تطور الصراعات الطبقية بالمغرب والتحالف الطبقي للعمال والفلاحين - الجزء الثاني


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 9 / 13 - 22:21     

عرفت حركة الفلاحين بروسيا تطورا كبيرا بعد تأسيس منظمتهم الديمقراطية الثورية "إتحاد الفلاحين" التي ظهرت في سنة 1905، وطالبت ب"الحرية السياسية وعقد الجمعية التأسيسية"، وارتكز برنامجها على : إلغاء الملكية الخاصة للأرض وإحالة الأرض للفلاحين بدون تعويض، إلا أن تأثير ممارسات البرجوازية الصغيرة للإشتراكيين ـ الثوريين والليبراليين على هذه الحركة الثورية ساهم في تحريفها عن المطالب الثورية بالميل إلى الحلول التضليلية مما عرقل تطور حركة الفلاحين الثورية، ذلك ما جعل لينين يعطي أهمية كبرى لموقع الفلاحين في النضال الثوري بروسيا في علاقته بالنضال البروليتاري.

وكان اهتمام الإشراكيين ـ الديمقراطيين بقضية الفلاحين بارزا في عمل الحركة الماركسية بروسيا منذ تأسيس فرقة "تحرير العمل" بالخارج في 1882، التي وضعت في أول برنامجها في 1884 قضية الفلاحين من بين أولوياتها، وكانت كل مؤلفات الماركسيين بروسيا وصحف الإشتراكيين ـ الديمقراطيين تتناول هذه القضية باهتمام كبير، وأثارت مسألة "الأرض والحرية" التي طالبت بها منظمة "اتحاد الفلاحين" جدلا كبيرا بين الإشتراكيين ـ الديمقراطيين والإشتراكيين ـ الثوريين، وأضحت "قضية الحركة الفلاحية ملحة لا من الناحية النظرية وحسب بل أيضا من الناحية العملية المباشرة"، لينين : كتاب "بصدد تحويل الزراعة الإشتراكية"، البروليتاريا والفلاحون.

وخلال حركة التحرر الوطني الثورية ضد الإستعمار القديم بالمغرب في سنوات الخمسينات من القرن 20 برزت حركة الفلاحين الثورية كتنظيم، بعد تأسيس جيش التحرير بالجنوب والشمال والتحامه بالمقاومة المسلحة الثورية للعمال بالمدن في معسكر واحد، في حركة ثورية شاملة بدعم من حركة التحرر الوطني بشمال إفريقيا التي أسسها محمد بن عبد الكريم الخطابي بالمنفى بمصر، ضد الإستعمار القديم وتحالف الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار وبقايا الإقطاع، واستطاعت الحركة الثورية للعمال والفلاحين قطع الطريق أمام الإستعمار القديم الذي يهدف إلى فك الإرتباط بين الحركتين الثوريتين للشعبين المغربي والجزائري من أجل محاصرة الثورة الجزائرية الصاعدة والقضاء على الحرب الثورية بالصحراء الغربية، وكانت المقاومة المسلحة للحركة العمالية الثورية بالمدن سندا طبقيا للحركة الفلاحية الثورية بالبوادي مما ساهم في تغيير موازين القوى في الصراعات الطبقية بالمغرب لصالح التحالف الطبقي الثوري، بعد أقل من 20 سنة من إسكات فواهات المدافع الثورية للفلاحين بانتصار نسبي للإستعمار القديم على ثورة الفلاحين بالجنوب والشمال وثغور جبال الأطلس في 1934.

وكانت الحركة السياسية الإصلاحية ـ الرجعية للبرجوازية الصغيرة بالمدن التي تأسست على أنقاض إبادة المقاومة المسلحة للفلاحين في 1934 قد امتدت إلى البوادي بعد تأسيس حزب الإستقلال في 1945، من الشمال إلى الجنوب لتغطية جميع مناطق حركة الفلاحين الثورية والتحكم فيها وتوجيهها في اتجاه مشروعها الإصلاحي ـ الرجعي، فبعد تغلغل الفكر السلفي الإصلاحي لحزب الإستقلال في أوساط الحركة العمالية بالمدن خاصة بالدار البيضاء بعد تأسيس نقابة الإتحاد المغربي للشغل في مارس 1955، من أجل قطع الطريق عن الفكر الثوري الذي كان يحمله المناضلون الماركسيون ـ اللينينيون بالحزب الشيوعي المغربي إلى الطبقة العاملة بنقابة CGT، وتطويع الحركة العمالية الثورية ومراقبتها وتوجيهها في اتجاه الإصلاحية بعيدا عن حركة الفلاحين الثورية بالبوادي، عمل حزب الإستقلال على لعب دور صمام أمان البرجوازية الكومبرادورية في أوساط جماهير العمال والفلاحين برفع مطلب "رجوع السلطان" على رأس شعاراته الديماغوجية حول "الإستقلال والحركة الوطنية"، بالدعاية للنضال "السياسي الديمقراطي" والإلتفاف حول هذا المطلب الإصلاحي ـ الرجعي من أجل "الإستقلال".

واستمرت المقاومة المسلحة بالبوادي بإصرار من حركة الفلاحين الثورية الرافضة للحلول الإصلاحية ـ الرجعية إلى حد الإلتحام بالثورة الجزائرية والحرب الثورية بالصحراء الغربية، مما أربك التحالف الطبقي للبرجوازية الكومبرادورية والملاكين العقاريين وبقايا الإقطاع المدعومة من طرف الإمبريالية في بداية مرحلة الإستعمار الجديد، التي أحبكت أطواره بعد مؤامرة 1956 باتفاقية إكس لبان من أجل المطلب الإصلاحي ـ الرجعي لحزب الإستقلال "رجوع السلطان" والقضاء على المقاومة المسلحة للعمال والفلاحين، التي استطاعت تحقيق انتصارات باهر بالجنوب بالتحامها بالحرب الثورية بالصحراء الغربية ضد جيوش الإستعمار القديم في طريقها إلى تحرير الجزائر والغرب الإفريقي.

وكانت المهمة الأساسية المسطرة لدولة الكمبرادور من طرف الإمبريالية هي القضاء التام على المقاومة المسلحة للعمال والفلاحين الثوريين والتي تم إعلانها في زيارة ل"السلطات" لأمحاميد الغزلان في 1956، في زيارة محبوكة لمناطق الجنوب الثائرة على المشروع الكمبرادوري الإستعماري الجديد، الذي يهدف إلى تصفية جيش التحرير بالبوادي وبناء أسس جيش وبوليس دولة الكمبرادور التي أصبحت أداة القمع الطبقية الجديدة في مرحلة الإستعمار الجديد، ذلك ما تم تحقيقه بتآمر مع حزب الإستقلال الذي خبر قادته البرجوازيين الصغار دواليب حركة التحرر الوطنية الثورية، أولا بتصفية قيادات جيش التحرير حتى تبقى قواعده المسلحة بدون قيادة وثانيا بتصفية ما تبقى من جيوب المقاومة المسلحة بالشمال والجنوب، إلى حدود 1960 مع كارثة زلزال أكادير التي استغلها الدولة الكمبرادورية لتصفية ما تبقى من جيوب المقاومة بالجنوب، ليفسح لها المجال للشروع في تطبيق بنود الإستعمار الجديد وعلى رأسها محاصرة حركة التحرر الوطنية الجزائرية والقضاء على الحرب الثورية بالصحراء الغربية.

لقد حدد لينين مهام البروليتاريا تجاه مطالب الفلاحين في قوله :"فماذا يطلب الفلاح من الثورة ؟ وما عساها أن تعطيه ؟ ذانك هما السؤالان اللذان يجب أن يحملهما كل رجل سياسي وخاصة كل عامل واع يكون رجلا سياسيا بخير معنى الكلمة لا بمعنى السياسة النفعية البرجوازية المبتدلة."، وقد أجاب لينين عن هذين السؤالين عبر تحليل مطلبي "الأرض والحرية" اللذين طالبت بهما منظمة "إتحاد الفلاحين" بروسيا، حيث أكد على أن جميع العمال الواعون يجب عليهم أن يدعموا الفلاحين الثوريين وبالتالي دعم هذين المطلبين الأساسيين وذلك من أجل "أن يظفر الفلاحون بكل الأرض وبالحرية التامة، ويناضلون في سبيل هذا الغرض"، لكن دون تنازل، أي أن لا يتم ذلك بالتفاهم مع الملاكين العقاريين بل "الإعتماد على إلغاء ملكية الملاكين العقاريين للأرض". لينين : كتاب "بصدد تحويل الزراعة الإشتراكية"، البروليتاريا والفلاحون.

وحدد لينين الشروط المادية لتحقيق مطلب "الحرية التامة" التي طالب بها الفلاحون الثوريون الذي يعني حسب لينين "إنتخاب الموظفين والمدراء المكلفين بشؤون الدولة والمجتمع"، مما يعني بالدرجة الأولى "القضاء كليا على كل سلطة للدولة لا تنبع بكليتها وبوجه الحصر من الشعب"، ويعني كذلك خضوع الموظفين للشعب لا العكس، غير أن مسالة أساسية أثارها لينين هي :"...ليس أن جميع الفلاحين الذين يناضلون في سبيل الأرض والحرية يدركون هذا النضال إدراكا جليا كاملا"، ولهذا يعتبر مطالب الفلاحين مطالب ديمقراطية حيث لا "يبلغ بهم الأمر حد المطالبة بالجمهورية"، ومساندة البروليتاريا لهذه المطالب أكيدة كما يجب على الفلاحين أن يعلمون أن "الراية الحمراء التي ترفع في المدن إنما هي راية النضال في سبيل المطالب المباشرة والملحة التي لا ينادي بها العمال الصناعيون والزراعيون وحسب بل أيضا الملايين وعشرات الملايين من صغار المزارعين".لينين : كتاب "بصدد تحويل الزراعة الإشتراكية"، البروليتاريا والفلاحون.

لقد تبخرت كل الشعارات الثورية للتحالف الطبقي للعمال والفلاحين في حركتهم التحررية الثورية بالمغرب ضد الإستعمار القديم، نظرا لفقدان حركتهم الثورية لمنظور أيديولوجي وسياسي ثوريين مناهضين للإمبريالية بقيادة الحزب الثوري، فالحزب الشيوعي المغربي المرتبط أساسا بالحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي لم يكن في مشروعه النضالي تنظيم الطبقة العاملة على أسس تحررية ثورية، مما جعل المشروع الإصلاحي ـ الرجعي لحزب الإستقلال يسيطر على نضالات العمال في نقابة الإتحاد المغربي للشغل وتوجيهها في اتجاه المطالب الإقتصادية، وفي نفس الوقت تم نزع سلاح الفلاحين وتعريضهم لاستغلال الملاكين العقاريين الكبار وإقصائهم من التنظيم النقابي بعد تأسيس نقابات العمال والمأجورين وتعريض العمال لاستغلال الباطرونا المرتبطة مصالحها بالكمبرادور، بعد سيطرت القيادة البرجوازية الصغيرة لحزب الإستقلال على نقاباتهم التي تحولت إلى نقابات بيرقراطية في خدمة مشروع الإستعمار الجديد.

ولم يتم تحقيق المطالب الثورية التي رفعتها حركة التحرر الوطني التي قادها تحالف العمال والفلاحين نظرا لافتقادها للطليعة الثورية البروليتارية التي باستطاعتها بناء الحزب الثوري القادر على قيادة الحرب الثورية ضد الإستعمار القديم، من مستوى البعد الوطني للحرب الثورية إلى مستوى الحرب الطبقية الثورية في الصراع بين البروليتاريا والفلاحين ضد البورجوازية الكمبرادورية والملاكين العقاريين الكبار، من الثورة الوطنية الديمقراطية إلى الثورة الديمقراطية البروليتارية، من المطالب الديمقراطية للفلاحين إلى المطالب الإشتراكية للعمال، ورغم أن الفرز السياسي للتناقضات الداخلية لحزب الإستقلال أفرز حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلا أن الفكر البرجوازي الصغير الذي يحكم قيادات هذا الحزب الجديد لم تسمح له بالخروج من المنظور الوطني لمشروعه السياسي إلى بناء مشروع اشتراكي، مما أوقعه في فخ تسيير أزمة دولة الكمبرادور فيما يسمى حكومة عبد الله إبراهيم قائد الحزب، التي تمت في ظلها تصفية جيش التحرير وقمع انتفاضات الفلاحين بالشمال والجنوب وحل الحزب الشيوعي المغربي.

هكذا تم تطبيق المضمون الطبقي لمشروع الإستعمار الجديد بالمغرب الذي ساهمت البرجوازية الكمنرادورية بتعاون مع البرجوازية الصغيرة الحزبية والنقابية في بلورته، عبر تفكيك البنيات التنظيمية السياسية الثورية للعمال والفلاحين بالمدن والبوادي التي بلغت حد المستوى التنظيم العسكري في الصراعات الطبقية من أجل السلطة، ويعتبر إفشال هذا المشروع الثوري أمرا حاسما في تحديد أفق الصراعات الطبقية التي حددت أفق الحركة السياسية الثورية بالمغرب، والتي نعيش اليوم أطوارها أزمتها المتقدمة في ظل تاريخ اليسار الثوري الحافل بالنكسات السياسية في مرحلتين مهمتين من تاريخه، الأولى بعد تطويع المعارضة الإتحادية الثورية بجناحها العسكري بقايا المقاومة المسلحة في صفوف حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي اختار ما يسمى النضال السياسي الديمقراطي منذ فشل حركة 3 مارس، الثانية بعد فشل مشروع التغيير لما يسمى "اليسار الجديد" المشروع الثوري للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية في السبعينات من القرن 20، التي تنازلت عن المشرع الثوري واختارت ما يسمى النضال الديمقراطي الجذري واستحالت المنظمات السرية إلى أحزاب برجوازية صغيرة بعد فشلها في تحقيق هدفها الإستراتيجي وهو تأسيس الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي.

إنما من بين الإشكاليات التي طرها نداء الماركسيين اللينينيين الوحدويين المغاربة هو إشكالية "الفشل" التي واكبت المشروع الثوري بالمغرب في هاتين المرحلتين المذكورتين أعلاه، وتداعيات هذا الفشل على المشروع الثوري الذي حملته التيارات والمجموعات والأفراد في الحركة الماركسية ـ اللينينية اليوم، والتي لم تحظ باهتمام كبير في النقاشات المطروحة بقدر ما يتم تبريره ومحاولة تحميل المسؤولية للأشخاص بدل تناول التنظيمات الماركسية ـ اللينينية السبعينية بالتحليل والنقد المادي التاريخي وفق المادية الجدلية، وقد حان الوقت كما كان في وقت سابق دون أي تأخير لطرح إشكالية "الفشل" هذه بارتباطها التاريخي بالصراعات الطبقية والمشروع النضالي الثوري للتحالف الطبقي للعمال والفلاحين بالمغرب.