تقرير خروتشوف: نهاية عبادة ستالين، لكن ليس نهاية ديكتاتورية البيروقراطية

بيار مرليه
2021 / 6 / 11 - 21:09     

يوم 25 فبراير 1956، في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، ندد أمينه العام خروتشوف بـ”عبادةشخصية” ستالين، المتوفى في مارس 1953. وقد احتاج ثلاث سنوات لبلوغ قمة البيروقراطية السوفييتية. و اختار، بقصد إرساء سلطته ، التنديد ببعض مظاهر حكم سلفه، دون أن يضع موضع سؤال ديكتاتورية البيروقراطية على المجتمع السوفييتي، التي كانت اتاحت لستالين تنصيب نفسه طاغوتا. كان لهذا التقرير، بفعل مضمونه، مفعول قنبلة، لدرجة ان ثمة من اعتبره قطيعة جذرية مع الستالينية.

عند وفاة ستالين، لم يفرض أي من ضباطه نفسه للوهلة الاولى، فقامت قيادة جماعية على رأس الحزب والدولة. كان خروتشوف، وهو ينزل سلفه من مرقاه، يأمل كسب دعم كتلة البيروقراطيين بإشعارهم أن عهدا جديدا قد بدأ، حيث يتحررون من الخشية الدائمة على مناصبهم وحتى على حياتهم. هذا لأن قبضة ستالين ، الخانقة للمواطنين السوفييت لتأمين سيطرة البيروقراطية، كانت تمسك أيضا بيد من حديد برقاب البيروقراطيين أنفسهم، كي تجبرهم على التكتل حول الديكتاتور. كانت البيروقراطية تريد التمتع بامتيازاتها بسلام. هذا ما وعد به خروتشوف.

في آخر أيام المؤتمر، قرأ خروتشوف تقريرا على مسامع 1450 مندوبا جرى منعهم من تسجيل نقاط مكتوبة. كما تم مدهم بـ”وصية ” لينين وهي نص يعود الى العام 1923 جرى طمسه وكان يسبب لمن يحوزه الاعتقال، وقد كان يوصي بتنحية ستالين من مهمة الأمين العام.

تحدث خروتشوف عن “شطط في استعمال السلطة” وعن “سمات سلبية” لحكم ستالين، مستشهدا بمحاكمات موسكو والتطهيرات التي اختفى في اثنائها عدد من فاعلي ثورة اكتوبر 1917 و قادتها، وحتى عدد من الستالينيين الاوفياء. وقد أذهل التقرير الحاضرين: فقبل ذلك بقليل كان من شأنه أن يسبب موت كاتبه.

لكنه أكد مطولا على “السمات الايجابية” لستالين، مخصصا مكانة مرموقة لدوره في الثورة و في الحرب الأهلية و في ” تشييد الاشتراكية” وانتصار العام 1945 على هتلر. و حرص حرصا بالغا على اعتبار نفسه مواصلا لـ”عمله” كمدافع عن البيروقراطية. وقد صرح أن : ” الحزب خاض معركة كبيرة ضد التروتسكيين واليمينيين، والقوميين البرجوازيين ، كللت بنجاح، وبخوضه تلك المعركة تعزز الحزب و اشتد عوده. لقد قام ستالين بدور ايجابي. “

خلف ديكتاتورية ستالين، ديكتاتورية البيروقراطية

أسوأ جرائم ستالين، التي لا يقول عنها تقرير خروتشوف شيئا، كانت تلك المرتكبة منذ مطلع سنوات 1920 ضد الثورة، و الشيوعية و الطبقة العاملة، أي التصفية الجسدية لأجيال الثوريين التي اتاحت الانتصار في أكتوبر وفي الحرب الأهلية، وخيانة وخنق ثورات الطبقة العاملة في الصين و في المانيا واسبانيا… فعدم نجاح الثورة في أوربا، جعل الاتحاد السوفياتي معزولا وسط عالم رأسمالي معاد، مع تخلفه الموروث عن القيصرية، واقتصاد مدمر بالحرب الأهلية و التدخل العسكري الأجنبي، وطبقة عاملة منهكة. هذا هو السياق الذي مكن البيروقراطية، هذه الشريحة الطفيلية من رجال إدارة الدولة والاقتصاد، من مصادرة السلطة ورفع نفسها حكما بين الطبقات المتناحرة. برفع راية “الاشتراكية في بلد واحد” ، هذه الفكرة التي كانت زيغا، جعل ستالين من نفسه ناطقا باسم ذوي الامتيازات الجدد هؤلاء المعادين بعمق لسياسة لينين وتروتسكي القائمة على النضال من اجل الثورة العالمية.

في حقبة سنوات 1920 المضطربة، حيث لم تقل الرجعية البرجوازية، ولا البرويتاريا، كلمتها الاخيرة، ففرضت ديكتاتورية ستالين نفسها كوسيلة وحيدة للجم كل ما قد يهدد البيروقراطيين. واتاحت لهم القضاء على الاتجاهات البرجوازية الساعية إلى إطاحة السلطة السوفياتية، وتقتيل التيار الثوري الذي جسده تروتسكي وعشرات الاف المناضلين الشيوعيين، و الذي كان يدافع عن الدولة العمالية الناتجة عن الثورة وعن منظور الثورة العالمية.

لكن بعد ثلاثة عقود من ذلك، في 1956، بعد توطيد موقعها، لم تعد البيروقراطية تريد ان يطغى عليه زعيمها.

عملية “نزع الستالينة” وحدودها

إرضاء ملايين القادة الصغار والكبار، هذا قوام جوهر عملية الواجهة المسماة “نزع الستالينية”. وجب تغيير اسم العديد من المدن، والساحات، و الشوارع، والبنايات، والمقاولات، والمؤسسات التي تحمل اسم ستالين، وتفكيك الآلاف من تماثيله، وإخراج مومياه من ضريح الساحة الحمراء، ومحو الشخص من الدعاوة ومن الكتب الرسمية.

قررت السلطات السوفياتية أن يقرأ تقرير خروتشوف، المفترض أنه سري، 25 مليون عضو بالحزب والشبيبة الشيوعية وغير الحزبيين المتقلدين مسؤوليات. اثار ذلك في الحال اسئلة و طعنا في قادة آخرين غير ستالين. ولاح خطر ان تتجاوز النقاشات الاطار الذي حدده الحزب. و لاحقا كتب غورباتشوف، الذي كان أحد خلفاء خروتشوف:” كانت أطر الحزب، وأطره مستقبلا، تخشى ان يضعف تحكمه بالمجتمع”. ويم 5 ابريل 1956 هددت جريدة الحزب البرافدا قائلة :”بعض العناصر العفنة تجهد، تحت ستار التنديد بعبادة الشخصية، كي تشكك في صواب سياسة الحزب”.

وفي الديمقراطيات الشعبية، اثار هذا التقرير آمالا. في بولونيا و هنغاريا، في متم 1956، تعبأ السكان، مطالبين بتغييرات بالقمة وبمزيد من الحرية. وفي هنغاريا، حيث انفجرت الثورة، اصبح العمال المنظمون في مجالس رأس حربتها. فاطلقت موسكو دباباتها ضدهم، مبرهنة على أن البيروقراطية تظل، مع ستالين او بدونه،عدو الطبقة العاملة و الثورة المميت.

وفي 1962، تحقق عمال نوفو تشيركاسك المطالبين بإلغاء زيادة في الاسعار من ذلك بدورهم: حيث ارسل خروتشوف الجيش لقمعهم.

البيروقراطية الرابح الكبير

ضربة هراوة للبعض، وزلزال لآخرين… هكذا بدا تقرير خروتشوف. حتئذ كان النظام الستاليني يبدو غير قابل لزعزعته بنظر من كانوا يمدحونه ومن كانوا يشنعونه. و الحال انه ها قد وضع محط سؤال ومن قبل زعيمه فضلا عن ذلك.

وفي فرنسا، انكر توريز زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي والمندوبين الى المؤتمر وجود التقرير، ثم أجهدوا أنفسهم لتقليل أهميته حتى العام 1976.

أعلن بعض المعلقين نهاية النظام أو عصر “ديمقراطية” بالاتحاد السوفييتي. و اراد قسم من اقصى اليسار أن يرى في هذا التقرير انعكاسا لتعبئة شعبية متنامية بالاتحاد السوفييتي ارغمت البيروقراطية على منح تنازلات.

و الواقع ان خروتشوف كان يصدق على نهاية حقبة، وتمكنت البيروقراطية من التنفس بحرية اكبر . وبسرعة كنست امال التغيير في الاتحاد السوفييتي ومعها خروتشوف ذاته بعد ثماني سنوات في العام 1964.

بيار مرليه

Lutte Ouvrière n° 248225 Février 2016

ترجمة : المناضل-ة