيضا لعدة سنوات بعد الحرب، يطلبون من الركاب "صحيفة صغيرة"».[6]

هوامش:

[1] Ibid., vol. 2, p. 45.
[2] Trotsky, 1905, p. 92.
[3] E. Broido, Memoirs of a Revolutionary, p. 116.
[4] Tretiy s’yezd RSDRP (Protokoly), p. 545.
[5] LCW, The Beginning of the Revolution in Russia, vol. 8, p. 97.
[6] Martov and others, Obshchestvennoe Dvizhenie v Rossii v Nachale 20 Veka, vol. 2, part 1, pp. 36-7.