حزب نيوليبرالي يتَجَلبَبَ بجِلْبَابَ الشيوعية!


طلال الربيعي
2016 / 7 / 21 - 03:13     

انتقد البعض غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 بسبب عدم امتلاك جورج دبليو بوش خطة للعراق لفترة ما بعد الغزو. الكاتبة السياسية الشهيرة نعومي كلاين عارضت هذا الاتهام لتؤكد أن إدارة بوش كان لها في الواقع خطة لفترة ما بعد الغزو، وهي تحويل العراق إلى دولة على نمط "يوتوبيا النيوليبرالية" (1, 2). لقد اعتبر المحافظون الجدد في إدارة بوش (ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، بول وولفويتز ودوغلاس فيث) احتلال العراق فرصة لاعادة ولادة العراق كدولة رأسمالية نيوليبرالية (1).

لم تُضَيَّعْ سلطة الائتلاف المؤقتة (ICP) برئاسة بول بريمر الوقت في بسط أجندتها النيوليبرالية في العراق (1). في غضون الشهر الأول من سلطتها, أمر بريمر بخصخصة 200 شركة مملوكة للدولة العراقية. وتم تعميق هذه السياسة النيوليبرالية, علاوة على ذلك, في سبتمبر 2003 وذلك حسب قرارات بريمر 37, 39 و 40 التي خفضت الضرائب على الشركات من 45% إلى 15%. وكذلك اصبحت الشركات الأجنبية قادرة على الاحتفاظ بنسبة 100% من اصولها العراقية، واخذ %100 من الأرباح إلى خارج العراق، في حين قام قرار 40 بتغيير النظام المصرفي العراقي. وأدت هذه الإصلاحات النيوليبرالية الى تسمية مجلة الإيكونوميست للعراق ب "الحلم الرأسمالي" ( 3). نتيجة للإصلاحات النيوليبرالية تم تسريح 500000 عامل والقاءهم هم وعوائلهم على قارعة الطريق, اضافة الى إهمال لغالبية رجال الأعمال العراقيين.

ان فرض الإصلاحات الجذرية والصارمة للسياسات النيوليبرالية كان يمكن أن يسبب غضبا عارما من قبل الشعب وينتهي به الى الثورة. اعترفت إدارة بوش انه على العراقيين ان يتحملوا المشاق على المدى ألقصير، مثل فقدان الوظائف، كي، على حد رأيها, يزدهر العراق اقتصاديا على المدى الطويل. للحيلولة دون تحول غضب العراقيين الى ثورة, قامت سلطة الائتلاف المؤقتة وبريمر بالاعتماد على مذهب الصدمة. تفيد عقيدة الصدمة (2) انه يمكن الاستفادة من غزو العراق وقصفه لإلهاء الشعب العراقي وحرف انظاره عن موضوعة الخصخصة والإصلاحات النيوليبرالية. فبدلا من الاحتجاج والتمرد ضد الإصلاحات، سيضطر العراقيون إلى التركيز, بشكل رئيسي, على امورهم الخاصة والحفاظ على حياتهم تجاه ارهاب الدولة (واسلامها السياسي) وارهاب داعش اللذان هما وجهان لعملة واحدة.

واعتقد اننا لا نختلف في تحديد ماهية بريمر وهوية مجلس الحكم الذي ترأسه. ان بريمر هو التلميذ النجيب للاقتصادي ميلتون فريدمان مؤسس مدرسة شيكاغو في الاقتصاد الحر المنفلت والاب الروحي للنيولبرالية, وهو الذي ساهم في انجاح انقلاب بينوشيت ضد الرئيس الاشتراكي الشرعي سلفادور الليندي, كاول تجربة نيوليبرالية في العالم قام بها فريدمان, التي سببت بمقتل وتشريد عشرات الالوف من الشيوعيين والديمقراطيين في شيلي (4).

سائرا على خطى معلمه, قام بريمر, عند رئاسته مجلس الحكم في العراق, باصدار 100 قرار وبموافقة كل اعضاء مجلس الحكم. فمثلا يقول قرار 81

Having
worked closely with the Governing Council to ensure that
economic change as
necessary to benefit the people of Iraq occurs in a manner acceptable to the people of
Iraq,

Acknowledging
the Governing Council’s desire to bring about significant change to the
Iraqi intellectual property system as necessary to improve the economic condition of the
people of Iraq,

اي بما مضمونه ان بريمر اصدر قراره انسجاما مع رغبة اعضاء مجلس الحكم واتفاقهم معه (5, 6).

الحزب الشيوعي العراقي الذي اشترك في مجلس حكم الاحتلال لم يكّذب باي شكل من الاشكال موافقته هو الآخر على القرارات المئة التي اصدرها بريمر, والتي تبيع العراق كوطن وشعب بابخس الاسعار فى سوق النخاسة النيوليبرالية, وذلك بالرغم من انقضاء اكثر من عشرة اعوام على اصدار بريمر لهذه القرارات, وبالرغم من مطالبتنا الحزب مرارا بذلك.

وفي هذا الخصوص تقول استاذة العلوم السياسية في جامعة يورك (تورنتو), الين ميكسينز وود, في "ألديمقراطية كايديولوجية للامبراطورية", بخصوص الديمقراطية والامبريالية, ان:
"جوهر الديمقراطية وفقا لادراكها في الولايات المتحدة, هو اقتران الديمقراطية الرسمية مع الحكم الطبقي الدائم, الحكم الطبقي لرأس المال" (7, ص 38)

"أما جوهر هذه الاستراتيجية فهو وضع الحقوق السياسية الرسمية في مكان الحقوق الاجتماعية من مدى المحاسبة الديمقراطية. وهذا بالضبط ما حصل في العراق, حيث تقررت محددات السياسة الديمقراطية قبل وقت طويل من الانتخابات بواسطة التوجيهات والاوامر الاقتصادية التي اصدرها بول بريمر وبرنامج الخصخصة الذي وضعه. وعلى الوجه الاعم كان ذلك نتيجة, والى حد كبير, غرض العولمة الليبرالية الجديدة" ( 7, ص 41-42)

وهذا الغرض, غرض العولمة النيوليبرالية, هو بالضبط ما تحقق في العراق بموافقة اعضاء مجلس حكم الاحتلال على قرارات بريمر المئة, وبضمنهم الحزب الشيوعي العراقي. ان الحزب الشيوعي العراقي حزب نيوليبرالي يتَجَلبَبَ بجِلْبَابَ الشيوعية!
----------------------
المصادر
1- Revisiting the Iraq
http://intpolicydigest.org/2013/06/09/revisiting-the-iraq-war/
2- The Shock Doctrine
http://www.naomiklein.org/shock-doctrine
3- Iraq s economic liberalisation
Let s all go to the yard sale
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
http://www.economist.com/node/2092719
4- Free Market Fundamentalism:
Friedman, Pinochet and the "Chilean Miracle"
http://www.bidstrup.com/economics.htm
5. CPA/ORD/26 April 04/81
COALITION PROVISIONAL AUTHORITY ORDER NUMBER 81
http://www.iraqcoalition.org/regulations/20040426_CPAORD_81_Patents_Law.pdf
6- نيوليبرالية بريمر حطمت الزراعة العراقية
طلال الربيعي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=517264
7. الامبرياليون الجدد: ايديولوجيات الامبراطورية. اعداد كولن مويرز. نقله الى العربية معين الامام. منتدى سور الازبكية. 2008