لا يمكن إصلاح العملية السياسية في العراق دون التخلص منها / 2


حسين علوان حسين
2016 / 7 / 17 - 20:42     

ثالثاً / مصطلح "شريحة البرجوازية الطفيلية"
المصطلح أعلاه يتطلب أولاً التعريف بمفاهيم : الطفيلية و الطبقة و البرجوازية .
ا. مصطلح الطفيلي و الطفيلية لدى ماركس و انجلز
يربط ماركس في كتاباته بين مصطلح "الطفيلية" من جهة و بين الشرائح البيروقراطية و العسكرية في المجتمع المؤلفة للسلطة التنفيذية لآلة الدولة خصوصاً . في الفصل السابع من كتابه : " 18 من برومير للويس نابوليون" (1852) ، يقول ماركس :
"أما السلطة التنفيذية بتنظيمها الدواويني و العسكري الضخم و بآلتها الحكومية الواسعة المدى و المتقنة ذات نصف المليون موظف بالإضافة إلى الجيش الذي قوامه نصف مليون آخر – هذا الجسم الطفيلي الرهيب المتغلغل في جسد المجتمع الفرنسي و الخانق لكل مساماته – فقد انتفض في عهد الملكية المطلقة و عهد انحطاط النظام الإقطاعي الذي كان قد ساهم بالتسريع فيه ."
و في مؤلفه "لحرب الأهلية الفرنسية" (1871) ، يقول ماركس :
"إما الفعاليات القليلة العدد و المهمة التي ستتبقى للحكومة المركزية فلا ينبغي قمعها مثلما تم التصريح به خطأ و عن قصد ، و انما يصار إلى تسريحها من طرف الكومونة التي هي جهاز دقيق المسؤولية . و لا يجوز كسر وحدة الأمة ، بل يتم ، على الضد من ذلك ، تنظيمها عبر دستور الكومونة لتصبح تلك الوحدة حقيقة من خلال تحطيم سلطة الدولة التي تدعي كونها التجسيد لتلك الوحدة بمعزل عن الأمة نفسها و عبر التعالي عليها رغم ان تلك السلطة ليست إلا مجرد زائدة طفيلية على المجتمع ."
و يقول ماركس في مكان آخر من تفس الكتاب :
"و من شأن الظروف التاريخية الخاصة أن تمنع التطور الكلاسيكي - مثلما هي الحال في فرنسا - للشكل البرجوازي للحكومة ، للسماح - كما في انجلترا - باستكمال الأجهزة الضخمة للدولة المركزية برفدها بمجالس الكنائس الفاسدة و المستشارين السماسرة و القيمين على القوانين البائسة من المتغوِّلين بالمدن و القضاة بالوراثة من الناحية الفعلية في المناطق الريفية . عندها كان سيصبح بمقدور دستور الكومونة أن يعيد للجسد الاجتماعي كل القوى التي كان يستوعبها طفيليو الدولة من المعتاشين على المجتمع و المانعين لحركته الحرة ."
و في "جدليات الطبيعة" (1925) ، يوضح إنجلز الطبيعة الرجعية للعيش الطفيلي عموماً بالقول : "أن التكيف للعيش الطفيلي إنما هو الانكفاء دائماً" .
يتضح من النصوص أعلاه أن مصطلح "الطفيلي" قد أطلقه ماركس و انجلز على كل العاملين في السلطة التنفيذية للدولة من الموظفين الحكوميين المدنيين و رجال الشرطة و العسكريين و كذلك العاملين في السلطة القضائية و الدينية الرسمية ممن يتقاضون رواتبهم من الدولة دون تقديم أي انتاج مادي أو خدمي و انما عبر الاعتياش الرجعي المتطفل على موارد المجتمع و تكبيل حرية حركته . و هذا هو الأساس لمناداة الماركسية بإلغاء الدولة كأداة تسلط طبقي في المرحلة المتقدمة من النظام الشيوعي ، لكونها ، جوهرياً ، أداة طفيلية زائدة عن حاجة المجتمع .
ب. مصطلح "الطبقة البرجوازية الطفيلية"
و لما كان ماركس يتحدث في نصوصه أعلاه - و في غيرها - عن طفيلية السلطة التنفيذية لآلة الدولة الرأسمالية ، لذا ، فإن الكلام هنا إنما ينصرف بالضبط إلى طفيلية الدولة البرجوازية و طبقتها الحاكمة .
و لعل من المناسب في معرض توضيح هذه النقطة عرض المزيد من الاقتباسات ذات الصلة من أعمال ماركس . في الكتاب " نظريات فائض القيمة" ، و في معرض تعليقه على نص آدم سميث القائل : " لما كانت كمية العمل تزداد كثيراً كل عام ، لذا فإن المنتوج لكل سنة لاحقة سيكون أعظم بكثير من السنة السابقة " يقول ماركس [الأقواس الكبيرة من عندي] :
" إن جُزءً من هذا المنتوج يستهلكه أصحاب الربح [الرأسماليون] و ريع الإيجار [ملاك الأراضي] ، و الجزء الآخر يستهلكه طفيلييوهم . أذن ، فجزء المنتوج الذي يمكن صرفة مرة ثانية على العمل المنتج يحدده بالضرورة ذلك الجزء من المنتوج الذي لا يستهلكه الرأسماليون و ملاك الأراضي [ و بضمنهم ملاك العقارات ] و طفيلييهم (أي العاملين غير المنتجين) ."
في النص أعلاه يعدد ماركس أربع فئات اجتماعية من العاملين غير المنتجين و هم : الرأسماليون ، و ملاك الأراضي ، و الطفيليون على الرأسماليين ، و الطفيليون على ملاك الأرضي . و يمكن تسمية كل فئة منهم بالطبقة لاختلاف علاقات الانتاج الحاكمة عليها ، و لأن لكل منها مصدره المختلف ظاهرياً للدخل في عملية توزيع الأرباح للإنتاج الاجتماعي ، رغم كون ذلك المصدر "للدخل" هو واحد فقط لكونه في الحقيقة ليس سوى فائض القيمة المسروق من قوة عمل البروليتاريا لتتقاسمه الطبقات الاربع تلك فيما بينها ، مع استبقاء جزء منه للتدوير و إدامة العملية الإنتاجية الرأسمالية . و يلاحظ في النص نفسه التفريق الواضح الذي يعقده ماركس بين الطبقة الرأسمالية و طبقة ملاك الأراضي و الطبقتين المتطفلتين على كل منهما . فالذي يجمع بين كل هذه الطبقات إنما هو انتفاء نشاطها الإنتاجي ، أما ما يفرق بينها فهو شكل علاقة الانتاج المميز لكل واحدة منها .
مصطلح "الطبقة الحاكمة"
المصطلح أعلاه واضح الدلالة ، و يصح اطلاقه على أي مجموعة اجتماعية كبيرة أو صغيرة تحكم بلداً ما في زمن ما عبر التحكم بثروته . فمثلاً ، لم يكن عدد افراد الطبقة الحاكمة في العراق خلال عهد صدام ليزيد على الخمسين شخصاً فقط من أفراد عائلته و حاشيته المقربين من ذوي الكلمة أو نصف أو ربع الكلمة المسموعة من طرف الدكتاتور المتجبِّر . أما الآن ، فقد يزيد عدد أفراد هذه الطبقة في العراق على الخمسين ألفاً . و لقد دأب ماركس و انجلز على استخدام مصطلح "الطبقة الحاكمة" في مؤلفاتهما بنفس هذا المعنى .
تحت عنوان : ("الطبقة الحاكمة" و "الأفكار الحاكمة") (Ruling Class and Ruling Ideas) يتحدث ماركس و أنجلز في مؤلفهما المشترك الكبير :"الإيديولوجيا الألمانية" (1845-6) عن الطبقة الحاكمة كأفراد معدودين متجانسين طبقياً ، آناً ؛ و عن الطبقة الحاكمة التي تتصارع فيها المصالح المتضاربة لثلاث طبقات متشاركة مع بعضها في السلطة ، في آن آخر :
"إن افكار الطبقة الحاكمة في كل عصر هي الأفكار الحاكمة ، أي أن الطبقة ذات السلطة المادية الحاكمة على المجتمع هي في نفس الوقت السلطة الفكرية السائدة فيه . و الطبقة التي تمتلك تحت تصرفها وسائل الإنتاج تسيطر في نفس الوقت على وسائل الإنتاج الفكري . لذا ، و بصورة عامة ، فإن أفكار من لا يملك وسائل الإنتاج تكون خاضعة لها . و ليست الأفكار الحاكمة سوى التعبير المثالي عن العلاقات المادية السائدة ؛ أي عن العلاقات المادية السائدة التي يتم استيعابها كأفكار ، و هي أيضاً التعبير عن العلاقات التي تجعل طبقة ما هي الطبقة الحاكمة لذا فإن أفكارها تكون نفسها هي أفكار هيمنتها . فالأفراد الذين يؤلفون الطبقة الحاكمة يمتلكون - من بين اشياء أخرى - الوعي ، و هم لذلك يفكرون . لذا ، و بقدر تعلق الامر بحكمهم كطبقة المحددة للمدى و البوصلة للمرحلة القائمة ، فأن من البديهي ان يتولوا الذهاب به إلى مداه الكلي ، أي أن يحكموا أيضاً باعتبارهم المفكرين و المنتجين للأفكار و المنظمين لإنتاج و استهلاك أفكار عصرهم . فعلى سبيل المثال ، نجد انه في العهد و في البلد الذي تتنافس فيه كل من السلطة الملكية و الأرستقراطية و البرجوازية على السلطة التي يتشاركون في تقاسمها فإن مبدأ الفصل بين السلطات يثبت نفسه باعتباره الفكرة السائدة و يتم التعبير عنه باعتباره القانون الأزلي ."
يتبع ، لطفاً .