هل يمكن اصلاح العملية السياسية في العراق بدون التخلص منها؟


طلال الربيعي
2016 / 5 / 9 - 09:25     

هذا هو تعليقي على مقال الاستاذ د. حسين علوان حسين:
"تطور سلطة البرجوازية الطفيلية في العراق من 1980 إلى الآن"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=516255
وبسبب طول التعليق بعض الشئ, ارتأيت نشره كمقال.
----------------
استاذي الكبير د. حسين علوان حسين المحترم!
شكرا على الاستعراض التاريخي بخصوص "تطور سلطة البرجوازية الطفيلية في العراق من 1980 إلى الآن".
لدي بعض الاستفسارات والملاحظات:
١-;-. لماذا تستخدم مصطلح "البرجوازية الطفيلية"، التي هي, حسب تعريفك, "تلك الشريحة الاجتماعية التي تجمع بين عدم الانتاج من ناحية ، و عدم امتلاك وسائل الإنتاج من ناحية أخرى؛ ولكنها تكتسب امتيازات نقدية تسلبها بهذا الشكل أو ذاك من موارد خزينة الدولة (خزينة العراق في هذه الورقة) ."؟
نعم انها طفيلية, لكن لماذا تسميها برجوازية برغم انها تفتقد كل مقومات البرجوازية, او حتى الطبقة! فالاموال والثروات التي تكدسها هي عن طريق سرقة اموال الدولة اساسا, كما يرد في شرحك. فهل سنجافي الحقيقة, او نجانب الدقة العلمية, اذا سمينا هذه الفئة من الناس بساطة ب "مافيات حكومية واهلية", او لو سمينا الحكومات بحكومات المافيا والعصابات والمرتزقة على سبيل المثال؟
التفريق ليس اكاديميا بحتا, وانما له تبعاته القانونية ايضا. فتعريفك يتجنب الاشارة الى ان افراد ما تسميه "البرحوازية الطفيلية" هم حالهم حال كل المجرمين العاديين ينبغي تطبيق قانون العقوبات الجنائية عليهم, مهما بلغت مكانتهم في الدولة.

٢-;-- فاذا اتفقنا انهم مجرمون ينبغي مقاضاتهم على فسادهم ورشواتهم وسرقتهم للمال العام او الخاص, واجزم اننا متفقون, فما المبررات العلمية لاعتبار هؤلاء طبقة؟ فنحن لا نتحدث مثلا عن طبقة الفاسدين او طبقة اللصوص والمرتشين, من وجهة النظر الماركسية على الاقل!

٣-;-- اخشى ان يقوم البعض باستغلال تعريفك ل"البرجوازية الطفيلية" لاصدار عفو قضائي عام على هؤلاء المجرمين لاحقا, بعد رفعهم من قبلك الى مصاف البرجوازية الطفيلية, وان كان هذا بالطبع امر غير مقصود من قبلك, وخصوصا في فقرتك "ا" التي كانت, باعتقادي, ينبغي ان تكون حزءا لا غنى عنه في التعريف, وذلك, ايضا, لخلق قطيعة سياسية مع هؤلاء المجرمين واحزابهم لاسباب جنائية على الاقل.

٤-;-- تقول
"و لذلك نجد أن كل هذه الأحزاب إنما هي في الواقع أحزاب "بعثية" الجوهر سياسياً ."
لا اعتقد ان اشتراك الاحزاب الحاكمة في العراق مع حزب البعث بسمة مشتركة من فساد وسرقة ورشوة الخ يجعلها كلها أحزاب "بعثية". هذا لا يعني انها مختلفة جوهريا عن حزب البعث, ولكني اعتقد ان هذه الاحزاب الحاكمة لا تختلف ايضا في فاشيتها عن حزب البعث. اي ان هنالك العديد من القواسم المشتركة بين احزاب السلطة في العراق وحزب البعث, وبضمنها قواسم سياسية وفكرية على صعيد النظرية والتطبيق.

٥-;-- سؤالي هنا: كيف يتشرك الحزب الشيوعي العراقي في عملية تقودها احزاب مجرمة بالمعنى القضائي او الجنائي؟
سافهم رفضك الجواب على هذا السؤال لاعتبارات سياسية, ولكن مضمون سؤالي لا يعني توجيه اللوم لهذه الجهة او تلك, بقدر ما يعني ان مفهوم البعثية, للاسباب نفسها التي يذكرها مقالك, قد تعني شموله لسياسة الحزب الشيوعي العراقي, بالطبع كسياسة وليس كافراد يمكن مقاضاتهم جنائيا. ولكن كيف يمكن وضع حد فاصل بين مَن هم من المافيا ومن هم خارجها اذا كان الطرفان يشتركان في عملية سياسية واحدة؟ ومقالك نفسه يذكر لاحقا ان سلطة الإئتلاف المؤقتة الحاكمة بقيادة بريمر... "الذي اصبح يتحكم بما مجموعه (38.4) بليون دولار أمريكي تم تبديد جلها في مشاريع وهمية أو غير منجزة أو في تسديد مستحقات شركات الحماية الأمريكية و شراء ولاء السياسيين المحليين". فلا توجد ادلة على ان الحزب الشيوعي حاول منع تبديد ال(38.4) بليون دولار أمريكي, او ان ممثله في مجلس الحكم استقال احتجاجا على هذا التبديد, او انه سعى الى تحريك دعوى قضائية ضد بريمر اثناء عضويته في مجلس الحكم او بعدها, او انه دعى الى تحقيق برلماني في الموضوع اثناء عضويته في البرلمان او لربما بعدها.

٦-;-- مع انك عددت جرائم المحتل واتباعه من احزاب واشخاص, الا انك لم تناقش طبيعة هذه الجرائم باعتبارها نتيجة مباشرة, جزئيا على الاقل, للعومة النيوليبرالية التي مثلها بول بريمر, تلميذ ميلتون فريدمان, مؤسس مدرسة شيكاغو في الاقتصاد الحر المنفلت.

٧-;-. تقول
"و تتشارك الشرائح الطفيلية أعلاه بما يلي :
أ. أن كلها خارج على سلطة القانون حيث تستند التسلكات الشخصية و القطيعية لأفرادها على مبدأ "سيادة شريعة الغاب" ، و على مقولة "أن مصالحي هي فوق الجميع ، و أن تحقيقها هو القانون".

وتضيف:
"ح. كلها تريد ابقاء الأوضاع على ما هي عليه ، و يعارض الإصلاح السياسي الحقيقي حتى و لو بقوة السلاح إن اقتضى الأمر للحفاظ على استمرارية امتيازاته و موارده الفاحشة".

اني اتفق معك بفحوى هذه النقطتين على الاقل. سؤالي هنا: كيف يمكن تحقيق الاصلاح الحقيقي (الذي ينبغي تعريفه بشكل دقيق للتوضيح وتحديد خطة العمل) في ظل العملية السياسية التي نفسك تصفها, وبدون تكرار كما ذكرت مقالتك في "ا" والفقرات اللاحقة؟ وسؤالي بمباشرة اكبر, هل يمكن تحقيق الاصلاح الحقيقي دون التخلص من العملية السياسية نفسها ومقاضاة الفاسدين, من اعلاهم الى اسفلهم, الخ, او بدون محاربة تأثيرات ألعولمة النيوليبرالية التي افرزت احتلالا باطلا للعراق لم تقره الشرعية الدولية او حتى دستور الولايات المتحدة نفسها؟

٨-;-- ثم ان الا يعني قولك ان هؤلاء يعارضون "الإصلاح السياسي الحقيقي حتى و لو بقوة السلاح إن اقتضى الأمر للحفاظ على استمرارية" امتيازاتهم و مواردهم الفاحشة, ان على المعارضين والمتظاهرين والمعتصمين استخدام العنف المضاد عند الضرورة, على الاقل للدفاع عن انفسهم وللحيلوله دون سرقتهم او ابتزازهم الخ, وخصوصا ان القضاء في العراق فاسد هو نفسه ايضا ومسيس؟

٩-;-- مقالك للاسف لا يتطرق الى التخريب والدمار الثقافي للعراق على ايدي المحتل واتباعه, مثل نهب المتحف العراقي او غلق السينمات واغلبية المسارح وممارسة قمع فكري فاشي على الحريات الفردية, وخصوصا تجاه النساء, وهذا ناتج لربما لاستخدامك مفردات اقتصادية لتحديد فحوى مقالك. ولكن هل يمكن فعلا الفصل بين الاقتصاد من جهة والثقافة والعلم والعملية التربوية من جهة اخرى؟
مع وافر تقديري واحترامي