ضرورة فكر يساري متجدد


مازغ محمد مولود
2016 / 9 / 19 - 22:41     

مما لاشك فيه ان الثقافة المسيطرة لها القدرة على اخضاع عقلية الفرد لقيمها وتضليله على اعمق المستويات..فالتحرر الدهني يتطلب عملية غسل دماغ جدرية ..طويلة المدى.. واعادة النظر في جميع ركائز الفكر الموروثة والمستمدة من التقافة المهيمنة .كما يجب اخضاع الفكر لتحريره الى نقد مستمر وشامل..وهدا لن يتاتى الا بفكر نقيض يفكك الواقع ويتجاوزه..يكون سلاح لتحرر الداتي ويعمل على تخليص الدات من عبودية الفكر المسيطر في مجتمع شبه اقطاعي. تسود الثقافة الاستبدادية ..ثقافة تلغي حرية الفرد واستقلاليته ..فجتمع تسود فيه الاتكالية .والثقافة الفقهية. يتعلم فيها الفرد الخنوع المقرون بالاحترام والدي يولد الم الادلال..الاسرة او العائلةو المدرسة والمجتمع .تفرض على الفرد في مجتمعنا ضوابط الطاعة المشوب بسلوك الاحترام والتهديب الشكلي والخنوع .. . الفجوة بين الاعمار من شانها ان تضعف امكانية المواجهة وتقلل من احتمال التفاهم المتبادل باكثر ما تسبب في العجز الداخلي....فجتمعنا الدي يتكون اكثر من نصفه من الشباب ..تلقوا تربية تجعلهم دائما متفرجين يوكلون الشؤون العامة لمن يكبرونهم سنا ..وبهدا يتحولون الى افراد منسلخين عن مجتمعهم لا يشعرون اتجاهه بالتزام ولا يتحسسون الا بما يتعلق مباشرة بانفسهم فالشان العام في نظرهم شيء مجرد يشعرون بالعجز لتاثير فيه ..هكدا ينتج الواقع ثقافة تبريرية لا تحليلية .. ..كما ينتج انسانا عاطفيا اكثر منه فكريا ..

لايمكن فهم الاحداث والعلاقات الاجتماعية في ظل غياب وعي اجتماعي ..ودون نظرية علمية متماسكة .فما يبدو على السطح ليس له معنى ثابت الا بربطه بالعلاقات القائمة الظواهر ..ان النظرية العلمية هي السلاح الدي يمكن ان تجابه به الواقع ..السلاح الوحيد ضد التضليل والتمويه والكدب على النفس.هو الوسيلة النقدية الرافضة للياس والعجز والفشل .فالنقد هو اساس السلوك العقلاني .فالمثقف الدي يتحدد بوعيه الاجتماعي وبالدور الاجتماعي ..يبقى هو الدات القادرة على المجابهة والممارسة والتغيير .رغم ان الواقع بمجتمعنا يبدو صلبا قاسيا شائكا ..يتمثل في نقاط ضعف مستعصية متداخلة كاتمزق الاجتماعي والسياسي..الخصام السياسي الاستقطاب الطبقي الانقسامات القبيلية والعرقية ..مما يجعل الطبقة الحاكمة مدركة لدلك فتعدي هده النقاط لصالحها مما يمكنها المحافضة على مكانتها ..بل حتى الدين يتم توظيفه وتغليف السياسي بالديني والديني بالسياسي لابقاء العلاقات الاجتماعية الراهنة كما هي وان اي حديث عن التغيير يتم وفق ماترسمه وتحدده بما هو حسن وما هو سيء للمجتمع وهدا يؤمن الخضوع السياسي والاقتصادي لصالحها .فالفقر والجهل والتعاسة والمرض هو امر الهي..في ثقافة الاستبداد.

ان دراستنا لتراث والتاريخ نسجل بوضوح الصراع القائم بين السلطة والدين والسجلات والمراوغة المستمرة بينهما ..جدلية الدين والسلطة جدلية دوران فلا الدين يريد الخضوع التام للسلطة او قادر الانفصال عنها ولا السلطة راغبة في الانفكاك عن الدوران حول حماه ..والشيء الدي لا يخفى على احد ان هده الجدلية خلفت ماسي ومعارك طاحنة عبر كل مراحل التاريخ.مرة يتجلى لنا مشهد السلطة متلبسة بلبوس الدين ومرة مشهد الدين متلبس بلبوس السلطة ..وهكدا يسير الديدان بينهما دون ان يمل احدهما من مراوغة الاخر ومغازلته لاخضاعه وتطويعه ..ومادام الدين لله لا لغيره..الا ان مجانين السلطة يقدمونه للناس لخداعهم والسيطرة عليهم ..فاي دين هدا الدي لم ينفك عن مسايرة السلطة لتحقيق ماربها ؟اي دين هدا الدي يكره الناس على الانقياد الى السلطة ؟ وهل هو فعلا دين الله الدي ارتضاه لعباده كي يتطاحنوا به ومن اجله ؟فالدين سماوي الهي ليس بحاجة الى سلطة او وساطة ..فان كانت السلطة في عمقها اداة اكراه ..فان الدين لا اكراه فيه .والقيم الانسانية المطلقة التي ينادي بها الدين غير قابلة للمتاجرة . وليست بحاجة لسلطة ما كي تتمظهر من خلالها.. والانسان بينه وبين ربه هو حر ليس بحاجة لقانون سلطوي اكراهي يرغمه على الاعتقاد او ممارسة الجوهر الخالص لانسانيته التي منحه الله اياها الا وهي الحرية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .


يبدو ان الخطاب الديني الفقهي يجد الارض الخصبة داخل هدا الواقع الثقافي الجامد.. باعتباره خطاب عاطفي صرف.. فاللغة اللاهوتية التي تفسر العالم بالإرادة والتدخل الإلهيين، وصراعات الملائكة والشياطيين، وغضب الله على البشر جراء شرورهم وخطاياهم. وان الدنيا زائلة وتافهة هي ثقافة لها مايبررها.لكن تستمد متنها من القسر والجبر والاكراه . باعتبار الفقهاء منزهين عن الباطل وان ما ياتون به هو الهي...ولا شك ان هده الثقاقة محكمة جاهزة محنطة تغيب العقل وتصادره ..وعليك القبول بالسلف وبوعائه المعرفي ..وما الكتب التي تتحدث عن نكير ومنكير وعداب القبر واهوال الساعة والمشي على شعرة حادة كحد السكين الا وسيلة ارهاب ومصادرة العقل .انه يخاطب الخوف والخنوع .الدي عليه نشاء الفرد وتربى ..نجح هدا الخطاب ومن خلال سيادة الثقافة وتوغل في اوساط الشباب بشكل كبير..ولعل العجز من خلال تخلفنا الكبير عن الركب العلمي ساهم اكثر في انتاج خطاب فقهي رجعي.ليس لنا مانتفوق به ونساهم انسانيا او نناضل من اجل تحقيقه سواء ان نعلن اننا اهل اخرة ولسنا اهل دنيا ...وان وجودنا في هده الحياة مجرد عابرين..اما الحياة الاخرى فهي الباقية ولنا فيها مكانة الصدارة .. هكدا نبدو مضللين .

اعتقد ان التحديات كبرى امامنافي ظل واقع متفكك..تحديات فكرية عميقة في نفس مستوى التطلعات.اي ..امكانية الرصد الدقيق للواقع وللقوانين التي تضبط السيرورة التي انتجته..وفي نفس الوقت استشفاف الاتجاه او الاتجاهات التي يصب فيها هدا الواقع ..ودلك من اجل هيكلته على شكل مغاير مستقبلا وعلى الامد المتوسط والبعيد ..اننا نضع اصابعنا على ضرورة انتاج معرفة بديلة من خلال العلاقات المادية للمجتمع..ان البشرية لا تستطيع ان تحل الا المشاكل التي تطرح عليها حسب ماركس..اي ان النضج في معالجة المشاكل تتوفر شروطه عندما ينضج الواقع الدي تفرز حركته تلك المشاكل .. لدا فان الفكر الدي يطرح على عاتقه مهمة التغيير لا يجوز له انتظار ولادة الوليد ليقومبرعايته وتربيته ..ان واقعنا محا وطمس جانب النضال الاجتماعي والطبقي كاحدى مكونات النضال التحرري..وهدا نتيجة غياب ثقافة وفكر وخطاب تحرري.. تاركا المجال للخطاب البائس التقليدي الدي يشد الى الوراء ..فاي فكر او اي خطاب نرتضي يكون شموليا ضليعا في سيرورة التطور والتغيير .. يكون مقرونا برؤية مستقبيلية كالهام بجميع معطيات الواقع والمرحلة.. ويتم تحريك الفعل فيها وتعبئة الوعي حولها .

ان الخطاب او الفكر النقيض اليوم .. وهو فكر و خطاب اليسار..الخطاب العملي والعلمي. نجده متخلفا متراجعا.. يتضال وجوده وينكمش.. ورغم دلك فامامه المستقبل .انها الحتمية التاريخيةالتي ستوقضه.. لمادا اليسار ؟ لا نطرح السؤال اعتباطا .. ولكن باعتباره الفكر الدي نحتاجه اليوم اكثر من دي قبل .... فلغة اليسار كخطاب هو الإطار المرجعي يمكن من خلاله تفكيك الواقع ولمه وتجاوزه..خطاب نتمثل من خلاله وبواسطته العالم، ونحدد بواسطته التناقضات الأساسية التي تقسمنا.. وتؤسس لانحيازاتنا وخياراتنا. الإطار الذي يحدد لنا كيف نفهم العالم من حولنا، من نحن ومن هم أعداؤنا وعلى ماذا نختلف ونتنازع. مادا نريد والى اين نسير .به نهتدي الى طريق الحياة .. لغة اليسار تستند إلى معجم أساسي يتضمن «الطبقات الاجتماعية»، «الملكية»، «النظام الرأسمالي»، «الاستغلال الاقتصادي»، «العدالة الاجتماعية» وغيرها. تستمد بالفهم والوعي .. للغة اليسار تعتبر الدين للفرد والعمل للجميع .. وان الملكية أساس النزاع الاجتماعي، وعليه فإن الصراع الطبقي يحدد لنا كل نزاعٍ قائم و لاحق. الانتماء الطبقي هو الانتماء الأصلي الذي يمكن إرجاع أي انتماء آخر إليه، عالم اليسار هو عالم الطبقات الاجتماعية. هذا الإطار التفسيري يقدم معنى ومغزى الانحيازات السياسية والاجتماعية ،ان ثقافة اليسار تجعلك اكثر استقلالية في السلوك والتفكير ..اكثر شعورا بالمسؤولية اتجاه الاخر واتجاه العالم ..اكثر استعدادا للتعاون والمثابرة والمواجهة ..تجعلك تسعى للتغيير . .. يقول الأستاذ الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي... وأعتقد أن الأعمال الفلسفية التي تنجزها نخبة من الفلاسفة المعاصرين المغاربة، وخاصة أعمال الأساتذة عبد الكبير الخطيبي، محمد سبيلا، سالم يفوت، عبد السلام بنعبد العالي وغيرهم، تنطوي على عدة أسئلة ومفاهيم وآليات وتصورات، يمكن إذا ما أحسن فهمها واستثمارها وتوظيفها، أن تساهم بشكل أساسي في إخصاب وتجديد الممارسة الفكرية لليسار المغربي الجديد..هدا الاستنتاج يبرز مدى اهمية الفكر الفلسفي في اخصاب الممارسة وتقويتها ..مدخل الى ثقافةلا تؤمن بالمقدس او المدنس ..تؤمن بالانسان كجوهر..باعتباره جوهر الكينونة ووعيها..وعمق السيرورة والصيرورة ..
نحن اليوم بحاجة الى فكر فلسفي تحليلي برؤية علمية ..نحن بحاجة الى انتاج ثقافة يسارية جديدة ..ليس المهم ان نتجاوز ماركس او انجلز او لنين ولكن نستمد منهم روح النظرية العلمية ..لمادا ؟ إن الماركسية هي علم القوانين الطبيعية التي تتحكم في سير وتطور المجتمع الإنساني، وهي بهذه الصفة علم متجدد ومتطور لا يقل دقة عن سائر العلوم الطبيعية، فالماركسية هي علم تطبيق المادية الجدلية على تاريخ المجتمع البشري بجميع مراحله وأنماطه المختلفة.أن تكون ماركسياً يعني أن تبدأ من ماركس، ولكن لا تتوقف عنده، أو عند أحد كبار خلفائه في العصر الحديث. وهناك فرق بين أن تكون ماركسياً، أو أن تكون ناطقاً بالماركسية. أن تبدأ من ماركس، يعني أن تبدأ بالجدلية المادية. وبهذه الروح يجب، في رأيي ، أن ننظر في قضية النظرية الثورية اليوم.وعلى هذا الأساس فإن الحفاظ على الماركسية ومتابعة رسالتها الإنسانية لا يكمن في الدفاع اللاهوتي أو الدوغمائي عن تعاليمها، وإنما بالنقد الدائم لأفكارها وتجديدها ارتباطاً بأهدافنا العظيمة من أجل التحرر الانساني الديمقراطي التقدمي.. فالماركسية ليست تصور أو مجموعة أفكار فقط، إنها فلسفة الشك التي تفترض إعادة تقييم الظواهر بلا توقف، إنها قوة فعل كذلك.. أن الماركسية ليست عقيدة جامدة، بل هي نتاج معرفي متواصل مع تطور فكر البشرية ،ولذا فهي ليست انعزالية، بل فكر حي مبدع ومتجدد (هكذا يجب أن نتعامل معها)ان الصراع قائم بين الاديولوجيات والافكار والطبقات..الصراع محتد..لكن علينا وعيه وادراكه. ان يستيقظ الجميع لا ان يرتكنوا للاحلام والاوهام .الوعي او الاستيقاظ يتطلب دوشا من الافكار النيرة.. وكما .يقول كارل ماركس=((نحن لا نقول للعالم كف عن النضال..فكل نضالك باطل ..وانما نعطيه الشعار الحقيقي للنضال.))