الاختلاف مابين التشكيل البريطاني و الأميركي للعراق


جاسم محمد كاظم
2016 / 7 / 21 - 19:03     

يقول التاريخ بان بريطانيا قد شكلت الكيان العراقي عام 1920واتت بملكها المختار عام 1921 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهزام الدولة العثمانية لكن الصورة التذكارية لفيصل بن الحسين في مؤتمر فرساي عام 1919 تكشف عن نفسها بصراحة لتقول بملي الفم أن النية المبيتة في الذهن البريطاني كانت حاضرة قبل سنوات كثيرة بالصورة المنشورة لفيصل بن الحسين في مؤتمر الصلح محاطا بتحسين قدري ولورنس العرب وضابط المخابرات البريطانية الكولونيل بيزاني مع نوري السعيد ورستم حيدر .
شكلت بريطانيا العراق باقتطاع مناطق النفط وضمها إلى بعضها البعض بعد اكتشاف هذا السائل المائل للأخضر المحرك للحياة لان تشرشل كان يعرف مسبقا أن ضم مناطق الجنوب لإيران سيجعل منها قوة مكافئة لبريطانيا مستقبلا وكذلك سيئول الأمر لتركيا التي خلفت الإمبراطورية العثمانية .
أدرك تشرشل أن هذه الحقول ستحكم العالم مستقبلا فلا بد من تشكيل كيان جديد يقع تحت الظل البريطاني وحمايته فكان فيصل بن الحسين هو المرشح الأقوى لاتصالاته مع بريطانيا قبل إعلان الحرب ضد الدولة العثمانية ومكافئة لدورة في خدمة هذه الإمبراطورية .
سار العراق الجديد على خطى الليبرالية الانكليزية بدولة ملكية ديمقراطية شهدت موت الإمبراطوريات القديمة وظهور بوادر الليبرالية الجديدة التي بدأت تغزو العالم بعد اتفاقية سايكس - بيكو السرية رغم معارضة رجال الدين من الشيعة وأمنيتهم بإرجاع عقارب الزمن إلى الوراء وضم العراق لتركيا المسلمة .
وان اختلف التشكيل البريطاني للعراق عن التشكيل الفرنسي لسوريا التي أرادت تنمية طبقة برجوازية سورية حاكمة على غرار البرجوازية الفرنسية بينما شهد العراق ظهور طبقات الملاكين العقاريين والإقطاعيين على غرار طبقات اللوردات الانكليز .
لكن المتابع للسياسة البريطانية آنذاك أنها نأت بنفسها كثيرا عن الأمور الدينية وابتعدت قدر المستطاع عن فقهاء الدين ومشايخه وانشات نظاما مناقضا لهم ودولة لم تسمح لهم أبدا بالتدخل في شؤون الحكم .
لكن الشي الغير المتوقع في عقلية تشرشل ظهر بعد انبثاق أكتوبر الظافرة وتشكيل الأحزاب الشيوعية في العالم ونمو اليسار في رحم ديمقراطية الانكليز وتعاظم دور الأحزاب العمالية المناهضة لهذه السياسة .
سارت الدولة العراقية بثالوثها الحاكم المكون من الوصي ونوري السعيد والمليك الصبي بعد رحيل فيصل الأول بفندق سويسري محاطا بنوري السعيد ورستم حيدر وامرأة هندية مجهولة الهوية وموت غازي مقولا بسيارته ومن اجل أبقاء الأمر لأطول فترة ممكنة ربطت بريطانيا العراق بأحلاف عسكرية ومعاهدات سرية مثل حلف بغداد أو الحلف المركزي وكان الاتحاد الهاشمي أخرها بحيث يسمح للقوات البريطانية أو لأي قوات صديقة من خارج البلاد التدخل في حالة الطوارئ لإرجاع الأمر لحالته الأولى مثلما حدث في حركة مايس 1941.
لكن كل لم يمنع العراق من كسر القيد بثورة الرابع عشر من تموز التي خلقت للعراق وجها جديدا بدولة متقدمة على طراز حديث أشبة بدول العالم المتحضرة رغم كل العوائق والعثرات الكثيرة التي واجهتها الثورة بسبب طبيعة المجتمع العراقي المتخلفة وهجائنة البدوية والريفية وأذيال الدين غير المتمدنة بالأساس والتي ترى في التقدم إلى الأمام نفيا لها .
ورغم كل العقبات استطاعت الثورة المضي بالعراق إلى الإمام وتكوين بيئة صناعية وظهور طبقة برجوازية ونمو أحزاب شيوعية وعمالية .
وحافظت الجمهورية العراقية على قداستها وخطها التقدمي حتى مع الانقلابيين ووصلت إلى أوجها في منتصف العقد السبعيني وأصبح العراق أرقى مدنية في محيطة العربي .
عادت بوادر الدين وأشباحه مع بداية الحرب العراقية - الإيرانية وتسيد العسكر الساحة وانهارت أكثر المكتسبات التي تحققت سابقا وظهر شيوخ العشائر على الساحة من جديد بعد اختفاء عن مسرح الحدث دام لأكثر نصف قرن بعد أن فقدت الدولة هيبتها وسيطرتها على الشارع العراقي فكان لاستمالة الشيوخ من قبل القائد الضرورة عن طريق الرشوات والأموال وتوزيع السلاح عليهم .
انهارت الدولة العراقية نهائيا بعد دخول العم سام إلى بغداد وأدركت الإدارة الأميركية خطا ليبرالية تشرشل ولم يتبع بول بريمر خطوات السير برسي كوكس حذو النعل بالنعل وهي التي تنادي بالديمقراطية والنيو ليبرالية والسوق الحر لأنها تعرف مقدما أن نمو الجنين اليساري في هذا الرحم سيتطور مستقبلا إلى قوة مناهضة لها تنادي بالاستقلال وبناء الدولة الحديثة .
ولهذا عرف جورج بوش الأب من أين تؤكل الكتف العراقية فوجدت في رجال الدين وفقهائه ضالتها المنشودة بإعطائهم الضوء الأخضر بتكوين هذا الكيان الجديد لأنها تعرف أن رجال اللاهوت سيقفون مثل جدار بارليف في وجه كل نفس تحرري ضدها ويقطعون كل حركة تقدم لأنها تشكل النفي لوجودهم .
ومن اجل ديمومة هذا الوضع دمرت كل البنية التحتية من المصانع والمعامل وتخريب منظم للقطاع الزراعي والخدمي.
وربط رجال الدين وأحزابهم بحركة الرأسمال العالمي صديق الدين الأزلي لأنة من يمهد له الطريق نحو السوق العراقي وعندها ستتحول المؤسسة الدينية إلى مؤسسة مالية ضخمة تستطيع بعد ذلك الاستيلاء على كل المكتسبات السابقة للدولة وتدميرها .
عقد من الزمان بعد ذلك وسيجد رجال الدين أنفسهم وقد أصبحوا رأسماليين بالمرة وان مكانهم السوق وليس الجامع.
وهكذا تخلصت أميركا من اليسار وأحزابه العمالية بضربة معلم وستسير قافلة النهب والسلب بدون ضجيج بوضع عالمي جديد انزل سعر برميل النفط إلى الحضيض بعدما دُمرت كل الدول المنادية بالتقدم إلى الإمام ومحاربة رأس المال ووضع الحواجز الكمر كية على الحدود والمناداة بالصناعة المحلية والاقتصاد الوطني المستقل .

/////////////////////////////////
جاسم محمد كاظم