مَارْكس وَصِراعَاتُ الْورَثةِ


محمد الهلالي
2016 / 10 / 17 - 00:30     

دريدا، فوكو ودولوز والماركسية:

لم يتنكر كبار الفلاسفة المعاصرين لماركس (1818-1883) ولإرثه الفلسفي، ومن الصعب أن نجد عدوا قويا لماركس لا يقر بأهمية فلسفته وبكونها مكونا حاسما من مكونات الفكر النقدي الإنساني. فهذا جاك دريدا (1930-2004) الذي اشتهر بمفهومي التفكيك والاختلاف (كإرجاء ومغايرة) يصرح بعد ممارسته للتفلسف على طريقته لمدة 30 سنة، في سجاله مع الذين اعتبروه معاديا للماركسية، قائلا: "أشعر أنني أكثر ماركسية منهم". ونفهم تصريحه هذا لما نقرأ ما كتبه عن موقفه من ماركسية المناضلين حيث قال: "امتنعتُ - عن خطأ أو عن صواب، عن قناعة سياسية، ومن المحتمل أن يكون امتناعي أثرا للتخويف – عن انتقاد ماركسية الجبهة. سادت آنذاك حرب قاسية، أقسى من عمليات التخويف، وساد صراع قوي من أجل الهيمنة، وهذا ما جعل طيف الخيانة يلازم المؤسسات والمجادلات. في هذا الجو الذي يمكن وصفه بالإرهابي نوعا ما، كنت أشعر بالخوف، لم أكن مرتاحا. كنت معاديا للستالينية، وكنتُ قد كونتُ تصورا عن الحزب الشيوعي وعن الاتحاد السوفييتي لا يتلاءم مع اليسار الديمقراطي الذي أردتُ دوما أن أظل مخلصا له. لكنني لم أرد التعبير عن اعتراضات سياسية، كان من الممكن أن يعتبر ذلك التعبير، لو قمت به، نوعا من التحفظ"(1).
يرى دانييل بنسعيد (1946-2010) أن صمت جاك دريدا كان غير مبرر، لأن مكانته الفلسفية كانت ستجعل للتعبير عن موقفه تأثيرا إيجابيا في النقاشات التي كانت تُخاض آنذاك. يقول بهذا الصدد: "من المؤسف أن التخويف فرض الصمت على هذه التحفظات. كان بإمكان التعبير عنها علنيا، في ذلك الوقت، من طرف فيلسوف كانت حظوته تزداد أهمية، أن يغير طبيعة النقاش الذي اتسم نسبيا بالغموض. بالإضافة إلى أن المقاومات التي جعلت دريدا يظل بعيدا عن الحزب الشيوعي لم تكن فقط مقاومات نظرية وإنما كانت سياسية أيضا"(2).
أما ميشيل فوكو (1926-1984)، فلقد هاجم "الماركسية الكاريكاتورية" التي كانت ثمرة للستالينية، فهو كان عضوا في الحزب الشيوعي الفرنسي حتى سنة 1953، وهذا ما جعل "علاقته النقدية بالماركسية وبالحزب الشيوعي تكون مركز أعماله"(3)، لكنه لم يهاجم ماركسية ماركس، ولقد اختار فوكو ألا يذكر مراجعه التي يستلهمها، وهو ما صار عنده خاصية أسلوبية، وموقفا مضادا للنزعة الأكاديمية، وهو ما يعني أنه نصوصه مليئة بالحوار مع ماركس دون ذكره كمرجع، وهو أمر اعترف به هو نفسه، ويجب التذكير أن فوكو اهتم بمواضيع ظلت مهمشة من طرف الفلسفة قبل معالجته لها، كما كان يدافع نضاليا عن أفكاره.
إلا أن المسألة التي تمحور حولها نقد فوكو وجيل دولوز للماركسية هي: الديالكتيك. فالديالكتيك بالنسبة لفوكو إرث هيجلي، لا يمكن فصله عن الخطاطة الهيجلية المتمثلة في "الأطروحة ونقيضها"، إضافة إلى أنه إحالة على الماركسية الستالينية، ويفسر موقفه النقدي الرافض للديالكتيك استلهامه لنيتشه دون تبنيه لأطروحاته ومفاهيمه.
أما جيل دولوز (1925-1995) فقد قال بأكثر ما يمكن من الوضوح: "أعتقد أن غَـتاري وأنا بقينا ماركسيين"(4)، كما رفض دوما وحتى آخر حياته التنكر لماركس، وظل يتبنى ما يسميه بـ"الصيرورة الثورية"، وضرورة "مقاومة الحاضر"(5) ويمدح "الغضب ضد العصر". لكنه رفض الديالكتيك في إطار ارتكاز فلسفته على "الاختلاف كبديل للتناقض"، فهو ضد هيجل لكنه يواجه ماركس، لذلك قال عن ألتوسير "إنه يحرر ماركس من هيجل بشكل رائع". وقال بهذا الصدد: "إن ما أكرهه قبل كل شيء هو الهيجلية والديالكتيك"(6). ومن الواضح أن دولوز يرتكز هو أيضا على فلسفة نيتشه التي أدخلت إلى فرنسا من طرف اشتراكيين يميلان للتيار الفوضوي أو الأناركي (هما هنري ألبير وشارل أنْدلر)، وذلك ضمن تقليد نقابي ثوري في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين هَدف إلى اعتماد نيتشه لمراجعة الماركسية.
ترى "إيزابيل غارو" أن قراءات كل من ميشال فوكو وجيل دولوز ولويس ألتوسير لماركس هي "طرق لولوج ما يعتبر سياسة في الفلسفة"، وأنها "فرصة يواجه فيها هؤلاء المفكرون المسألة الشيوعية"، وهذا ما يجعل أعمالهم "تنتج تعريفا جديدا راديكاليا للالتزام الثقافي". بل إن أعمالهم "الأساسية والأصيلة" هي نتيجة لعلاقتهم الثابتة والأساسية بماركس والماركسية. فلما يساهم هؤلاء الفلاسفة الثلاثة "في جعل ماركس مرجعا نظريا من ضمن مراجع نظرية أخرى، فإنهم يحافظون على الأهمية النظرية والسياسية لهذا المرجع ويؤكدون على أهميته. إنهم يميزون أنفسهم باستمرار عنه، ويبنون في علاقة به، باعتباره إشارة مركزية، مسارهم. إن هذا الدمج ما بين الاعتراف وفقدان الثقة والحظوة، ما بين الإبقاء على مرجعية ماركس ومحوها، هو الخاصية الأكثر تميزا لأعمال فوكو ودولوز وألتوسير"(7).

ماركس المرجع:

استعملت كلمة "ماركسية" لأول مرة في نهاية سنة 1870. وكان ماركس وأنجلز يفضلان الحديث عن "الاشتراكية العقلانية النقدية" حسب مؤرخ الحركة الاشتراكية جورج هوبت Georges Haupt، وعن "الاشتراكية المادية النقدية" و"الاشتراكية العلمية" حسب نويل كاستانييز روجيو Noëlline Castagnez-Ruggiu. بل إن ماركس قال لبول لافارغ Paul Lafargue ، لما اطلع على ماركسية الحزب العمالي الفرنسي آنذاك:"إذا كانت هذه هي الماركسية فأنا لستُ ماركسيا".
إن التذكير بأهم مفاهيم وتصورات ماركس سيوضح غنى الإنتاج النظري الماركسي بعده، من خلال قراءات الورثة، كما سيوضح تعدد الرهانات بخصوص الفكر الاشتراكي وآفاقه، وسيساعد على طرح مسألة راهنية الماركسية.
اعتمد ماركس مفهوم الطبقة الاجتماعية، الذي كان يستعمله قبله آدم سميث وألكسيس طوكفيل وآخرون، اعتمادا على موقع الفرد ضمن علاقات الإنتاج وامتلاك الوعي الطبقي. واستعمل مفهوم الصراع الطبقي، الذي نجده أيضا مستعملا عند مؤرخين فرنسيين هما فرانسوا غيزو François Guizot وأوغيستان تييري Augustin Thierry، وحدد هو نفسه الجديد الذي أتى به في هذا المجال قائلا: "إن الجديد الذي أتيت به هو البرهنة على أن وجود الطبقات لا يرتبط إلا بمراحل تاريخية محددة من تطور الإنتاج، وأن صراع الطبقات يقود حتما إلى ديكتاتورية البروليتاريا، وأن هذه الديكتاتورية نفسها لا تمثل إلا مرحلة انتقالية نحو تقويض كل الطبقات، في اتجاه مجتمع بدون طبقات"(8). ويخاض الصراع الطبقي في مجتمع يحدد –حسب ماركس- بنمط إنتاج معين الذي هو مجموع قوى الإنتاج (أي أدوات الإنتاج وقوى العمل وموضوع العمل) وعلاقات الإنتاج (العلاقات الاجتماعية بين الناس بناء على أنشطة الإنتاج). ولما تنتقل البروليتاريا من طبقة في ذاتها إلى طبقة من أجل ذاتها بفضل الوعي تصبح طبقة اجتماعية بالفعل.
تعتبر الماركسية نقدا للرأسمالية وإثباتا لضرورة انهيارها، لذلك تسود مفاهيم هامة بهذا الصدد: التراكم البدائي للرأسمال، التمييز بين العمل وقوة العمل، التمييز بين القيمة الاستعمالية والقيمة التبادلية، الأجور، الربح، فائض القيمة، الاستلاب، الديالكتيك، البنية التحتية، البنية الفوقية، الإيديولوجية، الدولة...
وتعتبر الإيديولوجية والدولة مفهومين مركزيين وإشكاليين تمحورت حولهما نقاشات ومجادلات عدة، كان من نتائجها تبلور خلافات وتيارات مختلفة بل ومتناقضة رغم إعلانها الانتماء لنفس المرجع.
وبخصوص الدولة، فلقد صاغ ماركس وأنجلز تصورا عن الدولة اتهم بافتقاره للنسقية. ولقد انصب النقاش حول كيفية اضمحلال الدولة، والمرحلة الانتقالية الفاصلة بين وجود الدولة، في المرحلة الانتقالية، واضمحلالها التام. يتحدث ماركس وأنجلز في "بيان الحزب الشيوعي" عن اشتراكية الدولة، أي عن دولة البروليتاريا التي تحتكر ملكية الأرض والأبناك والنقل... تحت قيادة الحزب، أي أن هناك ثنائية في السلطة: البروليتاريا والحزب، وهناك أيضا مفارقة وجود البروليتاريا كطبقة مسيطرة وحيدة ووجود الدولة.
لكن كمونة باريس دفعت ماركس لإعادة النظر في موقفه السابق من الدولة، وطرحت إشكالات مرتبطة بالمرحلة الانتقالية، لأن الكمونة كانت حسب تعبير ماركس نفسه "هي حكومة الطبقة العاملة"، أي أنها قامت بمهام الدولة التي حلت محلها بطريقة مختلفة جذريا، حيث أن دستور الكمونة هو تعبير عن صيغة لممارسة السلطة البروليتارية، وهي صيغة لم تكن دولتية، فالكمونة هدمت الدولة. إلا أن أنجلز اختلف عن ماركس في تقييمه للكمونة، لأنه يرى ضرورة المرحلة الانتقالية، أي ضرورة وجود دولة تمارس القمع على ما يسميه "بقايا الطبقة المسيطرة القديمة". فديكتاتورية البروليتاريا حسب أنجلز ستكون دولتية. نحن هنا أمام تصورين لمسألة المرحلة الانتقالية: تصور ماركس الذي يميل للديمقراطية المباشرة (شيوعية المجالس، أو ديمقراطية الشركاء) وتصور أنجلز الذي يطرح مسألة القمع وبالتالي ضرورة الدولة الاشتراكية التي ستمارس ذلك القمع.
يستمر طرح الإشكال في "نقد برنامج غوتا": مبدئيا سيتم تدمير الدولة، لكنها ستوجد مؤقتا إبان مرحلة "التغيير الثوري"، وهي مرحلة تفصل ما بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، وتكون الدولة في هذه المرحلة هي الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.
وارتبطت إشكالات أخرى بمسألة الدولة منها: لماذا تكون البروليتاريا هي آخر طبقة اجتماعية تاريخيا؟ هل الطبقة العاملة طبقة كونية فعلا؟ وهل ستحرر الإنسانية بتحررها؟ هل ستكون الدولة في المرحلة الانتقالية تابعة للمجتمع أم تابعة للحزب؟ ألا يهدد وجود الدولة، حتى وإن كانت ثورية، وجود الحرية وممارستها؟ كيف يمكن القبول بصيغة "رأسمالية بدون رأسماليين"؟ ما الضامن على اضمحلال الدولة البروليتارية؟ ولماذا لا يجب هدمها من الأساس؟ ما هو أساس المرحلة الانتقالية نظريا وسياسيا واقتصاديا؟

الورثة:

من أبرز الورثة لينين (1870-1924). الذي ارتبط تطبيق الاشتراكية باسمه. وأثارت مواقفه النظرية والسياسية جدلا كبيرا. وانقسم بشأنها الماركسيون إلى مؤيدين ومعارضين ومنددين ومبررين. تميز فكر لينين بجعل الحزب المحرك الأساسي لصراع الطبقات ولديكتاتورية البروليتاريا وللثورة، كما تميز بفكرة الطليعة الثورية التي ستنجز الثورة وتحمل الوعي الطبقي والنظرية الثورية إلى الشعب، وبفكرة دور المثقفين الثوريين حملة الوعي الذين عليهم الاندماج مع الحركة العمالية لتسليحها بالمعرفة، وبفكرة أهمية الفلاحين كقوة ثورية شريطة أن يكونوا مؤطرين بالطبقة العاملة وبالحزب، وفكرة المركزية الديمقراطية داخل الحزب التي تتجسد في "حرية النقاش ووحدة العمل"، ومن أبرز إسهاماته أطروحاته في "الدولة والثورة" التي يمكن تلخيصها في الأفكار التالية: الدولة هي نتاج تناقضات الطبقات التي لا يمكن التوفيق فيما بينها، تعمل الدولة بالعنف ولا ينفصل وجودها عن وجود قوات مسلحة متخصصة، الدولة وسيلة لاستغلال الطبقة المضطهدة، ستلغي البروليتاريا الدولة البرجوازية عبر ثورة عنيفة، كل دولة تفرض وجود بيروقراطية وجيش دائم، يتم إلغاء الدولة البروليتارية، التي لا يمكن الشك في ضرورتها المؤقتة، وفق نمط "الاضمحلال التدريجي والتلقائي"، تتميز المرحلة الانتقالية، التي هي الاشتراكية، بظهور ديمقراطية جديدة وديكتاتورية جديدة.
أما تروتسكي (1879-1940) فلقد دافع دوما عن إرث لينين، لكن فكره السياسي تميز بكونه نقيضا لفكر ستالين، وبالخصوص معارضته لأطروحة ستالين حول "بناء الاشتراكية في بلد واحد" بأطروحة "الثورة الدائمة" بناء على تأويله لفكر ماركس ولشروط قيام الثورة الاشتراكية في بلد متقدم صناعيا وفكرا وسياسيا، ووصفه الدولة السوفييتية "بالدولة العمالية البيروقراطية" أو "الدولة المنحطة"، إضافة إلى نقده العميق والصارم للبيروقراطية السوفييتية واصفا البيروقراطية "بالتشوه الديكتاتوري" للدولة البروليتارية، وتأسيسه للأممية الرابعة ونقده لسياسة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية.
ونجد بليخانوف (1856-1918) على الطرف النقيض من لينين، حيث دافع على أن روسيا لن تتحقق فيها الاشتراكية إلا بعد تطور طويل المدى للرأسمالية، كما انتقد الشعبويين الذي تبنوا الإرهاب لإيقاظ وعي جماهير الفلاحين، وبين أن التاريخ لا يُصنع من طرف فئة قليلة من الأبطال وإنما يصنع من طرف طبقات اجتماعية تصارع وتناضل، كما ركز على أن للبروليتاريا إمكانية ثورية لا يملكها الفلاحون، واشتهر بشرحه للماركسية ولأسسها الفلسفية ولمنهجها.
وقادت ألكسندرا كولونتاي (1872-1952) المعارَضَة العمالية في الحزب البلشفي، وانتقدت سياسة قادة الحزب القائمة على المركزية وعلى الاعتماد على "المتخصصين من الإداريين والاحترافيين البرجوازيين الصغار الباحثين عن النجاح المهني الشخصي"، وهو ما كان يعني في نظرها أن البلاشفة هم الذين وضعوا الأسس للبيروقراطية السوفييتية. ويمكن إجمال مواقفها ومواقف المعارضة العمالية التي كانت تنتمي إليها في ما يلي: يعاني الحزب والدولة وهيآت تدبير الاقتصاد من اختراقها من طرف عناصر دخيلة على البروليتاريا وعلى الفكر الاشتراكي، ضرورة تعويض الموظفين الدخلاء بالمناضلين المرتبطين بالجماهير، ضرورة دمقرطة الحياة الحزبية في جميع المجالات واعتماد مبدأ إقالة المسؤولين في جميع مستويات المسؤولية عند الضرورة، إعادة حق المساهمة في اتخاذ القرارات للجماهير، السماح للتيارات والمجموعات بالتشكل داخل الحزب، ضرورة تدبير العمال والنقابات لجميع البنيات الاقتصادية، ضرورة أن ينتخب العمال الإدارة الاقتصادية المسيرة للبلاد. كانت ضد هيمنة الدولة على الإنتاج، ومدافعة عن الصيغة الجماعية للإنتاج، كما كانت ضد تقليص الحريات السياسية وضد قمع المعارضين الثوريين المخالفين للبلاشفة، كما طالبت باستقلالية النقابات عن الحزب والدولة واتهمت لينين بالدفاع عن الرأسمالية.
أما الماركسي الهولندي أنطون بانكوك (1873-1960) فقد وصف الثورة الروسية بأنها ثورة برجوازية، وقال أن ظهور الجماهير في المسرح السياسي وتشكل المجالس والسوفييتات لم يكن إلا تعبيرا عن احتجاج جنيني للسلطة البرجوازية من طرف الفئات الشعبية، كما أن خنق الدولة للسلطة العمالية يترجم استحالة تطور الثورة الروسية خارج طبيعتها البرجوازية. وكان يعتقد أن حزب لينين كان حزبا مركزيا برجوازيا وبيروقراطيا تكنوقراطيا أكثر مما كان حزبا عماليا. لذلك ليست هناك قطيعة بين لينين وستالين. وكانت مادية لينين في نظره مادية برجوازية تقود إلى تصورات ابستمولوجية تضفي الشرعية على قادة يملكون معرفة تشكلت قبليا وفي انفصال عن نشاط الجماهير، وهو ما يجعل دور الجماهير ينحصر في التنفيذ.
ويعتبر مسار كارل كورش (1886-1961) متميزا، كما تعتبر مواقفه جريئة وهامة. فلقد رفض التحريفية والماركسية الميكانيكية، كما أولى اهتماما خاصا بمكانة الفلسفة في الماركسية، انتقد اللينينية وعبر عن موقفه من الماركسية في "أطروحاته العشر". تساءل عن أسباب فشل الاشتراكية، وهو التساؤل الذي قاده لانتقاد الماركسية من داخلها، أي انتقاد الحركة الاشتراكية من خلال الفلسفة، وتأويل الماركسية في تعارض واضح مع الجناح الأورثوذوكسي والجناح التحريفي.
لم تضفِ الماركسية على نفسها، حسب كورش، صفة الفلسفة، وإنما كانت تسمي نفسها بالاشتراكية العلمية، بينما كان ماركس وأنجلز يطلقان كلمة فلسفة على كل فلسفة بورجوازية، أي على الفلسفة ككل. وبما أن ماركس كان يحارب الفلسفة ويعمل على زوالها فإن مسألة علاقة الماركسية بالفلسفة تظل قائمة. أراد كورش إحياء المحتوى الثوري للماركسية. ولقد اهتم كورش أساسا بالأفكار الأصلية لماركس أكثر من اهتمامه بتطور فكره لاحقا، لأن المسألة الأساسية عند ماركس هي "تغيير المجتمع"، أما حيثيات وخصوصيات هذا التغيير فلم يتطرق لها ماركس، ولهذا السبب تكون الماركسية عند كورش صراعا طبقيا ونظرية انتقالية للمجتمع الرأسمالي، وهو ما يعني أيضا أن للماركسية طابعا تاريخيا يمنع سقوطها في الوثوقية.
لا بد أن تتحرر الماركسية حسب كورش من ادعائها احتكار الحركة الثورية، واعتبار ماركس أحد المؤسسين للاشتراكية إلى جانب الاشتراكيين الطوباويين، وإلى جانب منافسيه الكبار مثل أوغست بلانكي (1805-1881)، وبيير جوزيف برودون (1809-1865)، وميخائيل باكونين (1814-1876)...
رفض كورش المبالغة في اعتبار الدولة أداة حاسمة للثورة الاشتراكية، لأن التحويل البسيط للرأسمالية الخاصة التنافسية إلى احتكار وسائل الإنتاج والمراقبة الاجتماعية لا تقود إلى تحقيق أي هدف ثوري. وكل ما فعله لينين في روسيا حول تحويل الماركسية من نظرية ثورية إلى إيديولوجية. كان كورش يرى أن الحزب ليس إلا مجرد وسيلة لتحقيق الديمقراطية المباشرة للمجالس العمالية. فالماركسية في نظره لم تكن لا علما ولا فلسفة، وإنما كانت وعيا نظريا بممارسة ثورية بروليتارية. إن الماركسية هي التعبير العام عن الحركة الثورية الموجودة، وحسب هذا التعريف فاللينينية ليست إلا "إيديولوجية ماركسية"، أي أنها لا تتناقض ضمنيا مع الكاوتسكية، وبالتالي فهي أيضا اتجاه تحريفي.
وبالرغم من أهمية مواقف وتصورات كارل كورش، فيمكن التساؤل عن الأسباب التي جعلت أهم حركة نظرية ماركسية في فرنسا آنذاك، أي الألتوسيرية، لم تعطه الكلمة، أي تجاهلته تجاهلا تاما؟
خلافا لكارل كورش، كان لويس ألتوسير (1918-1990) يريد أن يجعل من الماركسية نظرية علمية. وكان فكره مركز النقاشات الفلسفية والفكرية ما بين 1965 و1975 قبل الاهتمام بدريدا وفوكو ولاكان، ثم توارى في غياهب النسيان ليحتل هؤلاء المشهد الفكري. ولتحقيق ذلك كان يجب تحريرها من الإيديولوجية، فكان الحوار مع سبينوزا والتحليل النفسي واللسانيات. ولقد عبر بوضوح عن هذا "النزوع العلمي" حين قال سنة 1964: "كل نقاش بين الشيوعيين هو دوما نقاش علمي، وعلى هذه الأرضية العلمية يرتكز التصور الماركسي اللينيني للنقد والنقد الذاتي"(10). ارتكز ألتوسير أيضا في قراءته لماركس على أطروحة "التطور اللاتمتكافئ للتناقضات" (وهي لماو تسي تونغ)، بهدف التركيز على أهمية البنيات الفوقية، وأهمية الفلسفة في الصراع الطبقي. وسيقوده منهجه إلى نبذ الديالكتيك والعمل بطريقته على إبراز حدود فكر ماركس.
كان انتقاده للستالينة محتشما جدا. فلم تكن بالنسبة له ثورة مضادة، وإنما كانت نتيجة "لانحراف نظري"، وكأنه يبرر نظريا الستالينية ويضفي الشرعية على أطروحة "بناء الاشتراكية في بلد واحد" التي هي حجز زاوية فكر ستالين. ورغم أنه اعتبر أن الثورة الصينية هي "النقد اليساري الصامت للستالينية"، فإن نتائج الثورة الثقافية (1973) لم تغير رأيه في الثورة الصينية. فحين ينتقد ألتوسير النزعة الاقتصادية، والنزعة التجريبية، والنزعة الدوغمائية... فإنه ينتقد الستالينية انطلاقا من هذه الانحرافات التي يمسها فلسفية، لأن أساسها نظري وليس سياسيا.
تمحورت أفكار ألتوسير حول ثلاثة قضايا: القطيعة الابستملولجية في فكر ماركس، نقد النزعة التاريخية، نقد النزعة الإنسانية. فلقد استلهم ألتوسير مفهوم القطيعة الابستمولوجية من غاستون باشلار ليطبقه على فكر ماركس، وذلك للتمييز بين مرحلة إيديولوجية ومرحلة علمية في فكره. وحدد لحظة القطيعة ما بعد مخطوطات 1884، أي في سنة 1885، ليكون كتاب "الإييولوجية الألمانية" لماركس وأنجلز هو بداية ماركس العلمي، ولكي يجد حلا لحدوث القطيعة على امتداد مدة زمنية طويلة، تحدث ألتوسير عن "القطيعة كسيرورة" وعن "القطيعة المستمرة" وعن "قطيعة تتخللها قطيعات لاحقة وقطيعات داخلية". طبق ألتوسير على الماركسية مفهوما معينا للعلمية احتاج لصياغته أن يعيد النظر في مفهموم العلم ذاته، معتمدا على فلسفة سبينوزا. وهو الأمر الذي دفعه إلى انتقاد (سنة 1966) "توجه روحي في الفلسفة" مثله في نظره برغسون وميرلوبونتي، ثم أعلن سنة 1976 أنه اعتمد نظريا لصياغة مواقفه على كافاييس وباشلار وكانغليم إضافة إلى سبينوزا وهيجل، كل ذلك لكي يصل إلى القول بأن ماركس اكتشف علما جديدا هو "المادية التاريخية". وأعاد النظر في موقفه من ميرلوبونتي ليقول عنه "إنه خلافا لسارتر الذي هو روائي فيلسوف، فإن ميرلوبونتي هو أكبر فيلسوف، بل آخر كبار الفلاسفة في فرنسا قبل العملاق دريدا"(11).
أما بخصوص النزعة الإنسانية، فلقد عمل على استبعاد ثلاثة مفاهيم من الماركسية وهي: الاستلاب، الذات والإنسان، وقدم بديلا عنها تمثل في "سيرورة بدون ذات". وأصبحت هذه العبارة البديلة مركزية في فكره. وانطلاقا من تعريفه الجديد للإيديولوجية (كعلاقة خيالية للأفراد بظروف وجودهم الواقعية، أي الكيفية التي يعيش من خلالها الأفراد علاقتهم بشروط وجودهم، أي أن الأمر في الإيديولوجية لا يتعلق فقط ظروف وجود الناس وإنما يتعلق أيضا بعلاقة الأفراد بشروط وجودهم)، رفض احتلال الذات لأية مكانة في الماركسية. لذلك "فالسيرورة بدون ذات" ترفض الغائية المتمثلة في الزوج: أصل/نهاية. لكن يجب التمييز بين القول بعدة وجود ذات للتاريخ، ووجود ذوات في التاريخ.
ألقى ألتوسير بالنزعة الإنسانية في حقل الإيديولوجية، التي تخفي العلاقة الواقعية مع الواقع بسبب طبيعتها الخيالية. لكن للنزعة الإنسانية وظيفة إيجابية، بالرغم من وظيفتها السلبية التي تتمثل في إخفاء حقيقة الواقع. وتتمثل إيجابيتها في فعاليتها العملية. لذلك فمعاداتها نظريا لا تؤدي إلى معاداتها عمليا.
خلافا لكارل كورش، يرى ألتوسير أن مجال الفلسفة الماركسية هو العلوم بغية فرز ما هو علمي عما هو إيديولوجي، فهي تخوض صراعا نظريا هو طريقتها في ممارسة السياسة، أي أن الفلسفة تمثل الصراع الطبقي على المستوى النظري، فهي تساعد الشعب على معرفة حقيقة التاريخ حتى وهي لا تتدخل إلا في مجال العلوم دفاعا عن المادية الماركسية، وتحريرا للعلم من الإيديولوجية.
لكنها تهتم أيضا بالإيديولوجيات العملية، وبتكون الإيديولوجيات المسيطرة في إطار صراع طبقي إيديولوجي، وبما أن الإيديولوجية مكون لا مناص منه لأي مجتمع، فبإمكان الفلسفة أن تعمل لتقلب موازين الصراع الطبقي إيديولوجيا، وذلك بجعل الإيديولوجية المُسيطَر عَليها إيديولوجية مُسيطِرة. وبالرغم من هذه الوظيفة فإن الفلسفة في نظر ألتوسير تتدخل كفكر نقدي أكثر منها كفلسفة كاملة التكوين: أي أن الماركسية هي إستراتيجية فلسفية أكثر منها فلسفة جاهزة.
لكن قراءته الجديدة لأعمال ماركس ارتكزت بالخصوص على أعمال فرويد عبر جاك لاكان. ففي كتابه الأساسي "دفاعا عن ماركس" يحضر فكر فرويد حتى وإن لم يذكر بالإسم، ففي هذا الكتاب نجد فكرة القطيعة، ونقد النزعة الاقتصادية الميكانيكية ومفهوم التحديد التضافري (الذي هو مفهوم فرويدي المقصود منه تعدد العوامل المحددة لظاهرة واحدة). كما أن نقده للذات يجد مرجعه عند فرويد: فالذات الواقعية، أي الفرد لا يتخذ صيغة الأنا المتمركز حول الوعي، فالذات الإنسانية لا مركز لها، إنها تتكون من بنية لا مركز لها، وبالتالي فالنزعة الإنسانية وحرية الفرد وحرية الاختيار والمسؤولية والنزعة الإرادية... كلها تعود للإيديولوجيا، أي وجود بنيات لاواعية هي التي تحدد الذات.
إن نصوص ماركس الشاب التي حاربها ألتوسير، وخصوصا مخطوطات 1844، وأراد حجبها بمفهوم القطيعة الابستمولوجية، هي النصوص التي حظيت باهتمام كبير من طرف العديد من المفكرين. فهي التي مكنت من التقاء كل من سارتر (1905-1980) وميرلوبونتي (1908-1961) بالماركسية، وهي التي نهل منها مفكرون ماركسيون، مثل لوكاش (1885-1971) وكورش (1886-1961) وماركوز (1898-1979) ولوفيفر (1901-1991)، الأدوات التي مكنتهم من إعادة الاعتبار للذات والاستلاب في الفكر الماركسي.
كان ألتوسير مطلعا على الكيفية التي استعمل من خلالها ماركسيون ألمان مؤلفات ماركس الشاب ضد لينين من أجل صياغة "تصور أخلاقي للماركسية". فإسهام ألتوسير تم في سياق فلسفي هيمن عليه إشكال علاقة ماركس بهيجل الذي انخرط في التفكير فيه لوفيفر وغارودي (1913-2012) ودوزانتي (1914-2002)، إضافة إلى المدافعين عن هيجل مثل جون وول (1888-1974) وجون هيبوليت (1907-1968) وألكساندر كوجيف (1902-1968) وغاستون فيسار (1897-1978) ومارسيل رينيي (1900-1998).
وبالرغم من تجاهل ألتوسير لهذا النقاش في كتابه "دفاعا عن ماركس"، فلقد عبر عن موقفه منه بحدة لافتة للنظر سنة 1950 في مجلة (La nouvelle critique) قائلا: "إن الدفاع عن هيجل يستهدف في الواقع مراجعة ماركس، أي تكوين ماركس جديد لإثبات خطأ الشيوعيين (...) وتعتبر العودة لهيجل نزعة تحريفية ذات طبيعة فاشستية".
لقد عبر جاك رانسيير عن المنزلقات النظرية لقراءة ألتوسير الجديدة لماركس قائلا: "كانت الماركسية التي تعلمناها في مدرسة ألتوسير هي فلسفة الخضوع التي تبعدنا كل مبادئها عن حركة التمرد التي تزعزع النظام البرجوازي (...) يمكن لماركس أن يخطئ ليأتي ألتوسير ليصحح خطأه لأنه هو على صواب، لكنه لا يمكنه القيام بذلك دون مواجهة ماركس بشكل واضح. لكن التاريخ علمه أن عليه أن يتجنب ماركس، لأن مواجهته قد تثير ما لا يمكن تحمُله، وهذا ما يفسر هروبه إلى الأمام. فمن الأفضل له أن يتحدث عن غرامشي عوض الحديث عن ماركس، والحديث عن لوكاش عوض الحديث عن غرامشي، والحديث عن غارودي عوض الحديث عن لوكاش، والحديث عن جون لويس عوض الحديث عن غارودي: إنه يهرب إلى الأمام، إلى أبعد ما يمكن عن المسألة التالية: أين نحن من ماركس؟ أي أين نحن –في آخر المطاف- من الثورة؟"(12).
لم يقتنع جاك دريدا قط بفكرة ألتوسير عن القطيعة ما بين ماركس الإيديولوجي وماركس العلمي. واعتبر خطابه الفلسفي نزعة علمية جديدة ونزعة وضعية جديدة. كما لم يتفق معه في قوله بأن الإيديولوجية لا تاريخ لها، ويقول مدققا بهذا الصدد أن هدم مفهوم ميتافيزيقي عن التاريخ لا يعني عدم وجود التاريخ. فبالرغم من كل شيء حظي فكر ألتوسير بمتابعة واهتمام أهم فلاسفة فرنسا المعاصرين.
ويمكن أن نستنتج من هذه المعطيات عن بعض ورثة ماركس أهمية الصراعات والرهانات واختلاف قراءة المرجع الأصلي، مما يوضح أن الأمر لا يتعلق بعلم وقوانينه، وإنما بفلسفة وإيديولوجية وممارسة ثورية سياسية ونقابية، إضافة إلى اختلاف المجتمعات والظرفيات والمرجعيات الفلسفية والثقافية، ولعل امتلاك تصور مكتمل إلى حد ما عن اختلافات ورثة ماركس لن يتم إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار ورثة آخرين لهم مكانة هامة وخاصة في تاريخ الفكر الماركسي والنضال الثوري مثل: كاوتسكي (1854-1938)، روزا لوكسمبورغ (1871-1919)، إرنست بلوخ (1885-1977)، غرامشي (1891-1937)، أنطونيو لابريولا (1843-1904)، إدوارد برنشتين ( 1850-1932)، أوتو باور (1881-1938)(9)، الماركسي الأمريكي دانييل دو ليون Daniel De Léon (1852-1914)، الماركسي الياباني سين كاتاياما Sen Katayama (1859-1953)، الماركسي الأندونيسي ذو الأصل الهولندي هنك سنيفلييت Henk Sneevliet (1883-1942)...
وكل هذه الإسهامات النظرية، والمجادلات السياسية والانتقادات باسم العلم أو الفلسفة أو الإيديولوجية أو التاريخ أو العدالة هي انتقادات تطرح دوما مسألة راهنية فكر ماركس. فكل مفكر ماركسي، وكل تيار ماركسي، وكل عملية انشقاق عن حزب سياسي ينتمي للماركسية، وكل مراجعة لفكر ماركس... كل هذه العمليات المختلفة هي أدلة على راهنية فكر ماركس وعلى العمل الدؤوب الذي ما انفك يُنجز هنا وهناك، وفي الظروف الصعبة والعادية، إبان الحروب والسلم، لملائمة هذا الفكر مع الإشكالات والوقائع الجديدة، وللإجابة على الأسئلة التي تطرحا الممارسة والفشل في التطبيق وفي الإنتاج النظري. فأي فكر عرف هذا الزخم من المراجعات والنقد والانشقاقات والحروب الطاحنة والانتصارات الجزئية والأحلام الإنسانية الكبرى التي تسمى طوباوية مثل فكر ماركس؟

ماركس الآن وغدا:

لا تعني راهنية ماركس الاهتمام به أكاديميا، فحسب كارل كورش: "لا تمثل الماركسية بالنسبة لأساتذة الفلسفة في أحسن الحالات إلا قسما فرعيا وثانويا في فصل عن تاريخ الفلسفة في القرن العشرين، يتم الاطلاع عليه تحت عنوان فرعي هو "تفكك المدرسة الهيجلية". والغريب أن الماركسيين أنفسهم، ولأسباب مختلفة عن تلك التي تقف وراء تصرف أساتذة الفلسفة غير الماركسيين، لا يعيرون أية قيمة للمكون الفلسفي لنظريتهم"(13).
إن راهنية ماركس تنتشر كالهواء في سماء عصرنا من خلال تحويل تصورات ماركس إلى قضايا مرتبطة به ومنفصلة عنه في نفس الوقت، ومن بين هذه القضايا: استغلال الإنسان للإنسان، المنافسة المتوحشة، الجيش الاحتياطي للعمال، مراكمة فائض القيمة، صراع الطبقات، زيف الإيديولوجية، أزمات وتناقضات الرأسمالية، ديكتاتورية البروليتاريا، عدم حتمية الدولة...
لقد مكن ماركس جميع ماركسيي العالم، من أن يصبحوا حركة اجتماعية تاريخية. لقد صار ماركس نوعا من الأبوة الإيديولوجية التي تجاوزته هو شخصيا لتذوب في حركة اجتماعية ونقابية وثقافية أفقها العدالة الاجتماعية. ومن جهة أخرى، لا تزال الماركسية هي النقد الوحيد المقنع الذي عرفه التاريخ لحد الآن للرأسمالية. وإذا أضفنا إلى كل ذلك التجديد الماركسي المستمر نظريا وسياسيا، فسنستنتج أن فكر ماركس يكتسب غناه من تجاوزه المستمر دون القطع معه، لأنه يتضمن ما هو أساسي للتصدي للرأسمالية.


هوامش:

1)
J. Derrida, Friendship politics, in Althusserian legacy, verso, Londres, 1989
2)
Daniel Bensaid, Althusser et le mystère de la rencontre, http://www.marxau21.fr
3)
Isabelle Garo, L’infâme dialectique: le rejet de la dialectique dans la philosophie française de la seconde moitié du 20e siècle, http://www.marxau21.fr
4)
Gilles Deleuze, Pourparlers. Paris : Éd. de Minuit, 1990, p. 7 et p. 232.
5)
Gilles Deleuze & Félix Guattari, Qu’est-ce que la philosophie ?. Paris : Éd. de Minuit, 1991, p. 104.
6)
Gilles Deleuze, Pourparlers. Paris : Éd. de Minuit, 1990, p. 14
7) أنظر مقدمة كتاب إزابيل غارو:
Isabelle Garo, Foucault, Deleuze, Althusser et Marx, 2011, Démopolis.
8)
ماركس، رسالة إلى J. Weydemeyer . بتاريخ 05 مارس 1852.
9)
يعتبر أتو باور Otto Bauer أحد ابرز الشخصيات الماركسية النمساوية إلى جانب ماكس أدلر وفيكتور أدلر وكارل رينر ورودلف هيلفردنغ. ولقد أثرت هذه الماركسية المتميزة على الشيوعية الأوروبية واليسار الجديد الأوربي، واشتهر أوتو باور بأطروحة "المبدأ الشخصي" الذي هو وسيلة لجمع أعضاء أمة واحدة مشتتين جغرافيا اعتمادا على التعاون بين الأشخاص وليس من خلال هيآت إقليمية، أي فصل مفهوم الأمة عن مفهوم الأرض والإقليم، جاعلا من الأمة رابطة غير إقليمية، ولقد تم تبني هذا "المبدأ الشخصي الماركسي" من طرف حركات سياسية مثل اليهود اليساريين المؤيدين لحل الدولة الواحدة في فلسطين والاتحاد الديمقراطي للمجريين الرومان.
10)
Louis Althusser, Problèmes étudiants, in La nouvelle critique, janvier, 1964
11)
Louis Althusser, L’avenir dure longtemps, p 527.
12)
Jacques Rancière, La leçon, d’Althusser.
13)
Karl Korsch, Marxisme et philosophie, Ed. Allia, 2012, p. 15-16.