استخدام علوم الدماغ في مكافحة الماركسية المبتذلة


طلال الربيعي
2016 / 5 / 14 - 09:37     

دار نفاش حول مقالة ماركس
الفلسفة كإيديولوجيا
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139444
بخصوص دور الوعي وعلاقات الانتاج المادي في التغيير واولوية كل منهما.

وقد عقب الزميل العزيز عبد الرضا حمد جاسم على تعليقاتي على الموضوع التي يمكن الاطلاع عليها في الرابط اعلاه, بقوله:

"تحية طيبة
فقط لتلطيف الجو
المرآة تقلب الصورة
فتضطر حتى تراها على حقيقتها عليك ان تعطي ظهرك للمرآة
الدماغ سينقل عن المرآة تلك المقلوبه فيعديها الى حالتها
اكرر التحية"

وادناه هو تعقيبي على تعليقه المهم ايضا وليس "الملطف للجو" فقط, وايضا استكمالا للنقاش الذي دار هناك.

ان تعقيبي, رغم اختصاره الشديد, لا تستوعبه مساحة التعليق في الحوارالمتمدن, وتقتضي تشظيه. لذا انشره كمقال.
----------------------------
الزميل العزيز عبد الرضا حمد جاسم
ما تقوله يتضمن امكانية الدماغ على التعرف على الصورة وتعديلها وارجاعها الى حقيقتها هو دليل آخر على ان الدماغ لا يعكس الواقع بصورة سلبية او فوتوغرافية. ونحن نعلم من علم نفس الطفل التطوري ان الطفل يتوصل في مرحلة لاحقة من تطوره الى ان امه عندما تغيب عن ناظره سوق تعود لاحقا. وغيابها, طبعا لفترة محددة فقط, لا يسبب له قلقا. ولكن نظرية الانعكاس (الدماغ يعكس الواقع كالمرآة كما تزعمه الماركسية المبتذلة) لا تعكس الواقع باكمله, وانما جزءا يسيرا منه فقط. فاني عندما ارى شيئا في المرآة, فاني استطيع فقط رؤيته ولكني لا استطع التعرف على ما يدلل على مذاقه وملمسه ورائحته ولا استطيع سماع صوته, لاني اوظف حاسة البصر فقط بدون توظيف الحواس الاربعة الاخرى من سمع وتذوق وشم وحس. اي ان المفهوم الانعكاسي متحيز الى حاسة البصر على حساب الحواس الاخرى. لذا فاننا نخسر هنا في الصورة ما يقرب من % 80 من كمية المعلومات التي يتضمنها الواقع, اذا افترضنا جدلا طبعا ان كل حاسة تلتقط خمس الواقع, وهي فرضية لا تبدو غير مبررة. ايضا, المرآة تتعامل مع ما هو ظاهر وليس مع هو باطن. والباطن, حسب الفكر الديالكتيكي وكذلك التحليل النفسي, اهم بكثير من الظاهر.

لذا فان الماركسيين الذين يفهمون الواقع مجردا مما تقدمه الحواس الاربعة الاخرى, ومن العقل الباطن, لا بد انهم يقدمون صورة مشوهة واختزالية او حتى قبيحة للواقع, وهم لا بد ان يفشلوا في فهم الواقع, فضلا عن تغييره. وهذا يشكل احد مظاهر او اسباب ازمة الماركسية-الشيوعية المبتذلة. والماركسية-الشيوعية المبتذلة هي الشائعة والمتفوقة والمُعتمدة رسميا, وهي التي تمارس بكل وحشية اضطهاد او حتى قتل الماركسيات الاخرى التي تحاول اعادة الاعتبار الى الحواس الاربعة والى العقل الباطن.

والعقل الباطن, حسب العديد من علماء الدماغ, يتموضع في الجزء الايمن من الدماغ للشخص الأَيْـمَن, ولربما بالعكس للاعسر. اي حسابيا ووببساطة شديدة لتقريب الفهم, ان الاقتصار على استخدام الجزء الايسر من الدماغ واستخدام حاسة البصر فقط يُختزل ادراك الواقع فسيولوجيا او معلوماتيا بنسبة 90% او ما يقرب.

هذا يعني ان الماركسيين والشيوعيين , في اغلب الاحيان, يستطيعون فقط التقاط او ادراك %10 من الواقع في احسن الاحوال. وهو انتحار فكري بكل المقاييس, بل وحتى ايضا على صعيد الممارسة.

يحاول بعضهم, عملا بالقاعدة القائلة "ان الطبيعة تكره الفراغ", الى اقتراض مفاهيم وافكار رجعية, لانعدام البديل اليساري عمليا, من احزاب دينية او من اعراف اجتماعية بالية, لملأ الفراغ. وهم يملؤن الفراغ ايضا ليس بسبب كره الطبيعة للفراغ فقط, وانما ايضا لان الفراغ يسبب لهم قلقا هائلا لا يحتملونه, لذا يحاولون تخفيف القلق باللجوء الى الدوغما او الشمولية الدينية او الى غيرها من اليقينيات. وبالتالي فهم يجهزون على العقل ويقترب فهمهم للواقع معلوماتيا, حتى بحده الادنى, دعنا من الفهم المبدع, الى الصفر.

كمثال, العديد من الكتاب الماركسيين يعنونون مقالاتهم ب "حوار هادئ..." او شئ من هذا القبيل. وهم يقصدون حوار الدماغ الايسر دون الايمن, لان الايسر هو للغة والمنطق والرياضيات والكتابة والعلم (او ما يسمى عادة التفكير الخطي LINEAR THINKING MODE) والايمن للعواطف والخلق والابتكار (او ما يسمى عادة التفكير الكلي HOLISTIC THINKING MODE). وهؤلاء يرتكبون اكبر خطيئتين:
1- حرمان انفهسم من نصف دماغهم.
2- قمع ذكائهم وملكاتهم العاطفية الاخرى التي هي اهم بكثيرمن الملكات الفكرية الخطية.

والشيوعيون يعتبرون استخدام الملكات العاطفية دليلا على عدم النضج والطفولية والمراهقة السياسية! فمثلا قول ك: "اني لا اثق في جهة ما بسبب حدسي" هو قول غير مقبول بالنسبة لهم ويعتبرونه قول غير علمي, ولربما يستدعي الضحك او السخرية من قبلهم. ولكن اعتبارهم هذا هو هرطقة بحد ذاته بحق العلم وفهم كارثي له, اضافة الى مناقضته الصريحة للديمقراطية. فالعاطفة او العقل الباطن, كما تثبت تجارب علم النفس العصبي وعلوم الدماغ, تسيطر على %90 من سلوكياتنا وافكارنا.

لذا فان الاستنتاج اللامفر منه, المشتق من علوم الدماغ ونظرية المعلومات, هو ان الاحزاب الشيوعية هي في حقيقة الواقع ميتة او شبه ميتة معلوماتيا.

تلخيص:
الاحزاب الشيوعية تستخدم حاسة البصر فقط على حساب الحواس الاربعة الاخرى.
الاحزاب الشيوعية تستخدم الدماغ الايسر دون الايمن.
وبذلك تصبح الخسارة في فهم الواقع %90 او اكثر.

ال %10 من المعلومات المتبقية هي رديئة نوعيا لافتقارها للبعد العاطفي, لذا فهي باردة برودة الموت. افكار بدون عواطف لا تخلق ابداعا ولا تُحرِك الجماهير, كما تؤكد فلسفة الامل. نعم ان هذه المعلومات المتبقية قد تخلق حركة ظاهريا ,"هرج ومرج", ولكنها ستكون سكونا حسب قانون القصور الذاتي لنيوتن (قانون نيوتن الأول) . لتخطي هذا القانون واحداث حركة حقيقية, ليست وهمية او لاغائية, تحتاج الاحزاب الى معلومات اكثر بكثير كميا, اضافة الى معلومات مختلفة كيفيا لا يوفرها لهم خطابهم "الهادئ المتزن" ومنطقهم الذي يشتق منه خطابهم مبرراته.

لان الفعاليات العقلية العاطفية اهم من الفكرية, تنخفض قيمة ادراك الاحزاب للواقع, في حقيقة الامر, الى ما يقرب الصفر.

الحل: لانقاذ الماركسية من ابتذالها, ينبغي:
-رد الاعتبار الى الحواس الاربعة الاخرى: اعادة تأهيل الجسد, والجسد يشمل الجنس. فلا جسد بدون جنس ولا جنس بدون جسد. وليس هنالك من حرية او ديمقراطية حقيقية بدون حرية الجسد. حرية الفكر لوحدها لم تكون ولن تكن ضمانة لاية ديمقراطية حقيقية.
-منح الاعتبار الواجب لنصف الدماغ الايمن, او لخطاب العاطفة.

كيف؟
و يمكن تحقيق ذلك, مثلا, من خلال ورشات عمل, نظرية وتجريبية عملية, لاعادة الاعتبار للجسد, وبضمنه الدماغ. والافضل اعتبار الجسد باكمله دماغا. الورشات ليست كافية بالطبع, ولكن حصيلتها يمكن تعميمها ميدانيا في الشارع. والحاجة عندها سىتكون ملحة لان تتعلم الورشة من الشارع والشارع من الورشة.