عن أسطورة الملكية و السوق الحر


أحمد العروبي
2016 / 10 / 15 - 10:43     

تظاهرات في تونس ضد قرار يخص رواتب العاملين في القطاع العام بسبب قرض النقد الدولي .

المذهل بالنسبة لي في خبر مثل هذا هو عدد الموظفين حيث بلغ 800 الف موظف و هو ما يوجد موظف تونسي لكل 12.5 مواطن و هي نسبة قريبة من نسبة مصر حيث تبلغ موظف لكل 15 مواطن , كذلك يوجد لنا ما نسبته 21% من نسبة التوظيف في القطاع العام مقابل 25% في مصر .

إضافه إلي أعدادهم فنسبة تغيب الموظفين التونسين عن العمل فلكية و نسبة تغيبهم ذهنيا كذلك حتي لو حضروا جسديا فلكية
الموظف التونسي العظيم يمارس الفساد أيضا مثل أخوه المصري و لا يجد مشكلة في ذلك حيث يدفع ما يقارب ثلث المتعاملين مع الموظف الحكومي رشوه , و يقدر الوقت الذي يشتغله الموظف التونسي في يوم العمل الواحد ب8 دقائق .

السؤال كيف وصلت تونس لهذة المرحله دون أن يحكمها أي شئ له علاقه بالإشتراكية ؟؟؟؟

عموما تونس ليست وحيده فمعها المغرب و هي تعيش في ظل نموذج يعتبره البعض هو الحل لمشاكلنا في مصر حيث بها ديمقرايطة - بها ملكية - بها إستمرارية تاريخية في نظام الحكم - قريبه جدا جغرافيا من أوروبا - بها إسلام سياسي يعرف حدوده - لا يوجد بها عسكر - لا يوجد بها يسار قوي – أي أنه لا يوجد بها أي شئ يراه البعض أنه السبب في مشاكل دولة مثل مصر .

إلا إنه مع ذلك بها نسبة فساد محترمه تجعلها في نفس مركز مصر في مؤشر مدركات الفساد بفضل جهازها الإداري الفاسد , يضاف علي ذلك شك دائم من المواطنون في أي عملية إنتخابيه مهما قالت المنظمات الدولية أنها نزيهه !!!!! كذلك يرون أنه لا يوجد أي تغير يحصل مهما تجددت الإنتخابات , مضاف علي ذلك فنصيب هذا البلد من الإرهابيين عالي جدا و لا ينافسه فيها إلا تونس حيث الحكم الليبرالي طوال عقود دون يسار و دون عسكر و دون اي شئ .

يري البعض برؤيه فيها الكثير من الإيمان الديني أن الملكية حل في ذاتها و أن السوق الحر أيضا حل في ذاته و بالتالي أي شئ أخر سيتسبب فيما يحدث لمصر بفضل التحول الذي حصل فيها في بداية الخمسينات و لكن ما نلاحظه أن هذا خاطئ و هنا نذكر ترتيب نسبة الإشتغال في الجهاز الحكومي .

ترتيب نسبة الإشغال في الجهاز الحكومي تعتبر نموذج رائع يثبت أن الاجهزه الحكومية يزيد عدد الموظفين فيها بشكل جنوني و غبي تحت أنظم لا علاقه واضحه فيها مع الإقتصاد المخطط مركزيا رغم حاجة هذا النوع من الإقتصاد لجهاز حكومي ضحم .

نسبة التشغيل في جهازنا الحكومي المصري 25% كما أسلفنا و هي في الواقع زادت كثيرا في أكثر عصور مصر ليبراليه أي عصر الخصخصه المبالغ فيها و تلاها عصر الديمقراطية بعد 25 يناير ثورة التوظيف في الجهاز العام .

يسبقنا علي المستوي العربي دولة ملكية هي الاردن بنسبة تشغيل فلكية تبلغ 40% و هي نسبة مذهله علي مستوي العالم
الدول العربيه الاخري نسبها كالتالي
السعودية 38% - فلسطين حيث لادولة حقيقيه لكن هناك سلطة ما 32%
الجزائر 31% - العراق 30% (جزء ضخم منها بعد الديمقراطية العظيمه)
الكويت 26% - سوريا (إقتصاد مخطط مركزيا 21%) - قطر 20%
الإمرات 19% - المغرب 14%

هناك دول أخري خارج منطقتنا قطاعها العام كبير أيضا
الصين تمشي علي إقتصاد مخطط مركزيا نسبة تشغيل القطاع العام فيها 29%
دول أخري لم تكن في تاريخها إلا دول إقتصاد سوق حر لكن مع ذلك جهازها الحكومي له نسبة محترمة تشبه النسب العربية
تركيا 15% - إسبانيا 22% - بولندا بعد الإنفتاح الان 23%

ما يذهل أن دول منفتحه طوال تاريخها لا تترك مهمة التوظيف علي عاتق القطاع الخاص و تقوم هي بالتوظيف , و لا أعرف لما دول كالسعودية و الجزائر و العراق و الاردن نسبها تفوق دولة ضخمه تشارك في قيادة العالم إقتصاديا بإقتصاد عملاق مخطط مركزيا كالصين .

بعيدا عن هذا ما يجب قوله أن القطاع العام الصيني أكبر من المصري مع ذلك ناجح بشده علي مستوي العالم , الصين بها إقتصاد موجه أكثر من مصر بكثير مع ذلك القطاع الخاص الصيني هو الخطر الاكبر علي القطاع الخاص في أكثر دول العالم تقدما , الصين أيضا بها حزب شيوعي صرف يحكم بالفعل الان بينما مصر لم تحكم يوما بحزب شيوعي و لم تكن قريبه من السوفيتي إلا ل15 سنه فقط في تاريخها كلها في عهد عبد الناصر .

الواضح كما أقول دائما العيب لم يكن يوما في القطاع العام بل في إدارته و موظفيه و ليس فيه هو نفسه فهو قاد التقدم في مصر في مرحلتي علي و عبد الناصر , كذلك ليست المشكلة في الملكية أو الجمهورية أو في إقتصاد السوق الحر أو الإقتصاد المخطط مركزيا أو إقتصاد السوق الإشتراكي , المشكلة في الغالب مشكلة موهبة و النظام وظيفته دائما توجيه مجموع المواهب لهدف معين لكنه يستحيل عليه خلقها .

و لذلك تبقي مشكلة القطاع الخاص لدينا مشكلة ذاتيه لا أكثر
القطاع الخاص لدينا لو كان قادر علي فرض نفسه لما تدخلت الدولة أكثر من مره إما في إستيعاب البطالة أو في إستيراد السلع الإستراتيجية أو حتي في التصنيع و الزراعه .
القطاع الخاص الصيني يبقي النموذج الابرز علي ما نقول فهو سحق عن بكرة أبيه في ظل الماوية لكن بمجرد إتاحه الفرصة قليلا له بعد الفتره الماوية اصبح ينافس القطاع الخاص في أكثر الدول تقدما .
أي أنه إنبعث حرفيا من الرماد و اصبح مساهم في تعاظم القوة الإقتصادية الصينيه بينما لدينا هو لا ينافس و يفشل دائما علي طريقة فشل أحزابنا و للمصادفه كثيرا ما أجد صفات جوهرية مشتركة بينهما كلها ترتبط بإدعائات شبه دينيه تسبب فشلهم الكارثي علي الدولة و لا غيرها .