الحزب لم يتخلى عن اللينينية لكونه لم يعتنقها اصلا!


طلال الربيعي
2016 / 5 / 15 - 13:25     

اعلن الحزب الشيوعي العراقي طلاقه بالثلاث من اللينينية في مؤتمره الذي سماه مؤتمر الديمقراطية والتجديد في عام 1993.

ويبرر لنا السيد جاسم الحلوائي, وهو احد قادة الحزب سابقا, تخلي الحزب عن اللينينية بقوله:
انه "يعتقد ان التجديد هو الذي ساعد على إنقاذ الحزب من مآزق كثيرة كان يمكن ان تمنعه من المشاركة في العملية السياسية".

ويضيف:
"كنا لينينيين اكثر مما كنا ماركسيين”
http://www.iraqicp.com/index.php/sections/objekt/41164-2016-03-31-14-57-49

لا ادري ما معنى قول السيد الحلوائي هذا: "كنا لينينيين اكثر مما كنا ماركسيين!”, وما هو سبب تحميله هو وبقية الحزب لينين ضمنا اخطاء الحزب. فهل يمكن للسيد الحلوائي او غيره في الحزب ان يفسر لنا كيف كان لينين مسؤولا, جزئيا او كليا, عن اخطاء الحزب, وكلنا نعلم ان لينين توفى في عام 1924 والحزب تأسس في عام 1934؟ لذا من غير المفهوم كيف يتحمل الاموات مسؤولية ما يفعله الاحياء. الحزب يبدو انه يحاول عبثا اعادة كتابة قوانين الحياة والموت.

اني لا ادافع عن لينين. فلينين ليس بحاجة للدفاع عنه من قبلي او من قبل غيري.

الحزب يزعم تخليه عن اللينينية, رغم اننا لانعرف شيئا عن اعتناقه لها سوى ادعاءات شكلية من قبله سابقا. والحزب مدعو للاجابة على هذه التساؤلات: كيف كانت سياساته تتسم باللينينية منذ تأسيسه عام 1934 ولغاية 1993, اي ما يقرب من ستين عاما؟ وكيف كانت اللينينية مسؤولة, مباشرة او غير مباشرة, عن الاخطاء التي ارتكبها الحزب لغاية عام 1993؟ وهل يُحتمَل, انسجاما مع منطق الحزب الذي حدى به الى التخلي عن اللينينية, ان يقوم الحزب, بسبب اخطاء, واقعية او محتملة, بعد عام 1993, بتخليه عن ماركس نفسه لتحمله مسؤولية اية اخطاء ارتكبها او لربما سيرتكبها الحزب, كما فعل مع لينين من قبل؟ وباعتبار ان الحزب لا يزال يدعي انه حزب ماركسي, فهل سيحافظ الحزب على اعتناقه للماركسية اذا كان قد ارتكب اخطاءا منذ عام 1993 فلاحقا؟ واذا كان جواب الحزب ب "كلا", والصمت سفيسر هكذا, فنحن محقون ان نستفسر عندها عن اسباب التناقض الصارخ في منطق الحزب: لماذا يتحمل لينين, بعرف الحزب, المسؤولية عن اخطاء الحزب, ولا يتحملها ماركس ايضا؟ واذا كان ماركس, على عكس لينين, لا يتحمل اخطاء الحزب, فهل يعني هذا ان الحزب يعامل ماركس كأيقونة مقدسة, وهذا بالطبع ما لم يرده ماركس اثناء حياته, وبالتالي يتمتع ماركس بالنسبة لهم بحصانة ابدية؟ ام ان عدم تعليق الحزب اخطاءه على مشجب ماركس يعود الى سبب آخر اكثر اقناعا يتلخص بان فعلا كهذا سيعني, عملا بنفس المنطق الذي حداه للتخلي عن لينين, الى التخلي ايضا عن ماركس, وبالتالي دخول الحزب في ازمة وجودية لا يستطيع عندها التوفيق بين ماركسيته المزعومة مع تحميله, في نفس الوقت, ماركس تبعية اية اخطاء يرتكبها الحزب؟

ان تخلي الحزب عن اللينينية قد ادخل الحزب في ازمة وجودية, شاء ام ابى, ادرك ام جهل, فهو غير قادر الآن على تقديم اية مراجعة او قراءة نقدية للماركسية, او بالاحرى اية مراجعة جديه لسياساته "الماركسية!", لان مراجعة كهذه قد تهدد مقومات وجوده وستسلبه مبرر وجوده كحزب ماركسي او زعمه هكذا.

الحزب اعلن قبل اكثر من ربع قرن تخليه عن اللينينية. ولكن لنقرأ مقابلة السيد حمدي العطار مع السيد عزيز محمد الذي كان مسؤول الحزب لما يقرب من ثلاثين عاما ولغاية انعقاد مؤتمرالديمقرطية والتجديد عام 1993. ففي هذا المؤتمر, كما اسلفت اعلاه, تخلى الحزب عن اللينينية, اي في نفس الوقت الذي تخلى فيه السيد عزيز محمد عن المسؤولية الاولى في الحزب.هل كانا هذان الحدثان وليدا الصدفة ام ماذا؟ نعلم كلنا ما تعنيه الصدفة في النظرية الماركسية. فاذا كانت الصدفة لم تكن صدفة بالمعنى المتعارف عليه, فلا بد ان تفسيرا, لا يتفق مع منطق الصدفة, سيكون اكثر اقناعا, وسيتضمن هذا التفسير ان السيد عزيز محمد حاول تبرير مسؤوليته, جزئيا على الاقل, عن اخطائه بالقاء اللوم على لينين. وهو وغيره في الحزب لم يفسروا لنا كيف قام لينين من قبره, او بالاحرى من المتحف الذي حُنطت فيه جثته, ليتصل بقادة الحزب الشيوعي العراقي ويملي عليهم ما الذي عليهم فعله او تركه. ولِمَ لم يلاحظ الملايين من الناس, الذين كانوا يصطفون طوابيرا طويلة كل يوم لزيارة نعشه ولعشرات السنين, قيامه ومغادرته نعشه؟ فهل يكذب كل هؤلاء الملايين الذين لم يذكروا مطلقا مغادرة لينين نعشه ونصدق مزاعم السيد عزيز محمد ورفاقه الذين يحملّون لينين مسؤولية اخطاءهم؟ اي منطق هذا؟ واذا كان هناك اي منطق هنا, فثقوبه تشي بعدم وجوده.

لكن لنتوقف هنا برهة قصيرة. الحزب والسيد عزيز محمد اعلنوا تخليهم عن اللينينية في عام 1993. ولكن السيد حمدي العطار الذي اجرى مقابلتين الآن مع السيد عزيز محمد, يفسر احجام السيد عزيز محمد عن نشر مقابلته الاولى كالتالي:
"حيث وافق عزيز محمد على نشر المقابلة الثانية فقط ولم يوافق على نشر المقابلة الاولى".
ويقول السيد حمدي العطار:
"كان عزيز محمد -يحدثني بعفوية وبساطة ولا يجد حرجا من الاعتراف بتقدم العمر وضعف الذاكرة أو أن يقول لي (أنت أحسن مني تتذكر) مفتتحا أجوبته بكلمات (اخوية، حبيبي ..)... هذه العفوية والتلقائية الصادقة أذهلتني عندما كنت اقوم بأفراغ جهاز التسجيل،لذلك سارعت الى إرسال المقابلة على الورق الى -عزيز محمد- وكنت أتوقع إن يعدل او يغير او قد يحذف بعض الإجابات ولكنني تفاجأت بقوله(اعتبر المقابلة ملغية)-

لقد الغى السيد عزيز محمد المقابلة الاولى واستبدلها بمقابلة ثانية يقول عنها السيد حمدي العطار:
"وأنا أتأمل أجوبته المقتضبة والمصوغة بحسٍ منضبطٍ بارد غابت عنه التلقائية والحضور الانساني الحميم الذي وسم جلستي الأولى معه."
ويمضي السيد حمدي العطارقائلا في في معرض تفسيره:
"سألتمس له الأسباب في ما اعتاد عليه من قواعد سلوك وانضباط صارم وما تتطلبه التقاليد التنظيمية في حزب من الطراز اللينيني يقوم على مبدأ المركزية الديمقراطية التي اتضح أنه يؤول الى نوع من البيروقراطية وغياب الشفافية وضعف الإبداع كما تجلى ذلك في انهيار التجارب الاشتراكية في نهاية الثمانينات"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=516757

فاذا كانت هذه المقابلة قد جرت في عام 2016, فان ما يفصلنا عن مؤتمر الحزب في 1993 يقرب من ربع قرن. والسيد عزيز محمد يذكر في المقابلة انه لازال عضوا في الحزب. لذا نتسائل هنا ايضا: لماذا لا يطبق السيد عزيز محمد سياسة حزبه التي تخلت عن اللينينية, وخصوصا وهو وقتها كان المسؤول الاول ولم يُسمع عنه اعتراضه على ذلك لاحقا؟ ولكن تساؤولا كهذا لا معنى له, لان الحزب لم يتخلى عن اللينينية لكونه لم يعتنقها اصلا.