نقد أغلوطة:”المجتمع ما بعد الصناعي”


حاتم بشر
2016 / 7 / 6 - 04:24     

حاتم بشر

في أواخر ستينات القرن المنصرم، مضت المصنفات البرجوازية في الترويج المحموم لنظرية (المجتمع ما بعد الصناعي). والظاهر، أن “روح” هذه النظرية الهائمة، قد عثرت لها أخيرا على “جسد”، فعادت إلى الحياة، وهي تتكلم العربية الآن!
1)المجتمع ما بعد الصناعي، هو أولا، وقبل كل شيء، مجتمع خدمات، لا يعمل فيه في نطاق الإنتاج المادي أكثر من نصف تعداد السكان. وتذهب هذه النظرية إلى أن الشركات والإتحادات الصناعية تخسر دورها القيادي، وفعالية العمل تكف عن كونها مسألة حيوية، وأن أهمية السوق تقل بشكل مضطرد، وأن الإقتصاد-في نهاية المطاف-يكتسب طابعا منسجما، ومعدلات نموه تتزايد، والرخاء الشامل يتحقق، ومتوسط دخل الفرد يتصاعد، وتنتقل السلطة الى ايدي العلماء، وتصبح الجامعات هي المؤسسات المركزية، وتصبح الإشتراكية والإنسانية اهم معايير القيمة في المجتمع.
2) إن جوهر بطلان هذه النظرية السينتمنتالية يكمن في كونها تنطوي على خطأ ميتافيزيقي في أساسها،(وسيلحظ الجميع مع الوقت أن كل خطأ إنما ينبع من عدم اعتماد الدياليكتيك المادي، عن تعمد أو عن جهالة). هذا الخطأ هو عزل/فصل “التكنيك” عن “نمط الإنتاج”. إنها تنطلق من “التكنيك” معزولا عن نمط الإنتاج. ناسية تلك الحقيقة الساطعة: ألا وهي أن التغير في التناسب بين “الانتاج المادي”و”مجال الخدمات”؛ بمعنى نمو عدد العاملين في مجال الخدمات، لا يعني أبدا الإنتقال الى مجتمع من طراز جديد. لماذا؟ لأن طراز المجتمع الجديد انما يتحدد بناء على نمط الانتاج.
وبعد ذلك، وعلى غرار كل نظرة ميتافيزيقية، يجتث الأيديولوجيون البرجوازيون الأجانب، وتلامذتهم العرب، مجال الخدمات، ويتأملونه “خارج” سياقه الضروري، فيضخمونه، ويبالغون في دوره.
خطأ آخر غاية في السذاجة تنزلق إليه هذه النظرية- انها تنطلق من تصنيف خاطيء للقطاعات. فإن الإحصاءات البرجوازية تنسب التجارة والنقل والمواصلات بأكملها الى قطاع الخدمات، على حين أنها تعتبر امتدادا لعملية الإنتاج. وتدارك هذا الخطأ يتيح امكانية اكتشاف ان الإنتاج المادي لا يزال يلعب بعامة دوره القيادي، مع مراعاة الإتجاه الى تقليل نسبة العاملين في مجال الإنتاج.
يقع المابعد صناعيون القدامى، والجدد، في الخطأ عينه، هو أنه يضعون، وضعا ميتافيزيقيا، كلا من الإنتاج الصناعي والخدمات على طرفي نقيض، وهذا باطل لأن كلا المجالين ليس مرتبطان فحسب، بل مرتبطان معا أوثق الإرتباط، اذ تعتمد الخدمات على منجزات الإنتاج المادي، ومن ناحية التقييم الاجتماعي-الاقتصادي يتحدد مجال الخدمات، طبقا للعلائق القائمة في مجال الإنتاج.
ويغض المابعد صناعيون القدامى والجدد الطرف عن مسألة هامة، الا وهي ان جانبا معتبرا من نمو مجال الخدمات يرتبط في المجتمع الرأسمالي بالعسكرو ونمو جهاز البوليس والإستهلاك الطفيلي.
ان الهدف الأساسي لهذه الأغلوطة كان، عند المابعد صناعيين القدامى، يرمى الى اخفاء السلطة المطلقة للطغمة المالية، وتزويق وضع الكادحين استنادا الى اتساع مجال الخدمات، وصرف الانتباه عن النضال الثوري.


مراجع:
1- Das Kapital
by Karl Marx, translated by Samuel Moore and Edward Aveling.
2- Political economy : capitalism
by G. A. Kozlov, Jane Sayer