تأملات شيوعية .


سامى لبيب
2016 / 7 / 24 - 00:49     

هى بعض التأملات فى الفكر والتجارب الماركسية لا أقترب فيها من الفلسفة المادية الجدلية كونها فلسفة علمية مادية جدلية جاءت من فهم ماهية الحياة والوجود لم تقحم أشياء وفرضيات ليست من الوجود , ليكون توقفنا أمام تطبيقات الفكر والتجربة السياسية والإقتصادية والإجتماعية .

- عندما ينهار حزب شيوعى مكث 70 سنه فى الحكم ليؤسس لمجتمع اشتراكى ويستأصل أى ميول وحراك رأسمالى , لتتوالد أجيال وتموت لم تتعايش مع الحالة الرأسمالية , لنجد أن كل هذا ينهار فلا دمعة سقطت على هذا التاريخ ولا دفاع عن هذه التجربة المديدة , بل نرى مجتمع يهرول نحو الرأسمالية وإقتصاد السوق فهنا لابد أن نتوقف ملياً ونجهز أسواط كثيرة لجلد الحزب الشيوعى الفاشل حتى يستفيق .

- الطامة الكبرى التى أصابت الانسان هى فكرة الثوابت والحفاظ عليها , والمؤسف أن بعض الشيوعيين وقعوا فى مستنقع الثوابت والأصالة , لتتحول الماركسية إلى فكر نمطى تتقدس فيه الأفكار والرموز وتعتلى برج لا يجوز لأحد أن يقترب منه .. عندما تحل القداسة فستجلب معها الديكتاتورية وتأليه الفكرة والفرد والرمز وهذا ما نتلمسه فى التجارب الإشتراكية بدءا من لينين فماو إنتهاءاً بالنموذج الحالى بكوريا الشمالية .

- أقبح ما فى المجتمعات الإشتراكية المركزية الشديدة والتأليه القهرى للحزب الشيوعى فلجنته المركزية فسكرتير الحزب الشيوعى , لتتلمس مشاهد قميئة من النفاق والرياء والتقديس والتفرد يمكن أن تراها الآن فى كوريا الشمالية حيث تترص الجماهير تعلن عن حزنها المبالغ فيه لموت الزعيم وسعادتها وحبورها بعيد ميلاد الزعيم .. لا يوجد إنسان يستحق التقديس والتبجيل حتى كارل ماركس نفسه .. ولا لتجربة تمسخ الإنسان .

- لا أعترف بمقولة النظرية صحيحة والخطأ فى التطبيق , فإطلاق هذه العبارة وترديدها يأتى لتبرير الفشل بغية الحفاظ على قدسية النظرية , كما أرفض قول أهل الدين أن الدين صحيح ولكن أتباعه ليسوا على صحة الدين , ومن هنا فلنرفض تبرير بعض الشيوعيين أن الماركسية اللينينية مثلا صحيحة لكن العيب فى الدول الإشتراكية التى إنحرفت عن تطبيق النظرية .

- نعم قد يكون هناك أخطاء فى التطبيق ولكن من المؤكد أن هناك أخطاء فى النظرية الأم أو للدقة قل خصوصية النظرية الأم , فمن الخطأ إسقاطها بكل ملامحها التاريخية على واقع مغاير بدون إضافة بعض التعديلات والرتوش لذا لا مانع من تعديلها وتطويرها لتنسجم مع ظروف مجتمعية معاصرة تحمل طلباتها بالتأكيد , وهذا ماتُعلمنا إياه الفلسفة الماركسية , فالماء لا يجرى فى النهر مرتين .

- لن أكون قاسياً إذا قلت أن الشيوعيين العرب تحولوا إلى سلفيين بالفعل بلا إختلاف , فكما السلفى يعتمد على النقل قبل العقل ليستسحضر أقوال وأفكار القدماء كإبن تيمية ليسقطها على الواقع , كذا بعض الماركسيين العرب يستحضرون أقوال لينين وماو وتروتسكى وأطروحاتهم وخلافاتهم لدرجة إستحضار رؤيتهم للكلوخوزات الزراعية , لتجد ثقافة الشيوعى عن المجتمع الروسى أعلى من ثقافته عن طبيعة مجتمعه .

- أرى إشكالية الإشتراكية أنها صادرت الحياة ولم تخلق أرض حية للصراع .. فلم تسمح بترك قطب صراعى آخر لتتبادل معه الصراع وتتم الجدلية والحيوية , فعملية النفى الإجبارى أفقد الإشتراكية حيويتها .
الرأسمالية تجد الحضور ليست لأنها منظومة فكرية واقتصادية جيدة بقدر أنها تلعب على الإلهاء بالصراع لتخاطب الجانب العنيف والشرس فى الإنسان وتصعد الرغبة فى الهيمنة والسطوة والتمايز وتفريغ العنف المتجدد .

- لابد من الإعتراف أن ديكتاتورية البروليتاريا أتى بنتائج وخيمة وأدى لظهور الديكتاتورية فى المجتمعات الاشتراكية , فقد سمحت سياسة ديكتاتورية البروليتاريا إلى إقصاء أى قطب للصراع , وهذا شئ غير صحى ولا طبيعى فى حراك المجتمعات , فلابد من وجود أقطاب أخرى تتصارع حتى تتطور وتتبلور البروليتاريا فى نضالها , ففكرة ديكتاتورية البروليتاريا أتاحت المجال لديكتاتورية النخب وأنظمة وكوادر الحزب الشيوعى مالت إلى عسكرت الحياة السياسية لتبتعد عن مصالح البروليتاريا , لنرى مثال تمرد الحركة العمالية فى بولندا على الحزب الشيوعى وبداية الإنهيار .

- يفسرون ديكتاتورية البروليتاريا أنها جاءت من إنهيار وتلاشئ الطبقات البرجوازية , وهذا قول خاطئ فعندما تتلاشى الطبقات فرضاً فلا داعى ولا معنى للقول بديكتاتورية البروليتاريا , علاوة أن القول بتلاشى الطبقات قول مثالى خاطئ , فالطبقات لا تتلاشى بالضغط على زر , فوجودها إن لم يكن مادياً فهو ثقافيا , فمجتمعاتنا على سبيل المثال مازالت تعيش بقايا مجتمعات العبودية والإقطاع الريعى الرعوى ليكون إضمحلالها على مر الزمن وبعد تجارب تطورية عديدة .

- لذا أؤمن بوجود أحزاب شتى لا تفتصر على أحزاب شيوعية متعددة بل أحزاب يمينية أيضا ليكون هذا الصراع حافزا للحزب الشيوعى على اليقظة والتطور والنقد الذاتى ومراجعة ذاته .

- نظرية القفز على تطور المجتمع الموضوعى نظرية خاطئة ستؤدى إلى إرتداد المجتمع وإنهيار تجربته الإشتراكية , وهذا ماحدث فى المجتمعات التى تم تطبيق الإشتراكية فيها ولو بصورة مخففة , فمثلا مجتمع يعيش نمط علاقات شبه إقطاعية أو ريعية أو برجوازية جنينية لا يجب أن تطبق الإشتراكية فيه لتهبط عليه كالباراشوت , فهو لم يكتمل تطوره الطبيعى ولم تظهر فيه طبقة رأسمالية , لذا كان البديل رأسمالية الدولة تحت شعارات إشتراكية ولتجنى كل السلبيات جراء هذا القفز .

- خطأ التجارب الإشتراكية أنها جاءت على يد المثقفين الشيوعيين ولم تربى المجتمع ولم تهيأه لقبول الإشتراكية والفكر المادى الجدلى بشكل يتغلغل فى الجينات الثقافية والروحية للمجتمع كحال حب الإمتلاك والإستحواذ الذى رسخته البرجوازية فى فكر وثقافة الشعوب .. كل التقدير والإمتنان لنضال الشيوعيين وتضحياتهم التى دونتها كتب التاريخ بحروف من نور ولكن للأسف هناك مثالية ما تعجلت النتائج .

- عندما تهتز الإشتراكية بأمانى الشعوب فى الكوكاكولا والجينز والهمبرجر فهذا يعنى فشل ذريع من الشيوعيين فى خلق مجتمع شيوعى ناضج لا يتهافت على الإستهلاكيات والإستحواذ , فثقافة الإستهلاك مازالت حاضرة مسرطنة .. كان حرى بالأنظمة الشيوعية أن تفتح المجال أمام الإستهلاك مع نشر الوعى والثقافة التى ترتقى بالإنسان .

- هناك مشهد جيد وإيجابى لم يعيره الشيوعيين إهتماماً كبيراً وجاء بشكل تلقائى طبيعى وكان يحتاج للمزيد من الإنتشار .. فالإنسان باحث عن التمايز والتفوق سيان فى المجتمعات الرأسمالية والإشتراكية ليتجه الإنسان فى المجتمعات الرأسمالية إلى الإمتلاك والإستحواذ كوسيلة للتمايز والفوقية , بينما فى المجتمعات الإشتراكية إندفع البشر بشكل طبيعى تلقائى إلى التفوق فى مجالات الرياضة والفنون والأداب بحثاً عن التمايز , لذا نجد تفوق الإتحاد السوفياتى والصين فى هذه المجالات وحصد الميداليات , ولكن الأمور تحتاج لتوسيع مجال التنافس لتشمل شرائح عريضة من المجتمع لنحقق فكرة التمايز بشكلها الإنسانى الحضارى ونفرغ طاقات الجماهير وندفعها للتطور بعيداً عن حافز المال والثروة .

- خطأ التجارب الشيوعية أنها لم تؤصل الفلسفة المادية الجدلية كثقافة مجتمعية لتحصين الإنسان من كافة أشكال الأفكار الخرافية الميتافزيقية ليعتنى الشيوعيين كل الإعتناء بثقافة تأسيس الإشتراكية ومعاداة الرأسمالية والإمبريالية , لتقفز الرأسمالية لهم من الشباك باللعب على الأوتار الدينية للشعوب وتكفير الشيوعية كثقافة إلحادية بالرغم أن الشيوعيين لم يعتنوا كل الإعتناء بالإلحاد ولا بسحق الأديان وإقتلاعها .

- خطأ آخر للتجارب الشيوعية أنها أهملت فى بعض الأحيان مقولة فلسفية ماركسية تقول لا يجب إبراز وتغليب التناقض الثانوى على التنافض الرئيسى , لنتلمس هذا فى صراع البلاشفة والمناشفة الرهيب , وصراع الحزب الشيوعى السوفياتى والصينى , والصراع الدامى بين الأحزاب الشيوعية فى الدول النامية ليكون الخلاف فى الرؤى داعياً للتناحر والتفتت .

- خطأ آخر للشيوعيين أنهم يندفعون وراء أحلامهم الثورية الرومانسية فقد خُدع الكثير من الشيوعيين العرب فى حراك الجماهير بمصر وتونس وسوريا ليوافقوا على القول بأنها ثورات الربيع العربى وماهى الا إنتفاضات وهبات جماهيرية لا علاقة لها بمفهوم الثورة , فالثورة تغيير طبقى فى بنية المجتمع , فهل حدث أى تغيير طبقى اجتماعى أم أن الامور لا تزيد عن حالة غضب على حكام وانظمة , ليؤسفنى القول أن هذا الحراك الجماهيرى تم بترتيب من مخابرات غربية هيأت الظروف وأوراق اللعب بغية إستبدال أوراق جديدة بدلا من أوراق محروقة للحفاظ على الطبقة الحاكمة .

دمتم بخير .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع . إنهم يعادون الشيوعية بكل ضراوة لأنها تطرح هذا الشعار .. عندما يتحقق هذا الشعار فستتبخر أحلام كل الطامعين والجشعين وسيتخلص البشر من كروشهم ولكن هذا يحتاج لنضال ووقت .