ثورات بوليفيا


مجدي الجزولي
2005 / 12 / 27 - 15:51     

أوردت في كلمات سابقة بخصوص اليسار الجذري شيئاً من خبر تشيلي ورئيسها الشهيد سالفادور أليندي، كما جئت على ذكر إرهاب الدولة الذي مارسته وما زالت الولايات المتحدة على بلدان أميركا اللاتينية، بجانب جرائمها في الهند الصينية. الشاهد أن التاريخ لا يمضي كما يشاء الجبابرة وأن ديالكتيكاً ثورياً يفعل فعله في كل مرة فتنضج قوى كانت خائرة وتخرج أخرى إلى الوجود بينما تندثر غيرها. لذلك يظل التأكيد أن سقوط هرم اليسار السوفييتي لا يضر قضية الطبقة في شئ، بل تتراكم دروس وتتحرر إرادات كانت تأسرها شروط مضادة من بينها عنت الجمود.

بما أن الواقع أصدق إخباراً من التنظير فلنا أن نأخذ الدرس في التجديد الماركسي أولاً من فعل الثورة وليس فقط فقه الثورة ما دام الهدف هو تغيير العالم وليس مجرد تفسيره، وتلك نباهة فطرية إختص بها المضطهدون دوماً فشنوا ثوراتهم وهباتهم دون تردد ووجل. حال بلدان عدة في أميركا اللاتينية يؤكد ما ذهبت إليه، وفي قيادتها كوبا التي ظلت عبر سنين تتطاول عصية عنيدة على إمبريالية الولايات المتحدة ومؤامراتها، وما رجع ذلك فقط إلى ديكتاتورية كاسترو. الحقيقة أن أميركا اللاتينية تمثل المعقل الأول لمقاومة الليبرالية الجديدة، فمنذ ثورة الزاباتيستا المسلحة عقب توقيع إتفاقية النافتا عام 1994 (مثيلتها الافريقية النيباد) نجحت حركات شعبية مكونة غالباً من الفلاحين الريفيين وعمال المدن والعاطلين عن العمل وعمال القطاع غير الرسمي في عزل 11 رئيس أميركي لاتيني من مناصبهم قبل نهاية فترات حكمهم عبر العمل الجماهيري الديمقراطي وليس من خلال الوسيلة التقليدية في القارة أي انقلابات عسكرية تدعمها الولايات المتحدة؛ في محل قوى اليمين المسنودة أميركياً صعدت إلى القيادة السياسية تيارات اليسار ويسار الوسط: شافيز في فنزويلا، كيرشنر في الأرجنتين ولولا دا سيلفا في البرازيل، وسقط غير مأسوف عليهم سانشيز دو لوسادا وميزا في بوليفيا ولوسيو غوتيريز في الإكوادور، بالإضافة إلى ذلك نجح شافيز فنزويلا في دحر القوى الانقلابية الحليفة للولايات المتحدة في عام 2002 وحقق انتقالاً ثورياً من موقع الوطنية الديمقراطية إلى "مكاجرة" معلنة للرأسمالية في تحالف استراتيجي مع كوبا (صادر، 2005). علة ثورات القارة سهل شرحها، فقد مثلت أميركا الجنوبية منذ الثمانينات معمل التجريب المفضل لسياسات الليبرالية الجديدة، حيث طبق ديكتاتور تشيلي بينوشيه حزمة نصائح مدرسة شيكاغو الاقتصادية قبل أن تصبح كتاب العولمة المنزّل على يدي حلف تاتشر-ريغان، كما فرض حاكم بوليفيا السابق باز استنسورو على مواطنيه سياسة "العلاج بالصدمة" قبل تنفيذها في دول المعسكر الاشتراكي السابق: التنمية بقيادة رأس المال الأجنبي، جذب الاستثمارات الأجنبية عبر خصخصة الصناعات والموارد الطبيعية الوطنية، تحرير الاستيراد، زيادة نسب الفائدة البنكية، خفض الصرف الحكومي على الخدمات. النتيجة كانت انهيار اقتصاديات القارة وعملاتها، المكسيك في 1994، البرازيل في 1999 و الأرجنتين في 2001، جراء المديونية الخارجية الجنونية ونسب الفائدة البنكية الأميركية العالية.

في الأسبوع الفائت نجحت القوى الشعبية في بوليفيا بعد نضال طويل ومتعرج في فرض إرادتها بفوز زعيم "الحركة نحو الاشتراكية" ايفو موراليس (46 عام) بانتخابات الرئاسة منذ الجولة الأولى حاصلاً على أكثر من 50% من أصوات الناخبين ليخلف الرئيس المؤقت إدواردو رودريغيز الذي تولى السلطة في يونيو 2005 بعد استقالة الرئيس كارلوس ميزا وسط تظاهرات طالبت بتأميم صناعة الغاز في بوليفيا (الجزيرة نت). بفوزه الجماهيري هذا يكون موراليس أول رئيس بوليفي من السكان الأصليين (الآنديز) فهو من هنود الأيمارا وتشهد سيرته على سبق في صراع السكان الاصليين من مزارعي الكوكا ضد الطبقة الحاكمة البوليفية ومن خلفها واشنطن، حيث جعلت الأخيرة من "حرب" المخدرات غطاءاً لتشييد القواعد العسكرية في القارة أجمع. الجدير بالذكر أن بوليفيا تشغل حسب تقارير الولايات المتحدة المركز الثالث في قائمة منتجي الكوكايين في العالم، والذي يتم استخلاصه من نبتة الكوكا، بعد كولومبيا وبيرو. في انتخابات 2002 حقق موراليس الموقع الثاني رغم إعلان السفير الأميركي في بوليفيا مانويل روشا أن بلاده ستمنع الدعم عن البوليفيين حال تمسكوا بمرشح كموراليس، وكان له دور بارز في المظاهرات المطالبة بتأميم قطاع الطاقة التي أطاحت بالرئيس سانشيز دو لوسادا في اكتوبر 2003، كما تم عزله من حكومة سابقة بعد مقتل ثلاثة من رجال البوليس أثناء احتجاج مزارعين محليين على إغلاق سوق للكوكا مما زاد من مصداقيته الشعبية كخارج على الطبقة السياسية الفاسدة في البلاد (بي بي سي نيوز على الإنترنت، 14.12.05). أول ما صرح به موراليس أن حركته هي "كابوس" الولايات المتحدة في المنطقة، كما وصف الرئيس الأميركي جورج بوش الثاني بالإرهابي قائلاً "الامبريالية تمارس إرهاب الدولة من خلال رفع السلاح على شعوب أميركا اللاتينية"، واعداً بدعم الرئيس الكوبي فيديل كاسترو "في نضاله ضد الامبريالية" بقوله "كنت أحلم هذه السنة بدعم نضال فيديل والشعب الكوبي ضد الامبريالية، والآن أتيحت لي الفرصة للانضمام إليه في هذا النضال سعياً إلى السلام والعدالة الاجتماعية" (الجزيرة نت).

تاريخ بوليفيا يشد فكر الثورة من كل جانب، اكتشف الاسبان في العام 1544 الفضة في جبل بوليفي فأسسوا بجواره مستعمرة موتوسي والتي أصبحت بنهاية القرن السادس عشر أكبر مركز حضري في أميركا الجنوبية بتعداد 120 ألف نسمة، ثم حافظت على موقعها عبر القرنين السابع عشر والثامن عشر. تكونت بعد موتوسي مدن استعمارية اسبانية أخرى: لا باز (1548)، كوكاشامبا (1574) وأرورو (1604). نالت البلاد استقلالها عام 1825 بعد 300 سنة من الاستعمار الاسباني، خلالها نهب المحتلون الثروات المعدنية لبوليفيا خاصة الفضة بفرض "السخرة" على السكان الأصليين من هنود الأيمارا وهم أهل أول حضارات الآنديز وبالتعاون مع المقاولين المحليين. عند إعلان الاستقلال قامت جمعية تأسيسية انعقدت في العاصمة الاستعمارية شوكيساكا بانتخاب الجنرال انتونيو خوسيه سوكر رئيساً للبلاد. في السنة التالية تم اعتماد أول دستور وطني لبوليفيا من إعداد سيمون بوليفار والذي دام عهده الذهبي أقل من خمسة أشهر أعلن فيها المساواة التامة بين المواطنين وألغى ضريبة تماثل "الدقنية" السودانية، بجانب محاولته الحد من نفوذ الكنيسة الكاثوليكية في السلطة السياسية و تنفيذه لإصلاح زراعي انتصر به للسكان الأصليين. أعقبت هذه الفترة ديكتاتوريات عسكرية متتالية وصراعات على السلطة بين انقلاب وانقلاب مضاد، فيما ظلت حدود البلاد عرضة للتغيير خاصة جراء تمدد الجارة بيرو. بسبب النزاع على الحدود الذي تفاقم بعد اكتشاف النترات في صحراء لاتاكا اندلعت حرب الباسفيك (1879 – 1883) بين بوليفيا وتشيلي والتي انتهت بهزيمة بوليفيا وفقدانها ساحلها المطل على المحيط. فقدت بوليفيا جزءاً من مناطقها الشرقية لصالح البرازيل في العام 1904 ثم معظم أراضيها في قراند شاكو بعد هزيمتها في الحرب ضد الباراغواي (1932 – 1935)، لذا فهي اليوم تشغل أقل من نصف المساحة التي زعمت عليها السيادة عند الاستقلال (مكتبة الكونغرس الأميركي على الإنترنت). منذ نهاية القرن التاسع عشر جذبت معادن بوليفيا بالذات القصدير تهافتاً استثمارياً أجنبياً تكونت من سيله ثلاث شركات طغت من ثم على الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد، في حلف جبار مع كبار ملاك الأراضي والجيش.

اليوم تعتبر بوليفيا واحدة من أفقر بلدان أميركا الجنوبية، رغم أنها أكبر منتج للقصدير في العالم، وتحتوى على أكبر مخزون للغاز الطبيعي في القارة، هذا بجانب تصدير فول الصويا ومعادن الذهب، الفضة، الزنك والرصاص. عدد سكان بوليفيا يبلغ 9 مليون نسمة، 70% من الهنود الأصليين وهي أكبر نسبة للسكان الأصليين في كافة بلدان أميركا اللاتينية (بي بي سي نيوز على الإنترنت، 15.12.2005). على هذه الخلفية يمكن ربما إدراك جذور الثورة البوليفية، فهي تجمع بين مظالم الطبقة ومظالم الإثنية والقهر القومي، كل ذلك تحت جبروت ديكتاتوريات متعاقبة واستغلال امبريالي غاشم متعدد الأوجه، مما أفرز زعزعة سياسية لا قبل لفقراء فلاحين بها؛ فقط في الفترة 1964 – 1989 تعاقب 19 رئيس على حكم بوليفيا، 13 منهم جنرالات.

القفزة الحاضرة في تاريخ بوليفيا تمثل في الواقع ثالث لحظة ثورية رئيسية في تاريخ البلاد، فالأولي كانت ثورة السكان المحليين ضد السلطات الاسبانية؛ في اغسطس 1780 قاد زعيم محلي إسمه توماس كاتاري تمرداً مسلحاً نشبت إثره سلسلة من الحركات المحلية عرفت بإسم سليل ملكية "الإنكا" خوسيه غابرييل توباك أمارو والذي ترأس التمرد رمزياً في كوسكو. بحلول 1781 كانت الثورة قد اشتعلت في أرورو ولا باز وتمكن مقاتلو الأيمارا والكيشوا من دحر جنود الإحتلال الاسباني في المناطق الريفية كافة. قبل نهاية العام أفلح قائد الفلاحين الأيمارا في لا باز توباج كاتاري في محاصرة القوات الاسبانية المتحصنة في المدينة لمدة 5 أشهر. نسبة لتخاذل الحواضر عن نصرتهم انهزم الثوار آخر الأمر، وظل الاستعمار الاسباني باقياً في بوليفيا حتى الاستقلال في 1825. الثورة البوليفية الثانية كانت عام 1952 بقيادة الحركة الوطنية الثورية وبدعم حاسم من عمال مناجم القصدير المسلحين في أرورو وبوتوسي، وطلاب وعمال مصانع مسلحين في لا باز. دامت أحداث الثورة ثلاثة أيام وكان حصادها تدمير مؤقت لطبقة كبار الملاك، تأميم المناجم، وعزل الأوليغاركية الحاكمة. بفضل ثورة 1952، وهي أول ثورة وطنية شعبية في أميركا اللاتينية بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنت مؤسسات الدولة البوليفية من السيطرة على موارد البلاد إنتاجاً وتصديراً خاصة المعادن والبترول، نموذج دام حتى انهيار سوق القصدير العالمي وفرض إعادة الهيكلة وفق الهوى الليبرالي الجديد في 1985 ما نتج عنه في طوره الأول فقط فقدان 21 ألف وظيفة (تومسون وهيلتون، 2005). الثورة الأولى كانت للفلاحين المحليين والثانية لسكان الحواضر، فنضال كل من الفئتين الاجتماعيتين إتخذ عبر تاريخ بوليفيا طريقين مستقلين نسبياً، بسبب عوامل الشك والريبة، والانتهازية في أحيان أخرى، التي طالما شابت العلاقة بين السكان الأصليين من جهة و القادة السياسيين والمثقفين التقدميين من "المستيزوس" (خليط من البيض والسكان الأصليين) من جهة أخرى. على العكس من هذا التراث التقت مصالح الفئتين في هذه الحلقة الحالية من ثورة بوليفيا، بسبب الأثر الهدام لسياسات الليبرالية الجديدة على قطاعات المجتمع كافة. القوى الشعبية التي أسقطت الرئيس سانشيز دو لوسادا في اكتوبر 2003، ثم الرئيس ميزا في يونيو 2005 حتى جاءت بموراليس في ديسمبر الحالي تشمل فلاحي الريف وعمال المدن بجانب قطاع واسع من الطبقة الوسطي تحركوا جميعهم في آن واحد وفق أهداف مشتركة أي اسقاط نظام سياسي قهري وغير تمثيلي، تحقيق السيطرة الوطنية على موارد البلاد وعقد جمعية تأسيسية يمكن عبرها إعادة ترتيب الحياة الاقتصادية والسياسية على قواعد ديمقراطية. رغم أثر النزوح الواسع من الأرياف إلى الحواضر في السنين الأخيرة إلا أن علاقات التضامن الإثنية والبروليتارية ظلت حية في نفوس أهلها، فبين متظاهري اكتوبر كان الغالبية من اعضاء روابط مدينة ال آلتو الشهيرة، وهي تجمع سكني فقير وغير منظم نبت عن العاصمة لا باز ويفوقها الآن حجماً بعدد سكان يتجاوز 800 ألف، 82% منهم من الهنود الأيمارا الأصليين. إنضم إلى هولاء الأيمارا من روابط الهضبة كثيفة السكان موناي ماتا، فيلا فكتوريا وفيلا فاطمة، وعمال المناجم ونساء السوق والطلاب والشباب العاطلين عن العمل، بجانب مزارعي الكوكا الأيمارا من الأرياف (المصدر السابق). تآزرت هذه القوى وتعاضدت من خلال اشكال تنظيمية عدة: مجتمعات الفلاحين الأيمارا الريفية، روابط الأحياء في المدن، نقابة عمال المناجم، النقابات العمالية الاقليمية وإتحادات مزارعي الكوكا، وجميعها تلعب دوراً مركزياً في الحياة اليومية لمعظم البوليفيين. كما سبق، فإن منبع الثورة الأساس كان ال آلتو، وهي أسرع تجمع حضري نمواً في أميركا اللاتينية على ارتفاع 4 ألف متر فوق سطح البحر، مطلة من عل بقرف على عاصمة البلاد لا باز. 60% من سكان ال آلتو أصغر سناً من 30 سنة، وهم في غالبهم من الفلاحين الأيمارا والكيشوا الذين لم تزعفهم الزراعة التقليدية محدودة الحجم فجاءت بهم حوادث الرأسمالية إلى المدن بحثاً عن لقمة العيش، هولاء رافقتهم تقاليد محلية راسخة في التضامن والتنظيم، تشهد عليها ثورة الأيمارا في اقليم الأوسماسيوس الذين قاموا بطرد البوليس والقضاة ورجال الإدارة الحكومية من قراهم في عام 2000 مؤسسين سلطتهم الذاتية. جمعت المصائب فلاحي الأيمارا بعمال المناجم العاطلين في ال آلتو، وهم العمود الفقري للطبقة العاملة البوليفية الذين شردتهم خصخصة المناجم في 1985 (فوينتز، 2005). هذا الخليط المتفجر من البشر ينمو بمعدل 10% في العام، ويعيش 45% منه تحت خط الفقر، 20% من هولاء في فقر مدقع يهدد البقاء البيولوجي. بإزاء ذلك أخذ أهل ال آلتو على عاتقهم تحسين ظروفهم المعيشية عبر 600 من روابط الأحياء، لكل منها مجلس تنفيذي يشكل حكومة مصغرة – سوفييتات بوليفية. حوادث اكتوبر 2003 بقيادة روابط الأحياء ومركزية العمال الاقليمية والتي انتهت بعزل الرئيس دو لوسادا كانت تطوراً هائلاً في سياسة ال آلتو حيث انتقلت بمطالب مسحوقي بوليفيا من حيز الخدمات المحلية إلى سياسة الدولة وذلك بتبنيهم المطالبة بتأميم قطاع الطاقة دافعين بالسؤال: من يجب أن يتحكم ويستفيد من موارد البلاد الشركات العابرة للحدود أم الشعب؟ بجانب مطلب تأميم الطاقة كان سكان ال آلتو قد حققوا نصراً عظيماً في حرب بوليفية أخري – الماء، وذلك بطردهم شركة السويس الفرنسية التي اشترت في أواخر التسعينات خدمات المياه في المدينة عقب خصخصة الهيئة الحكومية المختصة حسب توجيهات البنك الدولي، ثم نجح التحالف من أجل الماء والحياة في كوكاشامبا بقيادة أوسكار أوليفييرا في إجبار الحكومة البوليفية سنة 2000، بعد صراع بطولي، على إلغاء العقد الموقع مع شركة بيشتيل الأيطالية في أعقاب طرد الشركة الفرنسية، عقدت هذه القوى أي روابط الأحياء والتحالف من أجل الماء والحياة في ال آلتو أول مؤتمر وطني للدفاع عن الماء والخدمات الأساسية والحياة في الفترة 3 – 5 ديسمبر 2005 (المصدر السابق). مما يستحق الذكر أن شركة بيشتيل كانت قد فرضت زيادة هائلة في تعريفة المياة بلغت الضعف، حتى أصبح هذا البند يلتهم نصف الدخل الشهري لمعظم الأسر الفقيرة في ال آلتو أي 60 دولار أميركي. من وجهة نظر عددية تشكل حركة مزارعي الكوكا بقيادة ايفو موراليس التيار الأهم في ثورة بوليفيا، وهولاء في الغالب من السكان الأصليين الذين أجبرتهم سياسات خصخصة التعدين في الثمانينات وانهيار الزراعة التقليدية على الهجرة إلى المناطق الشرقية في البلاد والاستثمار في زراعة الكوكا، والتي اصبحت سلعة الصادر الأكثر ربحية في بوليفيا بعد انهيار سوق القصدير. صلب حركة المزارعين يتكون من إتحادات نقابية واقليمية بجانب مليشيات مسلحة للحماية الذاتية، وقد تعاظمت الحركة حتى بلغت في التسعينات 200 ألف فرد وأصبحت قوة وطنية ذات نفوذ منعت حكومة جايمي باز زامورا (1989 – 1993) وحكومة دو لوسادا الأولى (1993 – 1997) من تطبيق برامج محاربة المخدرات التي ترسمها واشنطن (تومسون وهيلتون، 2005). بإزاء اتهامات واشنطن بالإتجار بالمخدرات يقول موراليس أن نبتة الكوكا تشكل جزءاً من ثقافة الآنديز مؤكداً عزمه على تقنين زراعة هذا النبات لاستخدامه في أغراض تقليدية وأن القضاء على تجارة المخدرات لا يحتم القضاء على زراعة الكوكا، حيث تحدى واشنطن أن تقيم حلفاً حقيقياً لمحاربة المخدرات في القارة (الجزيرة نت).

لنرى في مقبل الأيام هل سيمضي موراليس على خطى حليفه الأيديولوجي هوغو شافيز في فنزويلا ويتمكن فعلاً من تأميم الغاز الطبيعي البوليفي وحماية مصالح مزارعيه أم ستقسره قوى الامبريالية وضغوطها على السير في درب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بإجهاض الثورة بعدما أخرجت أثقالها. و"العاقبة عندنا في المسرات"!

ديسمبر 2005