تقديم وتوطئة ومدخل ضروري لكتاب الماركسية والإسلام _ذياب مهدي غلام


عباس علي العلي
2016 / 10 / 10 - 21:52     

تقديم وتوطئة ومدخل ضروري لكتاب الماركسية والإسلام

في أي محاولة لدراسة النظر الفكري الإنساني مهما كانت طبيعة الدافع أو علية التوجه للدراسة علينا أن ننتبه لقضيتين مهمتين هما، أن الفكر الإنساني فكر لا نهائي بمعنى أنه مهما نال من درجة النضج والواقعية في القراءة والمعالجة يبقى قابلا بالقوة على التطور والتبدل والتحديث بأستمرار أو الأنزواء في دائرة النسيان والإهمال، وثانيا أن طبيعة الإنسان ككائن منتج وناقل ومطور للمعرفة هو الأخر كائن قابل للتغيير والتطور والتبدل تبعا للعوامل والمسببات الما حولية أو الذاتية، وبالتالي فلا يمكن أن نجزم بأي صورة أن هناك مثالية ما في حدود الوصف لأي فكر ولأي نظرية، ما عدا ما يعتقده البعض الكثير من مؤيدي الفكر الديني من أن فكر الدين هو فكر واقف عند نهاية الحقيقة.
الدراسة التي أقدم لها هنا هي محاولة جادة لمراجعة ونقدية لموقفين متعارضين على صعيد فهم أنصارهما، في الوقت الذي يتبنى كل منهم موقف نهائي من الفكرة والنظرية التي ينتمي لها على أنها الخلاصة الكاملة للحقيقة كما هي، في ظل غياب الحس النقدي الواقعي والمراجعة الفكرية التاريخية لكل من نظرية ماركس أو فكرة الدين المتمثل تحديدا بالإسلام، تكشف لنا أن الواقع العقلي والمنطقي لا ينحاز إلا لقضية أهم وهي قابلية الواقع لأن تتزاحم فيه الأفكار وتتكامل وتنضج من خلال الحوار العقلي ومن خلا تطبيقات الواقع.
فهل نجح صديقي الكاتب الذي تجمعني فيه مشتركات وتناقضات في الرأي وفي القراءة والنظرة العامة للكثير من مفردات المعرفة، فكلانا يملك حسا فكريا ناميا ومنتميا لواقع وجدنا عليه أنفسنا تلاميذ بالقدرة للفكر الديني، بقراءة قد أقول أكثر يسارية من المتعاط به وأقل تزمتا من وجوب الخضوع لحاكمية التأويل والتفسير والتبرير، لذا فنحن محكومين أساسا بالتحرر من لزومية المتابعة الفقهية الروائية التأريخية، وحتى طاعنين في مقدرة هذا المنهج الكهنوتي من أن يكشف للإنسان حقيقة موقعه في الوجود ومع الدين أيضا.
كلانا يؤمن بأن الإسلام كفكر بعيدا عن البحث عن مصدريته أو حقيقة المنشأ جاء كفكر عام ليعيد التوازن للنظام العقلي الإنساني، ويضع البشر على طريق التفكر والتبدل وتفعيل قدرته الذاتية ليكون دليلا في الوجود لأكتشاف أهم ما يربط الإنسان بوجوده وهو الوعي بالوعي الإيجابي وأتاحة الفرصة لترويض الوجود من أجل إقامة نظام عادل متوازن ديناميكي يحفظ للوجود قيمته ويحقق للإنسان هدفيه ومشروعية بقاءه.
من هنا فقد تكون قراءتي لما يكتبه صديقي ذياب مهدي أل غلام قراءة للنفس وللمعنى المشترك، وقد أنحاز له في بيان فكرته التي تتجلى في قراءة نقدية لكل الأفكار والرؤى التي تحاول أن تتبنى موقف وزعم متطرف، ينص على أن ما نملك من حقيقة هي الحقيقة الواقفة في المنتهى، الإسلاميون بالعموم يعتقدون نتيجة الترويج المستمر لمقولة فردية أن (الدين أفيون الشعوب) يسلكون موقف المعارض والخصم في صراع دائم بينهم وبين الماركسية، مهملين الجوانب الأهم والأقدر على الجمع والتقرب من الفكرة والنظرية الماركسية وفهما بقراءة نقدية تشخيصية وتفاعلية، بزعم أن معاداة الماركسية للدين ورفضها المسبق لوجوده مانع عقلي يحول دون ذلك.
الماركسيون السلفيون الذين وقفوا عند البوابة التي فتحها ماركس للعقل البشري، والتي أشار فيها إلى حقيقة العوامل المادية والتاريخية التي تؤثر في حركة الإنسان في الوجود من أنها عوامل بشرية محضة، هم لم يلاحظوا حقيقة الفكرة الماركسية بأبعادها وعمقها الفكري الذي يعني أن الفكر ليس له نهاية بل هو دائما يفتح بدايات متواصلة، هذا يعني أن الرجل أشار إلى بداية الطريق وحقق بذلك خرقا مهما في الفكر التقليدي الذي ترجع جميع حركات الوجود والإنسان لمفاعلات وتفاعلات غيبية، هؤلاء الماركسيون وقفوا من الدين عموما ومن الإسلام موقف الرافض بقسوة حتى دون الولوج في حوار عقلاني معه، لمجرد أن الدين يرتبط بعوالم غيبية في النشأة أو الصورة المأخوذة عنه، ودون أن يحاول الماركسي السلفي قراءة عمق الفكرة الدينية ويحاول أن يستثمرها كما يقول الكاتب في توظيف فلسفي وعلمي في الصراع بين الإنسان وقوة رأس المال والزج بها في هذا الصراع.
العقل والمنطق يقول أن الحوار الفكري والتواصل بين الأفكار وحتى المتناقضة هو من يصنع الثراء ويحسن طرق التحديث والتجديد، المقاطعة والتعارض القائم على نفي حقيقة الأخر لا يؤدي إلا إلى مزيد من التأزم ومزيد من التشابك الذي يزيد من عوامل وفرص الأهتزاز في الواقع الأجتماعي المختل أصلا، من حق الأفكار أن تدافع عن نفسها ومن حق الأخرين أيضا أن يبينوا ما لديهم من حجج وأفكار مقابلة، أما الوصم بنهائية الفكرة أو وصفها بكونها خارج مسارات العقل العلمي التأريخي أظن أن فيها مس أساسي في عقلية من أطلقها، وتشويه أكيد لوظيفة ودور الفكر في عالمية الإنسان وأممية العقل الواحد.
هنا لا بد أن أسجل لصديقي الكاتب ذياب مهدي أل غلام جرأته في تناول موضوع قد يراه الأخرون مجرد ترف فكري، في عالم نسي الأيديولوجيا والأفكار النظرية وأنخراطة في عولمة مادية تسحق كل شيء أمامها، إلا أهداف من يسوقها ويراعها في عالم مخملي بعيد عن الأنظار والأضواء، نعم قد يكون هذا الرأي حقيقيا، ولكن كما مرت موجات فكرية بعالمنا الملي بالدهشة سيكون لهذه المحاولة حظ من المتابعة وإعادة نقد الذات الفكرية التي أوصلتنا لنكون عبيد لواقع عولمي بعد أن كنا عبيدا للرأسمالية وأدواتها.