الفلسفة الماركسية ونظرتها للانسان!


عادل احمد
2016 / 7 / 31 - 19:06     

ان احدى اهم ما في الفلسفة الماركسية هو تفسيرها الموضوعي للعالم الواقعي وترابط الاشياء بعضها مع البعض وتعلل سر وجودها ومنشئها بشكل مستقل عن عقولنا. ان هذا الترابط في الميدان الاجتماعي بين الانسان وطرق تفكيره وتعامله مع البعض ومع الطبيعة هو ايضا من احدى نقاط القوة لهذه الفلسفة العلمية. ان رؤية عالمنا كما هو وكذلك رؤية افرازاته الفكرية والسياسية وعلاقته بالعالم المادي هو مفتاح لاسترجاع الارادة والمكانة الصحيحة للانسان ومعيشته، هذا ما تحتاجه الانسانية في حياتها ان يكون لها النظرة الواقعية عن نفسها وعن محيطها والعمل من اجل المصلحة البشرية جمعاء بشكل واعي ومدروس. ان عقولنا وطرق تفكيرنا ما هو الا انعكاس لهذا العالم الواقعي والموضوعي حولنا.
ان الفلسفة الماركسية هي تفسير لعمق الانسانية ومن اجل الانسانية، هذا ما تبين في انتقادها لنظام العمل المأجور والرأسمال وانتقادها للنزعة القومية والدينية والعنصرية وتمايزها الطبقي. ان من يعتبر نفسه مؤيدا للنزعة الانسانية يقرب من الفلسفة الماركسية لا محالة بشكل ما ويؤيدها في هذا المضمار. والعكس صحيح ايضا من يكون مناهض للفكر الانساني والمساواتي بين اجناس البشر بعيد كل البعد عن هذه الفلسفة ورؤيتها للعالم الواقعي. ان من ينظر الى الانسان من منظور قومي لا يرى الا الانسان القومي ويكون متعاطفا فقط مع معتقداته القومية وكذلك نفس الشيء مع المعتقدات الدينية والطائفية والعنصرية. ان تقسيم الانسان الى القوميات والاديان والطوائف والاجناس هو بسبب وجود نمط من علاقات الانتاج يحتاج الى هذه التقسيمات ويربح من ورائها الثروة والمتعة. ليس هذا فحسب وانما يبقي المجتمع بدون النظرة الواقعية عن نفسه ومكانته الاجتماعية ونمط علاقاته الاجتماعية.
ان المجتمع البشري في تطوره يتجه يوما بعد يوم الى العالم المادي وادراكاته المادية ويبتعد عن الاوهام والمعتقدات والخرافات القومية والدينية، لان في تطوره ينضج الوعي والتفسير والادراك عن نفسه وعن محيطه، هذا هو القانون الطبيعي لتطور المجتمع. كلما ازداد تعامل البشر مع الطبيعة ومواردها وتحولاتها بنفس القدر يزداد وعيهم الاجتماعي وتطورهم الفكري. ان جميع القوانين الاجتماعية تغيرت في التأريخ طبقا لطبيعة النظام القائم وكلما تغير النظام تغيرت القوانين والعادات الاجتماعية معه ايضا. وحتى في نظامنا الحالي، الرأسمالية قامت بتغير جميع القوانين والقيم والتقاليد الاجتماعية واسست قوانين بما يتناسب مع مصلحتها الطبقية ونوعا ما متطورة بقياسها عن الانظمات السابقة. وان التفسير الذي يطبعه هذا النظام عن الانسان ومكانته لا يتجاوز المكانة الاجتماعية للبشر في علاقات الانتاج الرأسمالي، اي بين الطبقات، من جهة طبقة العمل وطبقة الرأسمال من جهة اخرى. على الرغم من وجود الوعي الاجتماعي حول هذا النظام الرأسمالي، فأن الطبقة الرأسمالية تحاول تضليل المجتمع والوعي بطرق مختلفة لابعاده عن الادراك الواقعي والعلمي حول وجوده. ان من يؤمن بوجود الاقوام او الطوائف او الاديان، لايوجد لديه الادراك الواقعي والعلمي لتواجده وانما يجده في ادراكه التقسيمي التي وضعته الطبقة البرجوازية امامه. قلنا بأن الانسان القومي لا يرى غير الاقوام المختلفة والانسان الديني لا يرى غير المؤمنيين بديانات مختلفة. ان هذه الواقعة اصطنعتها الطبقات السائدة والحاكمة للرأسمالية من اجل التحكم بتطور العقل البشري لمصلحتها المادية. ان بدون وجود الوعي الاجتماعي لقبول الطبقات والسيادة الطبقية، لا يمكن للرأسمالية البقاء ليوم واحد رغم وجود اجهزتها القمعية. ان الوعي الذي يقبل بوجود الطبقات حتى الان هو السلاح الاقوى للرأسمالية من اجل وجودها. ولكن عندما يكون الناس لهم تفسير اخر عن انفسهم حيال تفسير المادي والعلمي كما توضح في الفلسفة الماركسية، فأن هذا القبول بنظام طبقي واستبدادي يكون غير ممكن اجتماعيا. وعندما نقول بأن النظام الراسمالي عائقا امام تطور البشرية، نعني بأن هذا النظام يشوه ما موجود لدى الانسان من تصور واقعي عن نفسه وعن محيطه وعن العالم الخارجي المستقل عن عقله.
ان النظرة البسيطة عن معالمنا تبين بوضوح صحة هذه النظرة المادية والتفسير الفلسفي المادي عن انفسنا. ان من لا يؤمن بالقومية والدينية والعنصرية لديه النظرة الانسانية اكثر من غيرها واكثرها واقعية. وينظر الى المجتمعات لا بنظرة قومية ولا دينية وانما كأنسان في بقع واماكن مختلفة ويراها بمنظور انساني ويتعامل مع كوارثها ومعاناتها كما يتعامل اي انسان واقعي عاش مع هذه الكوارث والمعانات. ولكن الانسان القومي او الطائفي او الديني لا يرى الكوارث بشكل موضوعي وانما يرى الكوارث على قومه او دينه او طائفته من هذه النظرات، اي اذا وقعت كارثة ما على قومه فيرى هذه الكارثة قومية او في احسن حالاتها يراها على انسانه القومي. اي الاولوية للقومية ومن ثم الافراد المتضررين. والانسان الديني يرى نفس الشيء يرى المتضرر من دينه ومن ثم الافراد المتضررين من هذه الاديان. وعلى هذا الاساس تكون فلسفة التجزئة هي الفلسفة الرئيسية في النظام الرأسمالي وعمودها الثابت.
ان الدفاع عن الفلسفة الماركسية هي الدفاع عن القيم الانسانية وروحها الواقعية. وعن طريق تفسيرات هذه الفلسفة بأمكان استرجاع النظرة الواقعية للانسان عن نفسه وعن محيطه. وعندما يكون لدى الانسان تفسير واقعي وموضوعي عن نفسه، بأمكانه المواجهة مع الكوارث الطبيعية والاجتماعية بمنظور انساني ولمصلحة الانسانية. وبأمكانه خلق الظروف المناسبة من اجل الرفاه والعدالة الاجتماعية والقضاء على المعانات واستغلال الأنسان من قبل الأنسان. ان البشرية حقا مديونة لهذه الفلسفة وتفسيراتها الانسانية.