الوضع بين الترميم الرجعي-الاصلاحي والتغيير الثوري


محمد علي الماوي
2016 / 9 / 8 - 18:13     

الوضع بين الترميم الرجعي-الاصلاحي والتغيير الثوري
( من ارشيف الشيوعيين الماويين جوان 2006)
التقديم:
ننشر هذا النص من الارشيف لتبيان صحة التحاليل الشيوعية الماوية التي تنبأت منذ 2006 بتركيبة الحكومة الثامنة-حكومة يوسف الشاهد- التي لم تخرج عن البدائل الامبريالية المخطط لها منذ زمان بحيث نجد الاطراف المشاركة في حركة 18 اكتوبر على غرار الاخوان والجمهوري وحزب العمال كما نجد الاطراف المشاركة في الائتلاف الديمقراطي مثل المسار والوطد (الان وطد موحد) وقد شدد الشيوعيون مرارا وتكرارا ان الامبريالية تعول على الاخوان في تونس والوطن لمسك الوضع واخضاع الشعب باعتماد الاسلام السياسي واستغلال تخلف المجتمع للسيطرة على الاوضاع.فقد جاء كليتون بطلبان ثم اتى بوش بالقاعدة والان يستعمل اوباما داعش لتفكيك المجتمع العربي واعادة رسم الخريطة وفق مصالح الامبريالية والصراع الدائر على المنطقة بين روسيا وامريكا واوروبا على امل ابرام سايكس بيكو جديدة عنوانه كيري-لافروف.

مقدمة:

راهنت بعص الاطراف المعارضة وفي اطار ماسمي باستحقاقات 2004 على رحيل بن علي ونظمت حملة واسعة النطاق حول شعار "ليرحل بن علي" وساندت الدوائر الامبريالية هذه الحملة فاتصلت برموز المعارضة التي وقع استدعاؤها الى السفارات والى الخارج لمناقشة الاوضاع السياسية في تونس وكانت الدوائر الامبريالية تهدف من وراء هذه الاتصالات المباشرة الى تقييم حجم المعارضة والاستماع لرأيها من اجل تحديد الطرف الاكثر عمالة والاكثر قدرة على مسك الوضع امنيا وشعبيا خدمة للمصالح الامبريالية.
وانخرطت في هذه الحملة اطراف أخرى دافعت عن ضرورة المشاركة في الانتخابات تحت يافطة "المجتمع المدني" المزعوم وبتعلة تدريب الشعب على ممارسة الديمقراطية في ظل انظمة عسكرية بوليسية وبحجة التعريف بنفسها واستغلال الانتخابات للقيام بالدعاية القانونية بما ان هذه الاطراف غير قادرة وغير مستعدة للاتصال بالجماهير دون تأشيرة النظام وتعول هذه الاطراف كذلك على الضغط الامبريالي وترى ان الامبريالية تضغط باستمرار على نظام بن علي وتفرض عليه تبني سياسة الانفتاح اي سياسة "الديمقراطية الاستعمارية" التي يقع الالتجاء اليها عند اهتراء العملاء كما تعول من جهة اخرى على النظام نفسه اما بهدف اكتساح المزيد من المواقع او لهثا وراء التواجد القانوني والتمتع بالامتيازات المالية وهي في هذا الاطار تسلك سياسة انتهازية مزدوجة تساهم من خلالها في تبييض وجه النظام باضفاء الطابع الديمقراطي التعددي على الانتخابات المهزلة وفي الترشح للعب دور المناشد للعميل والبقاء في اطار ما تسمح به الرجعية الحاكمة.
وشجع النظام الاستعماري الجديد الكتل المتصارعة وأجج التناحر على الكرسي في اطار البدائل الامبريالية المرسومة مسبقا .وان اختيار الاخوان ومن لف لفهم المقاطعة اساسا واختيار الاصلاحيون ومن معهم المشاركة فان الطرفين ساهما معا بصفة مباشرة في تهميش الصراع بين الامبريالية والنظام من جهة والشعب بكل فئاته المضطهدة من جهة اخرى وعملا كل من منطلقاته على ضرب المقاطعة الثورية وابقاء الصراع يدور في اطار النظام القائم دون التطرق اطلاقا الى مهزلة الانتخابات في ظل انظمة عميلة لاوطنية ولاديمقراطية.
وهكذا تمكنت الامبريالي بتزكية الاطراف العميلة والانتهازية من ضرب 3 عصافير بحجر واحد: اعادة الثقة في بن علي مع اضعافه ووضعه تحت التهديد-تسريح الاخوان ودعمهم بكل الوسائل-مواصلة ترويج الاوهام حول الديمقراطية الاستعمارية ومعزوفة "دولة القانون" التي تروج لها التيارات الاصلاحية وتهدف هذه الخطة الى محاولة عزل القوى الثورية الرافضة لهذا المسار الاستسلامي وحرمان الجماهير من فرز قيادة ثورية وحتى من النضال من اجل مطالبها الحيوية.
ان ضعف القوى الوطنية الديمقراطية من جهة ووضع الحركة الشعبية المتسمة حاليا بالرفض العفوي ادى الى العجز عن كشف السياسات الامبريالية في القطر وعن وضع الصراع في الاطار الوطني التحرري وجعل الاحتجاجات تتجه ضد النظام الاستعماري الجديد ككل وتعلن المقاطعة الايجابية والنشيطة لمثل هذه الانتخابات.
1- الوضع
في حين راهن البعض على رحيل بن علي او على الضغوطات الامبريالية لمزيد "الانفتاخ" حسب تعبيرهم فقد ظل النظام مكانه دون اي تغيير يذكر بل استغل "شرعيته الانتخاببية" و "اعادة الثقة" فيه من قبل الدوائر الامبريالية ليعلن انه مستعد الى تطبيق كل التوصيات الامبريالية دون تردد فانخرط في مشروع الشرق الاوسط الكبير وعمل جاهدا عل تمريره خلال القمة العربية المنعقدة في تونس كما حاول فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني مستغلا في ذلك انعقاد قمة المعلومات حيث استقبل الوفد الصهيوني بكل حفاوة
رغم الضغط الشعبي والاستياء العام لسياسة الاستسلام.ويواصل النظام تقديم شهدات الولاء والعرفان لاسياده فيعترف بالنظام المنصب في العراق ويزكي كل المواقف الرجعية العربية والى جانب كل ذلك يطبق حرفيا سياسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وقوانين المنظمة العالمية للتجارة المتسببة في الهيمنة على اقتصاديات الاقطار واستعباد الشعوب.
وتسببت سياسة العولمة والانخراط في اقتصاد السوق في دعم النفوذ الامبريالي وتقوية غطرسة السماسرة والفساد المالي وتطور السوق السوداء –الموازية- ومواقع النفوذ التي لاتخضع لاي قانون.ان التفويت في المؤسسات العمومية وحذف معاليم الجمركية والترفيع في الاداءات غير المباشرة وفي الجباية التي يتهرب منها السماسرة والتهاب الاسعار عامة كل ذلك ادى الى تدهور مهول في القدرة الشرائية للاجراء وتردي اوضاعهم الاجتماعية من جراء الخوصصة التي شملت التعليم والصحة والنقل مثل مشروع مدرسة الغد وقانون التامين على المرض وستشمل لاحقا العديد من القطاعات الحيوية
وازاء تنامي الغضب الشعبي والتحركات العفوية والاحتجاجات المنظمة في بعض الاحيان كالاضرابات القطاعية يعتمد النظام اساسا سياسة العسكرة والدسترة فيحاصر المعارضين ويطرد المناضلين من العمل ويحاكمهم ان استوجب الامر ذلك...وهو يغلق كل متنفس جماهيري مثل الجمعيات ويحاول التحكم في النقابات او ادخالها في دوامة الصراعات الهامشية ليشل حركتها ويبطل مفعولها المعارض ومقابل سياسة القمع المفضوحة يستعمل بعض الانفتاح على القوى الظلامية المسماة "معتدلة"وعلى الاطراف الانتهازية المتشدقة بالدفاع عن دولة القانون والمجتمع المدني"
وتجنبا لاي انفجار شعبي ومن اجل استباق الاحداث تحاول الامبريالية اعداد بدائل احتياطية مرشحة للخلافة او للمشاركة في السلطة التي يقع ترميم صفوفها حسب الحاجة فبعد فشل الطغم العسكرية في العديد من بلدان العالم (خاصة امريكا الجنوبية) وبعد فشل تجربة ظلاميين من نوع الطالبان وافتضاح الاسلاميين من نوع آل سعود وامراء الخليج.
(وسيأتي دورهم لاحقا) تتجه الامبريالية نحو تزكية "الاسلام المعتدل" على شاكلة التجربة في تركيا ثم في المغرب ومصر...علما وانها تزكي اليسار الليبيرالي الاشتراكي الديمقراطي في نفس الوقت اذ لم يبق امامها اي حل آخر في فرض نمط العولمة وبقاء الانظمة في اطار النظام الاستعماري الجديد. وفي هذا الاطار تشكلت في تونس تكتلات بمناسبة ما سمي باستحقاقات 2004 وافضت هذه التحالفات سنة 2006 الى تشكيلتين اساسيتين-اذا استثنينا المعارضة الموالية بصفة مفضوحة للسلطة- هما حركة 18 اكتوبر من جهة والائتلاف الديمقراطي من جهة اخرى. وتظل القوى الوطنية الديمقراطية الثورية الى جانب الطبقات الشعبية في صراع دائم ضد هذه البدائل الامبريالية.
أ- حركة 18 أكتوبر
تزامن تشكل هذه الحركة مع موعد قمة المعلومات وزيارة الوفد الصهيوني لتونس وساهمت هذه الحركة بصفة مباشرة وواعية في تهميش المسألة الوطنية والسكوت عن التطبيع مع الكيان الصهيوني وهي بذلك قدمت للنظام خدمات جليلة قد تكون بعض الاطراف ناقشتها مسبقا مع بعض السفارات.ولم تدرج الحركة في اعمالها قضية رفض التطبيع او معارضة الهيمنة الاستعمارية او سياسة العولمة او التدخل الامبريالي في جل الاقطار . بل اكتفت الحركة في ظل الديمقراطية الاستعمارية بمطالبة الامبرياليين بالضغط على النظام من اجل السماح للمعارضة القانونية بالنشاط وفق القوانين الد ولية حسب زعمهم.وهكذا اقتصرت ارضيتهم على 3 مطالب التي لايمكن لاي كان ان يعارضها:حرية التنظيم وحرية الصحافة والعفو التشريعي العام.
ان الملفت للانتباه هي التركيبة السياسية لهذه الحركة فالى جانب مايسمى بالاسلام المعتدل "النهضة" نجد الحزب الديمقراطي التقدمي(الجمهوري حاليا) وحزب العمال(الشيوعي آنذاك) وفي حين كان تعامل الشابي(الجمهوري)مع الاخوان مفضوحا وعلنيا الى حد ان النهضة كانت مستعدة لتزكية ترشحه للانتخابات الرئاسية فان حزب العمال الذي دخل سابقا في صراع مفتوح ضد الاخوان وبايعاز من بعض الاطراف في السلطة فان تقاربه هذا يطرح أكثر من سؤال حول طبيعة هذا الحزب واهدافه الحقيقية غير المعلنة والمرتبطة باطراف في السلطة وفي الخارج.
ينظر الحزب الديمقراطي(الجمهوري)من جهة وحزب العمال من جهة اخرى الى شرعية التحالف او التقاء مع الاخوان ويحاول كل من جهته تبرير هذا التحالف واقناع البعض ان الهدف من هذه الحركة هو "خدمة الشعب التونسي"ويتجاهل جميعهم ان النهضويين تيار سياسي عميل وبديل امبريالي هدفه عاجلا ام آجلا ابقاء الشعب تحت الهيمنة الاستعمارية بالرجوع الى اكثر الاساليب تخلفا مثل اشاعة الجهل والخرافة ورفع علم الخلافة وضرب العلم والتقدم ومهما حاول حزب العمال اقناعنا ان النهضة تغيرت وان الغنوشي ديمقراطي يتأقلم مع الشروط الامبريالية فيما يخص "المجتمع المدني" على شاكلة ما يحصل في تركيا مثلا فان الواقع العنيد يثبت كل يوم ان النهضة لها عدو واحد الا وهو العلم والتقدم العلمي وتحرير الانسان وخاصة عدوها الشيوعية.
ان الالتقاء "التكتيكي" مع عدو استراتيجي وتكتيكي في نفس الوقت والتعامل مع بديل امبريالي مدعوم محليا وامبرياليا بصفة مكشوفة يحصر الصراع في اطار تنافس الكتل الرجعية على السلطة ضمن نظام الاستعمار الجديد-انه التقاء مشبوه يطرح اكثر من تساؤل حول انتهازية حزب العمال وعلاقته بالدوائر الامبريالية.
ان التحالف مع اعداء الشعب مهما كانت التعلات والتظيرات خاصة عندما نعرف تاريخ الاخوانجية ماضيا وحاضرا محليا وعربيا يعني الخروج من صف الشعب والتموقع مع الاعداء المفضوحين الذين اجرموا في حق الشغالين.ان مثل هذا التحالف او "وحدة العمل" كما يحلو للبعض تسميتها على اساس المطالب المذكورة يبث الاوهام حول طبيعة الاخوان من جهة ويشوه المسألة الوطنية والديمقراطية من جهة اخرى.
ب- الائتلاف الديمقراطي
تشكلت المبادرة الديمقراطية بمناسبة انتخابات 2004 من قبل حركة التجديد (المسار)والتحق بهذه المبادرة كل من حزب العمل الوطني الديمقراطي (العود) والشيوعيون الديمقراطيون( الحزب الاشتراكي) ثم "الخضر" واصبحت تسمى الائتلاف بعد الانتخابات وتسعى حركة التجديد الى لف الجميع في حزب واحد.(...)
تحولت جل الاحزاب التحريفية الى احزاب اشتراكية ديمقراطية بعد انهيار جدار برلين وتفكك حلف وارسو وواصلت التنظير الى التحول السلمي عبر المنافسة البرلمانية والدعوة للوفاق الطبقي والمصالحة الوطنية على حساب مصالح الشعوب وتخلت نهائيا عن كلمة شيوعي ونزعت بذلك ورقة التوت التي كانت تتستر بها.
ان احياء التحريفية واعادة اطروحاتها بعد 50 سنة من النضال ضد برجوازية الدولة والحزب(الامبريالية الاشتراكية)التي تمكنت من اعادة تركيز الراسمالية يعني بالضرورة التموقع في صف الاعداء واعتبار الانظمة العميلة انظمة وطنية وشرعية يمكن التعامل معها ومنافستها في البرلمان ويصبح الهدف الوحيد توسيع هامش الحريات للحصول على بعض الفتات.وقد نشط الائتلاف في هذا الاتجاه واوهم البعض بان الشعب معني بانتخابات
04 وبان السلطة مجبرة على تقديم التنازلات من جراء الضغط الامبريالي وانه من الضروري استغلال مثل هذا الوضع للقيام بالدعاية.ورغم التهريج الثورجي والتبجح بمبادئ المجتمع المدني ...فان الائتلاف يظل بديلا اصلاحيا في خدمة جوهر السياسة اللاوطنية ويكفي الرجوع الى برامج هذا التكتل للتثبت من دفاع الجماعة على انسنة العولمة وانسنة الاستغلال والحفاظ على جوهر النظام الاستعماري.(...)
2- البديل
ان كل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تثبت ان سمات الوضع تتجه نحو المزيد من الهيمنة والاضطهاد وان اوضاع الشعب ستعرف المزيد من التفقير ودوس الكرامة الوطنية كما ان الاوضاع العالمية وواقع التناقضات التي تحكم عملية الصراع الطبقي تبين ان الانظمة العميلة لن تغير طبيعتها ولن تتخلى عن السلطة بمحض ارادتها .
اما فيما يخص المعارضة الصورية فهي تزكي رئيسيا السياسات الرسمية وهي لم تكن نتاجا لنضالات شعبية ولم تقف ولو مرة واحدة الى جانب الشعب المنتفض بل كانت دوما الى جانب النظام تدعو الى التعقل والاتزان...وهي كذلك لن تشهد تغييرا في برامجها ولا في اساليب عملها.
اما البدائل المرشحة لاحقا لتجاوز الازمة التي يتخبط فيها النظام واسياده والتي وقع كشف حقيقتها لن تمثل بدورها البديل الشعبي ولن تقدم للشعب لا الحرية ولا الارض ولا الكرامة الوطنية لذلك فعلى كل وطني ديمقراطي ثوري ان يساهم عمليا في ايجاد قطب و.د. ثوري
منصهر في الجماهير يطرح نفسه كبديل شعبي في تعارض مع الرجعية بما في ذلك الاخوانجية ومناهض للاصلاحية الانتهازية المتموقعة في هذا التكتل او ذاك.
ويكون تشكيل البديل الوطني الديمقراطي الثوري اولا على اساس التواصل مع ايجابيات التجارب الشيوعية الماركسية اللينينية الماوية في نضالها ضد الطبقات الحاكمة من جهة وضد التحريفية واليسراوية من ناحية اخرى. لقد احدث ماسمي باستحقاقات 04 وما تلاها من تطورات وإن عرف هذا الفرز تجسيدات تنظيمية في مستوى الرجعيات والتيارات الانتهازية التي تحاول لم الشمل فان القوى الثورية لن تعرف مثل هذا الفرز طالما لم تهزم النزعات الحلقية والنشاط الحرفي المبعثر الذي طالما اضر بالعمل الثوري وعرقل في اكثر من مناسبة عملية تأسيس حزب الطبقة العاملة.
جوان 2006
(النسخ :محمد علي الماوي)