جدل الحريّة و الضرورة - 2


علي عامر
2016 / 10 / 11 - 13:07     

جدل الحريّة والضرورة – 2

يقول انجلس في كتابه "ضد دوهرنغ" :" إنّ هيجل أوّل من تفهّم بشكل صحيح العلاقة بين الحريّة والضرورة . فالحريّة بنظره هي معرفة الضرورة . "إنّ الضرورة عمياء مادامت غير مفهومة" . فليس في الإستقلال الموهوم عن قوانين الطبيعة تتجسّد الحريّة, بل في معرفة هذه القوانين وفي الإمكانيّة المرتكزة على هذه المعرفة لإجبار قوانين الطبيعة بصورة منهاجية على أنْ تفعل فعلها من أجل أهداف معيّنة. وهذا ينطبق سواء على قوانين الطبيعة الخارجيّة , أم على القوانين التي توجّه الوجود الجسدي والروحي للإنسان نفسه , وهاتان فئتان من القوانين نستطيع أن نفصل إحداهما عن الأخرى في تصوّرنا فقط , ولا نستيطع فصلهما في الواقع أبداً.
وبالتالي لا تعني حريّة الإرادة سوى القدرة على اتخاذ القرارات عن معرفة بالأمر (يقصد قرارات واعية) . وهكذا , كلما كانت محاكمة الانسان بصدد مسألة ما أوفر حريّة , كلما تقرر مضمون هذه المحاكمة بقدر أوفر من الضرورة... إنّ الحريّة تتجسّد في السيادة على أنفسنا بالذات وعلى الطبيعة الخارجية , هذه السيادة المرتكزة على معرفة ضرورات الطبيعة ".

سأورد هنا ملخصاً لملاحظات لينين عن نص انجلس أعلاه , تلك الملاحظات التي وردت في كتاب لينين "الماديّة والمذهب النقدي التجريبي – من فصل الحريّة والضرورة":

{كل ما هو بين مزدوجين , منقول حرفياً عن لينين}

أولاً:
"يعترف انجلس منذ بادئ بدء محاكماته بقوانين الطبيعة , بقوانين الطبيعة الخارجيّة , بضرورة الطبيعة".
والقصد هنا الاعتراف بالقوانين الموضوعية المستقلة للكون والطبيعة والمجتمع , وهي قوانين موجودة موضوعياً باستقلال عن وعي الانسان بها أم عدم وعيه بها.

ثانياً:
"إنّ انجلس لا يعمد إلى تلفيق "تعريفات" للحريّة والضرورة , من نوع تلك التعريفات السكولاستيّة (المدرسية) التي تشغل , أكثر ما تشغل , بال البروفسورات الرجعيين" ...
" فإنّ انجلس يأخذ معرفة الانسان وإرادته من جهة , وضرورة الطبيعة من جهة أخرى , وعوضاً عن أي تعريف , يقول ببساطة أنّ ضرورة الطبيعة هي الأولى وإنّ إرادة الانسان ووعيه هما الثانوي . وينبغي لهذين الأخيرين حتماً ولزاماً أن يتكيّفا للأولى" .
فالنقطة الأولى هنا , أنّ انجلس لم يعمد إلى تعريف الحريّة والضرورة , بل إلى تحديد العلاقة بينهما , فكل واحدة تُعرف من الأخرى وتُدرك بها , وفي هذا انسجام مع الطريقة الديالكتيكيّة التي ترفض التعريفات و تفضّل التحديدات .
ثم يؤكد انجلس على مبدأ جوهري في الماديّة , وهو أسبقية الطبيعة-الواقع على الفكر-الوعي .
وحين يقول لينين , أنّ إرادة الانسان ووعيه يجب أن تتكيّف مع الطبيعة , فهو لا يقصد التكيّف السلبي بمعنى الرضوخ والخضوع , بل يقصد ذاك التكيّف الذي ينفذ من ظاهر أو سطح الطبيعة إلى جوفها النابض بالتناقض والصيرورة , فجوهر المادة الحركة كما هو بديهي .
والوعي المتكيّف مع الطبيعة , هو ذاك الوعي الذي يدرك الطبيعة في حركتها وصيرورتها وتفاعلها وتطوّرها .


يتبع ...