موقع الإعتقال السياسي في وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 9 / 4 - 17:01     

لقد أسهب إنجلس في كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" في تفسير موقع الدولة في المجتمع، ودحض ماركس المفهوم المثالي للدولة لدى هيكل القائل بأنها طرف ثالث محايد بين المتصارعين في المجتمع، وخلصت الماركسية اللينينية إلى أن الدولة هي "نتاج استعصاء التناقضات الطبقية" كما قال لينين. فمع تطور الدولة بعد تجاوز وضع العالم القديم برزت "السلطة العامة" التي قال عنها إنجلس :"...وتوجد هذه السلطة العامة في كل دولة. وهي لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية، السجون ومختلف مؤسسات القسر التي كانت مجهولة في المجتمع المنظم على أساس القبائل (العشائر) ...". ويضيف إنجلس أن قوة الدولة نشأت داخل المجتمع وانفصلت عنه شيئا فشيئا حتى تشكلت كقوة فوقه، وتتكون هذه القوة من "فضائل خاصة من رجال مسلحين تحت تصرفهم السجون ..." كما قال إنجلس، وهذه القوة المشكلة في العالم الحديث هي نقيض ما يسميه إنجلس "منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها" السائدة في العالم القديم ولم يعد لها شأن مع بروز الدولة كقوة فوق المجتمع.

وواجه إنجلس الفكر البرجوازي الصغير في القرن 19 الذي يؤمن بوجوب وجود قوة الدولة والذي لم يستوعب "لماذا غدا من الضروري وجود فصائل خاصة من رجال مسلحين (الشرطة والجيش الدائم) توضع فوق المجتمع وتنفصل عنه" كما قال لينين، حيث يجيب البرجوازي الصغير أن ذلك ضروري بسبب "تعقد الحياة الإجتماعية، تمايز الوظائف ..."، معتقدا أن استشهاده "علمي" بينما هو ينبع من صلب الفكر البرجوازي الصغير الذي لا يدرك أن المجتمع الحديث منقسم إلى طبقات متصارعة، وأن الدولة ما هي إلا نتاج الصراعات الطبقية وهي أداة في تصرف الطبقات المسيطرة لقمع الطبقات المضطهدة، ولأن البرجوازي الصغير لم يشهد يوما ثورة كبرى لا يستوعب أن "هذه السلطة العامة تكون ضعيفة أحيانا" وأن في غالب الأحيان "... تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة ..."، كما أكد إنجلس ذلك، وأنه بإمكان الجماهير هزم قوة الدولة كما يفعل المعتقلون السياسيون داخل المعتقلات.

من هنا نستنتج أن عنف الدولة هو من طبيعتها كأداة عنف تحت تصرف الطبقات المسيطرة المستثمرة للطبقات المضطهدة في المجتمع، ولما تحتدم الصراعات الطبقية إلى حد تتشابك فيه القوتان المضادتان في المجتمع : قوة العنف الثوري للمضطهدين وقوة عنف المسيطرين، تنتشر الفصائل المسلحة إلى الشارع العام لقمع المتظاهرين رغم انهم سلميين باسم الخروج عن النظام العام للدولة، وتفتح السجون أبوابها لاستقبال المعتقلين السياسيين الخارجين عن طاعة الدولة كقوة فوق المجتمع في خدمة المسيطرين على الإقتصاد والسياسة والجيش، وقد تكون المظاهرات عفوية أو منظمة وغالبا ما يطال الإعتقال السياسي المناضلين المنظمين والذين تصنفهم الدولة في اللوائح السوداء. ففي أيام السلم تكون التنظيمات خاصة السرية منها مراقبة في نشأتها وتطورها وتقدمها ويكون مناضلوها من بين أولويات اهتمامات البوليس السياسي، وتاريخ القمع الأسود خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن 20 بالمغرب غني بالأمثلة : مجموعات الإختيار الثوري والجناح العسكري الإتحادي ومنظمات الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية والمناضلون النقابيون والحقوقيون النشطون في أوساط العمال والفلاحين والطبقات الشعبية وقيادات الحركة الطلابية ... ويتعرض أغلب المتظاهرين البارزين خلال الإنتفاضات والمظاهرات الشعبية رغم أنهم غير منتمين لأي تنظيم للإعتقال السياسي.

وخلال ثلاثة عقود من القمع الأسود بالمغرب استطاعت الدولة السيطرة على الشأن السياسي بعد سيران الإصلاحية والتحريفية في أوساط الأحزاب السياسية، التي استحالت إلى أدوات لتمرير السياسات الطبقية للدولة والعاجزة عن تجاوز الخطوط الحمراء التي سطرت لها في حدود التنافس في مستوى تنفيذ وتطبيق السياسات المسطرة من فوق، ولم تعد الأحزاب السياسية تشكل بالنسب للدولة هاجسا أمنيا بقدر ما تشكل أدوات وقائية من كل تسربات منظمة أو غير منظمة للخارجين عن النظام العام، إلى حد تدافع فيه عن النظام القائم بشكل أعمى وتهاجم فيه كل من يخالف السياسات الطبقية السائدة ويحاول انتقادها حتى من منطلق حرية الرأي الذي تقره الديمقراطية البرجوازية.

وأصبحت الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية في نظر كل الأحزاب خارجة عن النظام العام في صك اتهامها كل الجرائم السياسية الممكن تلفيقها للمناضلين الماركسيين اللينينيين، الذين لا تحركون إلا في سرية لا تقيهم في أغلب الأحيان من الهجوم عليهم واعتقالهم خاصة في صفوف الحركة الطلابية، التي تعتبر اليوم مركزا مشحونا يثير اهتمامات البوليس السياسي الذي يرى فيه نارا خامدة تحت هشيم قد يشتعل يوما عندما تكتمل شروط انتفاضة الطبقات المضطهدة، فكان هاجس البوليس السياسي هو منع الشروط المادية لتنظيم الماركسيين اللينينيين المغاربة في منظمة ثورية تكون وقود هذا الهشيم يوما تكتمل فيه الشروط المادية للشروع قفي بناء الحزب الماركسي ـ اللينيني المغربي.

لقد علمتنا حركة 20 فبراير وكل الإنتفاضات الشعبية فيما يسمى "الربيع العربي" تأكيد منظور الماركسية حول قوة الدولة وفصائل رجالها المسلحين في قمع المظاهرات وفتح المعتقلات الرهيبة، وبروز الدولة كقوة للضبط الإجتماعي في سبيل حماية الرأسمال من نار هشيم الشوارع المشتعلة ومحاصرتها في كل المواقع التي تغذيها، وكان آخرها مواقع الحركة الطلابية وبالأخص فصيل الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية كآخر معاقل الصمود بحكم توفره على شرطين أساسيين : الشباب والتثقيف كعنصرين أساسيين في كل حركة ثورية، هذه المعاقل التي صارت تتقلص هي الأخرى شيئا فشيئا بحكم غياب المنظمة الماركسية ـ اللينينية المغربية الأساسية في تنظيم الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية.

ولازم الإعتقال السياسي نشأة الدولة باعتبارها نتاج التناقضات الطبقية المستعصية عن الحل ما دامت هناك طبقات، خاصة عندما تنتفي في المجتمع أدنى شروط الديمقراطية حتى في مستوياتها البرجوازية، وكان المعتقلون السياسيون الماركسيون اللينينيون عرضة للعديد من الشروط المستعصية الذاتية والموضوعية في ظل غياب المنظمة الماركسية ـ اللينينية لعامة المغرب.

وكان للتناقضات الثانوية داخل الحركة الطلابية على مستوى الجامعات المختلفة والتجارب المختلفة لكل جامعة وما أفرزته من تناقضات ثانوية خارج الجامعة، تأثير كبير على عدم قدرة المعتقلين السياسيين الماركسيين اللينينيين تشكيل قوة ضغط مادية ومعنوية داخل المعتقلات، مما فتح الباب أمام توسيع مسافة الإختلافات والخلافات بين التجارب المختلفة وتغذيها من الداخل والخارج بدوافع متعددة إلى حد التناحر، مما يبرز دور المساهمين في إطفاء نار هشيم الشوارع خاصة بالدار البيضاء أثناء حركة 20 فبراير ليلتحقوا بفاس بالموازاة مع الهجوم الأخير على الحركة الطلابية المشتعلة هناك، ينصبون أنفسهم إطفائيين لنار الهشيم في صفة داعمين يحملون خراطيم المياه الدافئة من عيون فاس المتدفقة معتقدين أنهم خافون على الأنظار، يتربصون بعائلات المعتقلين السياسيين وببعض المعتقلين السياسيين أنفسهم كما جاء في بعض البيانات المنشورة هنا وهناك وفي الواقع الملموس لبعض المعتقلين المفرج عنهم، ولما ترى مشعلا من مشاعل الإعتقال السياسي ينطفيء بكل برودة دم تدرك أن وراءه من خفافيش الظلام رواد يجهدون في شراء الذمم.

إن قضية الإعتقال السياسي واعتقال الماركسيين اللينينيين الذي يعنينا هنا من طبيعة النظام القائم وأن وضع الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية المتسم بالفشل في إنجاز المهمة المركزية التي تأسست من أجلها لن يزيده إلا تعقيدا، خاصة إذا علمنا أن المعتقلين السياسيين محكوم عليهم بالعزلة في ظل انتشار المجموعات والتيارات الإنقسامية التي لا تحترم قواعد النضال في ظل الأزمة التي يلزمها بنبد الصراعات الثانوية، وتحويل قضية الإعتقال السياسي إلى فضاء للنقاش والجدل والصراع الرفاقي في ظل الوحدة من أجل التصدي للهجوم على الحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية من الخارج كما بالداخل، فما يعجز عنه النظام القائم للوصول إليه بالقمع يدفع الإنتهازية لتحقيقه من الداخل وهو أسهل الطرق وأخطرها تدميرا.

إن من بين المهام الأساسية للماركسيين اللينينيين الوحدويين المغاربة هو تحويل الأزمة إلى وسيلة لتبديد المصاعب وتحفيز المناضلين على الإبداع الفكري والنضالي لتطويع الأزمة وتجاوزها، فالإعتقال السياسي ملازم للإستشهاد وفي طريقه وكلاهما معطيان أساسيان في الصراعات الطبقية وجب تحويلهما إلى أداة للهجوم المضاد لهجوم الدولة بدل تحويلهما ضد وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة، فكما أن في كل استشهاد قضية فإن في كل اعتقال سياسي قضية لو تم توجيهها بشكل علمي مادي تاريخي وفق الجدلية المادية لأعطت نفسا طويلا للحركة الماركسية ـ اللينينية المغربية، وقوة ضاربة تساهم في فك تناقضاتها الثانوية وعلى رأسها تكنيس الإنتهازية من داخلها باستمرار وبكل جرأة وشجاعة بدل تكريس أساليب برجوازية صغيرة مرت بها الحركة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن 20، أسفرت عن مأساة التسعينيات التي تحول فيها المعتقلون السياسيون السابقون إلى متسولين يستجدون بعد الهببات والخدمات الإجتماعية في تنازل تام عن المباديء والمواقف السياسية التي اعتقلوا من أجلها.