الصراعات الطبقية بالمغرب والتحالف الطبقي العمالي الفلاحي


الماركسيون اللينينيون الوحدويون المغاربة
2016 / 8 / 16 - 14:35     

لقد نشأت الطبقة العاملة الصناعية منذ دخول الإستعمار القديم في أوائل القرن 20 بعد بروز المنشآت الصناعية بكبريات المدن والموانيء بالمدن الساحلية، كما تشكلت طبقة عاملة منجمية وزراعية بعد تأسيس المنشآت الفلاحية وفتح المناجم بالبوادي، وعرفت نمو الطبقة العاملة المغربية تطورا كبيرا في مرحلة الإستعمار الجديد، ولعب استغلال العمال من طرف الرأسمال الكومبرادوري والإمبريالية دورا كبيرا في تراكم القيمة الزائدة في يد أقلية برجوازية محلية، بعد إندماج الرأسمال الكومبرادوري في الرأسمال الإمبريالي نتيجة تكثيف استغلال العمال في شروط شبيهة بالعبودية الفيودالية، عبر تطبيق القوانين الإستعمارية الجديدة التي تشرعن لحماية الإستثمارات الرأسمالية تطبيقا لبنود اتفاقية التجارة العالمية والتبادل الحر، فتعرض العمال للطرف بعد خوصصت المؤسسات الإنتاجية الصناعية والمنجمية والفلاحية وتفويتها للشركات الرأسمالية الكومبرادورية والإمبريالية.

ولم تستطع الطبقة العاملة المغربية التطور كطبقة لذاتها رغم دورها الكبير في المقاومة المسلحة بالمدن بتحالف مع جيش التحرير بالبوادي الذي يقوده الفلاحون الصغار والفقراء، نتيجة هيمنة البيروقراطية الحزبية والنقابية على مصالحها السياسية والإقتصادية والثقافية، مما عرقل تأسيسها كقوة سياسية ـ اقتصادية عبر التحالف العمالي ـ الفلاحي ضد الإستعمار القديم ومنعها من قيادة الثورة المغربية في مرحلة الإستعمار الجديد، الذي تم بناء أساسه الإقتصادي عبر التحالف الطبقي بين الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار وبقايا الإقطاع، بعد تصفية جيش التحرير والمقاومة المسلحة بتعاون مع الطبقة البرجوازية الصغيرة لحزب الإستقلال والإتحاد المغربي للشغل.

وتشكلت فئة من الطبقة البورجوازية الصغيرة التي هيمنت على القيادات البيروقراطية الحزبية والنقابية، وأصبحت الطبقة العاملة حبيسة نضالاتها الإقتصادية التي تخدم الأهداف السياسوية للأحزاب الإصلاحية التي تتحكم في النقابات العمالية، أما الفلاحون الصغار والفقراء فلم يستطيعوا الخروج من نفق التبعية للرأسمال الكومبرادوري نظرا لتهميشهم من طرف البيروقراطية الحزبية والنقابية وإبعادهم عن العمل السياسي والنضال النقابي، وأصبح التحالف الطبقي الذي تم بناؤه خلال مرحلة النضال الثوري ضد الإستعمار القديم يتلاشى لتنعزل هاتين الطبقتين الإستراتيجتين عن بعضهما البعض ويتم إخفاق الطريق الثوري إلى حد يتم فيه استغلالهما ضد مصالحهما الطبقية (دعم الملاكين العقاريين الكبار من طرف الفلاحين الصغار والفقراء بالبوادي ودعم الباطرونا من طرف العمال بالمدن أثناء الحملات الإنتخابية).

إن تحرير هاتين الطبقتين الإستراتيجيتين من قيود القيادات البيروقراطية الحزبية والنقابية باستطاعته بعث التحالف الطبقي السياسي بينهما في أفق التحالف الإقتصادي لبناء الطريق الثوري، في ظل تحقيق التحالف الحربي بينهما عبر الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بقيادة الحزب الماركسي ـ اللينيني، ولكون الفكر البورجوازي الصغير يحكم أسلوب حياة الفلاحين الصغار والفقراء فإن الطبقة العاملة هي المؤهلة تاريخا لقيادة الطريق الثوري عندما تكون في مستوى فرز طليعتها الثورية، والصراعات الطبقية بالمغرب تبين مدى تخلف هاتين الطبقتين عن قيادة الصراعات الطبقية للإعتبارات :

ـ كون الطبقة العاملة المتعلقة تاريخيا بالبوادي لم يكتمل لديها مستوى الوعي السياسي الطبقي رغم أنها تشكل كقوة أساسية في الإنتاج (المنجميون، السككيون، البحريون، عمال النسيج، العمال الزراعيون، العمال بالصناعات الإستهلاكية والخدماتية ...)، إلا أنها معزولة عن العمل السياسي والنقابي ومقيدة بقيود شغلية قمعية استعبادية تجعلها لا تفكر إلا في المطالب الإقتصادية التي سطرتها لها البيروقراطية النقابية مما يجعل وعيها حبيس النضال الإقتصادي، فلا تستطيع ربط واقعها المادي بالوضع السياسي العام الذي تعيشه مختلف الطبقات الشعبية داخل الطبقة الوسطى (أشباه البروليتاريا، الفلاحون المتوسطون والصغار والفقراء، التجار المتوسطون والصغار والكادحون/الفراشة، الحرفيون، التقنيون، المهندسون، الأطباء، المحامون، الأساتذة، الطلبة، المعطلون...).

ـ وضع الطبقة العاملة المغربية التي تتسم بكونها حبيسة الوعي بذاتها يحول دون قدرتها على تجاوز النضال الإصلاحي المحدود الأفق إلى مستوى النضال الثوري الذي يتجاوز الصراع ضد الحكومة إلى مستوى الصراع ضد الدولة، وذلك عبر إثارة جميع مظاهر الإضطهاد البوليسي التي تمارسها أجهزة الدولة ضد الجماهير الشعبية غير المرتبط ارتباطا مباشرا بالنضال الإقتصادي والتي تعتبر أساسية في جذب الجماهير إلى العمل السياسي، والنضال السياسي ضد جميع مستويات مظاهر الإضطهاد الذي تمارسه الدولة على الجماهير الشعبية إلى جانب النضال الثوري من أجل الحرية والإشتراكية.

ـ الطبقة العاملة لا يمكنها أن تكون "واعية لذاتها" إذا لم تستطع التعبير عن المظاهر الإجتماعية لباقي الطبقات والفئات المضطهدة، بشكل علمي مادي حيث وعيها بنفسها لا يتم بمعزل عن معرفتها بواقع جميع الطبقات والفئات المضطهدة، فتوجيه الطبقة العاملة إلى "وعيها بذاتها" لا يمكن أن يجعل منها الطبقة الثورية القادرة على الإستقلال الأيديولوجي والسياسي عن باقي الطبقات الإجتماعية،.لذا يجب بلورة الوعي الطبقي السياسي في أوساط الطبقة العاملة من أجل بلورة مفهوم الطليعة الثورية البروليتارية قائدة الديمقراطية البرولينارية في ظل ديكتاتورية الطبقة العاملة، والطبقة العاملة المغربية بعيدة كل البعد عن هذا المستوى من الوعي الطبقي السياسي مما يجعل من مهمة البناء النظري للطريق الثوري عملية جسيمة تتطلب تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الحركة العمالية.

ـ كون الفلاحين الصغار يعيشون تحت سيطرة فكر بقايا الإقطاع مما يجعلهم فئة وسطى متخلفة رجعية تعمل ضد مصالحها غير قادرة على إدراك حلفائها الطبقيين، ذلك ما يتجلى في ممارساتها المقيدة بمنطلقات قبلية ما قبل ـ رأسمالية حيث طغيان المصالح العائلية على المصالح الطبقية، الشيء الذي يجعل الفرد داخل الأسرة الفلاحة تابعا لمصالح رئيس العائلة التي ينتمي إليها والذي يستغل موقعه الطبقي للسيطرة اقتصاديا وسياسيا مما يعرقل بروز الوعي الطبقي السياسي لديهم كحلفاء إستراتيجيين في الطريق الثوري، وكان للأساليبهم التقليدية في الإنتاج دور كبير في تخلف وعيهم مما يجعل إمكانية بلورة عمل ثوري في صفوفهم يتطلب جهودا مضاعفة، عبر العمل النقابي الإقتصادي داخل نقابتهم أولا وتحالفهم مع الطبقة العاملة في النضال الإقتصادي ثانيا في أفق قيادة الصراعات الطبقية الجماهيرية سياسيا، الشيء الذي يمكن أن يؤهل هاتين الطبقتين الإستراتيجيتين في الثورة إلى التحالف الحزبي والإقتصادي.

إن تمركز الرأسمال في المجال الزراعي قد ساهم في اتجاه تشكل طبقة واحدة في البوادي كما قال لينين، نتيجة بروز الفلاحين الفقراء بدون أرض والعمال الزراعيين ككثلة طبقية بالبوادي تنضاف إلى الطبقة العاملة المنجمية مما ساهم في تطور الصراعات الطبقية بالبوادي عبر :

ـ بروز طبقة الفلاحين الفقراء بدون أرض، نتيجة هجوم تحالف الكومبرادور والملاكين العقارين الكبار وبقايا الإقطاع على أراضي الفلاحين الصغار ومصادرة أراضي الجموع وإقامة المشاريع الفلاحية الإستثمارية الرأسمالية على هذه الأراضي واستغلال المعادن بأراضي الجموع، قد ساهم في بروز العمال الزراعيين والعمال المنجميين بالبوادي يخوضون نضالات كفاحية قادرة على بلورة الحركة الإحتجاجية في صفوف الفلاحين الصغار، وبروز حركات احتجاجية بالبوادي ساهمت في بلورة حركة نضالية كفاحية في صفوف الفلاحين الصغار والفقراء من أجل حقوقهم الطبيعية في الماء والأرض والثروات الطبيعية، مما يوحي بإمكانية تأثير نضالات العمال المنجميين والزراعيين على تثوير الفلاحين الصغار والفقراء بالبوادي في اتجاه بروز وعي طبقي سياسي بالبوادي، يحرك الصراعات الطبقية بالبوادي إلى جانب نضالات الطبقة العاملة الصناعية بالمدن لتشكل مجمل هذه الطبقات كثلة طبقية تحرك دينامية الصراعات الطبقية في اتجاه بناء الطريق الثوري.

ـ كون الطبقة العاملة والبورجوازية هما الطبقتان اللتان تشكلان أساس الصراعات الطبقية في النظام الرأسمالي فإن بروز كثلة طبقية بالبوادي يساهم في تطور الوعي السياسي الطبقي، عبر التحالف الطبقي بين جميع فئات الطبقة العاملة من عمال صناعيين ومنجميين وزراعيين وعمال السكك الحديدية والموانيء، كما أن المراكز الحضرية المنتشرة بالبوادي تساهم في رفع المستوى الثقافي باعتبار الثورة الثقافية أساسية في إنجاح الثورات الإجتماعية، مما يساهم في نشأة طبقة بورجوازية الصغيرة مثقفة كفئة من الطبقة الوسطى، الغنية بالمقدمات الثورية التي يخلفها النظام الرأسمالي خاصة لدى الفئات التي تقف إلى جانب المطالب الثورية في مرحلة من الصراعات الطبقية التي تقودها الطبقة العاملة، لهذا أكد لينين على دور الطبقة البورجوازية الصغيرة أثناء البناء الإشتراكي حيث تستفيد البروليتاريا من المقدمات التي خلفها النظام الرأسمالي عبر استثمار مؤهلات البورجوازية الصغرى المثقفة.

إن الإستغلال والقمع والطرد والإضطهاد وكل السياسيات الطبقية للنظام الكومبرادوري اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي تجعل النضالات الجماهيرية تزداد اتساعا، هذه النضالات الجماهيرية بتعدد أساليبها النضالية تظهر مدى استعداد الجماهير الشعبية للنضال الثوري مما يضع أمام الماركسيين اللينينيين الوحدويين أهمية التنظيم أكثر فأكثر، فالحركة الجماهيرية رغم حجمها الواسع تلازمها عوائق التطور حيث بقاء وعيها في مستوى الوعي بذاتها رغم التطور الهائل الذي عرفته الصراعات الطبقية ببلادنا، مما يعرقل التنسيق فيما بينها ويجعلها حركة غير قادرة على تحقيق مطالبها رغم ما تقدمه من تضحيات جسام.

ويشكل انتشار المسلكيات الليبرالية وما قبل ـ رأسمالية في أوساط الطبقة العاملة والفلاحين الصغار والفقراء والتي تركزها في أوساطهم ممارسات البورجوازية الصغيرة من أشباه المثقفين في الأحزاب والنقابات أكبر العوائق في بلوغ مستوى الوعي السياسي الطبقي في الصراعات الطبقية، وفي ظل غياب حزبها الطبقي الثوري/الحزب الماركسي ـ اللينيني تظل بعيدة عن بلورة النضال السياسي الثوري في أوساطهم لعدم قدرة الطبقة العاملة على قيادة الصراعات الطبقية مما يبرز أهمية أداة الدعاية والتحريض الجماهيري من أجل البناء النظري للطريق الثوري.