الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)


علي عامر
2016 / 12 / 3 - 10:53     

الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 8 - قصة نشوء النقد (1)

يقول ماركس في رأس المال: "فالأمر يتعلّق الآن بأنْ نقوم بما لم يحاول علم الاقتصاد البرجوازي القيام به مطلقاً : إنّ الأمر يتعلّق ببيان قصة نشوء شكل قيمة النقد , يعني شرح تعبير القيمة المتضمنة في علاقة قيمة البضائع , منذ بدايته الأبسط , والأقل ظهوراً , حتّى هذا الشكل المتمثل في النقد والذي يقفز إلى أعين الناس كافّة . ولسوف ينحل لغز النقد ويتلاشى في وقت واحد."
حيث يعتزم ماركس الآن , على بيان قصة نشوء النقد كشكل للقيمة , منْ أشكال القيمة الدنيا البسيطة , وكما قال داروين بنمو أشكال الحياة البيولوجيّة الأعلىْ والأعقد من تلك الأدنى والأبسط , سيبدأ ماركس منْ أشكال القيمة الدنيا الأكثر بساطة , لينتقل إلى أشكال القيمة الأكثر تعقيداً , وصولاً إلى شكلها الحالي وهو النقد , في خضم هذا الانتقال , لن يختار طريق القفز , أو الاختيار , بل سيخضع لطريق الضرورة التي تحكم جميع لحظات تحليله في رأس المال.
يقول : "ليس للبضائع , بصورة عامة , علاقة فيما بينها , خلا علاقة القيمة , وبديهي , أنّ أبسط علاقات القيمة هي علاقة بضاعة معينة مع بضاعة أخرى من نوعٍ مختلفٍ , كائناً ما كان هذا النوع . إنّ علاقة القيمة أو علاقة التبادل بين بضاعتين تقدم لنا – إذنْ - أبسط تعبير من تعابير القيمة , عن بضاعة معينة."

أبسط علاقات القيمة هي علاقة بضاعة معيّنة مع بضاعة أخرى , ومن المستحيل تخيّل علاقة قيمة أكثر بساطة من هذه العلاقة.
فكيف يأتي شكل القيمة الأبسط؟

شكل القيمة البسيط أو العرضي - 1

(ن, م): مقادير كميّة فيزيائيّة.
أ, ب: بضاعتين مختلفتين.
شكل القيمة البسيط: ن*أ = م*ب
ن= 20 متراً, أ: نسيج, م=وحدة واحدة, ب:ثوب.
20 متراً من النسيج = ثوباً واحداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قطبا تعبير القيمة: شكله النسبي وشكله المتكافئ.

من الصعب تحليل هذا الشكل, لأنّه أولاً بسيط جداً وأواليّ, ثانياً لأنّه يحوي داخله باقي أشكال القيمة, فهو كالبذرة التي ينمو منها الشجر الباسق.
فكما انبثقت كل مجلدات رأس المال من تحليل فكرة البضاعة تحليلاً ضرورياً متماسكاً, وكما انبثقت كل قوانين حركة الرأسمالية من داخل جسد البضاعة الفظ, من حيث هي الشكل الأوليّ للثروة في المجتمعات الرأسماليّة, وكما بدت واضحة جداً تلك المشقّة المعوزة لفهم الطابع المزدوج للبضاعة, فكذلك شكل القيمة البسيط, فهو بسيط وأوليّ, ويحوي بداخله باقي أشكال القيمة التي ستنبثق تباعاً وبالضرورة الحتمية للاشتقاق, لتصل إلى شكل القيمة الأعلى والأحدث: (المال), ومن هنا كانت صعوبة هذا التحليل.

• لماذا لا نحدد قيمة البضاعة-النسيج من حيث منفعته وفائدته؟
لأنّ البضاعة لتكون كذلك, لا بد أن يتحقق فيها شرطان, أنّها نافعة وأنّها انتجت للتبادل, فذاك المنتج الذي يتم انتاجه بدافع الاستهلاك, لا يعتبر بضاعة, فشرط البضاعة هو الانتاج للتبادل لا للاستهلاك, حيث تختفي القيمة الاستعمالية للبضاعة كلياً أثناء التبادل, ويتلاشى دورها, أي تتلاشى الدعائم المادية أساس القيمة التبادلية, فتتحرر البضاعة, وتدخل في علاقات التبادل.
و كَوْن البضاعة منتج اجتماعي, يحجب ظهور قيمتها بشرط أن تعود للوسط الاجتماعي, وهذا الوسط ليس إلّا السوق, وهي لا تعود إليه إلّا بغرض التبادل.

• لماذا لا نحدد قيمة البضاعة في كميّتها؟
لأنّ الكمية تقيس القيمة الفيزيائية لبضاعة ما, من حيث تحديد الوزن أوالحجم أوالمساحة, الخ. بينما القيمة التبادلية, هي قيمة ميتافيزيقيّة, ورغم أنّها متوارية في جسد البضاعة إلّا أنّها ليست من مكوّنات ذلك الجسد الماديّة.
فقيمتها تتحدد بكميّة العمل المبذول في انتاجها, أو العمل الذي انصهر في جسد البضاعة.

• لماذا لا نقابل البضاعة بذاتها, كأنْ نقول 20 متراً من النسيج = 20 متراً من النسيج؟
لأنّ قيمة البضاعة لا تظهر إلّا في التبادل, أي من خلال علاقتها بالآخر.
وكما يقول هيجل:"الذات وأثناء سعيها خلف الآخر, إنّما تسعى خلف نفسها"

وهنا لا بد من التطرق لمبدأ الهوية الصورية والهوية الجدلية, في المقال التالي, للبت والحسم في القضيّة الأخيرة هنا.

يتبع...