فلنلغي الملكية الخاصة، ولتبقى أم كلثوم

بهاسكر سنكارا
2016 / 6 / 12 - 12:55     

مالعمل - فريق الترجمة


يسعى الاشتراكيون لعالمٍ خالٍ من الملكية الخاصة، لكنهم لن يستحوذوا على تسجيلات أم كلثوم الخاصة بك.



تطلب أغنية جون لينون الأيقونية «تخيّل» (Imagine) لعام 1971 من المستمعين أن يتخيلون عالمًا من غير ممتلكات، عالمًا من غير جوع أو طمع، تشارك فيه البشرية جمعاء ثروات الأرض. ليس من المستغرب أن تلك الأغنية أصبحت نشيدًا لأجيال من الحالمين،

ولكنها تلتقط أيضًا صورة عن الرؤية الاشتراكية: الرغبة القوية لإنهاء البؤس والظلم، ومساعدة كل شخص في تحقيق كامل إمكانياته.

ولكن الصورة التي ترسمها أغنية لينون قد تكون مقلقة بالنسبة لمن لا يرغبون منا بعالم من غير ممتلكات شخصية، ألا يكون العالم نوعًا من الكمونة العالمية التي نجبر فيها على لبس أساور قنب، كالهيبيز، وأن نشارك اسطوانات أم كلثوم الخاصة بنا.

لحسن الحظ، لا يطمح الاشتراكيون لوضع أغانيك تحت تصرف الجماعة، وليس ذلك لأن الاشتراكيين لا يحبون أم كلثوم، بل لأنهم، ببساطة، لا يرغبون بعالم ليس فيه أملاك شخصية، أي الأمور المعنية بالاستهلاك الشخصي. ما يطمح له الاشتراكيون هو مجتمع لا يحتوي أملاك خاصة، ألا وهي الأمور التي توفر لمن يملكونها سلطة وقوة على من لا يملكونها.

نرى أكثر تمظهرات الملكية الخاصة وضوحًا في سوق العمل، حيث يقرر ملّاك الشركات من يستحق وظيفة ومن لا يستحق، ويتمكنون من فرض أوضاع عمل لو عُرِض على الناس العاديين بديل عادل عنها، لرفضوها. ومع أن العمال هم من يقومون بأغلب العمل الفعلي في الوظائف، فملّاك الشركات يقررون بذاتهم كيفية تقسيم الأرباح ولا يعوّضون الموظفين والموظفات مقابل كل القيمة التي ينتجوها. يسمي الاشتراكيون هذه الظاهرة بالاستغلال.

والاستغلال أمرٌ لا تمتاز به الرأسمالية، فبالإمكان أن نجده في أي مجتمع طبقي، ومعناه ببساطة هو أن بعض الناس مجبرون على العمل تحت إمرة ولمصلحة أناس آخرين.

والمصاعب التي يواجهها العديد من العمال اليوم ليست واضحة بشكل مباشر مقارنة بمنظومتي العبودية والقنانة. وفي أغلب البلدان، لدى العمال حماياتٌ قانونية حقيقية وبإمكانهم تحمل نفقات الاحتياجات الأساسية، وذلك نتيجة معارك كسبتها الحركات العمالية للحد من مقدار وشدة الاستغلال.

وإن كان بالإمكان تسكين آلام الاستغلال في ظل الرأسمالية، فلا يمكن إلغاؤه. ضع بعين الاعتبار هذا المثال (وإن كان مثالًا تجريديًا): دعنا نقل أنك تعمل مقابل 15 دولار في الساعة لدى مالك شركة مستقرة وتحقق أرباحًا. لقد عملت في الشركة لمدة خمس سنوات، وتعمل حوالي ستين ساعة أسبوعيًا.

مهما كانت سمة وظيفتك، سواءً أكانت سهلة أم منهكة، مملة أم مثيرة، فهنالك أمرٌ واحد مؤكد: يُنتِج عملك أكثر (بكثير) من 15 دولار في الساعة لصاحب الشركة. وهذا الفارق المستديم بين ما تنتجه وبين ما تحصل عليه كعائد هو الاستغلال؛ وهو مصدر رئيسي للأرباح والثروة في ظل النظام الرأسمالي.

علاوة على ذلك، أنت مجبر بالطبع على استخدام راتبك لشراء كل الأمور الضرورية لعيش حياة كريمة: المسكن والرعاية الصحية والرعاية بالأطفال والتعليم الجامعي، وهي كلها سلع أنتجها غيرك من العمال لم يُسدد لهم هم أيضًا مقدار مكافئ لما أنتجوه.

يترتب على تغيير هذه الأمور بصورة جذرية انتزاع مصدر قوة وسلطة الرأسماليين: الملكية الخاصة.

في مجتمع اشتراكي، حتى ولو أبقي على الأسواق في مجالات مثل المواد الاستهلاكية، لن تقضي أنت وأقرانك العمال وقتك كل يوم في إغناء شخصٍ آخر، بل ستحتفظون بمقدر أكبر بكثير من القيمة التي أنتجتموها. يترتب على ذلك تزايد الراحة المادية، أو، بدلا عن ذلك، إمكانية التقرير بأن تعمل لوقت أقل دون أن ينخفض أجرك وذلك كي تتمكن، مثلًا، من إكمال دراستك أو ممارسة هواياتك.

قد يبدو هذا حلمًا صعب المنال، ولكنه أمرٌ معقول تمامًا. يعرف العمال في كل مراحل التصميم والإنتاج والتسليم كيفية صنع الأمور التي يحتاجها المجتمع، وهم يقومون بذلك كل يوم. بإمكانهم إدارة مقرات عملهم بصورة جماعية، مستغنين عن «الوسطاء» أصحاب الملكية الخاصة، فالمفتاح الرئيسي لإنهاء الاستغلال هو الإدارة الديموقراطية لمقرات عملنا وغيرها من المؤسسات التي تشكل مجتمعاتنا.

هذه هي الرؤية الاشتراكية: إلغاء الملكية الخاصة للأمور التي نحتاجها ونستخدمها جميعًا، مثل المصانع والبنوك والمكاتب والموارد الطبيعية والمرافق والخدمات والبنى التحتية للاتصالات والنقل، وتبديلها بملكية اجتماعية، وبذلك تخفيض قدرة النخب على تخزين الثروة والسلطة. وهذه هي واقعًا المناشدة الأخلاقية للرؤية الاشتراكية أيضًا: عالمٌ لا يحاول فيه الناس التحكم بالآخرين من أجل تحقيق مكاسب شخصية، بل يتعاونون عوضًا عن ذلك كي يزدهر الجميع.

وفيما يتعلق بالممتلكات الشخصية، فبإمكانك الحفاظ على اسطوانات أم كلثوم الخاصة بك.

واقعًا، في مجتمع لا تشوبه الانهيارات الاقتصادية المدمرة الملازمة للرأسمالية، مجتمع يحوي أمانًا وظيفيًا حيث الحاجات الأساسية أخرجت من مجال السوق، ستكون مجموعة تسجيلاتك خارج منطقة الخطر لأنك لن تضطر لبيعها لتسديد أجار سكنك.

وهذه هي الاشتراكية باختصار: القليل من جون لينون، والكثير من أم كلثوم.

المصدر: مجلة جاكوبين