نقد المفهوم الميتافيزيقي للأزمة الرأسمالية


حاتم بشر
2016 / 8 / 26 - 11:55     

تتواتر مفردة ”الأزمة الرأسمالية“ تواتراً جمّاً عبر أغلب التحليلات السياسية والإجتماعية والإقتصادية في الآونة الأخيرة. ومن الصائب حقّاً أن يميط المرء اللثام عن الأسس والقوانين الإقتصادية الدفينة التي توجه وتعلل شتى الظاهرات السياسية والإجتماعية. لهذا السبب فإنه من اللازم أن نحرص على تمحيص أدواتنا المفاهيمية تمحيصا دقيقا.
أولا:نبذة عامة عن الأزمة:
بيّن كارل ماركس أنه بالإقتران مع ظهور الإنتاج السلعي البسيط قامت الإمكانية(الإمكانية الشكلية) لنشوء الأزمات. وقد فسر ذلك بعدم التطابق بين حركة السلع وحركة النقود. إلا أن الإمكانية الواقعية لنشوء الأزمات لم تظهر وتتحول إلى واقع إلا في ظل الرأسمالية وفي تلك المرحلة من تطورها التي تتميز بسيطرة الإنتاج الآلي الضخم.
إن السبب الجوهري في نشوء الأزمات الإقتصادية هو التناقض الأساسي للرأسمالية، التناقض بين الطابع الإجتماعي للإنتاج والشكل الخاص للتملك الرأسمالي. وهو إعراب عن التناقض القائم بين القوى الإنتاجية وبين العلائق الإنتاجية الرأسمالية. ويظهر التناقض الرئيسي للرأسمالية في جملة صور محددة:
1-الصراع الطبقي.
2(التناقض بين الإنتاج والإستهلاك).(=الأزمة).
ولقد قدم لينين تحديدا كلاسيكيا للتناقض بين الإنتاج والإستهلاك:
((إن التناقض بين الإنتاج والإستهلاك، والذي تتميز به الرأسمالية، ليتمثل في أن الإنتاج ينمو بسرعة هائلة وفي أن المنافسة تكسبه اتجاها نحو التوسع اللامحدود، هذا بينما الاستهلاك(الشخصي) اذا كان ينمو فببطء شديد. ذلك أن الوضع البروليتاري للجماهير الشعبية لا يتيح للاستهلاك الشخصي امكانية النمو السريع)) Lenin- Complete Works. Vol.4, P. 160
إن الحرص على جني المزيد من الأرباح يرغم الرأسماليين على تشديد استغلال الكادحين، الأمر الذي يحد من قدرة المجتمع على الإستهلاك والدفع. وذلك هو أحد التناقضات المستعصية للرأسمالية، فزيادة فائض القيمة(وهي هدف الإنتاج الرأسمالي) تعتبر في آن معا- حافزا ومعوقا لنموه.
إن الرأسمالية تعطي الإنتاج طابعا اجتماعيا. إذ أن عمليات الإنتاج العديدة المتفرقة تندمج في عملية انتاج اجتماعية واحدة. على حين أن المؤسسات تمكث في أيدي الرأسماليين اصحاب الملكيات الخاصة. ومن هنا تنبثق فوضى الإنتاج الرأسمالي.
ثانيا-المفهوم الميتافيزيقي عن الأزمة:
الأزمات هي، أولا، وقبل كل شيء، ظواهر تتكرر على نحو دوري لدرجة ما في الإقتصاد الرأسمالي. ويطلق على الفترة بين ازمة اقتصادية واخرى اسم "الدورة الصناعية".
إن هذا التعريف الذي سقناه توا هو تعريف صحيح تماما في حد ذاته. غير أنه تعريف ناقص. وإن العقل الميتافيزيقي ليقنع به تماما على ما فيه من نقصان.
تتكون الدورة المتقدم ذكرها من أربع مراحل:
1-الأزمة. 2-الكساد. 3-الإنتعاش 4-النهوض.
إن العقل الميتافيزيقي يفصل بين تلك المراحل فيرصها رصا إحداها في جوار الأخرى. وعنده أن مرحلة"الكساد" تنقض مرحلة"الإنتعاش نقضا مطلقا. وأن طور "الأزمة" يعارض طور"النهوض" معارضة نهائية.
إن خـــطـــورة هذا الفهم التجريدي الآلي لمعنى الأزمة، تتمثل في أنه يـــقــود- بدوره- إلى سوء الفهم الذي يحيط بقضية "احتضار الرأسمالية"، بل إلى إنكار هذه القضية اللينينية المطلقة الصحة..
فإن العقل الميتافيزيقي إذ يسلم تسليما عفويا دون نظر بأن "الأزمة" تمثل مرحلة مستقلة قائمة بذاتها، ويحفر هوة غير معبورة بينها وبين أطوار الدورة الصناعية الأخرى، فإنها يستنتج-عندما تنتهي مرحلة الأزمة-أن الرأسمالية قد نجحت في العبور من "المرض" إلى "الصحة"، من "الخطر" إلى "السلامة"، وإذن فلا مجال للحديث عن أفول الرأسمالية أو إضمحلالها.
وهنا نرى أن مفهوم الأزمة في الإقتصاد، قد لحق به التشويه عينه الذي لاقاه مفهوم العدم في الفلسفات المثالية!

يتبع ...

مراجع:
1- Das Kapital
by Karl Marx, translated by Samuel Moore and Edward Aveling.
2- Political economy : capitalism
by G. A. Kozlov, Jane Sayer