إيران واقتصاد الكازينو


علي عامر
2016 / 8 / 29 - 20:07     

عنوان المقال الأصلي: How Parasitic Finance Capital Has Turned Iran’s Economy into a Case of Casino Capitalism
المقال: كيف استطاع الرأسمال المالي الطفيلي, تحويل اقتصاد إيران إلى حالة رأسمالية الكازينو!
الكاتب: إسماعيل حسين زادة.
تاريخ نشر المقال باللغة الإنجليزية: 20-8-2016
موقع النشر الإلكتروني: Global Research
تعريب: علي عامر.

مقدمة من المترجم:
تكمن أهمية هذا المقال وضرورة ترجمته, في عدة عناصر, طزاجة المقال, دقة التحليل, والتي أفضت إلى طرح خطط بديلة واقعية ودقيقة. ناهيك عن الضرورة القصوى أمام القارئ العربي, لفهم التغيّرات الداخلية والخارجية, في عالم متقلب وهائج, وإيران هي أحد النماذج التي لا بد من دراستها وفهمها فهماً علمياً حقيقياً.
قمت بترجمة مقالتين لنفس الكاتب, منشورات على الحوار المتمدن, وهذه الثالثة.
بإمكان القارئ المعني بالمراجع التي اعتمد عليها البروفيسور حسين زاده, العودة إلى مقاله الأصلي باللغة الإنجليزية, على الموقع الإلكتروني المذكور أعلاه.

نص المقال:
عادة ما يلوم النقّاد الرئيس الإيراني روحاني, لتبنيه الأعمى للنموذج النيوكلاسيكي-النيوليبرالي من الرأسمالية. المشكلة الأعمق في سياسات السيّد روحاني الاقتصادية, تتخطّى مجرّد اتباع النموذج الاقتصادي النيوليبرالي المهيمن, إلى اتباع أسوأ ما في ذلك النموذج من جوانب.
أحد تلك الجوانب المقلقة, هو (الأَمولة: financialization) غير المنظمة والخارجة عن السيطرة للاقتصاد الإيراني: حيث أُطلق العنان للقطاع المالي والمصرفي ليتدخل في كل أشكال الأنشطة الطفيليّة المضاربة. قامت هذه الممارسة بالسطو على القطاع الصناعي من الرأسمال الانتاجي-الاستثماري المالي من اقتصاد إيران, وبالتالي قادت البلاد نحو ركود اقتصادي شديد, ومعدلات مرتفعة من البطالة.
أصبح معروفاً لدى الجميع الآن, أنّ الأزمة المالية عام 2008 في الولايات المتحدة, والتي انتشرت لأجزاء أخرى من العالم الرأسمالي, اكتسبت زخماً متسارعاً بدفع من الدرجة العالية وغير المتناسبة من الأَمولة, والتي ظهرت على شكل فقاعة ماليّة غير مستقرة فوق قاعدة أضيق من القيم الحقيقية. ومعروف بنفس الدرجة, أنّ رفع المنظم للقيود عن القطاع المالي في الولايات المتحدة -و خصوصاً تفكيك قانون غلاس- ستيغول (عام 1998) , والذي عمل جيداً على تنظيم القطاع المالي عقب الكساد العظيم- رفع القيود هذا, كان عاملاً مساهماً أساسياً في خلق الفقاعة الماليّة التي انفجرت عام 2008.
للأسف, فإنّ الرئيس روحاني, وفريقه الاقتصادي, يبدون غافلين تماماً عن التجربة المرّة لكارثة الأَمولة في الولايات المتحدة وفي دول رأسمالية مركزية أخرى حول العالم. عدم الاكتراث الفاضح للتبعات المدمّرة للقطاع المالي المنتفخ, على حساب القطاع العقاري الذي يعاني من ضائقة ماليّة, بالإضافة لسياسة تجاريّة نجحت بشكل فعّال في استبدال المنتجات المحليّة بمنتجات أجنبية, من خلال سياسة الاستيراد دون قيود للسلع و الخدمات الأجنبية, كل ذلك ساهم بشكل كبير في ركود الاقتصاد الإيراني.
بينما يتضوّر قطاع الانتاج الحقيقي تحت وطأة حاجته الماسّة للتمويل الاستثماري, يتمتع القطاع المالي بوفرة من السيولة, والتي تصل – حسب تقديرات البنك المركزي الإيراني - إلى 900000 بليون تومان, (1-$-= 3500 تومان), والذي يعادل تقريباً 65% من ميزانيتها لعام 2015, والتي تصل بالكاد إلى 400-$- بليون, لسوء الحظ, فإنّ الجزءالأكبر من هذا الكم الهائل من السيولة, استخدم في أغراض المضاربة, عوضاً عن إقراضه للمصنّعين للاستثمار المنتج.
حقيقة أنّ القطاع المالي, يفضل المضاربات المربحة على الإنتاج الحقيقي, ليست حقيقة مفاجئة, بل إنّها ببساطة جزء من طبيعة الأنظمة الاقتصاديّة التي يحركها الربح. امّا ما هو مفاجئ حقاً, هو الغياب الكامل لسياسة اقتصادية, تنقل الموارد الأمّة الماليّة من المضاربة إلى الإنتاج.
وفرة السيولة المحليّة تكذّب ادّعاء الرئيس روحاني المتكرر للمستثمرين الأجانب في قوله أنّ الاقتصاد الإيراني يعاني من السيولة, وأنّ الاستثمار الأجنبي المباشر, سيكون حلاً سحرياً لاقتصاد إيران المتعثر. كما تكشف مصدر شكوك المستثمرين الأجانب في مناشدات الرئيس روحاني, وامتناعهم المستمرعن الاستثمار في القطاع الصناعي الإيراني. فبعد كل ذلك, لماذا يتوجب على المستثمرين الأجانب الاستثمار في بلد, يعاني سوقها من التخمة والإشباع بعد إغراقه بالبضائع المستوردة الأجنبية, والذي دفع بالمصنعين المحليين إلى الخارج؟
تأتي ضخامة الركود الاقتصادي في إيران, بسبب من العوز الشديد لسياسة فعّالة على نطاق الاقتصاد الكلّي. غياب السياسة الاقتصادية, جاء بسبب الإيمان الأعمى للرئيس روحاني ومستشاريه الاقتصاديين, بنموذج اقتصادي غير مجدي في العالم الحقيقي, نموذج وبالرغم من بساطته وأناقته إلّا أنّه مضلل بشكل خطير. هو مضلل لأنّه يعتقد أنّه في حال امتناع الحكومة عن صناعة السياسيات الاقتصاديّة الكليّة, وترك جميع الشؤون الاقتصادية لنشاطات الاقتصاد الجزئي من الأفراد والأعمال الخاصة, ستقود يد ميكانزمات السوق الخفيّة, وبطريقة سحرية, إلى الكفاءة والتنميّة والرخاء.
بناءاً على هذا المذهب, والذي يسمّى جانب العرض أو الاقتصاد النيوليبرالي, فإنّ الحلول لمشاكل مثل الركود الاقتصادي, والفقر, وقصور التنمية, تكون من خلال ميكانزمات السوق غير المقيّدة, والاندماج بلا تحفظ في النظلم الرأسمالي العالمي. الكساد, البطالة, والمشقّات الاقتصادية في دول العالم الأقل تقدماً, لم تظهر بسبب من سوء الإدارة أو طبيعة الرأسمالية العالمية, بقدر ما هي بسبب من تدخل الحكومة أو-و إقصائها عن الأسواق الرأسماليّة.
استيراد المنتجات الأجنبية الذي لا يعيقه شيء إلى داخل سوق إيران المفتوح الباب, والأمولة غير المقيّدة والخارجة عن السيطرة للسوق, والركود المدمر في الاقتصاد, هي وبشكل رئيسي بسبب من هذا المذهب الاقتصادي المضلل.
هناك إقرار عام الآن, بأنّ النمو غير المتناسب للقطاع المالي, كان عاملاً مساهماً رئيسياً في الاضطراب المالي المستمر والركود الاقتصادي في عدد من دول المركز الرأسمالي.
أمّا ما هو معروف بدرجة أقل خارج إيران, أنّ النمو الطفيلي للقطاع المالي في إيران هو من بين الأعلى في العالم: نسبة عدد المصارف و مصارف الظل والمؤسسات الماليّة الأخرى لكل فرد, هي بكل تأكيد الأعلى في العالم.
تشمل نشاطات اللاعبين المحليين الطفيلية: المضاربة في التبادل الأجنبي, أو في سوق العملة الأجنبية, وفي الذهب وفي المعادن الثمينة الأخرى في السوق, وفي كل أنواع الاستيراد (الشرعي وغير الشرعي), وفي العقار, وفي كل ما يشبه ذلك.
عائدات نشاطات المضاربة في القطاع المالي عالية جداً, لدرجة انّ عدد من الشركات المنتجة الرئيسية في إيران (مثل خودرو: أكبر منتج للسيارات في إيران) أسست مصارفها الخاصة, ساعية للمشاركة في مرابح القطاع المالي, من خلال تحويل تمويلهم من عملياتهم الانتاجية إلى القطاع المالي. وعلى نفس المنوال, خلقت -عدة منظمات مدنية وعسكرية وحكومية (مثل البلديات), وصناديق التقاعد, والمؤسسات الخيرية (مثل بونياد وموستازافان) – مصارفها الخاصة بها أيضاً, في خضم لهثها خلف حصّة من مرابح القطاع المالي الكبيرة.
قدرة نشاطات المضاربة للمصارف التجارية وللمؤسسات المالية الأخرى, على خلق المال, تعمل على تضخيم الأخطار الناجمة عنها!
كيف؟ باتباع النموذج الانجلو- ساكسوني للصيرفة الاحتياطية الجزئية (مشروحة أدناه) , التي تُمارس اليوم في معظم الدول الراسماليّة, فإنّ القدرة على خلق المال في إيران لا تمتلكها الحكومة بقدر ما تمتلكها المصارف التجارية. عندما تُقرِض المصارف التجارية, أو تمدد الائتمان لزبائنها, فإنّها حقيقة, وعن طريق ذلك يخلقون المال, (يسمّى هنا: مال الدين-الائتمان), أو مال البنك, كنقيض للمال الحقيقي ذو السيادة, الذي تخلقه الحكومة. رغم أنّ مال البنك, ليس مالاً حقيقياً, إلّا أنّه بالممارسة يسلك سلوك المال الحقيقي.
قدرة المصارف التجارية على خلق المال, تفسّر تزايد سيطرة المصارف التجاريّة على زمام كل القوى المهمة في الضبط والتلاعب بعرض المال, وتمويل, او التأثير على او السيطرة على الاقتصاديات القوميّة في معظم الدول الرأسمالية, و أحياناً يتوسط في هذه السيطرة البنك المركزي وإدارة الخزنة, المرؤوسان عادةً من وكلاء الطغمة المالية.
من ناحية نظرية, فإنّ قدرة النظام المصرفي على خلق مال الائتمان أو مال الدين, تنحد وتتحدد بعاملين اثنين: (أ) الودائع-المدخرات من الأسر ومن الأعمال, و (ب) سياسة البنك المركزي, والتي تحدد متطلبات الاحتياطي والعرض المالي, ( ما أسميناه: الصيرفة الاحتياطية الجزئية).
الصيرفة الاحتياطية الجزئية تعني, أنّه وفي سبيل الأمان والاستقرار المالي, يتوجب على المصارف التجاريّة الإبقاء الدائم على جزء محدد قانونياً, من ودائعها (مثلاً 20%) بين يديها, بخزائنها او في حساباتها المعتمدة عند البنك المركزي. هذا الجزء المقتطع من الودائع البنكية, يسمّى (الاحتياطات المطلوبة), أو (قاعدة-شرط رأس المال). أمّا الباقي (80% حسب مثالنا) فهي فقط ما يمكن إقراضه, وتسمّى الاحتياط الفائض.
من ناحية الممارسة, فإنّ قدرة النظام المصرفي على خلق الائتمان, أو المال البنكي, لا يخضع بشكل كبير لقيود كمية المدخرات -الودائع التي يحصلوا عليها, أو بالقيود التي يفرضها البنك المركزي على العرض المالي من خلال الصيرفة الاحتياطية الجزئية. فالصيرفة الاحتياطية الجزئية تعني, انّه وبناءاً على كمية ودائعهم الاقراضية, أو فائض احتياطاتهم, التي تحددها متطلبات الاحتياطي, فالمصارف التجارية تقوم أولاً بتحديد قدرتها على الإقراض, ثم تسرح بحثاً عن الزبائن. مع ذلك, فهم في العالم الحقيقي, يتصرفون أحياناً بالطريقة العكسية: تمديد الائتمان, والبحث عن الاحتياطي لاحقاً, بطريقة أو بأخرى, تستوعبهم البنوك المركزية. هذا يفسّر كوْن الاحتياطي البنكي الحقيقي, أو شرط رأس المال, في بعض الأحيان أصغر من الاحتياطي المطلوب, خاصة خلال الفترات المتفائلة من تضخم سعر الأصول, أو تمدد الفقاعة المالية.
ما زاد من خطورة قدرة المصارف التجارية على خلق المال (مال المديونية طبعاً) في السنوات الأخيرة, أنّ القطاع المالي حرّر نفسه بطريقة منظمة من القواعد والتنظيمات التقليديّة, معظم مال المديونية الذي يخلقوه الآن, يتم تحويله إلى المضاربة, ليس إلى الانتاج. هذا يفسّر النمو (الأسّي) للقطاع المالي الطفيلي في معظم الدول الرأسماليّة. كما لاحظنا, فإنّ النمو الطفيلي للقطاع المالي في إيران, يعكس حالة متطرفة من هذه التنمية المشؤومة, تنمية جعلت من اقتصاد وسوق البلاد ما يشبه بشكل أو بآخر الكازينو الممتد على وسع البلاد كلّها.
ما العمل؟
من خلال هذا النقاش المختصر, يظهر أنّ ضخامة الأمولة المفرطة في اقتصاد إيران, نتجت عن عاملين رئيسيين: (أ) قدرة و-أو حرية المصارف التجاريّة والمؤسسات المالية الأخرى في خلق المال, و (ب) قدرتهم و-أو حريتهم في الشروع في نشاطات غير مصرفية, تشمل المضاربة في أسواق السلع الاساسية, خاصة المعادن الثمينة, وفي العملات الأجنبية, وسوق العقارات, وسوق الاستيراد, وكل ما شابه.
السياسات المترتبة على هذا التشخيص, سياسات لا لبس فيها: لتطهير الاقتصاد الإيراني من الآثار المسممة للطفيلية المالية, لا بد من (1) إنهاء قدرة المصارف التجارية, والمؤسسات الماليّة الأخرى, على الشروع في نشاطات غير مصرفية, و (2) إنهاء قدرتهم على خلق المال.
إلى جانب تأثيراتها الاقتصادية المدمرة والمزعزعة للاستقرار, فإنّ قدرة المصارف الخاصة على خلق المال, تخلق إشكالية على الصعيد القانوني و-أو الدستوري. مثل معظم, أو ربما الأغلبية من القرارات والسياسات الاقتصادية المهمة لأي شعب, فإنّ خلق المال هو صلاحية سياديّة للشعب وحق قومي, فهو ينتمي للنطاق العام لا للخاص. حق انتاج المال يجب أن يخضع حصرياً للبنك المركزي التابع بدوره للملكية العامة, كسلطة نقد للدولة. هذا سيعمل على استبدال النظام الحالي المصرفي أو نظام الائتمان المالي الفاسدَين, والمعتمدين على نظام الصيرفة الاحتياطي الجزئي, بنظام مالي سيادي.
يجب الإشارة إلى أنّ امتلاك الدولة رسمياً أو اسمياً للبنك المركزي, لن يستبدل بالضرورة أو تلقائياً النظام المالي المصرفي الائتماني, بنظام السيادة المالية. حالياً, فإنّ عدد من البنوك المركزية, بما فيها الإيراني, تخضع رسمياً لملكية الدولة, ولكن تتقوّض قدرتهم على السيطرة على عرض المال القومي, بانتشار الصيرفة الاحتياطية الجزئية. هذا يعني أنّ قدرة البنك المركزي في السيطرة على الأوراق المالية القوميّة يتطلب تقييد فعّال لسلطة المصارف التجاريّة على خلق المال.
من الممكن أن تمتلك المصارف التجارية الحرية لتمويل الأعمال أو احتياجات الاقتراض للمستهلكين, ولكن بدون أن يكون مال المديونية قاعدة للصيرفة الاحتياطيّة الجزئية. بكلمات أخرى, لا يمكن لهم أن يُقرضوا المال, قبل أن يحصلوا عليه فعلياً, اي قبل أن يحصلوا عليه (من المودعين, المصارف الأخرى, الأسواق المالية والرأسمالية, و تحت شروط محددة من البنك المركزي).
هذا يتطلب استبدال نظام الصيرفة الاحتياطي الجزئي, بنظام احتياطي 100%. نظام الاحتياطي الكامل, يعني أنّه "عندما يودع الناس أموالهم, معتقدين أنّهم يملكون مالاً في البنك, سيكون لديهم فعلياً عملة قانونية في البنك, ليس 94% (اكثر أو أقل) من أموالهم يقترضها المصرفي" على حد تعبير ويليام هكسون.
كتب البروفيسور جون هوتسون من جامعة أونتاريو-واترلوو, في دعمه لفكرة خطة 100% احتياطي:
"خطة 100% احتياطي, ستنهي مال المديونية... مال الحكومة (العملة القانونية), هو مال (جيّد), لأنّ من الممكن انفاقه في تداول خالي من الفائدة والدين, بعد تنفيذ وظائف المال المفيدة في سد تكاليف استبدال العملات الورقية والمعدنية البالية... المال الناتج من المصارف التجاريّة هو مال (سيء), لأنّه يجب أن يُقرض في تداول مع فائدة, و يستمر في البقاء فقط طالما يوجد شخص ما ينوي أن يدفع فائدة ومصارف تنوي أن تستمر في الإقراض"
تحت نظام المال السيادي, الإضافات للأوراق الماليّة للعرض المالي, أو خلق مال جديد, سيكون من اختصاص البنك المركزي, وسيُرحَّل إلى الخزينة. وستقوم الخزينة بعد ذلك, بإنفاق, لا إقراض, المال الجديد في التداول. هذا سينتج نظام سك عملات, مشابه لسلطة النقد التاريخية, أي نظام سك عملات خالي من الفائدة و سداد الديون.
(ممكن وفي بعض المناسبات المحدودة, أن يقوم البنك المركزي بإقراض المال الجديد للمصارف التجاريّة, حين تتطلب الحاجة. هذا من شانه أن يخلق الفائدة المنقولة لرسوم سك العملات) الربح المتأتّى من سك العملة, أو إصدار المال الجديد, لن يذهب مطلقاً إلى جيوب المصارف المركزيّة الخاصة, أو إلى جيوب المصارف التجاريّة. بل سيذهب للمحفظة العامة وسيستفيد منه دافعو الضرائب.
كيف سيقرر البنك المركزي, وكيف سيسيطر على الكمية الصحيحة أو المُثلى من المال في التداول, بحيث لن تزيد الكمية عن الحاجة ولن تقل؟
الإجابة: أن الاوراق الماليّة في التبادل, يجب أن تعتمد على حجم الناتج القومي, أو إجمالي الناتج القومي, أو معادله المالي: إجمالي الدخل القومي.
بالتحديد, فإنّ كمية المال في التداول (م) ستتحدد بالمعادلة البسيطة التالية: س.م= إجمالي الدخل القومي.
س: سرعة تداول المال, أو عدد المرّات التي ينتقل فيها الدولار من يد لأخرى, خلال العام المالي. على سبيل المثال, إذا كان إجمالي الدخل القومي 100 بليون دولار, وسرعة التداول = 1, فإن كمية المال (م) ستكون 100 بليون دولار, لتكون كافية لتداول قيمة السلع والخدمات البالغة 100 بليون دولار.
ولكن إذا كانت سرعة التداول (س) = 5, فإنّ كمية المال (م) اللازمة لتداول 100 بليون دولار إجمالي الدخل القومي, ستكون 20 بليون دولار فقط.
أمّا إذا كانت (س)= 10, فإنّ (م) = 10 بليون دولار. وهكذا.
بناءاً على هذه المعادلة البسيطة, فإن ضخ مال جديد في التداول, ( تغيّر (م)) سيتحدد بتغيّر إجمالي الدخل القومي وسرعة التداول (س). فإذا ارتفع إجمالي الدخل القومي 5%, وبقيت (س) ثابتة, فإنّ (م) يجب أن ترتفع 5% أيضاً.
ولكن, إذا ارتفعت (س) 5%, مع ارتفاع إجمالي الدخل القومي 5%, فإنّ (م) يجب أن تبقى ثابتة, وهكذا.
إنّ إنتاج المال الضروري بدون أية فوائد, عوضاً عن اقتراضه من المصارف التجارية والمؤسسات المالية الأخرى التي تتكسب بالفائدة, يتيح للحكومة تعزيز ميزانياتها وإزاحة مبالغ ضخمة من الالتزامات الماليّة عن كاهل دافعي الضرائب. على سبيل المثال, أثبت بالدليل, أنّ الحكومة الفدرالية الأمريكية دفعت في عام 2011 ما مجموعه 454-$- بليون على شكل فوائد لديونها, مما شكّل ثالث أعلى بند في الميزانية, بعد العسكرة ونفقات الضمان الاجتماعي. هذا الرقم يعادل تقريباً ثلث مجموع ضرائب الدخل الخاص المجبيّة في ذلك العام (1.100-$- بليون). هذا يعني, أنّه وفي حال أنتجت الحكومة الفدرالية المال الذي تحتاجه, بدلاً من الإقتراض مع فائدة, فإنّ الانخفاض في ضرائب الدخل الشخصي سيعادل الثلث. وكبديل, سيتم استثمار المدخرات في البنية التحتية الاجتماعية, البشرية والمادية, مما سيشكل زيادة جذرية في القدرة الانتاجية للأمّة, بالإضافة لخلق ملايين فرص العمل, ورفع مستوى المعيشة للجميع.
باختصار, لا يوجد عجز في الرأسمال المالي في إيران. المشكلة في أنّ الرأسمال المالي يستخدم بكثافة لأغراض المضاربة لا الإنتاج. لتحويل مواردها المالية من المضاربة إلى الانتاج, تحتاج إيران إلى (أ) منع المصارف التجارية من ممارسة الأنشطة غير المصرفية, (ب) منع المصارف التجارية من انتاج مال الدين بالاعتماد على نظام الصيرفة الاحتياطي الجزئي, (ج) منح صلاحيات إنتاج المال الحقيقي السيادي, بشكل حصري للبنك المركزي الخاضع لملكية الدولة, و (د) ضمان إنفاق المال الحقيقي والقانوني الناتج, في الاقتصاد-التداول من خلال نفقات اجتماعية, تنمويّة, بنية تحتية, و مشاريع قومية حيوية اخرى.
فقط من خلال هذا الإصلاح الجذري للسياسات المالية والمصرفية, بالتوازي مع دعم قوي للصناعة من خلال سياسة فعّالة لاستبدال الواردات, ستتمكن إيران من إحياء اقتصادها الخامل, وسترسم مساراً جديداً للتصنيع, والتنميّة, والاستقلال الحقيقي.