تسبيب النيوليبرالية للعنف واستفحاله مستقبلا


طلال الربيعي
2016 / 6 / 7 - 20:51     

انسجاما مع دراسة الصندوق الدولي التي صدرت هذا الشهر (1, 2), يعتقد باحثون آخرون ايضا ان السياسات والمبادئ النيوليبرالية تزيد من شدة الفوارق الاقتصادية بين البشر. فعل سبيل المثال, يناقش Davide Furceri and Prakash Loungan من صندق النقد الدولي, في ورقة صدرت العام الماضي, دور العولمة وسوقها المفتوح في تعميق الفجوة بين الاغنياء والفقراء (3).

وفي الَمجلة الدولية للخدمات الصحية, يناقش Navarro مساهمة السياسات النيوليبرالية في تسبيب عدم المساواة المتزايد وتدهور الأوضاع المعيشية لغالبية الناس في جميع أنحاء العالم (4). وتتفق George مع ذلك وتلقي باللوم لعدم المساواة على الممارسات النيوليبرالية المشتركة المتضمنة وضع الثروة العامة في أيدي القطاع الخاص، والموافقة على التخفيضات الضريبية للأثرياء، وتخفيض الأجور لغير النخبة (5).

وقادة العالم النيوليبراليي, مثل رئيسة وزراء بريطانيا سابقا مارغريت تاتشر, لم يعترفوا فقط ان سياساتهم تعمق اللامساواة الاقتصادية, بل وزعموا ايضا ان واجبهم يتمثل في تمجيد اللامساواة (6) “It is our job to glory in inequality".

و تشير الادلة الى ان ازدياد الفجوة الاقتصادية لعموم الناس قد تتوسط العلاقة بين النيوليبرالية ومتغير ثالث: العنف بين الأفراد. وفي هذا الصدد، يذكر Krug وآخرون في التقرير العالمي بخصوص العنف والصحة, أن "الظروف الاقتصادية [أي عدم المساواة] هي سبب ونتيجة للعنف في آن واحد" (7). وان عدم المساواة يرتبط ارتباطا إيجابيا مع معدلات الجريمة العنيفة وظهور امراض اجتماعية عديدة.

واحدة من اهم المشاكل التي تسببها السياسات النيوليبرالية هو العنف بين الأفراد, حيث تشير الدراسات التي تحلل العلاقة بين عدم المساواة في الدخل والعنف الى ان عدم المساواة في بلد ما يزيد من معدل جرائم العنف بها.

فالولايات المتحدة,على سبيل المثال, لديها أعلى معدل جرائم القتل الفردي وعدم المساواة في الدخل. و لديها أعلى نصيب من نزلاء السجون عالميا وعدم المساواة في الدخل بعد المكسيك. وهذا دلالة على ان الولايات المتحدة تعالج الاعراض بملأ سجونها بالنزلاء في نطاق سباقها المحموم لبناء سجون جديدة, التي تدار عادة من قبل القطاع الخاص الذي, بالطبع, يحقق ارباحا اكبر كلما زاد عدد المحكوم عليهم و طالت فترات سجنهم. فلذا لا غرابة بان نشهد في النظام القضائي للولايات المتحدة عقوبات لاانسانية ولا معنى لها ولا علاقة لها بهدف الاصلاح. فمثلا, يمكن لمرتكب جريمة ما الحكم عليه لمدة ستين سنة! علما ان جريمة مشابهة قد يُعاقب عليها مرتكبها بثلت هذه المدة في اوربا التي تُدار سجونها من قبل الحكومة.

وبذلك تبذل الحكومة الامريكية قصارى حهدها في تضليل مواطنيها ومنحهم الاعتقاد بكونها تبذل كل جهدها في مكافحة الجربمة, في حين انها تحرف انظار الناس عن البحث عن السبب الرئيسي للعنف والجريمة, اللا وهو التفاوت الاقتصدي الشديد الناتج عن سياساتها النيوليبرالية.

اضافة الى تعزيز ارباح شركات السجون الخاصة, فهناك سبب آخر مهم لتشديد العقوبة واطالة امدها في الولايات المتحدة, وهو ان القضاة هناك ,على عكس الحال في دول اخرى, يتم انتخابهم من قبل بلدياتهم ولا يتم تعيينهم من قبل الحكومة الا في حالات خاصة قليلة. والقضاة, حالهم حال اغلبية الناس, مغسولو الدماغ, فيبالغون بوحشية هائلة في رفع مستوى العقوبة, وذلك لارضاء السياسات الحكومية المُعلنة بمكافحة الجريمة وتبنيها سياسية اللامرونة المطلقة في مكافحة الجريمةzero tolerance, وكذلك لارضاء رغبات الناخبين, وهي كلها امور لا تعالج جذور المشكلة, بل وتعمقها وتزيد من استفحالها, اضافة بالطبع لمخالفتها الفاحشة لقواعد العدالة الانسانية ومبادئ الرحمة والاصلاح. فهناك ما يقرب من 2 مليون نزيل في السجون الامريكية. ووفقا ل California Prison Focus, لم تسجن اية دولة اخرى عبر التاريخ البشري مثل هذا العدد الهائل من مواطنيها (8).

ان النيوليبرالية تساهم بشكل مباشر في عدم المساواة ويمكن أن تساهم بشكل غير مباشر في تسبيب العنف. فعدم المساواة وتجاهل الفقراء يعبر عن نفسه في العدوان، والإحباط، و، في نهاية المطاف، في العنف. في محاولة لتفكيك هذه العلاقة، يكتب Krug وآخرون (7) أن "نهج شامل لمنع العنف ينبغي ان يشمل الجهود الرامية إلى تعزيز التنمية الاقتصادية الإيجابية والتقليل من مستويات عدم المساواة". ومع ذلك، وحتى الآن، لا يبدو ان هناك سعيا جادا إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي لاجهاض السياسات النيوليبرالية والتقليل من عدم المساواة او الغائه. وهذا، بطبيعة الحال، سيساسهم في اشاعة عدم المساواة والعنف اكثر وتفاقمهما بشكل اكبر للغاية في العقود المقبلة.
-------------
المصادر
Neoliberalism-1
Oversold?
https://www.imf.org/external/pubs/ft/fandd/2016/06/ostry.htm

2- النيوليبرالية نفسها تعترف بمثالبها وخطاياها
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=519451

3- 2015 International Monetary Fund
IMF Working Paper
Research Department
Capital Account Liberalization and Inequality
https://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2015/wp15243.pdf

4. Navarro, Vicente. 1998. “Neoliberalism, -4 ‘Globalization,’ Unemployment, Inequalities, and the Welfare State.” International Journal of Health Services 28(4):607-682

5- George, Susan. 1999. “A Short History of Neoliberalism.” Presented at the Conference on Economic Sovereignty in a Globalising World, March 24-26, Bangkok, Thailand

6- Lean, Geoffrey and Yvette Cooper. 1996. “Not Enough for Us: The Theory was that as the Rich Got Richer, We’d All Benefit. But It Hasn’t Worked.” The Independent, July 1996, pp. 52

7- Krug, Etienne G., James A. Mercy, Linda L. Dahlberg, and Anthony B. Zwi. 2002. “The World Report on Violence and Health.” The Lancelot 360(9339):1083-1088

8- The Prison Industry in the United States: Big Business´-or-a New Form of Slavery?
http://www.globalresearch.ca/the-prison-industry-in-the-united-states-big-business-or-a-new-form-of-slavery/8289