كيف يفكر الشيوعيون الروس اليوم (2)

غينادي زيوغانوف
2016 / 11 / 2 - 00:46     



ترجمة: ياسر قبيلات -



في الجزء الثاني من مقابلته مع صحافيي صحيفة «برلامانتني غازيتا» (الساعي البرلماني) التشيكية، يتحدث الزعيم الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف عن موقف حزبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياساته الداخليّة والخارجيّة، كما يتناول جملة من القضايا المتصلة بالحركة الشيوعية ومستقبل الاشتراكيّة، وغيرها من القضايا:


زيوغانوف: بوتين يمسك الشؤون الدوليّة بإحكام، ولكن..


§ ما هو موقف الحزب الشيوعي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
الرئيس بوتين يقود الدولة اليوم في ظروف أزمة عسكرية وسياسية دولية ثقيلة ووضع اقتصادي متدهور في البلاد. وبما يتعلق بالشؤون الدولية، فإن الرئيس يمسك على نحو جيد جداً بالأمور. في العام 2007، بدأ الرئيس تحولاً باتجاه خط الدولة الوطنية، الذي تمت مواصلته من خلال استعادة شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول واعادتهما إلى حضن الوطن.


وهناك عدد من القرارات الصائبة، التي أيدناها. والآن نستثمر قصارى الجهود لضمان إحلال السلام في الشرق الأوسط، ولإنهاء الأزمة في أوكرانيا الشقيقة، ولتعزيز مكانة روسيا الدولية.


ومع ذلك، خط الدولة الوطنية الذي أعتمد في السياسة الخارجية لا يتم اعتماده بما يتعلق بالسياسة الداخلية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية الضرورية للبلاد. إذ يبقى في هذا المجال نهج الحكومة ليبراليا، وهذا مستمر للعقد الثالث على التوالي. وبوتين يرى أن الحكومة تعمل على نحو فعال. ونحن لا نشاركه هذا الرأي على نحو قاطع. أن الأزمة المالية والاقتصادية، التي لا تزال في بلادنا، هي إلى حد كبير نتيجة لممارسات الوزراء الليبراليين.



(بوتين وزيوغانوف)
من جهة ثانية، يعرب الرئيس بانتظام عن الحاجة إلى التضامن والوحدة في المجتمع. ولكن كيف يمكن تحقيق الوحدة عندما يعيش كل ثاني مواطن روسي على 15 ألف روبل في الشهر أو أقل (1)، في حين أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت خلال العام الماضي بمقدار الربع؟ أي نوع من التضامن يمكن مناقشته هنا إذا كان الأوليغارش يبدلون اليخوت والقلاع في جبال الألب مثلما يبدلون القفازات، في حين يرفضون، بالمقابل، تعديل معاشات المتقاعدين، حتى بمعدلات مساوية لنسبة التضخم؟ أية وحدة وطنية يمكن الحديث عنها هنا، حينما يتعالج ويدرس أفراد أسر النخبة الحاكمة في الخارج، بينما يتم تحطيم التعليم والطب الوطنيان عمداً؟


لذلك، من جهة، في ما يتعلق بخط الدولة الوطنية فإن الأمر مشجع جداً، ولكن من جهة أخرى – فإن النموذج الاقتصادي والمالي الليبرالي المعمول به يقوض قدرة البلاد على الخروج من الأزمة. ونحن لا يمكن أن نوافق على ذلك.


§ ما هو البرنامج الذي يطرحه حزبكم على الناخبين في انتخابات مجلس الدوما؟
أعد فريق العمل في حزبنا برنامجاً حقيقياً للخروج بالبلاد من الأزمة تحت شعار «10 خطوات نحو حياة كريمة». وقد تم إقرار هذا البرنامج في منتدى أوريول الاقتصادي (2) ومجلس عموم روسيا للتعاونيات العمالية. وأثار اهتماماً كبيراً في منتدى شعوب روسيا في أوفا. كما تمت الموافقة على برنامجنا بالإجماع في مؤتمر النواب الشيوعيين من جميع المستويات. وأخيراً، فإن البرنامج الانتخابي تمت الموافقة عليه رسمياً في المؤتمر السادس عشر (الاستثنائي) لحزبنا، الذي عقد 25 يونيو (حزيران).


أريد أن أشير إلى أن برنامج الحزب الشيوعي هو برنامج انتعاش اقتصادي وروحي لروسيا. أهم مطالبنا هي إعادة النظام المصرفي والمالي تحت سيطرة الدولة، وتأميم القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد، وتنفيذ سياسة تصنيع جديدة. ونحن نصر كذلك على اتخاذ تدابير عاجلة لإحياء المجمع الزراعي الصناعي، وعلى استخدام واستثمار الخبرة الفريدة من نوعها المتوفرة لدى مؤسساتنا الوطنية.


الحزب الشيوعي يسعى إلى تحويل روسيا إلى دولة من أجل الشعب، وتحويل السياسة الاجتماعية لصالح جميع المواطنين. وهذا يشمل رعاية صحية نوعية في متناول اليد، وجعل الأجور والمعاشات التقاعدية لائقة، إضافة إلى السيطرة على أسعار السلع الأساسية. وأخيراً، نحن نقاتل من أجل نهضة البلاد ثقافياً وأخلاقياً، وهو ما يعني التخلي الحاسم عن كل مظاهر العداء للاتحاد السوفياتي ومواجهتها بحزم والتصدي لظاهرة الـ«روسفوبيا»، وتحقيق مبدأ «التعليم للجميع» على أرض الواقع استناداً إلى أفضل تقاليد المدرسة السوفيتية الفريدة من نوعها.


الحزب الشيوعي مقتنع أنه إذا كانت السياسة الحالية سوف تستمر، فإن الإنهيار المالي والاقتصادي أمر لا مفر منه. ونعتقد أنَّ الدولة تحتاج إلى حل سريع وسلمي لهذه الأزمة الخطيرة.


§ كيف تنظرون إلى مستقبل كوكبنا؟ وما هي آفاق الحركة الشيوعية اليوم؟
نحن نرى أن في الساحة العالمية اتجاهان متصارعان: العولميون يصعّدون هجومهم، ولكن ذلك يثير معارضة متنامية. وأعتقد أن موازين القوى في العالم يمكن أن تتغير لصالح الاشتراكية.


الأزمة العامة للرأسمالية وصولاً إلى اليوم، امتدت قرناً كاملاً من الزمان. وهذه الأزمة تخف أحياناً، وتتفاقم في أحيان أخرى. في نهاية القرن العشرين، دمرت الرأسمالية الاتحاد السوفيتي، وضمنت لنفسها بعض الاستقرار المؤقت. ومع ذلك، فإن التناقضات البنيوية في صلب الرأسمالية لا تزال تتفاقم. وها قد مرت أعوام بينما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يستطيعان التخلص من آثار الأزمة المالية والاقتصادية الحادة، كذلك الاقتصاد الذي فرضوه تعسفاً في روسيا. والقاعدة الاجتماعية للرأسمالية آخذة في التقلص. وأستطيع أن أقول بيقين: أنه لا توجد دولة بوليسية يمكنها أن توقف لجوء الملايين من الناس إلى الاشتراكية!


الرأسمالية غير قادرة على حل التناقضات الكامنة في بنيتها. ومسار الأحداث يثبت أهمية طروحات الماركسية اللينينية. والزمن سيغسل القاذورات والافتراءات التي رميت بها هذه النظرية العظيمة. ويمكننا أن نرى بوضوح أن الفكرة اليسارية تصبح مطلوبة أكثر فأكثر في العالم. لقد حققت نجاحاً كبيراً تحت قيادة الأحزاب الشيوعية في الصين وفيتنام. وعلى الرغم من معارضة واشنطن الشرسة، فإن المزاج اليساري قوي للغاية في أمريكا اللاتينية. وحتى في الولايات المتحدة -معقل الرأسمالية نفسها- فإنّه في هذه الفترة يُستقطب المزيد والمزيد من الناس المتعاطفين مع أفكار العدالة الاجتماعية، وهذا ما يشير إليه نجاح بيرني ساندرز في بلوغ تلك المرحلة من الانتخابات الرئاسية الأولية.


§ في العام 1992 صدر كتاب فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ والإنسان الأخير». في هذا الكتاب، قال فوكوياما أن الأيديولوجية الليبرالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ظفرت بالنصر النهائي. ما رأيك بذلك؟
في الواقع، لسنوات عديدة، كان الغطاء الأيدلوجي للنظام العالمي الجديد هو هذه الأطروحة التي جاءت على قياس الموضة لتقول بـ«نهاية التاريخ»، التي طرحها البروفيسور الأمريكي فرانسيس فوكوياما. وفقاً لها، فإن الحضارة الغربية الحالية، في شكل الديمقراطية الليبرالية، مع قيمها الفردية الأنانية، و«السوق الحرة» و«حقوق الإنسان العالمية» هي المرحلة النهائية من التنمية البشرية. في نهاية المطاف، علينا أن نلاحظ أن «فلسفة العولمة» هذه تقول وتدعو إلى السعي بأي وسيلة ومهما كان الثمن إلى ضبط تنمية المجتمع وفق شرائع وتعاليم الأصولية الليبرالية الضيقة المتزمتة.


وفي نهاية المطاف، ولفداحة كل ذلك البينة، اضطر فوكوياما نفسه إلى الإعتراف بأن استنتاجاته متسرعة. كما كتب قبل بضع سنوات مضت. لقد أقر أن أطروحته حول الانتصار المزعوم غير المشروط للرأسمالية والأيديولوجية الليبرالية إنّما هي خطأ. ولكن هذه الفكرة شاعت للغاية واستشرت في أوساط النخبة الفكرية الغربية. ويكفي أن نذكر أسماء مثل ستيغليتز، كروغمان، والرشتاين، جيجك وغيرهم.


في روسيا، أدى انتصار الأيديولوجية الليبرالية في التسعينات إلى خسائر فادحة. انهار الاتحاد السوفييتي وأصبح كارثة جيوسياسية ومأساة حقيقية لأمتنا. وفي السعي لتطبيق القيم «الغربية» المفروضة من خارج البلد منينا بحالة فظيعة من التراجع. وقد أدت الأصولية الليبرالية المتطرفة إلى تفشي الفساد، وتدهور الصناعة وانهيار الزراعة، وتراجع القيم الروحية، وانحطاط القيم الأخلاقية. ولكن هذا يعلمنا أن ننتبه إلى أن البديل هو هناك: إنها الاشتراكية.


§ وبما أننا تحدثنا عن الاتحاد السوفياتي، أخبرنا، ماذا شعرت حينما غيرت الحكومة الجديدة، بعد انهيار الدولة السوفيتية، رموز البلاد وشعاراتها؟
أتعامل باحترام مع رموز الدولة. ولكن يجدر التذكير أن العلم الروسي الحالي كان قد وضع من قبل بطرس الأول باعتباره علماً تجارياً، لا علما لدولة روسيا. ولكن فرضه يلتسين على الدولة، دون أن يملك المعرفة الكافية بتاريخنا. وينبغي أيضا أن يوضع في الاعتبار أن الخونة من أتباع فلاسوف (3) الذين قاتلوا إلى جانب هتلر اختاروا، في وقتهم، هذا العلم راية لهم.


لهذا أعتقد أن الرمزية التي تختارها الدولة، يجب أن تعكس كامل تاريخ البلاد، لا مجرد أحداث منفردة. لقد أمضينا سبعمائة عام في الحملات العسكرية، وراية النصر الحمراء تنسجم تماما مع تقاليدنا التاريخية. لقد كانت راية ألكسندر نيفسكي (4)، وكذلك ديمتري دونسكوي كانت رايته علماً أحمر (5). وكذلك الأمر بالنسبة لحركة مقاومة مينين والأمير بوجارسكي الشعبية (6)، التي حررت موسكو من البولنديين قبل 400
.

أضف إلى ذلك، أن راية النصر الحمراء معروفة في كل أنحاء العالم. هي رمز لأعظم الأحداث في تاريخ البشرية: ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى والحرب الوطنية العظمى. ومع ذلك، أنا راضٍ تماماً أن موسيقى ألكسندروف العظيمة (موسيقى النشيد السوفييتيّ) أستعيدت كنشيد وطني لبلادنا (7). هذه الموسيقى هي الأصوات والأنغام التي عمل وقاتل وأنتصر آباؤنا وأجدادنا على إيقاعها.


§ كيف تشعر تجاه استخدام النجمة الحمراء في العالم؟ ربما يود الشيوعيون الروس أن تكون رمزاً خاصاً بهم؟
النجمة الحمراء هي رمز للشيوعية، رمز للمستقبل. إنها تعني وحدة البروليتاريا في كل القارات الخمس من الأرض، وتعني تحرير العمال من المجاعة والحرب والفقر والجهل والعبودية.


لا ينبغي لنا أن ننسى أن الجيش الأحمر دافع بهذا الرمز عن قلعة بريست وستالينغراد، دافع عن لينينغراد وموسكو، واقتحم برلين وحرر أوروبا من النازية. بهذه النجمة، انتصر جيشنا الأحمر في أكثر الحروب تدميراً في التاريخ البشري.


أريد أن اقول إن الحزب الشيوعي الروسي حزب أممي. ونحن ندعو لوحدة عمال العالم تحت النجمة الحمراء الخماسية، وإلى القتال جنبا إلى جنب ضد نير الرأسمالية المعولمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:
(1) ما يعادل نحو 170 ديناراً أردنياً.
(2) منتدى رعاه الحزب، وحضره أكثر من 1000 شخص. من بينهم، نواب من مستويات مختلفة، وممثلين عن الوزارات والدوائر والهيئات التابعة للاتحاد الروسي والهيئات الحكومية المحلية ورؤساء المؤسسات الوطنية والخبراء من اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال، والغرفة التجارية، وممثلي النقابات والمنظمات المجتمعية والمؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية والأجنبية وخبراء.
(3) أندري أندرييفيتش فلاسوف. انقلب على الاتحاد السوفيتي وانضم لصفوف القوات النازية وشكل ما يسمى جيش التحرير الروسي خلال الحرب العالمية الثانية، الذي يعرف أيضا باسم جيش فلاسوف وضم مجموعة من العسكريين الروس المنشقين الذين أعلنوا ولاءهم للقيادة العليا للجيوش الألمانية النازية، وحاول لم شمل مناهضي الشيوعية من الروس، من أسرى الحرب السوفيت والمهاجرين البيض الذين كان منهم من حارب الشيوعيين ضمن صفوف الجيش الأبيض أثناء الحرب الأهلية الروسية.
(4) ألكسندر نـِڤسكي (1220 – 1263) كان أمير نوفغورود وضواحيها أثناء بعض أحلك الأوقات في تاريخ المدينة. ويشيع اعتباره أهم شخصية في روسيا العصور الوسطى، وارتقى إلى مكانة أسطورية بسبب انتصاراته العسكرية على الغزاة الألمان والسويديين. أحد أبرز القادة العسكريين في روسيا وأفضل السياسيين.
(5) دميتري ايفانوفيتش دونسكوي. أمير موسكو ومدينة فلاديمير الذي تمت في عهده انتصارات عسكرية مهمة على القبيلة الذهبية (أهمها انتصاره الساحق في معركة كوليكوفو). في هذه الفترة استمرت عملية توحيد المقاطعات الروسية حول امارة موسكو، وبني كرملين موسكو.
(6) ترك الفلاح كوزما مينين والأمير دميتري بوجارسكي مأثرة كبرى حينما تحالفا وشكلا فصائل مقاومة شعبية حررت موسكو من المحتلين البولنديين والليتوانيين وطردوهما منها عام 1612. ويحتفل بهذه الواقعة باعتبارها ذكرى استعادة وحدة الدولة الروسية وعيد «الوحدة الشعبية»، الذي هو عيد رسمي للدولة منذ 2005.
(7) ألكسندر فاسيليفيتش ألكسندروف (1883- 1946) ملحن ومؤلف موسيقي روسي يعتبر من أبرز المُلحنين وقادة الأوركسترا الكورالية والجوقات الغنائية حاصل على لقب فنان الشعب في زمن الاتحاد السوفييتي عام 1937.. حائز على جائزة ستالين من الدرجة الاولى لمرتين عامي (1946- 1942). وهو المؤلف الموسيقي للنشيد الوطني للاتحاد السوفييتي.. الذي أصبح، كذلك، النشيد الوطني لروسيا الاتحادية.. حيث بقيت ألحان الكسندروف فيما تغيرت كلمات االنشيد.