تحية تقدير وتعظيم إلى الثورة البولشفية الرائدة في عيدها


حسنين محمد علي
2016 / 11 / 1 - 21:58     

إن ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917 أهم حدث في التاريخ الحديث والمعاصر، ليس داخل روسيا فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي، لأنها أيقظت الشعوب وثورت الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم، ورسمت طريق الثورة التي يجب أن تقوم ضد قوى الاستغلال والاضطهاد التي تهدف إلى إقامة الحروب والسيطرة على ثروات الشعوب وخيراتها، ودعمت البؤر الثورية وحركات التحرر الوطني في نضالها من أجل التحرر وساعدت في تشكيل الأحزاب الشيوعية والأحزاب الوطنية، وخلقت الصراع داخل الدول الرأسمالية بينها وبين الطبقة العاملة التي أدت إلى تغير في سياستها، فالجماهير هي صانعة التاريخ، والصراع بين طبقاته هو المحرك الحقيقي للتطور الاجتماعي.
كانت الثورة البولشفية التي قادها وفجرها لينين العظيم النموذج من حيث المبادئ والأهداف ومتميزة عن الثورات التي سبقتها كالثورة الفرنسية والثورة الصناعية في بريطانيا اللتين قامتا بتعزيز دور البرجوازية والرأسمالية وزادت من التفاوت الطبقي وخدمت فئة قليلة استحوذت على الثروة.لقد كانت الثورة البولشفية وما تزال ثورة رائدة وقائدة بكل ما لهذه الكلمة من مضمون ومعنى.
يقول العظيم ستالين (( ليست ثورة أكتوبر ثورة في النطاق القومي فحسب، بل هي قبل كل شئ ثورة ذات طابع عالمي كوني، لأنها شكلت في التاريخ العالمي تحولا جذريا، صنعته الإنسانية، من العالم القديم الرأسمالي، نحو العالم الجديد، الاشتراكي، كانت الثورات في السابق تنتهي عاده، باستبدال مجموعة مستغِلين بمجموعة مستغِلين أخرى على رأس الدولة.يتبدل المستغِلون ويبقى الاستغلال )).
إن ثورة أكتوبر جاءت تعبيرا عن نضج تام للظروف الموضوعية الروسية والعالمية.فبعد صيرورة الرأسمالية القديمة رأسمالية حديثة، أي تحولها إلى امبريالية تفرض استعمارها على شعوب العالم كله واشتداد تناحراتها للدرجة التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى فيما بينها، والتي أيقظت شعوب المستعمرات وعلمتها على استخدام السلاح، بعد ذلك كله أصبح قيام الثورة البروليتارية في روسيا بالذات أمرا ممكنا جدا وقد توفرت لهذه الإمكانية الموضوعية قياده رائعة ذات كفاءة نادرة أعني بها قياده لينين الخالد والحزب الشيوعي البولشفي لعموم روسيا.إن الحركة الشيوعية الأممية في العالم عامة وحركات التحرر الوطني في القارات الثلاث على وجه الخصوص مدينة لثورة أكتوبر، التي بفضلها أصبح العالم يجتاز عصرا جديدا من الثورات والحروب، عصرا يتحتم فيه زوال الرأسمالية وازدهار الاشتراكية.
فلولا ثورة أكتوبر لبقيت شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات تتخبط في متاهات التطور الرأسمالي وضروب التبعية للامبريالية، تخبطا ينهك طاقاتها ويستهلك نضالها استهلاكا لا يبقى له جدوى ومرتجى.
وكيف يمكن أن يكون لنضال الشعوب جدوى بدون أن تتوفر له دليلا نظريا يهديه إلى سواء السبيل ونموذجا علميا يبين له طريق التطور المناسب.

ثورة أكتوبر وطبيعة العصر

يقول ستالين العظيم (( أن ثورة أكتوبر قد دشنت عصرا جديدا، عصر الثورات الوطنية التحررية في بلدان العالم المضطهَدة بالتحالف مع البروليتاريا وتحت قيادتها ))، فقد افتتحت عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية على نطاق عالمي.إن شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص كانت تعيش خارج التاريخ كما كانوا يطلقون عليها.وما أن بدأ الرأسمال المالي يغزو هذه البلدان حتى بدأت تدخل التاريخ وتتفتح عيونها على الحياة البشرية، تفتحا جاءت الحرب العالمية الأولى لتزيده نضجا ومعرفة بكيفية استعمال الأسلحة الحديثة.وقد اكتسبت الشعوب هذه الخبرة من خلال تجنيد الامبريالية لها في الحرب وبذلك استيقظت شعوب المستعمرات ليس فقط على معنى الحياة الجديدة بل وعلى معرفة نوايا السادة المستعمرين الذين يستغلونها ويحولون دون تقدمها نحو الحياة اللائقة بالإنسان.وعندما قامت ثورة أكتوبر لم تعط لهذه الشعوب النموذج التقدمي الذي يمكنها أن تسير على هديه في بناء حياته الجديدة وإنما أقامت الاتحاد السوفييتي حيث أعلن لينين العظيم عن التكامل بين الثورة الاشتراكية وثورات التحرر الوطني.

وأقام بلد أكتوبر الأممية الشيوعية الثالثة التي أخذت على عاتقها تنظيم عمل الشيوعيين في مختلف أنحاء العالم ونشر الأفكار الاشتراكية العلمية التي تهديها إلى طريق انتصارها على أعدائها، بين صفوفها.هكذا توافق قيام ثورة أكتوبر مع ظروف الحرب الامبريالية الأولى توافقا غير اتجاه التطور التاريخي.ولكننا عندما نشير إلى كون الحرب العالمية الأولى كانت عاملا إلى جانب ثورة أكتوبر لابد أن نأخذ بنظر الاعتبار إن أهمية الحدث الذي تحقق في أكتوبر تفوق مرات عديدة أهمية حدث الحرب، لأنه لولا قيام الثورة البولشفية بقيادة زعيمها لينين وحزبه الشيوعي العظيم لكان يمكن أن تكون نتائج الحرب مختلفة عن النتائج التي أدت إليها، بل ولما كان يمكن أن تكون الحرب عاملا في تغيير طبيعة العصر.إن ثورة أكتوبر العظمى لم تكن عاملا في تغيير طبيعة العصر فحسب، وإنما هي كانت عاملا في تغيير نتائج الحرب وجعلها عاملا في تغيير طبيعة العصر.من هنا فإننا نتفق مع الرفيق تروونغ شينه ونؤكد على صواب قولة (( فتحت ثورة أكتوبر عصرا تاريخيا جديدا في حياة البشرية، هو عصر انهيار الرأسمالية وانتصار الاشتراكية على المستوى العالمي )).

ثورة أكتوبر ودكتاتورية البروليتاريا

منذ بداية القرن العشرين ولينين يتابع بأهمية واستمرار ظاهرة تحول الرأسمالية إلى امبريالية، وقد اكتشف قانون التطور المتفاوت في المجالين السياسي والاقتصادي في البلدان الاستعمارية، ومن هذا الاكتشاف صاغ نظرية جديدة للثورة الاشتراكية.كان ماركس وانجلس قد اعتبرا إن شرط انتصار الثورة البروليتارية هو اندلاعها في آن واحد في كل البلدان الرأسمالية المتقدمة، أو على الأقل في معظمها، وان الثورة البروليتارية مهددة بالفشل الأكيد إذا ما اقتصر قيامها على بلد واحد، وكان هذا الاستنتاج الذي توصل إلية ماركس وانجلس ملائما للرأسمالية قبل بلوغها المرحلة الامبريالية، إلا انه لم يعد صحيحا مع دخول الرأسمالية هذه المرحلة الجديدة التي أصبح الاستعمار خلالها نظاما عالميا، يفرض سلطانة على شعوب المستعمرات ويستغلها لصالح حفنة من البلدان الرأسمالية المتقدمة الأمر الذي يجعل التناقضات بين البلدان الاستعمارية تظهر على صعيد العالم كله ويشتد الصراع بينها بسبب السباق فيما بينها من أجل السيطرة على المستعمرات من جهة، ويتيح هذا الوضع نفسه الفرصة للبروليتاريا لان تستفيد من هذه الحالة وتلحق الهزيمة بالاستعماريين، استفادة لا تفترض الانتظار حتى قيام الثورة في أضعف حلقات السلسلة الاستعمارية في الحلقة التي تتكشف فيها تناقضات المستعمرين، لان تفاوت التطور الاقتصادي والسياسي بين البلدان الرأسمالية من شأنه أن يوجد ظروفا متفاوتة لإمكانية قيام الثورة في هذا البلد الاستعماري أو ذاك.ولكن نظرية إمكانية إحداث الثورة البروليتارية في بلد واحد، التي استنتجها لينين من اكتشافه لقانون تطور المتفاوت بين البلدان الرأسمالية الذي هو قانون مطلق، قد قادته لان يشدد على قضية التحالف مع الفلاحين لدرجه جعلته يحدث تغييرا أساسيا في مضمون نظرية دكتاتورية البروليتاريا التي وضعها ماركس وانجلس، لان العمال يشكلون أقلية ولا يصح لهم القيام بالثورة لمصلحتهم فقط ما داموا أقلية.فما يميز الثورة البروليتارية هو كونها ثورة تقوم بها الأكثرية الساحقة في سبيل مصلحة الأكثرية الساحقة، بعكس حركات الطبقات الأخرى فهي حركات أقلية تقوم لصالح الأقلية.
ومن هنا كان تشديد لينين على التحالف مع الفلاحين واعتبارهم قوى أساسية في أحداث الثورة وفي انجاز مهماتها بحكم كونهم يشكلون الأغلبية في الثورة الجديدة التي هي ثورة وطنية ديمقراطية تحكمها دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية الثورية التي تعبر عن إرادة غالبية السكان وتمثل مصلحتهم، وهي سلطة لا تقوم بتحطيم الطبقات الرجعية فقط وإنما تقوم أيضا بتعبئة الجماهير الكادحة وتنظيمها لتشارك في بناء المجتمع الجديد..
يقول ستالين العظيم (( إن ثورة أكتوبر ليست ثورة في ميدان العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فحسب، بل هي ثورة في الأفكار، ثورة في إيديولوجيا الطبقة العمالية.لقد نشأت ثورة أكتوبر وقويت تحت راية الماركسية، تحت راية دكتاتورية البروليتاريا، تحت راية اللينينية التي هي ماركسية عصر الامبريالية والثورات البروليتارية.لذلك هي علامة على انتصار الماركسية على الإصلاحية، انتصار اللينينية على الاشتراكية الديمقراطية.لقد حفرت ثورة أكتوبر هوة عميقة بين الماركسية والاشتراكية الديمقراطية، بين سياسة اللينينية وسياسية الاشتراكية الديمقراطية...


الهوامش

- ستالين/ طابع ثورة أكتوبر العالمي / ص1،5،8/ ترجمة عز الدين بن عثمان الحديدي.
- صحيفة الهدف – العدد227 – سنة 1973 –السنة الخامسة.
- لي ذوان/ اللينينية والثورة الفيتنامية/ ص35،8.
- لي ذوان/ الثورة الفيتنامية المشاكل الرئيسية والمهمات الرئيسية/ ص15.
- تروونغ شينه/ على خطى كارل ماركس/ ص33.
- البيان الشيوعي/ مختارات ماركس وانجلس المجلد الأول/ ص65.