الحقيقة ليست أكثر من مجرد عملية حفر


عذري مازغ
2016 / 8 / 19 - 09:27     

العمق، أكثر الأمور إيلاما هي البحث عن العمق، القفز إليه بالمرة هي أكثر الأمور بؤسا في الفكر لأنها تحتمل أكبر نسبة من الخطأ، أما الذين يريدون أن نفهمهم بعمق، فتلك أيضا طامة أخرى، فهم شخص ما بعمق يعني أنك تشترك وإياه في خلفيات معرفية خاصة، لكن فهمه لأنه يرتل تعبيرات مرنمة في مزاجه، تلك هي الخطيئة الكبرى، بدئيا نعرف أن العمق أحيانا في الفكر لا يتم إلا عبر مراحل من التشبع من التراث الإنساني بشكل عام، في غياب هذا التشبع تحدث أخطاء فادحة تنبني على مكر إنساني بالغ الوطء إن البلاغة في التعبير لا تصنع فكرا، إن البداهة أيضا لا تصنع فكرا لأنها تصلب الموقف في التفكير، هي نقيض الريبة، هذه التي هي تمثل أرجل العقل والتنوير، "بدون شك"، هذه العبارة الجميلة التي تنطلق بها البداهة هي بالتأكيد صلب التشكيك، "بدون شك" تنطوي في جوهرها على مكر واستغفال الآخر، إنها تمثل القطع المعرفي في المكر.
ليس هناك عمق بدون حفريات، العمق بدون هذه الحفريات، قد يكون نقيضا لتصوراتنا.
الحفر أساسا هو الطريق للعمق، البساطة اكثر تعبيرا من العمق أو بعبارة أخرى هي درجة في الطريق إلى العمق، هذا ما يفتقده الذي يريدك أن تفهمه في العمق.
الهروب،كثيرا منا يعتقد أن التوسع في الموضوع هروبا، حين تجبر أن تعطي نماذج في الموضوعة، أنا شخصيا لا أحب النقد المتجبر حول الإشتراكية والشيوعية مثلا، كل النماذج التاريخية وضعت فهما معينا، بناء على تجربة معينة مقرونة براهنية تاريخية معينة، أتساءل أحيانا : هل أزمات الراسمالية ليست موضوع تساؤل وهي تجدد مقوماتها الدفاعية؟ لماذا يرتكز النقد على اشتراكية فاشلة ولا ينظر هذا النقد في راسمالية فاشلة تماما. هل هي النزعة الفردية؟ الإشتراكية في مفهومها العام تنفي الفردانية، لكن مشكلتها أنها لم تقضي عليها في التجربة السوفياتية مثلا مع أني أومن بانها تجربة خاصة براهنية زمانية معينة لا زال فيها العالم حينها يؤمنون بالأنبياء، الإشتراكية هي أن يشترك المجتمع كله في ملكية وسائل الإنتاج، هل ذلك ما تم في الإتحاد السوفياتي؟
حسب التعريفات الواردة في القاموس الستاليني، كانت فيه الإشتراكية نقلة نحو المجتمع الشيوعي، لكن المسرح التاريخي أثبت عكس ذلك بدليل أن أغنياء روسيا الآن، في أغلبهم، كانت لعائلاتهم موقع في السلطة السوفياتية، لا زلنا حتى الآن لم نخرج من عقدة النزعة الفردية الرأسمالية، وهي نزعة تكرست فيما نسميه الآن بالبيروقراطية، كان، لتصحيح المسار، على الأقل، أن يبادر الستالينيون أنفسهم إلى نبذ الفردانية، والحقيقة التاريخية، أن الزعامة كانت العمود الفقري للإشتراكية السوفياتية، هل يتفق ماركس مع ذلك؟؟
بالتأكيد، في كل أبجدياته كان يتبرأ من اشتراكيي عصره، لماذا؟ بالتحديد، بسبب من هذا النزوع نفسه، لأن اشتراكيتهم كانت تفتقد سيرورة في الوعي من الإنتقال من النزعة الفردانية إلى النزعة التشاركية، كان ماركس يفترض قفزة نوعية أيضا في الوعي الذاتي ، كان ماركس كنيتشة يعي أنه غير مفهوم في عصره. هذه كانت مقاربتي لمقارنة نيتشة بماركس، وكان الأمر يعني للكثير نوعا من الهروب في الوقت الذي، برغم كل اختلاف الشخصين، كانا متقاربين.
الآن بناء على ما سبق، يجب الإعتراف أن كل زعماء أحزاب اليسار في العالم الذي يسمى في قاموس الدناءة ونفي الهويات بالعالم العربي، أن هؤلاء، كلهم تحدوهم النزعة الفردانية الرأسمالية، وعليه، وفي قاموس محمود درويش، "يجب الذي يجب" ، يجب نكران الذات ونزع روح الفردانية في قاموس اليسار : لا زعيم ولا طليعة خرافية ولا هم يحزنون. قد أتهم بالهروب، الهروب من الإعتراف بمنجزات ستالين،ستالين أنجز وحقق ما نراه، روسيا كدولة رأسمالية قومية، احدهم علق يوما بنكهة الفكاهة التفكيكية التي اقتبسها من نيتشة: الإشتراكية تصلح للإستدراك التاريخي، الإلتحاق بالتقدم الراسمالي ، تحصيل حاصل ، الإشتراكية رفعت روسيا إلى مقام الدول الرأسمالية الكبرى..هل هذه رؤية تفكيكية نيتشية؟
لنيتشة تناقضاته الفكرية، وربما حتى طريقة نشر كتبه اكتساها غموض عارم، لكن الذي نعرف جيدا عن نيتشة، عن جرأته في النقد، أنه لم يوجه نقدا خاصا لماركس وهو كما نعلم جميعا اتى بعده، من الغريب أن فيلسوفا كبيرا كنيتشة، لم ينتقد الفيلسوف الذي حل محله ماركس والذي اشبعه نيتشة سخرية، لم ينطق نيتشة في ماركس برغم أنه في زمانه كانت كتب ماركس متاحة.
ماركس ملحدا؟. يومن ماركس وهذه قراءة ألتوسير له، أنه يومن بالأنساق الإجتماعية وهذا حقيقي، ماركس إنساني في ذاته، في أخلاقه، لم يكن إنسانيا في تحليلاته، لانه يومن بفكرة أن الأنساق الإجتماعية هي من يتحكم في التاريخ البشري، لكن ماركس وهذا حقيقي، لم يلم ألناس على تعلقهم بالدين، شرح الدين وفقا لمعطياته التحليلية، لم ينظر ماركس يوما في الإلحاد وهذا ما أثيره الآن، نظر ماركس في الإجماع الإنساني بتعبير ابن خلدون، ونظر في الإقتصاد مستخلصا تيمات الإستغلال ، عندما يوجه مومن نقضه للإلحاد مثلا عليه أن يرد على الملحدين بالتحديد، وليس على ماركس الذي لم يعلن إلحاده يوما ما ولم ينظر له أصلا، قولته الشهيرة: الدين أفيون الشعوب، تستخلص من نقضه للإقتصاد السياسي لا أكثر.
الإفتراء ورمي الآخر بالكذب، في غياب الفهم يمكن للأمر أن يتصور أي شيء، والصراحة اننا في المغرب نفتقد اللغة، إن كون اللغة العربية هي لساننا، يفقدنا الكثير من الإستعاب، الدارجة المغربية لها منطق امازيغي، لغتنا الأمازيغية ليست مقدسة، لذلك فهي تعبر عن وجداننا الغريزي، المقدس في منظوري الشخصي، هو المناقض لغريزتي، وهذا سبب مهم لأرفضه، المقدس هو الخارق للنظام القانوني للطبيعة، الذي لا يمكن تحديده بقانون معين، أحد أصدقائي يقول بان الرياصيات تجاوزت الفيزياء بقرون وهو على حق، لكن بالفعل لم ينظر للبراق (المعجزة) أنه يفترض فيه أنه قطع مسافات ضوئية ، بالعقل الرياضي، لا يمكن لمحمد الرسول أن يعود لاهله في نفس الليلة، إن الامور التي تتوخى التوفيق بين العلم والخرافة هي أمور بديهية يعبر عنها الإعجاز في القرآن، إن الإعجاز دليل على دونيته العلمية بهذا القياس ، بالنسبة لي الإعجاز يمثل تحريفا في معاني الدلالات اللغوية. الإعجاز خرق للعقل وللمنطق الرياضي نفسه الذي يستدل به البعض لنفي الفيزياء .. تبقى الفيزياء لها دلالاتها العقلانية الغير متناهية: الحقيقة هي عملية حفر لا اكثر