جرد حساب فكري _في كتاب الإسلام والماركسية , للكاتب ذياب مهدي أل غلام ح1


عباس علي العلي
2016 / 10 / 11 - 22:13     

جرد حساب فكري

في قراءة متأنية ومستوعبة لكل الأفكار والأراء التي طرحها الكاتب يمكننا أن نجري حسابا دقيقا ومنصفا يبين لنا خلاصة محايدة وتجريدية تماما عن جوهر الفكرة والرؤية التي يطرحها السيد ذياب مهدي أل غلام، هنا يمكننا أن نؤشر جملة من النقاط أظن أنها تستوعي قيمة المكتوب والرسالة التي أراد أن يوصلها كشكل وكمضمون وكهدف للقارئ، قد يجد أخرون أهداف وقراءات أعمق مما يمكن تسطيره أو أكتشافي من القراءة وهذا محتمل ووارد فالأمر يتعلق بالزوايا والمنحنيات التي نقرأ من خلالها.
ولكن هذا لا يعني أنني أجمل كل القضية التي أثارتها أفكار الكتاب بما يتسر لي من ملاحظات قد تكون نقدية أو توضيحية أو أحيانا تشخصية لحالة خلل فكري أصابت منظومة الفكر الماركسي وما يمكن أن يسجل عليه كمأخذ عملية ومن خلال التجربة ومن خلال فهمنا للمعرفة الإنسانية كونها أرث تاريخي مشترك لكل الإنسانية.
أولا من ناحية المضمون أعتقد جازما أن السيد ذياب مارس نقدا مزدوجا وصريحا وبدون مجاملة محاكما بذلك ما يمكن أن يوصف بأنه أنتكاسات الفكرة، وأخفاق التجربة سواء أكانت تجربة الفكرة الماركسية ذاتها أو تجربة الدين والتدين والخلط بين الفكرة ومتطلبات النضال والعمل من أجل تجسيدها، وأظن جازما أيضا أن الفكرة أي فكرة حية تمتلك بعدا عميقا في حركيتها الذاتية ستقتل حينما نحولها ونختصرها في تجربة أو مجموعة تجارب على أنها هي حقيقة الفكرة.
الماركسية النظرية والمفتاح الفكري الذي تمتلكه كما كان الإسلام لحظة ولادة رؤية يمكنها أن تعبر بالإنسان إلى راهنية متطورة من الفهم ومن الممارسة بأعتماد العقل كقارئ وكمسترشد، قتلت الفكرتان معا وبنفس الطريقة حينما حولنا مفردات المنهج الفكري إلى حقائق يجب أن تبسط واقعا ويجب أن تقحم في الحياة حتى لو لم يكن هناك واقع ملائم يربط بين الفكرة وبين الممارسة.
عندما يقول النص الديني أن الله واحد أحد وأن الدين من عند الله ويضيف أن الحق في تناول هذه الفكرة والإيمان بها خيار حر للإنسان، ستتحول على يد كهنوتي وكما يسميه الكاتب المتنبئ الجديد إلى قانون لا يقبل النقاش بأن الله المقصود هو إلهه الخاص وأن الدين المشار له هو دينه الخاص وأن مفهوم الخيار هو خياره الذي يختاره للناس، ماتت الفكرة وأنتقل الدين من دائرة العقل إلى دائرة القوة السلطة وبذلك أنشأنا صورة موازية للدين وليست هي الدين بعينه.
أيضا في الماركسية عندما تقول النظرية أن العامل الأقتصادي هو العامل الحاسم في تحديد وتجديد وتطور المراحل الأجتماعية والتبدلات الكونية التي تصيب المجتمع الإنساني، من خلال تغير نظم وقوانين وطرائق الأنتاج فإنها تؤكد على لا نهائية التطور عكس ما يبشر به الماركسيون من أن المشاعية الأقتصادية المتراكمة من تجارب الأشتراكية هي المرحلة النهائية للتطور الأجتماعي والسياسي والثقافي في المجتمعات.
أذن العملية النقدية المزدوجة التي مارسها بحرفية العالم بالأحوال والمطلع على تفاصيل العمل الحزبي والواقع الديني، تأت لترجم حقيقة أن الرجل كان واعيا لما يقول بمعنى أنه لم ينظر للواقع من برج عاجي كبقية المنظرين الثوريين الذين ينظرون للطبقة الكادحة وهم يرفلون بواقع أخر، الرجل كماركسي قال بلا تردد ولا مجاراة لأحد أن التجربة الماركسية قتلت الفكرة حين لم يفهم القائد الماركسي أن النظرية تبقى مجرد لحظة أشعاع عقلي تشبع العقل بروح علمية ليترجم العقل ما يلتقطه من أشارات وفهم كامل لينزل للواقع، دون أن يجعل الفكرة دفتر حساب ولا منهج قراءة يجب أن يطبق بحذافيره لأنه بالأول والأخر هو فكر بشري قابل لكل الأحتمالات كما هو قابل للنجاح والفشل.
القضية الأخرى التي يمكن تأشيرها لجهد الكاتب هو محاولته الجادة لقراءة التاريخ من خلال مقارنة واعية بين فكرتين يبدو لأول وهلة أنهما من عالمين مختلفين، الماركسية كونها نتاج الفكر المادي بعنوانها النظري المجرد الذي لا ينكر الحقائق الواقعية كما هي ولكنه يمارس عليها فهم قانوني ويخضعها للمنطق المادي الجدلي، فقط من لا يعرف الماركسية بجوهرها يظن أنها تعادي الدين وتنتقص من وجوده المثالي والروحي في المجتمع، فدور الدين لا يمكن تجاوزه إلا إذا أمنا أن الإنسان الجديد المستهدف من النظرية إنسان أحادي الصورة ومادي لا يمكن أن ينفعل ويتفاعل مع حقيقة أن الحياة والوجود هو مزيج متعدد ومتلون من وقائع وقضايا وتشكيلات.
العلة التي وقع فيها الماركسيون أنهم جعلوا الماركسية دينهم أو كما يقول الكاتب جعلوا منها عقيدة متحجرة في حدود نهائية النظرية، وهذا الداء هو نفس المصيبة التي وقع فيها الإسلاميون حينما جعلوا من فكرتهم عن الإسلام مجرد أيديلوجية حاكمة دون أن يكون الإسلام مهيأ أساسا أن يتحول إلى نظرية أيديلوجية حاكمة، هذا التشابه في التحول والتغيير سبب أنحراف التجربة في كلا الفكرتين والرؤيتين بالرغم من أختلاف الأليات والدوافع والمناهج ولكن العلة والسبب كان واحد وهو الذي دفع الكاتب بدراسة هذه المقارنة وحاول بها في مقاربة فريدة أن يقول أن الإنسان مبدع الأفكار هو في الأخر من يقتلها بخطيئته الأنانية.