عن الاخلاق والتربية الاخلاقية في احزاب وفصائل اليسار العربي


غازي الصوراني
2016 / 5 / 23 - 22:39     


ابدأ حديثي بطرح السؤال التالي: هل الأخلاق عنصر رئيسي واساسي بالدرجة الاولى من عناصر تكون العضو او الرفيق عموما والكوادر القيادية خصوصا في احزاب اليسار، وهل الاخلاق ايضا جزء لا يتجزأ من الحيز السياسي والمجتمعي والتنظيمي لكل عضو؟ وهل عليها الخضوع لاعتبارات ومكونات هذا الحيز والانطباع بطابعه لمجرد أنه حيز ثوري؟ وجوابي : نعم بكل قوة ووضوح... اذ لابد من تطابق العلاقة المتبادلة بين السياسة والحزب والمجتمع من ناحية والأخلاق الشخصية الدافئة الغامرة بالحب والتواضع والاثرة والاحترام المتبادل بين الجميع من ناحية ثانية ، وأن تتطابق العلاقات السياسة الرفاقية والمجتمعية مع الأخلاق الثورية التي يتوجب تجسيدها عبر الممارسة اليومية للرفاق ، فإذا كانت الأحزاب الثورية أو اليسارية ترمي إلى تحرير الإنسان وتحقيق ذاته، فهي إذن مطالبة قبل غيرها بموقف أخلاقي يهدف – ارتباطا بمبادىء الحزب واهدافه - إلى خدمة الثورة التحررية الديمقراطية وتحقيق أهدافها في تحرير الأرض والإنسان والمجتمع من منظور الصراع الطبقي، بعدما فشلت البورجوازية وعجزت عن أداء هذه المهمة، وذلك بالاسترشاد الواعي والعميق بالنظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي في تحليل الواقع وصيرورته المستقبلية.
إن النظرية الماركسية نظرية علمية، ولم تقوَ أية محاولة على تقويضها أو النيل منها في الجوهر، ولكن الحياة والواقع هما المحك لحسن تطبيق هذه النظرية. وإن الممارسة هي الترجمة الحقيقية لمصداقية هذه النظرية والأفكار، وإن الأدوات المستخدمة في الامتحان الصعب هي القيادات والكوادر التي تعد بحق الأمثلة الحية لصحة العمل وصدق الممارسة طالما جسدت بالفعل سلوكا اخلاقيا قائما على الصدق والتواضع واحترام الاخر.
إذن، على رفاقنا وكوادرنا أن يقدموا المثل الصالح والقدوة الحسنة مع انفسهم ورفاقهم من جهة وأمام جماهير الشعب من جهة ثانية عبر سلوكهم الاخلاقي كعنصر اساسي ورئيسي لتقدم الحزب وانتشاره.
طبعاً، نحن في احزاب وفصائل اليسار العربي لا ندعي الكمال المطلق في سلوك القيادات والكوادر، ولكن المطلوب دائماً وأبداً تحقيق الثوابت الأخلاقية الأساسية والحفاظ على نقاوتها عبر الممارسة العملية، مما يجعل من هذه الكوادر شموساً وهاجة تتحدى ظلام الواقع الراهن في هذه المرحلة الشديدة الانحطاط بسبب استشراء التخلف والاستبداد والتبعية لمجمل النظام العربي الى جانب تفاقم الصراع الطائفي/الطبقي الدموي.
وبالتالي فإن مهمة محاربة الفساد والانحطاط السياسي و الاجتماعي والأخلاقي في مجتمعنا تبقى مهمة طوباوية إذا كنا لا نطلبها بالدرجة الأولى وبإلحاح من لدن رفاقنا في احزاب اليسار العربي. وإذا لم تتحصن كوادر تلك الاحزاب من كل مظاهر السلوك الشائن في المجتمع. فإن تعلقنا بشعار الحرب على الانحطاط والظلم والتخلف والفساد –في السلطة وفي المجتمع- يبقى وهماً من الأوهام.
مفهوم الأخلاق في الحزب الماركسي :
يعترف الجميع اليوم "أن عبارات الحزبي والرفيق والمناضل والثوري وما في سياقها قد أصابها غير قليل من التشويه، إلى انحطاط الأخلاق السياسية، وشحوب الفضائل الحزبية بوجه عام.
المسألة، كما تبدو لنا، ليست مسألة عيوب أخلاقية في الأشخاص فحسب ، بل أيضاً مسألة عيوب أخلاقية في النظام السياسي والمجتمعي الذي ينتج العيوب الأخلاقية، ويهدر الكرامة الإنسانية، ولا يقوى ولا يستمر إلا بقدر ما يدمر ذاتية الأفراد وحريتهم واستقلالهم، لأنه قائم على التبعية والولاء الشخصي، لذلك كانت النزاهة والحرص على المال العام والشأن العام والعمل بمقتضى القانون محنة على من ظلوا ممسكين بها، كالممسكين بالجمر.
وما دامت المسألة كذلك، أي مسألة نظام ينتج العيوب الأخلاقية، فإن إعادة إنتاج النظام الأخلاقي المجتمعي والخروج من بؤرة الفساد والإفساد والاستبداد تبدأ بإعادة الاعتبار للنضال الوطني و للقانون الديمقراطي، الذي يسري على الحاكمين والمحكومين بلا استثناء دون اغفال منظورنا الطبقي ضد كل مظاهر وادوات الاستغلال ، وهنا يتجلى دور رفاقنا في كل احزاب اليسار العربي ليقوموا بدورهم في تجسيد القيم والمبادئ والسلوكيات الأخلاقية الشخصية والديمقراطية الثورية ، لكي نجعل احزابنا وفصائلنا منارة ومثلاً أعلى في تطبيق هذه المبادئ انطلاقاً من إدراكنا بأن الأخلاقيات الحزبية هي مجموعة المبادئ السياسية والفكرية والقواعد التي يسترشد بها العضو في سلوكه الخلقي وتصرفاته, و يطلق عليها الآداب الحزبية التي يتوجب أن يتمتع بها جميع الرفاق, فمثلما لكل حياة اجتماعية أعرافها وعاداتها المرتبطة بقيم الصدق والشرف والتكافل والنخوة والنزاهة والكرم والاحترام والصراحة والموضوعية والشجاعة في الموقف, فإن هذه المسألة تنطبق علينا أيضاً في احزاب اليسار العربي للتعبير عن أفكارنا ومواقفنا وقيمنا الثورية , إنها مجموعة الأخلاق الرفاقية, السياسية والفكرية والاجتماعية القائمة على مفهوم الصلابة على المبدأ والشرف الحزبيين من ناحية ، والوثيقة الصلة مع الجماهير من ناحية ثانية, مستلهمين المبادئ الأخلاقية التي جسدها العديد من شهداء وأسرى ومناضلي فصائلنا واحزابنا ، إن الإقتداء بهذه الأخلاق يعني بالنسبة لكل عضو أن يتصرف على الدوام بما يتلاءم مع المتطلبات الحزبية نصاً وروحاً, والالتزام الواعي والمخلص بمبادئ وأفكار الحزب عبر ممارسة -علنية أو سريه- لا تلقي أي ظل من الشك على شرف الحزب أو لقب الرفيق, بل بالعكس تجسد مشاعر كل رفيق منا بكونه جاء باختياره الحر, لكي يكون مناضلاً في حزب عظيم من أجل أفكار عظيمة تكمن عظمتها في خدمتها الدؤوبة بلا كلل للجماهير الشعبية وتحقيق اهدافها في التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بافاقها الاشتراكية.