هجوم جديد، بأسلحة عتيقة! (دفاعا عن الماركسية)


حاتم بشر
2016 / 7 / 13 - 00:42     

لقد وصف لينين المذهب الماركسي بأنه ‹‹تَتِمّة›› /‹‹اِسْتِمْرَار›› (continuation) للتيارات الفكرية الرئيسية في القرن التاسع عشر. إن أنصار الماركسية، وحتى خصومها، (ممن لهم دراية كافية بتاريخ الفلسفة والعلم)، يتفقون جميعا حول صحة هذا الوصف، بصورة ’عــــــــــامــــــــــة‘. ولكنهم يختلفون فيما بينهم في فهم المعنى ’الـتـفـصـيـلـي الـدقـيـق‘ الذي يؤشر عليه. طبقا للأساس النظري الذي يصدر عنه كل فريق:

1-الفهم الدياليكتيكي: الذي ينطلق من أن الجديد لا ينفي القديم كلية، وإنما يحتفظ بأفضل ما فيه، وهو لا يحتفظ به فحسب، بل يتمثله ويرتقى به إلى مستوى أرفع ويحولها لكي تتوافق مع طبيعته هو.
وهو، بالتالي، الفهم الذي يقول مع لينين:
‹‹..1-إن المذهب الماركسي هو الوريث الشرعي لخير ما ابدعته الإنسانية..التتمة المباشرة الفورية لمذاهب اعظم ممثلي الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية.
2-إن الماركسية قد قامت بثــــــــــورة حقيقية في الفلسفة والإقتصاد السياسي وفي تطوير الإشتراكية›› .*


2-الفهم الميتافيزيقي، الآلي، أحادي الطرف: وهو الفهم الذي يعتبر التطور مجرد زيادة أو نقص كمي ومجرد تكرار بسيط لما هو موجود دون نشوء شيء جديد. وأن الجديد أو الأصيل هو فقط ما ينشأ من (الصفر!)**. وسمته الرئيسية، كما يستبين من اسمه، هو التمسك بـ(ـأحد) جانبي الشيء أو الظاهرة، وغض الطرف عن جانبه المتمم. ومن ثم فهو يشوه فكرة ”الإستمرار“ continuation بالتركيز على أحد وجهيها فقط:
فتبعا لنظرته: (إما) أن الماركسية مذهب متحجر منطو على نفسه، بزغ من العماء، بمعزل عن الطريق الرئيسي لتطور المدنية، ولم يرتفد من أحد قط.
(أو) أنه يقر، على العكس، بأن الماركسية تشكل امتدادا لإبرز تيارات القرن التاسع عشر، إلا أنه يرمي من وراء لفظ إمتداد: أنها لم تتعد حد التراث الفكري لهذا القرن، ولم تضف إليه شيئا ذي بال، ناهيك عن الإعتراف بأنها قد قامت بثورة جذرية في تلك المجالات.
وعلى الرغم من الإختلاف الظاهري بين تياري المنهج الميتافيزيقي، إلا أنهما يتفرعان من النظرة الأحادية، الضيقة الأفق نفسها..أحدهما هو الآخر، والإثنين لا-شيء!


هوامش:
*من مقاله The Three Sources and Three Component Parts of Marxism. ولقد وضعت عمدا علامات الترقيم1،2 لكي أؤكد على وجهي العلاقة: فالماركسية، أولا، لم تنبثق من العدم، ولكنها، ثانيا، لم تتوقف عند حد التراث الموروث. يجب أن نمسك بالطرفين جيدا، ولا نسمح لأي منهما أن ينزلق من بين أصابعنا.

**وانطلاقا من هذا التصور الصوفي، يستغرق هؤلاء في تتبع المصدر المباشر لأي نظرية من النظريات التي عرضها ماركس(مايلي..ديفيد ريكاردو..هيغل..هولباخ..سيسموندي..سان سيمون..تييري..مينيه..جيزو..فون شتاين..هيس..بابيف..واتلينغ..بلانكي..لوي بلان..لوك..آدم سميث..فيورباخ..فورييه..براي..تومبسون..هودجيسكين..وإنه لمن السهولة بمكان أن نستمر في هذه القائمة إلى أبعد من ذلك!)، ظنا منهم أن ذلك ينال من أصالة الماركسية(!!)
إن ضيق الأفق الميتافيزيقي الذي يفرضه الوضع الطبقي على هؤلاء النقاد، يحول بينهم وبين الحقيقة التالية، ألا وهو أن الأصيل أو الجديد في نظرية ماركس ليس عنصرا من عناصرها المكونة، وإنما هو النظرية الرئيسية نفسها، التوليفة Synthesis الجديدة، التي ربطت كل عنصر بالعناصر الأخرى، بحيث بدت الأجزاء وكأن كل جزء ينبثق مما سبقه ويدعم الأجزاء الأخرى في كل موحد منتظم. إن أصالة ماركس تكمن في غربلة وتمحيص هذه الكتلة الضخمة من المادة المشوشة، في انتقائه منها ما بدا له أصيلا وحقيقيا وهاما، في دمجه لتلك العناصر المتناثرة في كل نظري واحد بالغ الإتساق والإنسجام يرتكز حول كشوفه هو.