النقد الذاتي/الجلد الذاتي في الحزب الشيوعي العراقي


طلال الربيعي
2016 / 6 / 28 - 09:06     

ادناه تعليقي على مقالة الاستاذ ارا خاجادور
من هو سلام عادل؟ (5)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=522115
وبسبب طول التعليق بعض الشئ ارتأيت نشره كمقالة.
------------
انها مقالة ممتازة وتتطرق الى جملة من المسائل المهمة, لكني اختار التركيز فقط على عملية النقد الذاتي-الجلد الذاتي الواردة في العبارة:
" وكان الضغط منطلقاً من مواقع ذاتية في المحاسبة على أخطاء تكتيكية تحصل في أي حزب خلال العمل الحزبي دون ضجة أو ضحية أو إساءة لسمعة الحزب أو أعطاء سلاح بيد أعداء الحزب والاشتراكيه لاستغلالها، ولاحقاً وصفت الحالة بالجلد الذاتي وليس النقد الذاتي."

الملاحضة بخصوص الجلد الذاتي هي ملاحضة صحيحة وصفيا, ولكنها غير متكاملة ولا تشير الى البواعث النفسية لتحول النقد الذاتي الى جلد ذاتي والاخطار البالغة المترتبة على هذا التحول الذي يذكرنا بالتحول الكافكوي للانسان الى مسخ.

كما هو معروف, ان النقد الذاتي هو عملية لا تقتصر على الاحزاب الشيوعية, بل هي جزء مهم ومتأصل وموجود وباشكال ومستويات مختلفة في كل عمليات التواصل, وخصوصا في العمليات لتي تتطلب الجماعية وفريق عمل, وفي مختلف المجالات والمنظمات والمؤسسات السياسية والاجتماعية وفي مختلف مجالات الحياة, وبضمنها العلاقات الشخصية والحميمية. وعادة ما تقوم هذه الاطراف والمؤسسات بالاستفادة من منجزات العلم الحديث والتطورات الجارية والمستمرة والمستحدثة في علوم مثل علم التواصل, علم النفس, وعلوم الاعصاب والدماغ وعلوم اخرى, للتعرف واستخدام كل ما يساعد في, ويسهل على, التعرف على اساليب تطوير العمل في المجال التنظيمي, الفكري, وفي مجال العلاقة مع الجماهير ومخاطبتها والتعلم منها. وهناك مؤتمرات تعقد خصيصا ودوريا لهذا الغرض, وكذلك مجلات محكمة تقوم باجراء دراسات نظرية وميدانية في علم التواصل وتطبيقاته المختلفة في السياسة والتنظيم ومختلف مجالات الحياة. والرابط التالي يحتوى على قائمة باسم 56 مجلة عالمية في علم التواصل فقط.
COMMUNICATION JOURNALS
IN ISI
LIST
http://www.icahdq.org/pubs/reports/isi_journals_list.pdf

للاسف تفتقر عملية النقد الذاتي في الحزب الشيوعي العراقي الى العلمية, وهي في حقيقتها عملية استعراصية هدفها, ضمن اشياء اخرى, غسل دماغ الذين لا ينصاعون للخط الرسمي للحزب ويرفضون فرض وصاية الحزب عليهم وكبحهم. انها عملية قمعية وهي من مخلفات عقليات القرون الوسطى. وهي عملية نجد مثيلا لها في منظمات او جمعيات سرية مثل الماسونية وغيرها. ولكنها تكتسب في حالة الحزب وحياته الداخلية سماتا سياسية ذاتية نفعية لا علاقة لها بتاتا بالمفهوم العلمي للتواصل. ولذلك لا غرابة في ان تنحط عملية النقد الذاتي الى عملية عبثية ومهينة لكرامة اعضاء الحزب كبشر لهم الحق بالتمتع بحقوق الانسان العالمية كغيرهم من البشر. فتصبح العملية اداة قمعية لتصفية الحسابات ولتغذية جنون العظمة وتقديس الشخص والهروب من معالجة الاسباب الحقيقية للصراع والخلافات ولفرض وحدة قسرية ترقيعية على جسم الحزب, وتؤدي في نهاية المطاف الى اضعاف الحزب تنظيميا وسياسيا وجماهيريا.

انها عملية سطحية مخادعة لاظهار الأمور وكأن كل شئ على ما يرام, وهي عملية تغرس الخداع والنفاق والتمسك بالمظاهر في صفوف الحزب وتعامله مع الحماهير, بدلا من اشاعة المبدئية والصدق في التعامل مع النفس والآخرين. انها عملية ترقيعية تؤدي الى التغطية والتسترعلى الاسباب الحقيقية للصراع والهروب في وحدة تنظيمية تستمد مقومتها من سياسات شعاراتية منفصلة عن الواقع وغير مبررة نظريا.

وتصبح عملية النقد الذاتي وسيلة للوم والتقريع والتشهير وخلق كبش فداء لالقاء اللوم عليه وكأنه المسؤول الاول والاخيرعن كوارث الحزب في مرحلة سياسية معينة, مثلا "كتلة الاربعة" ككبش فداء ومسؤولة عن كارثة الحزب, كما عبرعن ذلك سكرتيرالحزب سلام عادل بعد ايام من انقلاب شباط البعثي, وهذا كلام يناقض بالطبع ما يزعمه الحزب بوحود عقلية جماعية ومسؤولية جماعية. لقد كان تهربا لسلام´عادل من مسؤوليته الشخصية والتنظيمية باعتباره عضوا قيادبا كمسؤول اول في الحزب. طبعا هذا لا يقلل قيد شعرة من بطولة سلام عادل واخلاصه للقضية. ولكنه, كاي انسان آخر, كان يحمل شياطينه الصغيرة او الكبيرة في ثنايا روحه. وتثقيف الدورات الحزبية في موسكو التي قصدها سلام عادل ورفاقه والتي تصفها مقالة الاستاذ ارا خاجادور كالتالي: "كانت الدراسات النظرية والتطبيقات العملية متنوعة، وشملت حقولاً ومجالات عديدة، بما فيها إستعمال السلاح، ولقاءات مع قدامى المناضلين التشيك والسلوفاكيين، ومحاضرات ودروس خاصة في مجال أمن الحزب، وتحليلات علمية للأديان والقوميات، وتدريبات عملية أخرى تضمنت أكل لحوم الخيول وغيرها", لم تكن مناسبة قطعا لتطهيره من شياطينه, ولم يكن ذلك اساسا ضمن جدول اعمال هذه الدورات, وخصوصا ان الاتحاد السوفيتي والدول التابعة اعترفت فقط بعلم نفس منسجم مع فيزيولوجية بافلوف وتجاربه على الكلاب واعتبرت التحليل النفسي لاعلما او علما برجوازيا! ان التخلص من الشياطين, الشياطين ليس بمعناها اللاهوتي بل بمعناها النفسي والذي يعني, باختصار شديد, التعرف على البقع العمياء في شخصية الفرد الكامنة في اللاوعي, كان في حاجة الى علاج نفسي وليس الى تثقيف سياسي. الاول يخاطب العمق. والثاني يخاطب السطح. هل كان العلاج النفسي لسلام عادل كافيا لانقاذ الحزب وقتها؟ لا اعلم ولا استطيع الجواب على هذا السؤال, كما لا يستطيع اي شخص آخر الاجابة عليه, ولكن هذا لا بنفي, بل بالعكس , يستدعي وبالحاح , اعتبار العامل النفسي, وخصوصا جانبه الاهم والكامن في العقل الباطن, جزأً مهما في منظومة الاسباب والبواعث على الصعيد الفردي والحزبي والاجتماعي. وما تذكره مقالة الاستاذ ارا خاجادور بخصوص "تذبذب سلام عادل من منطلق يساري" هو لربما احد هذا الشياطبن. وما ينطبق على سلام عادل ينطبق ايضا, ببعض التحوير, على خليفته عزيز محمد, الذي اعلن هو ورفاقه في استعراض لسوء لعقيدة (سوء العقيدة بمفهوم سارتر), في مؤتمر سمي مؤتمر الديمقراطية والتجديد في عام 1993 مسؤولية لينين (او شياطينه!), جزئيا على الاقل, في اخفاق الحزب في جبهته مع البعث وعموم سياساته آنذاك. ولكن ما لم يعرفه عزيز محمد, ولا يزال لربما لا يريد معرفته, ان الشياطين لم تكن شياطين لينين, بل شياطينه هو. الشياطين هي الشياطين حتى لو كانت الامور غيرمقصودة, بل ان عدم الادراك بوجود القصد في العقل الواعي يعني اضطرابا اعمق واكثر خطورة.

ان عملية النقد الذاتي, بدل من ان تكون اداة لفهم اعمق واكثر شمولية لتعقيدات ما حدث او يحدث, حسب الديالكتيك الماركسي-هيغلي, تحولت الى عملية لكبح التواصل الحر والاصيل واصبحت نقيضا للتطور والنضوج النفسي والصدق في التعامل مع الآخرين وابقت العضو الحزبي, بغض النظر عن موقعه الحزبي في الهرمية التنظيمية, في مرحلة طفولية من تطوره النفسي-اجتماعي. فحولت الجسم الجماعي للحزب الى كيانات منفردة هوبزية (نسبة الى الفيلسوف هوبز, الملهم الروحي لزعماء العالم الرأسمالي مثل مارغريت تاتشر ورونالد ريغان), مع محاولة منح الانطباع بوجود ما يوحدها شكليا عن طريق رفع شعارات التي تفجر الخلافات والصراعات حال السير خطوة في مجال تحقيقها واخراجها الى حيز الوجود.

والنفد الذاتي هو ممارسة ماوزوخية-سادية بامتياز. والمازوخية هي التلذذ بتعذيب النفس والسادية بتعذيب الآخرين. وكلاهما وجهان لعملة واحدة. فلا مازوخية بدون سادية ولا سادية بدون مازوخية. والنقد الذاتي, الذي هو جلد ذاتي, يحّقر البشر ويحط من قيمتهم. انه ممارسة سادية. ولكن ممارسة الجلد الذاتي بحق النفس هي ممارسة مازوخية. والحزب يمارس السادية مع اعضائه والمازوخية مع من هم في موقع السلطة, والعقلنة هي القتاع: في حالة قاسم, كان هو "ديمقراطيا ثوريا", وصدام كان اكثر قربا الى الاشتراكية من قاسم وكان بمثابة "كاسترو العراق", والعملية السياسية الحالية هي تحصيل حاصل ل "تَتْيِيمٌ" بفوكوياما غير معلن ولن يعلن, وقوة الخطاب في الحالة الاخيرة تستوجب عدم الاعلان وكتمان السر. ولكن هل نحن فعلا في حاجة الى ان يفشي الحزب اسراره؟

ولكن بواعث التماهي بالسلطة ليس هو فقط نتاج مازوخية- سادية كامنة, بل هو ايضا نتاج عقلية بطرياركية عشائرية موروثة ولايمان بالطواطم نابع من عقدة اوديب وقتل الاب ومحاولة كبح الشعور بالذنب باظهار التودد له, للاب, للسلطة كممثل للاب. والسؤال:هل شعر كل من قاسم وصدام بمظهرية سياسة الحزب فقابلوها بعدم الثقة والريبة, هو سؤال اتخلى عن الاجابة عنه الآن لعدم وجود معطيات كافية.

ان التعامل بسادية مع رفاق الحزب يؤدي الى احداث شعور بالاهانة والذل, وهذا بدوره يؤدي الى سلوك مازوخي مع من هم في السلطة, ولكنه ايضا يؤدي الى ظهور مشاعر خفية بالغضب والانتفام من الحزب وذلك بزج الحزب في مغامرات سياسية خاسرة, كالتعاون مع قاسم وعقد جبهة مع البعث. ان الشعور بالغضب والانتقام من الحزب بسبب سادية الجلد الذاتي هو شعور مفهوم لكونه خرق لحقوق الانسان العالمية وتحريمها لكل ما يسبب اذى جسديا او نفسيا.