سلسلة المعارف الشيوعية : كراس المادية الجدلية والمادية التاريخية


الحزب الشيوعي الثوري - مصر
2016 / 11 / 23 - 22:06     

المادية الجدلية أو الديالكتيكية :
هي ركن أساسي من أركان الماركسية ولها قوانين إسمها قوانين الجدل أو الديالكتيك .
معنى الجدل “الديالكتيك” : هو دراسة الأشياء كوحدة مترابطة واحدة تؤثر في بعضها البعض بشكل متبادل وما ينتج عن ذلك من تغيير والنظر إليها كما هي بشكل مجرد بدون إضافة عناصر أو قوى خارجية وتدرس الأشياء في بدايتها ونهايتها .
قوانين المادية الجدلية :
1 – توحد الأضداد :
كل شئ في الطبيعة موجود ليس بشكل منفرد بمعنى أن الجسم أو الشئ يحمل متعاكسين
في الطبيعة : مثلاً الكهرباء لديها قطبين سالب وموجب والتفاعل وإنتقال الإلكترونات بين الموجب والسالب هو ما ينقل الكهرباء، وكذلك الذرة لها جسيمات موجبة “البروتونات” وسالبة “الإلكترونات”، ومن هنا فإن الأشياء تتفاعل مع بعضها البعض وتتفاعل في داخلها ممثلة وحدة مترابطة فيما بينها، وإذا غلب السالب على الموجب أو العكس تحدث تغيرات في المادة نفسها وهو ما يشار إليه بقانون توحد الأضداد .
في المجتمع : يحمل المجتمع طبقات متعارضة تتصارع وتتفاعل فيما بينها، فمثلاً في المجتمع يوجد طبقة العمال وطبقة الرأسماليين ويحدث بينهم صراع يومي ومتواصل ومستمر، لأن الرأسمالي صاحب المصنع يسرق العامل صاحب الإنتاج ويناضل العامل من أجل حقوقه لإستردادها من الرأسمالي، والإثنين متواجدان في وحدة واحدة .
2 – التراكم الكمي يؤدي إلى تغير في الكيف :
إن كل تغيير معين في الشئ يتراكم حتى يصل لدرجة يحدث معها تغيير في الشئ أو طبيعته بشكل كلي
في الطبيعة : فمثلاً الماء في درجة الحرارة العادية يكون بحالة سائلة ومع تسخينه ترتفع درجة حرارته ولكنه يظل في الحالة السائلة حتى درجة حرارة الغليان 100 درجة مئوية، حيث تتغير طبيعة المياه من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية أي إلى بخار، وهنا تراكمت التغيرات الكمية أي إرتفاع درجة الحرارة بالتسخين حتى وصلت لنقطة معينة هي درجة الغليان فحدث تغير كيفي أدى إلى تغيير في طبيعة الماء .
في المجتمع : الإنتفاضات والنضالات الصغيرة والإضرابات تتراكم على مدار السنوات إلى أن تؤدي إلى قيام إنتفاضة كبرى، فإذا ما وجد حزب ثوري حقيقي يستطيع أن يقود الجماهير وينظم تلك النضالات ويربطها بمعناها الطبقي يحدث تغيير جذري لصالح الطبقات المقهورة في المجتمع، حيث تستلم تلك الطبقات المقهورة مقاليد الحكم بعد الثورة وتعمل بعد ذلك على تحقيق أهدافها .
ومثال على ذلك : في الثورة الإشتراكية يقوم العمال وحلفائهم من الفلاحين الأجراء والفقراء وصغار الملاك والطلاب الثوريين بالتغيير نحو مجتمع إشتراكي حقيقي بقيادة الحزب الشيوعي الثوري حزب الطبقة العاملة .
3 – قانون نفي النفي :
إن كل شئٍ جديد يقوم على أنقاض شئ قديم ويحل محله أي ينفيه ويبقى هو، وقيام هذا الجديد يكون في بدايته من داخل القديم نفسه .
في الطبيعة : عند غرس أو زراعة حبة قمح ينمو نبات القمح، وهنا يكون النبات قد نفى الحبة، ثم يطرح النبات السنابل وفي السنبلة توجد مئات الحبوب التي تنفي بدورها نبات القمح، وبذلك تكون النبتة الجديدة قد نفت الحبة القديمة وكذلك أيضاً الحبوب الجديدة نفت النبتة .
في المجتمع : إن كل مجتمع جديد يقوم على أنقاض المجتمع القديم ويحل محله، فمثلاً البشرية زمان كانت مشاعية وكان إسمها المجتمع المشاعي أي أن الثروات كانت ملكاً لكل البشرية ولا يوجد ملكية فردية، وبالصراع والتفاعل تم نفي المجتمع المشاعي وتطور المجتمع إلى مرحلة أعلى وهي المجتمع العبودي الذي تم نفيه بمجتمع جديد هو المجتمع الإقطاعي، ثم جاءت الثورة البرجوازية “الرأسمالية” وأقامت المجتمع الرأسمالي نافيةً بذلك المجتمع الإقطاعي، وحسب الماركسية يتواصل الصراع والتفاعل بين الطبقة البرجوازية وطبقة العمال حتى يصل هذا الصراع إلى نقطة تغير كيفي أو نوعي وهي الثورة الإشتراكية لتنفي المجتمع البرجوازي “الرأسمالي” وتقيم المجتمع الإشتراكي وتتطور المجتمعات الإشتراكية حتى قيام المجتمع الشيوعي حيث لا يوجد طبقات “المشاعية الراقية” .
المادية التاريخية :
هي تفسير التاريخ ونشأة المجتمعات والطبقات بشكل مادي .
أدى التطور إلى ظهور الإنسان، وبصراع الإنسان مع قوى الطبيعة وتفاعله معها سواء الظواهر الطبيعية كالفيضانات والزلازل والبراكين وغيرها أو صراعه مع الحيوانات المفترسة أدى ذلك إلى مزيد من التطور نحو الترابط بين الأفراد والعيش بشكل مشترك أي مشاعي حتى يستطيع مواجهة تلك الأخطار، وكانت الثروات ملك للجميع لندرتها ولم يكن هناك إمكانية للإحتكار لأن أي محاولة للإحتكار معناها فناء الجنس البشري وقتها، وبصنع الإنسان لأدوات الصيد البسيطة وإكتشافه للنار تمكن من تخطي المرحلة الأولى للجمع والإلتقاط وتمكن من إستئناث الحيوانات وتوليدها، وكذلك عرف الزراعة وتمكن من تخزين بعض الثروات كالحبوب والحيوانات، وبتقسيم العمل بين الزراعيين والصيادين والمربين لم يعد العمل من أجل الحاجة المباشرة للعيش بل أصبح العمل من أجل إنتاج فائض من الثروات، وهنا أصبح التبادل ضرورياً.
وقبل المرحلة دي كان الإنتاج يكفي يدوب المجموعة إللي بتعيش في وحدة واحدة مترابطة إللى هي الكومون المشاعي، وكان الإنتاج من أجل الإشباع، ومع ندرة قوى الإنتاج إللى هي الإنسان بشكل رئيسي وقتها إضطروا بدل ما كانوا بيقتلوا أسرى الحرب من قبائل أخرى بتحتل أرض الصيد أو مساحات صالحة للزراعة أن يستعبدوهم علشان يزودوا قوى الإنتاج لزيادة الثروة وإنتاج فائض، وأصبح الأسير هو العبد، وبدل ما كان زمان الإنتاج بيعود على الكل أصبح في ناس بتشتغل بدون مقابل إلا ما يبقيه على قيد الحياة علشان يزود إنتاج السيد مالك العبيد في مقابل الأسياد الذين يملكون العبيد مصدر الثروة، وهنا ظهر المجتمع العبودي نتيجة لتغير علاقات الإنتاج.
وفي المجتمع العبودي كان التناقض الرئيسي بين السيد والعبد وكان من اللازم للسيد الذي يريد زيادة ثرواته إما شن المزيد من الحروب بإستمرار أو إنتظار نتاج تزاوج العبيد لزيادة عددهم لديه، فتصبح عائلة العبد هي الأخرى مستعبدة بدورها، وكان التمرد من قِبل العبيد على نظام العبودية في صورة رفض العمل “تمرد سلبي” أو الهروب من السيد أو تنظيم عصابات تقوم بشن هجمات محدودة على الأسياد أو ثورات وإنتفاضات كبرى كمثال ثورة سبارتاكوس التي حاول فيها تحرير العبيد من الرِق، وبإتحاد القبائل التي كانت تُعتبر مخزوناً بشرياً للعبودية تم التخلص جزئياً من النظام العبودي “مثال على ذلك : البرابرة وإجهازهم على نظام روما العبودي”.
وبتطور المجتمع العبودي والصراع داخله ظهرت الحاجة لعلاقات إنتاج جديدة وبالتالي ظهر نوع آخر من الإستعباد أو الإستغلال “القنانة”، والقنانة لفظ مشتق من كلمة لاتينية معناها العبد “أي أن القنانة عبودية مقنعة” وبشكل مبسط فإن القن هو نصف عبد، فكان القن يعمل ثلاثة أيام في أرض السيد وثلاثة أيام في أرضه، وكان القن قادراً على تكوين عائلة كنتيجة لكونه حر نسبياً وعدم كونه عبد بشكل مطلق أو كلي.
وبتطور المجتمع ظهر المجتمع الإقطاعي وتحول الإستغلال من الصورة العبودية بين السيد والعبد إلى الصورة الإقطاعية بين السيد والقن في المجتمع الجديد الذي نشأ وهو المجتمع الإقطاعي، وبداخل المجتمع الإقطاعي ظهرت طبقة جديدة هي طبقة الصُنّاع الحرفيين الذين إنعزلوا عن أماكن نفوذ الإقطاعيين في المدن الصغيرة، وأدت الزيادة في الإنتاج وزيادة الحاجة للتبادل إلى ظهور الأسواق وطبقة التجار كوسطاء في بداية ظهورهم، ونتيجة لتكديس التجار للأموال الطائلة توسع هؤلاء في فرض سلطتهم السياسية وإمتيازاتهم الطبقية، وبامتلاك التجار لهذه الأموال الطائلة إستطاعوا تمويل الملك للإنفاق على مملكته مما أدى إلى أن ساندهم الملك ضد الإقطاعيين الذين تنقصهم الأموال لتمويل الحروب والدفاع عن طبقتهم ضد طبقة التجار الصاعدة، وكان الصراع بين الطبقتين لحاجة التجار لأيدي عاملة جديدة بعد أن إنتقل التجار من حالة الوسطاء إلى حالة جديدة وهي حالة أصحاب رؤوس الأموال
وباضمحلال طبقة الإقطاعيين نتيجة للحروب وفرار الأقنان وجد عدد كبير من الأقنان السابقين والعمال الفقراء أنفسهم أحراراً بشكلٍ ما ولكنهم لا يملكون شيئاً سوى قوة عملهم فاضطروا ليبيعوها في سوق العمل، ونظراً لتوافر رؤوس الأموال لدى التجار أصبح من الممكن والضروري لزيادة الإنتاج وبالتالي زيادة ثروات الطبقة الجديدة إنشاء مصانع كبيرة، وتطلبت زيادة الإنتاج وتطور الآلات عن الآلات الحرفية القديمة ظهور عمال واعين ومدربين، وهنا ظهر المجتمع البرجوازي وأصبح الإستغلال واقع من طبقة الملاك لوسائل الإنتاج أي “البرجوازيين” على الطبقة العاملة أو البروليتاريا.
أدى ظهور علاقات الإنتاج الجديدة في المجتمع البرجوازي أو الرأسمالي إلى مزيد من الحاجة إلى زيادة قوى الإنتاج وتكثيف عملية الإنتاج، وهذا يتطلب بالضرورة قوى إنتاج حرة، فاضطر البرجوازيون إلى مزيد من الإجهاز على النظام الإقطاعي لتحرير الأقنان أنصاف العبيد لزيادة قوة العمل وإيجاد مزيد من العمال الملائمين لطبيعة الإنتاج الرأسمالي الذي يعتمد على الآلة ويتطلب مزيداً من التدريب والوعي لدى العمال.
وكما ذكرنا فإن المجتمع الرأسمالي يكون التناقض فيه بين الرأسمالي صاحب المصنع أو وسيلة الإنتاج والعامل الذي يبيع قوة عمله ويقع عليه إستغلال الرأسمالي المالك والحاكم، بالإضافة إلى تناقض آخر وصراع آخر بين الرأسماليون الكبار وصغار الرأسماليين بحيث يؤدي تكثيف الإنتاج ورأس المال إلى القضاء على الرأسماليين الصغار بالضرورة وظهور الإحتكارات الكبيرة وبالتالي تنتقل طبقة الرأسماليين الصغار إلى مصافي العمال أو جيوش البطالة، وبتطور الآلات والميكنة أصبح تعاظم الإنتاج والربح بشكل كبير ممكناً وذلك أدى إلى الحاجة إلى عمال أكثر وعياً وتطوراً.
ومن جهة أخرى أدى إستعاضة الرأسمالي عن العمال اليدويين بالآلات إلى زيادة البطالة بين صفوف العمال نتيجة لذلك، وكان العمال في بداية نضالاتهم يصبون غضبهم على الآلات ويحطمونها وذلك لعدم إدراكهم أن عدوهم الأساسي هو الرأسمالي صاحب وسيلة الإنتاج وليس الآلة.
وتقوم الرأسمالية باستغلال آخر مركب، حيث تقوم باستغلال النساء والأحداث لأن أجورهم أقل من العمال الذكور بدون أدنى ملامح للإنسانية التي يتحدثون عنها ليلاً ونهاراً، وهي بذلك تزيد من جيش البطالة وتفرض شروطها على العامل مهددة إياه بفقد وظيفته وتهدده بأن الآلاف لا يجدون عملاً ويمكن أن يحلون مكانه في أي وقت ليكف عن المطالبة بحقوقه ويسهل عليهم إستغلاله وسرقة قوة عمله.
ونظراً لطبيعة الإنتاج الرأسمالي التي تفرض تجميع العمال في مكان واحد بأعداد كبيرة وتفرض تطوير ورفع كفاءة هؤلاء العمال فإن الرأسمالية تنتج غصباً عنها حفاري قبرها وهي الطبقة العاملة وتعطيهم أسلحة قتلها بيديها برفع وعيهم وتجميعهم وتمكينهم من التقارب والإحساس بأنفسهم كطبقة.
ونتيجة لكل ما سبق فإن الصراع الطبقي يحتدم بين الطبقتين المتصارعتين “العمال وأصحاب العمل”، وقد أدى ذلك في البداية إلى خوض نضالات مريرة وكبيرة كالإضرابات وغيرها لتنتزع جزء من المكاسب كتحديد ساعات العمل والضمانات الإجتماعية والصحية، أي النضال النقابي.
وتكون البروليتاريا أو العمال في المجتمع الرأسمالي هي الطبقة القائدة لباقي الطبقات المضطهدة كالفلاحين الأجراء وصغار الملاك والعاطلين وكافة المهمشين، وحين تصل التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج درجة معينة من التطور وبقيادة الحزب الشيوعي تقوم البروليتاريا وحلفاؤها حسب التطور في كل مجتمع بالثورة الإشتراكية لتجهز على طبقة الرأسماليين وتستعيد منها حقوقها وتستولي على وسائل الإنتاج وتقود المجتمع لتحقيق الإشتراكية أو “ديكتاتورية البروليتاريا” أي ديكتاتورية الأغلبية لا ديكتاتورية الأقلية وذلك لقمع قوى الثورة المضادة أو قوى الرأسمالية التي ستصارع من أجل البقاء، وستجهز البروليتاريا على البرجوازية لإقامة المجتمع الإشتراكي الجديد وتتواصل وتتوحد نضالات العمال وحلفاؤهم والأحزاب الشيوعية في العالم لقيام الأنظمة الإشتراكية في بلدانهم ثم الإتحاد معاً نحو المجتمع الشيوعي الأرقى الذي لا يكون فيه طبقات ولا صراع طبقي ولا إستغلال الإنسان لأخوه الإنسان، حيث أن البروليتاريا ستقضي على نفسها بوصفها طبقة وستزول الطبقات في المجتمع الشيوعي، وسيتحول الصراع من صراع بين الطبقات كما كان يحدث من قبل إلى صراع مع قوى الطبيعة لإستغلالها من أجل التنمية والتطور والرقي والتقدمية.
• ملحوظة : سيتم مناقشة شكل المجتمع الشيوعي في كراسة منفصلة.