الجدل الهيجلي في مؤلف رأس المال - 6


علي عامر
2016 / 8 / 25 - 19:59     

{قراءات في كتاب رأس المال في ضوء الجدل الهيجلي}- 6


الفرضية:

1- الماركسية ليست الا تطبيق الهيجلية في وسط مادي.

" كان الديالكتيك يسير على رأسه، ويكفي اعادته على قدميه لكي نرى له هيأة معقولة"

2- ماركس التزم حرفيا بالمنهج الجدلي.

"اعلنت نفسي تلميذا لهذا الفيلسوف العظيم"

وهذا ما سيتم اثباته في هذه السلسلة.

*الكتلة غير المتمايزة للعمل البشري, أو شبح الهوية الخالصة للوجود (البضاعة) وماهيتها (العمل البشري).*

يقول ماركس في رأس المال: "لننظر الآن ماذا بقي من منتوجات العمل. لم يبق منها سوى شبح مشترك لها كلّها, سوى مجرّد كتلة من العمل البشري غير المتمايز, أي انفاق قوة العمل البشرية بصرف النظر عن شكل هذا الانفاق."
يستخدم ماركس هنا كلمات مثل "شبح", " كتلة غير متمايزة من العمل البشري", ويأتي استخدام هذه الكلمات في خضمّ استنباطه للعمل من البضاعة, باحثاً عن القاسم المشترك بين جميع البضائع,- وهنا لا بد من العودة للحلقات السابقة من هذه السلسلة, لمتابعة مسير هذا الاشتقاق-.
أي وحسب ماركس, في خضمّ الانتقال من البضاعة إلى ماهيتها, وهي العمل البشري المبذول فيها, وقبل الولوج إلى تحديدات الماهية وتمايزها, أو شكل العمل البشري المبذول, لا بدّ من العبور في هذه المنطقة الانتقالية التي تظهر كشبح, أو ككتلة غير متمايزة من العمل البشري, التي تفصل البضاعة وتحديداتها, عن العمل البشري وتحديداته أو شكله.
وإذا استطعنا إيجاد هذه المنطقة الضبابية غير المتمايزة, في منهج هيجل, وبنفس منطقة وقوعها عند ماركس, وبالتحديد عند انتقاله من دائرة الوجود إلى دائرة الماهيّة, سنضع حجراً جديداً في هذا البناء الذي نعمل عليه, والذي يقول بالتماهي المتناهي الدقة بين منهج هيجل وتطبيق ماركس له.
يقول هيجل في كتابه "علم المنطق", "The Science of Logic", تحرير وترجمة جورج ديجوفاني, في الصفحتين 337-338:
“–We already noted above, that if pure essence is defined as the sum total of all realities, these realities are equally subject to the nature of determinateness and abstractive reflection and their sum total is reduced to empty simplicity.”
التعريب: "وقد لاحظنا أعلاه, أنّه إذا كانت الماهيّة النقيّة الخالصة, هي المجموع الكلّي لكل الوجودات الفعلية, فهذه الوجودات الفعلية تخضع بالتساوي لطبيعة الانعكاس المحدَّد والمجرَّد, والمجموع الكلّي لهم سيُخفَّض إلى البساطة الفارغة."
التعريب هو مجهود ذاتي من علي عامر, كاتب هذه السلسلة.
لذا فإنّ ما وضع عند ماركس بكلمات من مثل "الشبح", "كتلة غير متمايزة", موجود أصلاً عند هيجل, وإن بتعبيرات مختلفة نسبياً, أو قل بتعبيرات أكثر تجريداً, من مثل:"البساطة الفارغة”, وقبل عدة أسطر من الفقرة المقتبسة عن هيجل, يستخدم هيجل عبارة “void of determination”, أو الخلو من التحديدات, في وصف نفس هذه اللحظة, التي تمثل الانتقال, أو القنطرة الضبابية, التي تفصل دائرة الوجود بتحديداتها, عن دائرة الماهيّة بتحديداتها.
فبعد التخلّص من تحديدات دائرة الوجود عن طريق عملية التجريد, التي تسعى إلى إيجاد القاسم المشترك بين جميع الوجودات الفعلية,وبلغة هيجل “the sum total of all realities” , وقبل الولوج لتحديدات دائرة الماهيّة, تظهر هذه المنطقة التي تمثّل الهويّة الخالصة للوجود والماهيّة معاً, والخالية من أي ومن كل التحديدات.
وبلغة ماركس في رأس المال, فنهاية عملية التجريد للبضاعة, والتي ترمي للبحث عن القاسم المشترك بين جميع البضائع, وبعد التخلّص من كافّة تحديدات البضاعة, كالكيف والكم والقدْر, (والتي شرحناها بدقة في الحلقات السابقة) وقبل الولوج إلى أي تحديد من تحديدات القوّة البشرية المبذولة لانتاج البضاعة كقاسم مشترك أو قبل التعرّض لشكول هذه القوّة البشرية, تظهر هذه اللحظة في مسير المنهج, والتي استخدم ماركس لفظ "الشبح", أو "الكتلة غير المتمايزة" في تحديدها.